
القرآن الكريم / سورة العلق / التفسير المقروء
سورة العلق
مقدمة
روى لنا الإمام البخاري من حديث السيدة عائشة (رضي الله عنها وأرضاها) وتحكي عن بدء الوحي فتقول: أول ما بُدِئَ به النبي (صلى الله عليه وسلم) من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان إذا رأى رؤيا تأتي مثل فَلَقِ الصُّبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء فكان يخلو في غار حراء يَتَحَنَّثُ فيه الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى فَجَأَهُ الحق قال: "فجاءني فقال: اقرأ، قُلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فَغَطَّنِي حتى بَلَغَ مني الجهد -أي احتضنه- ثم أرسلني فقال: اقرأ، قُلتُ: ما أنا بقارئ، فأخذني فَغَطَّنِي الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فَغَطَّنِي الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني وقال:
ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِى خَلَقَ ﴿1﴾
خَلَقَ ٱلْإِنسَـٰنَ مِنْ عَلَقٍ ﴿2﴾
ٱقْرَأْ وَرَبُّكَ ٱلْأَكْرَمُ ﴿3﴾
ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ ﴿4﴾
عَلَّمَ ٱلْإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿5﴾
سورة (أقرأ) هي سورة مكية، بل هي أول ما نزل من القرآن؛ الخمس آيات الأولى منها على وجه الخصوص، أما باقي الآيات فقد نزل بعد ذلك بمدة وأَلحَقَ النبي (صلى الله عليه وسلم) ما نزل منها بعد ذلك بأولها. ﴿اقْرَأْ﴾: أمر من الله تبارك وتعالى للحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم)، وهي أول كلمات الرحمة، وهي أول النعمة. وقراءة النبي (صلى الله عليه وسلم) هي قراءة القرآن، وحين قيل له اقرأ بَيَّنَ لنا ربُّنا شرف القراءة وشرف الكتابة. ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أي متبركاً باسم ربك ومفتتحاً القراءة باسم الله. والآية تؤكد وتدلل على أن البسملة قبل القراءة واجبة، لأنه يقول: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ أي ابدأ قراءة القرآن مفتتحاً بذكر الله (عز وجل) وبذكر اسمه. ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ "خَلَق" هذه الكلمة تدل على وجود الواحد الأحد الأزلي الأبدي، إذ كل ما هو موجود من خلقه وإيجاده، وما كان الإيجاد واجباً عليه وما كان تكليف العباد لنفع يحصل لديه، هو الله. ﴿رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ خلق كل شيء، ثم اختص بعد ذلك أشرف المخلوقات بالذكر، ألا وهو الإنسان. ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ﴾ والعَلَق: جمع عَلَقَة. والعَلَقَة: الدم المتجمد الرطب، وسميت علقة لأنها تَعْلَقُ بجدار الرحم. يبين ربنا (تبارك وتعالى) للإنسان منشؤه حتى يعلم أن لكل بداية نهاية، ومن قدر على الابتداء والإنشاء قدر على الإعادة بعد الإفناء. خلق الإنسان من عَلَق، وانظر لنفسك الآن من سَوَّاك؟ من صَوَّرَك؟ من رَكَّبَك؟ من عَدَّلَك؟ من عَلَقَة! ﴿اقْرَأْ﴾ مرة أخرى، تكرير للتأكيد. أو ﴿اقْرَأْ﴾ الأولى أي اقرأ القرآن الذي يوحى إليك، ﴿اقْرَأْ﴾ الثانية اقرأ على الناس لتبلغهم. اقرأ وانتهى الكلام، ثم استأنف: ﴿وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ﴾ الأكرم: الكريم، الأكرم: أكرم الأكرمين، الكريم الذي يعطي بلا سبب وبلا انتظار لرد، الحليم على جهل عباده لا يعاجل بالعقوبة.
