سورة الماعون

تأتي بعد ذلك في ترتيب المصحف سورة الماعون. والماعون قد تكون اسم مفعول من أَعَان يُعِينُ، والعَوْن: الإمداد بأسباب القوة، العون: الإمداد بالآلات، بالعُدَد، بأي شيء فيه فائدة وفيه إعانة بالأسباب المـــُيَسِّرة للفعل. أو الماعون من الـمَعْن، والـمَعْن: الشيء القليل التافه الحقير.

أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يُكَذِّبُ بِٱلدِّينِ ﴿1﴾ فَذَٰلِكَ ٱلَّذِى يَدُعُّ ٱلْيَتِيمَ ﴿2﴾ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ ﴿3﴾ فَوَيْلٌۭ لِّلْمُصَلِّينَ ﴿4﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴿5﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ يُرَآءُونَ ﴿6﴾ وَيَمْنَعُونَ ٱلْمَاعُونَ ﴿7﴾
وتُفتَتَح السورة بالسؤال: ﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ ﴾ سؤال تشويق، أيضاً سؤال تعجيب. الخطاب لسيد الخلق ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ ولكل من يعقل. والرؤية هنا ليست رؤية العين وإنما رؤية القلب، بمعنى العِلْم. السؤال فيه تشويق للسامع. هل تعرف من هو المكذب بالدين؟ هل تعرفه؟ هل رأيته؟ أتريد ان تعرف من هو ذلك الشخص؟ والدين: الإسلام ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾ [سورة آل عمران آية:19] , ، الدين أيضاً: الجزاء، يوم القيامة هو يوم الدين، يوم الثواب أو يوم العقاب، فالدين: المجازاة. فالمكذب بيوم الدين، المكذب بيوم القيامة، المكذب بالجزاء المكذب بالثواب والعقاب أرأيته؟ أعلمت من هو؟ أتريد أن تعلم من هو؟ ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ الدَّعُّ: الدفع بعنف وبشدة وبغلظة، كما يُدفَع أهل النار ﴿ يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ﴾ [سورة الطور آية: 13] يُدفَعون إليها بعنف وبغلظة. ﴿ فَذَلِكَ ﴾ هذا الذي يُكَذِّبُ بالدين بَيَّنَه ربنا ﴿تبارك وتعالى) بعد أن شَوَّقَ السامع والمخاطَب، شَوَّقَه للمعرفة، بَيَّنَه له. ﴿ فَذَلِكَ ﴾ أي المكذب بالدين، بالجزاء, ﴿ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ يدفعه عن حقه بعنف وبشدة وبغلظة. وقُرِأَت: ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدَعُ اليتيم ﴾ يَدَعُه: يتركه، يتركه لِيُتْمِه، يتركه لاحتياجه، يتركه بغير حنان وبغير احتواء. وكانت العرب في الجاهلية لا تُوَرِّثُ الصبيان، فإذا مات الرجل استولى على تَرِكَتِه أكبرُ أبنائه ويقولون: لا يحوز المال إلا من طَعَنَ بالسِّنَان وضرب بالحُسام، فيمنعون الأيتام حقوقهم ولا يعطونهم حقهم في التركة والإرث، وكذلك النساء. ﴿ الذي يَدُعُّ اليتيم ﴾ يدفعه بعنف عن حقه فلا يعطيه ما يجب أن يُعطَى من حقه، من ماله. والكلام ليس عن الذين ورثوا المال واختصوا أنفسهم به دون إخوانهم أو أخواتهم الصغار فقط، بل الكلام أيضاً عن كل وصي على يتيم أكل ماله ولم يدفع إليه حقه أو لم يحفظ عليه ثروته. والكلام أيضاً عن هؤلاء غلاظ القلوب الذين يرون الايتام فلا يَرِقُّ لهم قلوبهم لا يشعرون بعطف أو بحنان نحو أولئك اليتامى الذين حَرَمَهُم ربُّهُم من آبائهم. واليتيم في الإنسان هو من فقد الأب، واليتيم في الحيوان من فقد الأم، واليُتم إلى سن البلوغ ولا يُتْمَ بعد البلوغ، ذلك اليتيم؛ من فقد أباه ويظل يتيماً إلى أن يبلغ الحُلُم، بعد ذلك لا يقال له يتيم. ﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ الحَضُّ: الحَثُّ. حَضَّهُ على كذا: حَثَّهُ على كذا ودفعه ونصحه ووعظه. الحَضُّ: أن تَحُضَّ أخاك، تدفعه لشيء، تحثه عليه، تُذَكِّرُه به، تدفعه إلى فعل الشيء.
