
القرآن الكريم / سورة الكافرون / التفسير المقروء
سورة الكافرون
لقد لقي النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ العَنَتَ من قومه، ولقي منهم الأذى، فكم كذبوه وكم عادوه. وقد راودوه فجاء وفد من قريش يوماً، وقالوا له: يا محمد هَلُمَّ نعبد إلهك، وتعبد آلهتنا، ونكون قد اشتركنا في أمرنا كله، فإن كان الذي جئتَ به خيراً كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيراً مما هو بيدك كنتَ قد شاركتنا فيه، وأخذت بحظك منه، فقال ﴿صلى الله عليه وسلم﴾: "أعوذ بالله أن أُشرِكَ به غيرُه"، قالوا: هَلُمَّ فالمس آلهتنا، ونحن نُصَدِّقُك، فأبى. ونزل جبريل بسورة: ﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾
قُلْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ ﴿1﴾
لَآ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴿2﴾
وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿3﴾
وَلَآ أَنَا۠ عَابِدٌۭ مَّا عَبَدتُّمْ ﴿4﴾
وَلَآ أَنتُمْ عَـٰبِدُونَ مَآ أَعْبُدُ ﴿5﴾
لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِىَ دِينِ ﴿6﴾
نزل جبريل عليه بهذه السورة بمكة في أوائل البعثة، وخرج النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ قاصداً البيت ومَلَأٌ من قريش يجلسون حول الكعبة فقرأها عليهم فأَيِسُوا منه. في هذه السورة يقول الله ﴿تبارك، وتعالى ﴾ :
﴿ قُلْ ﴾ إذاً فقد أمر النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ أن يقول لهم، وحين يذهب إليهم في أول شأنه -والمسلمون قلة مُستَخْفُون من الناس- ويقرأ عليهم هذه السورة مخاطباً إياهم بــــــــِ ﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ لا يمكن أن يفعل ذلك إلا، وهو في حماية من الله ورعاية، لا يمكن أن يتهمهم، ويَصِمَهُم بالكفر، وهو يعلم أن ذلك يُسيئُهُم إلا، وهو يعلم تماماً أن الله يحميه، ولذا قرأها عليهم، واشتد أذاهم للمسلمين. وفي هذه السورة -التي تَعْدِلُ رُبعَ القرآن ومن قرأها فكأنما قد قرأ ربع القرآن-هي أشد سور القرآن غيظاً لإبليس، فهي براءة من الشرك، وهي توحيد خالص.
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ أمرٌ أن يقول لهم ذلك، ويتهمهم بالكفر علناً دون خوف ودون وجل. والألف واللام في كلمة " الكافرون"، وإن كانت للجنس إلا أن المقصود بها معنى المعبود، لأنه قصد أناساً بعينهم فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم، لأن مِنْ هؤلاء الكفار من آمن بعد ذلك، لكن السورة تخاطب ناساً بعينهم ماتوا على الكفر وظلوا عليه. ﴿لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ المقالة التي راودوه عنها: اعبُدْ آلهتَنَا سنة، ونعبد إلهك سنة، يَرُدُّ عليهم. والآية الأولى مكررة والآية الثانية مكررة.
﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) ﴾ قالوا: التكرار للتأكيد ولتيئيسهم مما طلبوا. وقال بعضهم: "لا" تدخل على الفعل المضارع لتفيد الاستقبال ثم إنَّ "ما" تدخل على الفعل المضارع لتفيد الحال، فالتكرار كأنه يقول: لا أعبد أبداً فيما هو مستقبل من الأيام والزمان ما تعبدون، أبداً لن يحدث. ولا أنتم عابدون أبداً في المستقبل ما أعبد. ولا أنا عابد في الحال أو في الماضي ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد حالاً، ولم يقل ﴿ما عَبَدْتُ﴾ لأنه فيما مضى لم يكن يعبد الله حتى جاءه جبريل فأعلمه بوجود الله وأعلمه بالإسلام. وكلمة "ما" قيل هي موصولة بمعنى "الذي" لأن "ما" لغير العاقل و "مَنْ" للعاقل، فهو يقول :
﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ أي الأصنام والأوثان، عُبِّرَ عنها بـــــــــِ "ما" ﴿، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ لم يقل "مَنْ"، قال: "ما أعبد" أي: الذي أعبد.
﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴾ من هذه الأصنام، لا في الماضي، ولا في الحال، ولا في المستقبل.
﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ أي الذي أعبد. أو "ما" الثانية مصدرية، والمعنى يفيد: معبودي ومعبودكم ليس واحداً ثم إنَّ عبادتي وعبادتكم ليست واحدة، معبودي هو الله ومعبودكم هي الأصنام والأوثان، وعبادتي التوحيد الخالص وعبادتكم الشرك التي ليست هي بعبادة.
﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) ﴾ حالاً أو في الماضي أو في المستقبل.
﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴾ أبداً أبداً، لا فيما سبق، ولا فيما هو آت.
﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ أبداً، إذاً فقد وصمهم بالكفر إلى أن يلقوا الله.
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ الدين سماه ربنا ديناً، وهم ليسوا على دين لأنهم يعدون أنهم على دين.
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ لكم شِرْكُكُم الذي أنتم عليه، مختص بكم لا يتعداكم إلَيَّ.
﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ الذي هو الإسلام، مختص بي، لن تنالوه ولن تدخلوه. والدين أيضاً بمعنى الجزاء، أي لكم جزاء أعمالكم وشرككم وكفركم.
﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ أي لي جزاء عملي، كقول الله ﴿تبارك، وتعالى ﴾ ﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا، وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ [سورة الشورى آية: 15]. والآية فيها تهديد، وفيها وعيد سواءً كان المعنى بمعنى الدين الذي هو العبادة أو الدين بمعنى الجزاء. على كلا المعنيين فيها التهديد الشديد والوعيد لهؤلاء الكفار الذين ماتوا على كفرهم. وتمر الأيام والشهور والسنون ونبينا ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ يُعَالِجُ المشركون من قومه أشد المعالجة؛ يصبر على أذاهم، ويتحمل تكذيبهم، ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، ويحاربهم ويحاربوه تارة. آذوه باللسان، ورفعوا في وجهه السيف والحسام، وهكذا على مدار ثلاث وعشرين سنة يُعَالِجُهُم، ويدعوهم ويحاربهم، وفي الوقت نفسه يُكَمِّلُ المؤمنين الذين أسلموا، وآمنوا، يُكَمِّلُهُم، ويُبَيِّنُ لهم الأحكام، ويوضح لهم الشريعة، ويُبَيِّنُ لهم الحلال والحرام، يُكَمِّلُهُم ويدعوهم، وهو لهم أسوة وقدوة، وفي الوقت نفسه يحارب المشركين، ويحارب الكفار، ويدعوهم، تارة يحاربهم، تارة ينتصر عليهم ينتصرون عليه تارة، وهكذا على مدار ثلاث وعشرين سنة، ونزلت سورة النصر.
﴿ قُلْ ﴾ إذاً فقد أمر النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ أن يقول لهم، وحين يذهب إليهم في أول شأنه -والمسلمون قلة مُستَخْفُون من الناس- ويقرأ عليهم هذه السورة مخاطباً إياهم بــــــــِ ﴿ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ لا يمكن أن يفعل ذلك إلا، وهو في حماية من الله ورعاية، لا يمكن أن يتهمهم، ويَصِمَهُم بالكفر، وهو يعلم أن ذلك يُسيئُهُم إلا، وهو يعلم تماماً أن الله يحميه، ولذا قرأها عليهم، واشتد أذاهم للمسلمين. وفي هذه السورة -التي تَعْدِلُ رُبعَ القرآن ومن قرأها فكأنما قد قرأ ربع القرآن-هي أشد سور القرآن غيظاً لإبليس، فهي براءة من الشرك، وهي توحيد خالص.
﴿ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ أمرٌ أن يقول لهم ذلك، ويتهمهم بالكفر علناً دون خوف ودون وجل. والألف واللام في كلمة " الكافرون"، وإن كانت للجنس إلا أن المقصود بها معنى المعبود، لأنه قصد أناساً بعينهم فهي من الخصوص الذي جاء بلفظ العموم، لأن مِنْ هؤلاء الكفار من آمن بعد ذلك، لكن السورة تخاطب ناساً بعينهم ماتوا على الكفر وظلوا عليه. ﴿لا أعبد ما تعبدون. ولا أنتم عابدون ما أعبد﴾ المقالة التي راودوه عنها: اعبُدْ آلهتَنَا سنة، ونعبد إلهك سنة، يَرُدُّ عليهم. والآية الأولى مكررة والآية الثانية مكررة.
﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3)، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ (4)، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) ﴾ قالوا: التكرار للتأكيد ولتيئيسهم مما طلبوا. وقال بعضهم: "لا" تدخل على الفعل المضارع لتفيد الاستقبال ثم إنَّ "ما" تدخل على الفعل المضارع لتفيد الحال، فالتكرار كأنه يقول: لا أعبد أبداً فيما هو مستقبل من الأيام والزمان ما تعبدون، أبداً لن يحدث. ولا أنتم عابدون أبداً في المستقبل ما أعبد. ولا أنا عابد في الحال أو في الماضي ما عبدتم. ولا أنتم عابدون ما أعبد حالاً، ولم يقل ﴿ما عَبَدْتُ﴾ لأنه فيما مضى لم يكن يعبد الله حتى جاءه جبريل فأعلمه بوجود الله وأعلمه بالإسلام. وكلمة "ما" قيل هي موصولة بمعنى "الذي" لأن "ما" لغير العاقل و "مَنْ" للعاقل، فهو يقول :
﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ﴾ أي الأصنام والأوثان، عُبِّرَ عنها بـــــــــِ "ما" ﴿، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ لم يقل "مَنْ"، قال: "ما أعبد" أي: الذي أعبد.
﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴾ من هذه الأصنام، لا في الماضي، ولا في الحال، ولا في المستقبل.
﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ أي الذي أعبد. أو "ما" الثانية مصدرية، والمعنى يفيد: معبودي ومعبودكم ليس واحداً ثم إنَّ عبادتي وعبادتكم ليست واحدة، معبودي هو الله ومعبودكم هي الأصنام والأوثان، وعبادتي التوحيد الخالص وعبادتكم الشرك التي ليست هي بعبادة.
﴿ لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2)، وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) ﴾ حالاً أو في الماضي أو في المستقبل.
﴿ وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ ﴾ أبداً أبداً، لا فيما سبق، ولا فيما هو آت.
﴿ وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ﴾ أبداً، إذاً فقد وصمهم بالكفر إلى أن يلقوا الله.
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ ﴾ الدين سماه ربنا ديناً، وهم ليسوا على دين لأنهم يعدون أنهم على دين.
﴿ لَكُمْ دِينُكُمْ ﴾ لكم شِرْكُكُم الذي أنتم عليه، مختص بكم لا يتعداكم إلَيَّ.
﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ الذي هو الإسلام، مختص بي، لن تنالوه ولن تدخلوه. والدين أيضاً بمعنى الجزاء، أي لكم جزاء أعمالكم وشرككم وكفركم.
﴿ وَلِيَ دِينِ ﴾ أي لي جزاء عملي، كقول الله ﴿تبارك، وتعالى ﴾ ﴿ لَنَا أَعْمَالُنَا، وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ ﴾ [سورة الشورى آية: 15]. والآية فيها تهديد، وفيها وعيد سواءً كان المعنى بمعنى الدين الذي هو العبادة أو الدين بمعنى الجزاء. على كلا المعنيين فيها التهديد الشديد والوعيد لهؤلاء الكفار الذين ماتوا على كفرهم. وتمر الأيام والشهور والسنون ونبينا ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ يُعَالِجُ المشركون من قومه أشد المعالجة؛ يصبر على أذاهم، ويتحمل تكذيبهم، ويدعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة تارة، ويحاربهم ويحاربوه تارة. آذوه باللسان، ورفعوا في وجهه السيف والحسام، وهكذا على مدار ثلاث وعشرين سنة يُعَالِجُهُم، ويدعوهم ويحاربهم، وفي الوقت نفسه يُكَمِّلُ المؤمنين الذين أسلموا، وآمنوا، يُكَمِّلُهُم، ويُبَيِّنُ لهم الأحكام، ويوضح لهم الشريعة، ويُبَيِّنُ لهم الحلال والحرام، يُكَمِّلُهُم ويدعوهم، وهو لهم أسوة وقدوة، وفي الوقت نفسه يحارب المشركين، ويحارب الكفار، ويدعوهم، تارة يحاربهم، تارة ينتصر عليهم ينتصرون عليه تارة، وهكذا على مدار ثلاث وعشرين سنة، ونزلت سورة النصر.