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)) وإذا كان ربنا (تبارك وتعالى) عَلَّمَ كل متعلم بالقلم وجعل وسيلة للتعلم ولنقل العلوم قادرعلى أن يُعَلِّمَ الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بغير قلم (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) فيُعَلِّمُكَ بغير قلم، وما الوسائط والأسباب إلا من أجل الدنيا فتنة وابتلاء، فإذا جاءت القيامة سقطت الأسباب وانتهت وبقي الحق، انتهت الوسائط وظهرت الحقائق. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) أَمِّيَّاً لا يقرأ ولا يكتب، وأبقاه الله كذلك وأراد له ذلك حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى ليكون ذلك أَدَلُّ على معجزته، هذا الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب بقلم -والقلم أداة التعليم-ومع ذلك قرأ القرآن وكان أكثر الناس حكمة وبيان، معجزة -معجزته (صلى الله عليه وسلم)- وعدم القراءة والكتابة للناس نقص، فكل أُمِّيٍّ ناقص، كل من لا يعرف الكتابة والقراءة فهو ناقص، فتلك صفة نقص إذا وُصِفَ بها إنسان. وفي سيد الخلق صفة كمال، وهو الوحيد الذي يتصف بالأمية صفة كمال لأن ذلك هو الإعجاز الذي ليس بعده إعجاز. ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ وتأمل في القلم. والقلم سمي قلماً لأنه يُقْلَم، يُقلَم: يُقطَع، يُبرَى، ومنه تقليم الأظافر، فسمي قلماً لأنه يُقطَع. والقلم ثلاثة: قلم الله؛ أول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتُب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة فهو عنده في الذكر فوق العرش، ذاك قلم الله (تبارك وتعالى)؛ أول ما خلق وأمره بالكتابة فكتب ما هو كائن إلى يوم الدين. أول ما كتب القلم الذي خلقه الله (تبارك وتعالى)، أول ما خُلِقَ كَتَب (رحمتي غلبت غضبي) والقلم الثاني قلم الملائكة؛ تكتب الملائكة به المقادير والكائنات وما يكون من تدبير، وتكتب بقلمها أعمال العباد وأقوالهم ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق آية: ١٨] فذاك قلم آخر، قلم الملائكة الكَتَبَة. وهناك قلم ثالث ألا وهو القلم الذي يكتب به الناس منذ بدء الخليقة سواء كان ما يُكتَبُ به حجراً أو عوداً من شجر أو قلماً كأقلام اليوم. كل أداة تكتب وتخط وترسم تسمى قلم. (عَلَّمَ بالقلم) ولولا القلم ما تكلمنا بشيء من العلوم، ولولا القلم لظل الإنسان بلا تطور كالبهائم، فالبهائم منذ خُلِقَت لا تتطور، نفس الأسلوب، نفس السلوك، نفس طريقة الأكل، البهائم والحشرات. أما الإنسان فبدون القلم كان يظل كالإنسان الأول غائباً في ظلمات الجهل لا يصنع شيئاً، لا يدري كيف يصنع سريراً ينام عليه أو سلاحاً يقاتل به، ولا تُنقَل العلوم ولا تُدَوَّن الأديان ولا تُكتَب الشرائع، ما كان الإنسان ليعلم شيئاً لولا القلم. ذاك الإعجاز في هذه الأداة الصغيرة، به انتقلت علوم الأولين وانتقلت شرائع المرسلين وبنى المتأخرين على ما فعله المتقدمين. فالعلوم تبني علي العلوم والاختراعات تتطور (من – إلى) كل ذلك بالقلم، تلك الأداة البسيطة الصغيرة. ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)﴾ الإنسان هنا من؟ الإنسان: آدم، وربنا يقول: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [سورة البقرة آية: ٣١] وحين عَلَّمَه الأسماء كلها إذاً فقد عَلَّمَه جميع العلوم وبكل اللغات، فالناطقون باللغات اليوم ذاك كان في صلب آدم ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ [سورة الروم آية: ٢٢] وكأن ربنا (تبارك وتعالى) جعل في آدم إمكانية التكلم بجميع لغات الأرض، والعلم بجميع علوم الأرض، وتوارثت الذرية ذلك فاختلفت العلوم والألسنة وما إلى ذلك. عَلَّمَ آدم أي الإنسان، أو الإنسان هو آدم، عَلَّمَه الأسماء وعرضها على الملائكه فلم يعرفوها فعَلَّمَهُم آدم فاستحق الشرف وظهرت نبوته وظهر علمه وقدرته وغلبت حجته فسجد له الملائكة. ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ﴾ الإنسان هنا ليس آدم، الإنسان هو سيد كل إنسان؛ سيد الخلائق أجمعين نبينا )صلى الله عليه وسلم( ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ الكلام عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لقوله (عز وجل) : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [سورة النساء آية: ١١٣] ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ الإنسان هنا مطلق الإنسان، كل إنسان على الأرض. عُلِّمَ بالقلم، عُلِّمَ مالم يكن يَعلَم والمـــُعَلِّم هو الله.