ربنا تبارك وتعالى حين يقول: ﴿ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ ﴾ القياس بعقولنا في الكلام: "ولا يُطعِمُ المسكين" ربنا يقول: ﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ وكأنه يُشعِرُك بهذا الذي بخل بماله أو بمال اليتيم وهو حقه كيف يُطعِمُ المسكين من ماله؟ فهو لا يبخل بماله فقط بل يبخل حتى بمال الناس، بمال الغير فلا يحث الناس على الصدقة ولا يعظهم بذلك ولا يدفعهم إليها، لذا قال:
﴿ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ﴾ لأنه لو قال ﴿ولا يُطعِمُ المسكين﴾ كيف يُطعِمُ المسكين وقد دَعَّ اليتيم؟ هذه هي صفات المكذب بالدين: يَدُعُّ اليتيم ولا يحض على طعام المسكين. والمسكين مستحق للزكاة، والمسكين: اشتُقَّتِ الكلمة من المسكنة، والمسكنة: الضعف، المسكنة: عدم القدرة على الاعتماد على الذات، المسكنة: من السكون، وكأن الفقر ألزمه السكون فلا حركه له من فقره، من شدة احتياجه سَكَنَ فجلس ساكناً فلصق بالتراب لا يقوم، لا حركه له، لا تجارة له، لا عمل له. المسكين: من لا يكفيه ما عنده من مال لِقُوتِه، فهو لا يجد قُوتَ يومِه، وإن وجد وجد نصف قوت يومه، ذلك هو المسكين الذي لا يجد ما يكفيه وإن وجد بعض الشيء، فقد يجد بعض المال وقد يجد السكن وقد يجد المأوى وقد يجد بعض الكساء لكن ذلك لا يخرجه عن وصف المسكين لأنه لا يكفي ما لديه لإطعامه أو إطعام عياله.
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾ جاءت الفاء مترتبة وكأن الصفات جامعة، فالمكذب بالدين لا يؤدي حقوق العباد ولا يؤدي حق الله، فهو يَدُعُّ اليتيم ولا يحض على طعام المسكين وإن كان من المصلين لكن هو عن صلاته ساهي.
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) ﴾ والسهو عن الشيء: تركه، الترك للغفلة، الترك لعدم المبالاة، وذلك هو السهو. ومن رحمة المولى ﴿عز وجل﴾ أنه قال: ﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ ﴾ ولم يقل "في صلاتهم" ولو قال ﴿في صلاتهم﴾ لَضِعْنَا جميعاً، فما منا أحد إلا ويسهو في صلاته، وشَتَّان بين السهوين، فالساهي عن صلاته تاركٌ لها، لا يأتيها، يؤخرها عن أوقاتها، لا يبالي بها، لا يرجو لها ثواباً إن أداها، ولا يخشى عليها عقاباً إن تركها. أما المصلي والساهي في صلاته يَجبُرُ سَهْوَه بسجود السهو كما سَنَّ لنا سيد الخلق ﴿صلى الله عليه وسلم﴾. كلنا يسهو في صلاته، ونبينا ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ يبين لنا أن العبد إذا وقف في الصلاة يأتيه شيطان و-كأنه مخصص لذلك وللصلاة- يخطر بينه وبين قلبه ويقول له اذكر كذا اذكر كذا، يُذَكِّرُه بما لم يكن يَذكُر حتى لا يدري العبدُ كم صلى أثلاثاً أم أربعاً، فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين تَجبُران ما سهى عنه في صلاته، فشَتَّان بين السهوين، السهو في الصلاة -سهو المؤمن- يُجبَر بسجود السهو، أما السهو عن الصلاة -سهو المنافق- ﴿ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا ﴾ [سورة النساء آية:142] هؤلاء والكلام عن هؤلاء. أيضاً الذين يقولون: ﴿ أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاء اللَّه أَطْعَمَهُ ﴾ [سورة يس آية: 47] هؤلاء الذين لا يحضون على طعام المسكين. إذاً فالكلام في المنافقين ولا يخص المسلمين أبداً، بدليل قوله (عز وجل):
﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6)وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7) ﴾ والمراءاة والرياء يبطل العمل. وأصل الكلمة أن تفعل الفعل ليراك الناس، تطلب بفعلك المنزلة في قلوب الناس، ذلك هو الرياء. الرياء: من الرؤية، أن تُرِي الناسَ عملَك فيُثنُون عليك ويحمدوك لذلك، أنت تطلب المنزلة في قلوبهم، هؤلاء الذين يُصَلُّون ليقال عنهم أتقياء ويتخشعون ليقال عنهم صلحاء وينفقون ليقال عنهم كرماء وهم في كل أعمالهم يشوبها الرياء، هؤلاء الكلام عنهم. ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4)﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) ﴾ "عن": صَرْفٌ يُستَخدَم في التجاوز عن الشيء والتباعد عنه. ﴿ عَنْ صَلَاتِهِمْ ﴾ إذاً فهم متجاوزون عنها متباعدون عنها تاركوها غفلة، إن أداها لا يرجو لها ثواباً وإن تركها لا يخشى عليها عقاباً.