تلك كانت خمس آيات أول ما نزل من القرآن على الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) . تبين الآيات فضل الله (تبارك وتعالى) ورحمته، تبين فضله وتبين نعمته على الناس، إذ لولا القلم ما كان دين وما كانت دنيا، وخالق القلم الله، ومُعَلِّمُ الخط والكتابة الله، فلا تغتر بعلمك ومهما بلغت من علم ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [سورة الروم آية: ٧] فالإنسان مهما بلغ أقصى درجة العلوم فهو لازال ناقصاً لا يعلم كل شيء، لأن الله (تبارك وتعالى) عَلَّمَ الناس ما يصلح به معاشهم، عُلِّمُوا ظواهر الأشياء في الدنيا ولم يعلم حقائق الأشياء، فأنت تعلم عن الكهرباء وتستغل الكهرباء وتضيء بالكهرباء وتصنع بالكهرباء ولكن ما هي ماهية الكهرباء؟ لا أحد يعلم حتى يومنا هذا إلى أن تقوم الساعة. فأنتم تعلمون ظواهر، ظاهرة الجاذبية ظاهرة تُستَغَلُّ وتُستَخدَم وتُطَوَّع بتسخير الله لها لخدمة الإنسان، أما ماهية الجاذبية وسرها لا يعلمه إلا الله. عَلَّمَ الإنسان مالم يَعلَم ومع ذلك يطغى إذا رأى نفسه استغنى.
(اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣)الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)) وإذا كان ربنا (تبارك وتعالى) عَلَّمَ كل متعلم بالقلم وجعل وسيلة للتعلم ولنقل العلوم قادرعلى أن يُعَلِّمَ الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) بغير قلم (عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) فيُعَلِّمُكَ بغير قلم، وما الوسائط والأسباب إلا من أجل الدنيا فتنة وابتلاء، فإذا جاءت القيامة سقطت الأسباب وانتهت وبقي الحق، انتهت الوسائط وظهرت الحقائق. وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) أَمِّيَّاً لا يقرأ ولا يكتب، وأبقاه الله كذلك وأراد له ذلك حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى ليكون ذلك أَدَلُّ على معجزته، هذا الأمي الذي لم يقرأ ولم يكتب بقلم -والقلم أداة التعليم-ومع ذلك قرأ القرآن وكان أكثر الناس حكمة وبيان، معجزة -معجزته (صلى الله عليه وسلم)- وعدم القراءة والكتابة للناس نقص، فكل أُمِّيٍّ ناقص، كل من لا يعرف الكتابة والقراءة فهو ناقص، فتلك صفة نقص إذا وُصِفَ بها إنسان. وفي سيد الخلق صفة كمال، وهو الوحيد الذي يتصف بالأمية صفة كمال لأن ذلك هو الإعجاز الذي ليس بعده إعجاز. ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾ وتأمل في القلم. والقلم سمي قلماً لأنه يُقْلَم، يُقلَم: يُقطَع، يُبرَى، ومنه تقليم الأظافر، فسمي قلماً لأنه يُقطَع. والقلم ثلاثة: قلم الله؛ أول ما خلق الله القلم ثم قال له اكتُب فكتب ما يكون إلى يوم القيامة فهو عنده في الذكر فوق العرش، ذاك قلم الله (تبارك وتعالى)؛ أول ما خلق وأمره بالكتابة فكتب ما هو كائن إلى يوم الدين. أول ما كتب القلم الذي خلقه الله (تبارك وتعالى)، أول ما خُلِقَ كَتَب (رحمتي غلبت غضبي) والقلم الثاني قلم الملائكة؛ تكتب الملائكة به المقادير والكائنات وما يكون من تدبير، وتكتب بقلمها أعمال العباد وأقوالهم ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [سورة ق آية: ١٨] فذاك قلم آخر، قلم الملائكة الكَتَبَة. وهناك قلم ثالث ألا وهو القلم الذي يكتب به الناس منذ بدء الخليقة سواء كان ما يُكتَبُ به حجراً أو عوداً من شجر أو قلماً كأقلام اليوم. كل أداة تكتب وتخط وترسم تسمى قلم. (عَلَّمَ بالقلم) ولولا القلم ما تكلمنا بشيء من العلوم، ولولا القلم لظل الإنسان بلا تطور كالبهائم، فالبهائم منذ خُلِقَت لا تتطور، نفس الأسلوب، نفس السلوك، نفس طريقة الأكل، البهائم والحشرات. أما الإنسان فبدون القلم كان يظل كالإنسان الأول غائباً في ظلمات الجهل لا يصنع شيئاً، لا يدري كيف يصنع سريراً ينام عليه أو سلاحاً يقاتل به، ولا تُنقَل العلوم ولا تُدَوَّن الأديان ولا تُكتَب الشرائع، ما كان الإنسان ليعلم شيئاً لولا القلم. ذاك الإعجاز في هذه الأداة الصغيرة، به انتقلت علوم الأولين وانتقلت شرائع المرسلين وبنى المتأخرين على ما فعله المتقدمين. فالعلوم تبني علي العلوم والاختراعات تتطور (من – إلى) كل ذلك بالقلم، تلك الأداة البسيطة الصغيرة. ﴿الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤)عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)﴾ الإنسان هنا من؟ الإنسان: آدم، وربنا يقول: ﴿وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ [سورة البقرة آية: ٣١] وحين عَلَّمَه الأسماء كلها إذاً فقد عَلَّمَه جميع العلوم وبكل اللغات، فالناطقون باللغات اليوم ذاك كان في صلب آدم ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ﴾ [سورة الروم آية: ٢٢] وكأن ربنا (تبارك وتعالى) جعل في آدم إمكانية التكلم بجميع لغات الأرض، والعلم بجميع علوم الأرض، وتوارثت الذرية ذلك فاختلفت العلوم والألسنة وما إلى ذلك. عَلَّمَ آدم أي الإنسان، أو الإنسان هو آدم، عَلَّمَه الأسماء وعرضها على الملائكه فلم يعرفوها فعَلَّمَهُم آدم فاستحق الشرف وظهرت نبوته وظهر علمه وقدرته وغلبت حجته فسجد له الملائكة. ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ﴾ الإنسان هنا ليس آدم، الإنسان هو سيد كل إنسان؛ سيد الخلائق أجمعين نبينا )صلى الله عليه وسلم( ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ الكلام عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) لقوله (عز وجل) : ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [سورة النساء آية: ١١٣] ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ الإنسان هنا مطلق الإنسان، كل إنسان على الأرض. عُلِّمَ بالقلم، عُلِّمَ مالم يكن يَعلَم والمـــُعَلِّم هو الله.
تلك كانت خمس آيات أول ما نزل من القرآن على الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) . تبين الآيات فضل الله (تبارك وتعالى) ورحمته، تبين فضله وتبين نعمته على الناس، إذ لولا القلم ما كان دين وما كانت دنيا، وخالق القلم الله، ومُعَلِّمُ الخط والكتابة الله، فلا تغتر بعلمك ومهما بلغت من علم ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [سورة الروم آية: ٧] فالإنسان مهما بلغ أقصى درجة العلوم فهو لازال ناقصاً لا يعلم كل شيء، لأن الله (تبارك وتعالى) عَلَّمَ الناس ما يصلح به معاشهم، عُلِّمُوا ظواهر الأشياء في الدنيا ولم يعلم حقائق الأشياء، فأنت تعلم عن الكهرباء وتستغل الكهرباء وتضيء بالكهرباء وتصنع بالكهرباء ولكن ما هي ماهية الكهرباء؟ لا أحد يعلم حتى يومنا هذا إلى أن تقوم الساعة. فأنتم تعلمون ظواهر، ظاهرة الجاذبية ظاهرة تُستَغَلُّ وتُستَخدَم وتُطَوَّع بتسخير الله لها لخدمة الإنسان، أما ماهية الجاذبية وسرها لا يعلمه إلا الله. عَلَّمَ الإنسان مالم يَعلَم ومع ذلك يطغى إذا رأى نفسه استغنى.