هؤلاء الذين قال النبي عنهم في شأنهم مرة أنه وَدَّ أن يأمر فتُقَام الصلاة فيُحَرِّق عليهم بيوتَهم، الكلام عن المنافقين وليس عَمَّن يُصَلِّي في بيته لعُذْرٍ أو لسبب. ﴿ الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ ﴾ في صلاتهم، يُرَاءون في صدقاتهم، يُرَاءون في أعمالهم.
السؤال: نحن الآن نصلي علناً -صلاة الجمعة-ونصلي الصلوات علناً، ونُخرِجُ الزكاة علناً، هل يُعَدُّ ذلك من الرياء؟ الناس يروننا ونحن نصلي ويروننا ونحن نزكي ويروننا في أعمالنا الصالحة ونحن نبني المساجد وما إلى ذلك، هل يعد ذلك من الرياء؟ أبداً، لأن الفرائض يُطلَب فيها الإعلام فهي أعلام الإسلام، ولابد لأعلام الإسلام أن تُعلَم وأن تُرفَع، فحق الفرائض أن تُعلَن، لكن وأنت تُعلِنُ الفرائض يجب أن تكون النية خالصة لوجه الله. أما النوافل فحقها الإخفاء، فإذا أردت أن تقرأ ما تشاء من القرآن وتطيل فعليك ببيتك، أما في المسجد فلا، وإن أردت أن تُخرِجَ أموالاً خلاف الزكاة فعليك بالإخفاء ﴿ إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ﴾ [سورة البقرة آية:271] الإبداء للزكاة؛ للصدقة المفروضة، والإخفاء للصدقة النافلة الزائدة. من هنا نبهنا العلماء وقالوا عليك بإعلان الفرائض فتقتدي الناس بك وعليك بإخفاء النوافل فلا يراها إلا الله.
ولكن هناك من النوافل ما قد تُبدَى، ذلك في حق القدوة والأسوة كما فعل عمر بن الخطاب حين جمع الناس على صلاة القيام وهي نافلة، جمعهم في المسجد عليها، فهي نافلة فإن أُعلِنَت أُعلِنَت بغرض الاقتداء وبغرض التعليم وبغرض الأسوة، لكن الناس عموماً يجب عليهم أن يُعلِنوا الفرائض وأن يخفوا النوافل، والرياء مُبطِلٌ للعمل وبابه واسع، والرياء شِركٌ خفي لأن العبد إذا ابتغى بالعمل مدح الناس -ربنا أغنى الأغنياء عن الشرك- فيأتي يوم القيامة وتأتي صحائفه وقد ملأت بالصلوات والحج والعمرة والزكاة والصلاة والصدقة وما إلى ذلك، فيقول الله ﴿تبارك وتعالى﴾: "رُدُّوها فقد ابتُغِيَ بها غيرُ وجهي". ولذا يحدثنا نبينا ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ مبيناً ومحذراً فيقول: "أول ما يحاسب يوم القيامة ثلاثة: رجل قُتِلَ في الحرب في الجهاد في سبيل الله فيما يبدو للناس يأتي به ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ ويوقفه بين يديه ويُذَكِّرُه بنعمة الله عليه ثم يقول ماذا فعلت؟ فيقول: يارب جاهدتُ في سبيلك وقاتلتُ حتلا قُتِلتُ واستُشهِدْتُ، فيقول الله :كذبت! بل فعلتَ ذلك ليقال شجاع وقد قيل ثم يُأمَرُ به فيُطرَح في النار. ويأتي المتصدق بكثير من مال المتبرع بأموال عديدة وكثيرة في الملاجئ والمستشفيات ولبناء المساجد وما إلى ذلك يُذَكِّرُه بنعمة عليه ويسأله الله ويقول ماذا فعلت، فيقول: يارب أنفقتُ المال في سبيلك وتصدقتُ فيقول: كذبتَ! بل فعلتَ ذلك ليقال كريم أو ليقال جواد وقد قيل -أي أخذتَ أجرَك-فعلتَ ذلك ليقال وقد قيل، إذاً فقد حَصَلْتَ على ما تريد ثم يُأمَر به فيُطرَح في النار. ثم يؤتى بالعالم في رواية وفي رواية بالقارئ -قارئ القرآن- يُذَكِّرُه ربه بالنِّعَم ثم يسأله ماذا فعلت؟ فيقول: يارب قرأتَ القرآن فيك وعَلَّمْتُهُ فيك، أو يقول: يارب تَعَلَّمْتُ العلم فيك وعَلَّمْتُه فيك، فيقول الله ﴿تبارك وتعالى﴾: كذبتَ! بل فعلت ذلك ليقال عالم أو فعلت ذلك ليقال قارئ وقد قيل ثم يُأمَر به فيُطرَح في النار" بل ويحدثنا نبينا ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ عن عالم يتبعه الناس له الشهرة والجاه والصيت، فيراه الناس في جهنم كما تدور به أقتابه -أي أمعاؤه-خرجت أمعاؤه وتدور به أقتابه في جهنم كما تدور الرحى، فيسأله الناس: كيف وقد كنت تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنتُ آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه.
﴿ وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾ إذا كانت الكلمة بمعنى الـمَعْن: القلة، كأن الله ﴿تبارك وتعالى﴾ يقول إنك مهما أنفقت فإنك تنفق النذر اليسير، تنفق القليل والحقير، فأنت صاحب مال حين تنفق تنفق ماذا؟ القلة، وإن أعنت غيرك أعنته بماذا؟ بقلة، فكيف تبخل بالقليل وربنا قد أعطاك الكثير؟
وإن كانت كلمة الماعون تعنى "العون": اسم مفعول من أعانَ يعينُ، قالوا الماعون: يدخل فيه كل إعانة، تدخل فيه الإبرة والفتلة والقدر والملح والماء والنار وكل شيء يستعيره منك جارك. وقالوا الماعون: كل ما يُتَعَاوَر بين الناس أي ما يُمنَح كعارية، فيأتيك الجار فيطلب منك القليل من السكر أو الشاي أو من ملح الطعام فتَأْسَف وتَتَأَسَّف. وتأتي الجارة إلى جارتها وتطلب بصلة أو كوباً من الزيت أو قليلاً من الملح فتمتنع صاحبة البيت عن إعطائها، أو تطلب قِدْرَا تُسَوِّي فيه الطعام أو صفحة أو أي أداة من أدوات البيت. الكلام عن هؤلاء، أيضاً يمنعون الماعون أي إذا سئلوا الماعون منعوه.
وسئل عكرمة مولى ابن عباس ممن يخشى ويخاف، فالإنسان منا إذا سمع الكلام وسمع الآيات وسمع كلام الله ارتعدت منه الفرائص، فمن يدريك أنك لست من هؤلاء، كيف تنجو؟ فالناس تخاف وتسأل، فسألوه: هل لو منع المسلم ماعوناً فالويل له؟ قال: لا وإنما من جمع الصفات الثلاث: عن صلاتهم ساهون، الذين هم يراءون، ويمنعون الماعون. فمن جمع الصفات الثلاث فالويل له. أما المسلم إذا اتصف بصفة أو أتى بعض هذه الصفات يُوَبَّخ على ذلك، وقد يُلَام وقد يتوب وقد يؤاخَذ وقد يُعَاقَب لكن ليس الويل له. لأنهم أدخلوا أمور كثيرة في الرياء؛ مثلاً قالوا إذا كنت تصلي وتقرأ جهراً في الصلاة الجهرية فدخل عليك أناس ورأوك وسمعوك فأطلت القراءة دخل ذلك في الرياء، بل وقال بعضهم بطلت الصلاة. وشدد آخرون وقالوا إذا كانت تصلي في مسجد أو حتى في بيتك منفرداً فسمعت أناساً جاءوا متعجلين ليدركوا الصلاة معك -وكنت قد نويت أن تنهي قراءتك وتركع-فأطلت القراءة كي يدركك المأموم -وإن كانت زوجتك في بيتك- كان ذلك ليس لله فهو في الرياء. شددوا مما جعل الإنسان يخشى ويخاف ولا يثق في نفسه ولا حتى في عمله إلا أن يتغمدنا الله برحمته.