كَلَّآ إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ لَيَطْغَىٰٓ ﴿6﴾
أَن رَّءَاهُ ٱسْتَغْنَىٰٓ ﴿7﴾
إِنَّ إِلَىٰ رَبِّكَ ٱلرُّجْعَىٰٓ ﴿8﴾
﴿كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ "كلا" أي حقاً إن الإنسان ليطغى. والطغيان: تجاوز الحد في العصيان. كان الإنسان نطفة، خُلِقَ من عَلَق فإذا أغناه الله بالعشيرة والأنصار أو أغناه بالمال والثراء طغى وتجبر وتجاوز حتى قال أنا ربكم الأعلى.
﴿أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ أي أن رأى نفسه قد استغني بكثرة المال والولد والعَرَض ونسي منشأه ونسي خَلْقَه ونسي مبدأه. ويأتي التهديد لهذا الذي طغى: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ والرُّجعَى والمرجع مصدران، والرجوع أيضاً. الرُّجعَى كالبشرى مصدر، أي إلى ربك المرجع، مهما عشت ومهما طال عمرك ومهما وسع ثراؤك وكثر مالك الرجوع إلى الحكم العدل، إلى الملك الحق، إلى من أوجد الخلق، إلى من خلقك من علق، فسائلك عن سر طغيانك أيها الإنسان ما الذي أطغاك؟ وكيف تطغى وأنت لا تملك شيئاً؟ لا تملك نفسك، ألك سلطان على المعدة فتهضم وقتما تشاء وتتوقف حين تشاء؟ ألك سلطان على دقات قلبك؟ ألك سلطان على هذا الذي يسمي بالحجاب الحاجز يرتفع وينخفض فتنكمش الرئتان ثم تنتفخ الرئتان بدخول الهواء؟ ألك سلطان على دورة الدم في عروقك؟ ألك سلطان على أظفارك حين تطول فتوقف نموها؟ ألك سلطان على عينيك كيف تغمض أجفانك؟ كيف تسمع؟ كيف تعمل الأذنان؟ وهل لك في ذلك سلطان أو إرادة؟ كيف تنام ولماذا تنام؟ إذا كنت حقيقاً للطغيان امنع نفسك عن النوم، سلطان النوم الذي يأخذك رغماً عن أنفك فتغيب عن وعيك وتُسلَب منك الإرادة ويغيب عنك التمييز، ولو جاءت نملة فقرصتك أو دخلت في أذنك لأهلكتك من ساعتك، كيف تطغى؟ بالمال؟ ومن أين أتيتَ بالمال وقد وُلِدتَ عارياً قابضاً بيديك على الهواء؟ أبالقوة؟ بقوة الجسم؟ ألم تر أحداً مشلولاً؟ ألم تر إنساناً راقداً قد فقد الحراك؟ من أين لك بالقوة؟ من أين لك الجاه؟ من أين لك المال؟ من أين لك الجمال؟ من أين لك كل ما أنت فيه؟ ثم أنت يا مسكين تعمر أياماً قليلة وتُحمَل على الأكتاف ويُشَيِّعُك الآخرون ونَعشُك يخاطب المشيعين، يخاطبهم ولا يعقلون، كم شَيَّعْتَ أنت من جنائز؟ هل سمعت خطاب النعش لك؟ أتريد أن تعرف ماذا يقول لك؟ لو سمعت النعش لوجدته يقول: أيها المغرور أيها الميت إنك تُشَيِّع ميت، أيها الطاغي انظر إليَّ بعقلك، أنا المهيأ لنقلك، أنا سرير المنايا كم سار مثلي بمثلك!
لقد نزلت الآيات تهديداً لرأس الكفر بمكة ألا وهو أبو جهل، حيث كان يباهي بناديه وبعشيرته وبأنصاره، وكان يعاتب الناس بمكة كيف يمرغ محمد جبهته بالتراب أمامكم وبين ظهرانيكم ويقول -قاتله الله- والله لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأنَّ عنقه، فنزل قول الله (عز وجل):
﴿أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾ أي أن رأى نفسه قد استغني بكثرة المال والولد والعَرَض ونسي منشأه ونسي خَلْقَه ونسي مبدأه. ويأتي التهديد لهذا الذي طغى: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾ والرُّجعَى والمرجع مصدران، والرجوع أيضاً. الرُّجعَى كالبشرى مصدر، أي إلى ربك المرجع، مهما عشت ومهما طال عمرك ومهما وسع ثراؤك وكثر مالك الرجوع إلى الحكم العدل، إلى الملك الحق، إلى من أوجد الخلق، إلى من خلقك من علق، فسائلك عن سر طغيانك أيها الإنسان ما الذي أطغاك؟ وكيف تطغى وأنت لا تملك شيئاً؟ لا تملك نفسك، ألك سلطان على المعدة فتهضم وقتما تشاء وتتوقف حين تشاء؟ ألك سلطان على دقات قلبك؟ ألك سلطان على هذا الذي يسمي بالحجاب الحاجز يرتفع وينخفض فتنكمش الرئتان ثم تنتفخ الرئتان بدخول الهواء؟ ألك سلطان على دورة الدم في عروقك؟ ألك سلطان على أظفارك حين تطول فتوقف نموها؟ ألك سلطان على عينيك كيف تغمض أجفانك؟ كيف تسمع؟ كيف تعمل الأذنان؟ وهل لك في ذلك سلطان أو إرادة؟ كيف تنام ولماذا تنام؟ إذا كنت حقيقاً للطغيان امنع نفسك عن النوم، سلطان النوم الذي يأخذك رغماً عن أنفك فتغيب عن وعيك وتُسلَب منك الإرادة ويغيب عنك التمييز، ولو جاءت نملة فقرصتك أو دخلت في أذنك لأهلكتك من ساعتك، كيف تطغى؟ بالمال؟ ومن أين أتيتَ بالمال وقد وُلِدتَ عارياً قابضاً بيديك على الهواء؟ أبالقوة؟ بقوة الجسم؟ ألم تر أحداً مشلولاً؟ ألم تر إنساناً راقداً قد فقد الحراك؟ من أين لك بالقوة؟ من أين لك الجاه؟ من أين لك المال؟ من أين لك الجمال؟ من أين لك كل ما أنت فيه؟ ثم أنت يا مسكين تعمر أياماً قليلة وتُحمَل على الأكتاف ويُشَيِّعُك الآخرون ونَعشُك يخاطب المشيعين، يخاطبهم ولا يعقلون، كم شَيَّعْتَ أنت من جنائز؟ هل سمعت خطاب النعش لك؟ أتريد أن تعرف ماذا يقول لك؟ لو سمعت النعش لوجدته يقول: أيها المغرور أيها الميت إنك تُشَيِّع ميت، أيها الطاغي انظر إليَّ بعقلك، أنا المهيأ لنقلك، أنا سرير المنايا كم سار مثلي بمثلك!
لقد نزلت الآيات تهديداً لرأس الكفر بمكة ألا وهو أبو جهل، حيث كان يباهي بناديه وبعشيرته وبأنصاره، وكان يعاتب الناس بمكة كيف يمرغ محمد جبهته بالتراب أمامكم وبين ظهرانيكم ويقول -قاتله الله- والله لئن رأيتُ محمداً يصلي لأطأنَّ عنقه، فنزل قول الله (عز وجل):
أَرَءَيْتَ ٱلَّذِى يَنْهَىٰ ﴿9﴾
عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰٓ ﴿10﴾
أَرَءَيْتَ إِن كَانَ عَلَى ٱلْهُدَىٰٓ ﴿11﴾
أَوْ أَمَرَ بِٱلتَّقْوَىٰٓ ﴿12﴾
أَرَءَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰٓ ﴿13﴾
أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ ٱللَّهَ يَرَىٰ ﴿14﴾
السؤال والخطاب موجه للنبي (صلى الله عليه وسلم) تعجيباً له من أمر هذا الناهي الذي ينهى عبداً إذا صَلَّى. وجاء بلفظ العبد ونَكَّرَه تفخيماً وتعظيماً لشأن النبي (صلى الله عليه وسلم) وزيادة في توبيخ هذا الناهي الذي ينهى عبداً عن عبادة سيده وخالقه ورازقه. ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى﴾ والكلام أيضاً للنبي (صلى الله عليه وسلم) ﴿أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢)أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣)﴾ والكلام كله للنبي (صلى الله عليه وسلم). وقال بعض الناس: الخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) ولأبي جهل، وكأن الله (تبارك وتعالى) هو الحاكم ويخاطب الخصمين هذا تارة وذاك تارة. ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يا محمد، والخطاب له. ﴿الَّذِي يَنْهَى (٩)عَبْدًا إِذَا صَلَّى (١٠)﴾، والخطاب يعود بعد ذلك لأبي جهل: ﴿أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (١١)أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (١٢)﴾ أتنهاه عن عبادة ربه؟ تنهاه وهو على الهدى؟ تنهاه وهو آمِرٌ بالتقوى؟ ثم يعود الخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم): ﴿أَرَأَيْتَ﴾ يا محمد ﴿إِنْ كَذَّبَ﴾ هذا الجاهل الكافر. ﴿وَتَوَلَّى (١٣)أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (١٤)﴾ بأن الله يراه ويحاسبه على أعماله؟ أو الخطاب كله لأبي جهل توبيخاً وتقريعاً، أرأيتَ نفسَك كيف تنهى هذا العبد الذي تحقق بالعبودية وتَشَرَّفَ بالذل للعزيز الجبار، تنهاه وهو آمر بالتقوى؟ تنهاه وهو على الهدى؟ تنهاه عن ذلك؟ أرأيت إن كان مكذباً أو كان متولياً أتنهاه؟ ألم تعلم بأن الله يرى العباد وهو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى؟ ثم يأتي الزجر والرَّوع:
كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًۢا بِٱلنَّاصِيَةِ ﴿15﴾
نَاصِيَةٍۢ كَـٰذِبَةٍ خَاطِئَةٍۢ ﴿16﴾
فَلْيَدْعُ نَادِيَهُۥ ﴿17﴾
سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ ﴿18﴾
كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَٱسْجُدْ وَٱقْتَرِب ۩ ﴿19﴾
﴿كَلَّا﴾ كلمة ردع وكلمة زجر وكلمة تهديد لهذا الكافر. ﴿لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ﴾ لئن لم يمتنع عن نهي محمد (صلى الله عليه وسلم) وعن هذا التهديد وهذا الأسلوب. ﴿لَنَسْفَعَاً﴾ السَّفْع: القَبْضُ على الشيء وجذبه بشدة. والناصية: مُقَدَّم شعر الرأس. وعَبَّرَ بالناصية عن كل الجسد لأن العرب إذا أرادت إذلال إنسان أخذت بناصيته، بمقدم شعر رأسه، فالكلام فيه مجاز. ﴿لنسفعاً بِالنَّاصِيَةِ﴾ نأخذ بناصيته فنلقيه في جهنم، كقول الله (عز وجل): ﴿فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ﴾ [سورة الرحمن آية: ٤١] وقُرِأَت ﴿لَنَسْفَعَنَّ﴾ ﴿لَأَسْفَعَنَّ﴾ ولكنها كُتِبَت في المصاحف بالألف لأنك إذا وقفت عليها وقفت بالألف. ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ أي ناصية هذا الكافر كاذبة في قولها خاطئة في عملها. وقرئت بالرفع بمعنى: هي ناصيةٌ كاذبةٌ. وقُرِئت بالنصب على الذَّمِّ ﴿ناصيةً كاذبةً خاطئةً﴾ أو كما كُتِبَت في المصاحف بقراءة حفص ﴿نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ﴾ والخاطئ: الذي يتعمد الخطأ، والمخطئ: الذي يخطئ عن غير عَمْد. ذَمَّ الله (تبارك وتعالى) أبا جهل وعَبَّرَ عن خطئه وجهله وكفره بقوله: ﴿نَاصِيَةٍ﴾ أي ناصية أبي جهل كاذبة خاطئة. ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ تهديد، لأنه رأي النبي (صلى الله عليه وسلم) يوماُ يُصَلِّي فأغلظ له القول، فهدده النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال له أبو جهل: أتهددني يا محمد؟ بأي شيء تهددني؟ والله إني لأكثر أهل الوادي هذا نادياً، فيقول الله (تبارك وتعالى) له مهدداً: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ (١٧)سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ والزبانية: ملائكة غلاظ شداد، هم أشد الملائكة خَلْقَاً وأغلظهم. والزبانية: إسم جمع كالأبابيل. أو مفردها "زباني" أو زبنية أو زباني ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ﴾ هم خزنة جهنم، غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.
﴿كَلَّا﴾ ردع آخر وزجر آخر. ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ﴾ والخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) ﴿لَا تُطِعْهُ﴾. وأما ﴿كَلَّا﴾ فهي ردع لهذا الكافر الناهي عن الصلاة، الناهي عن التقوى. ﴿لا تُطِعْهُ واسجُدْ﴾ وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسجود. والأمر بالسجود هنا إما الأمر بالسجود في الصلاة؛ أي صلِّ لله (تبارك وتعالى) وتَقَرَّب إليه بالدعاء، ويُعَبَّر عن الكل بالجزء كما يُعَبَّر عن الصلاة بالركعة. ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ بمعنى اقترِب من الله (تبارك وتعالى) بالدعاء. أو اقترِب من الله (تبارك وتعالى) في السجود، والسجود إما بمعنى الصلاة، وإما أمر بسجود التلاوة. والسجدة هنا من عزائم السجود وقد سجدها النبي (صلى الله عليه وسلم) حين تلاها، وقال (صلى الله عليه وسلم): "أقرب ما يكون العبد من ربه وأحبه إليه ما كانت جبهته في الأرض ساجداً لله" وإذا تُلِيَت الآية في الصلاة سجد القارئ، وإذا تُلِيَت في خارج الصلاة سجد القارئ وسجد السامع، وإذا تُلِيَت على المنابر نزل الإمام وسجد وسجد المصلون. خُتِمَت السورة بردع وزجر هذا الكافر، ثم بعد ذلك أمرت النبي (صلى الله عليه وسلم) بعدم طاعته وأمرته بالسجود والاقتراب لقول الله (عز وجل): ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ الآيات وإن كانت نزلت في حادثة مخصوصة ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والآيات تهديد لكل من ينهى عن البر والتقوى، تهديد لكل آمِرٍ بمنكر ناهٍ عن معروف، والنهاية في هذا الكلام وكما قلنا وإن كانت خاصة بحادثة معينة إلا أننا نرى أن من الناس من ينهى عن المعروف دون أن يدري، كأن ينهى الأب ابنه عن إطلاق لحيته، أو أن ينهى الأب ابنه عن الذهاب إلى المسجد، أو أن يمتنع الرجل عن تنفيذ رغبة زوجته في الاحتشام وارتداء الزي الإسلامي، أو أن ينهى الحاكم الناس عن الإيمان بالله أو تقوى الله أو العمل بشرائع الإسلام. كل ناهٍ عن معروف واقع تحت هذا التهديد، والتهديد ممن يملك التهديد.
أيها الأخ المسلم؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم، وهو فرض كفاية على كل مسلم في حدوده لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:
(من رأى منكراً فَلْيُقَوِّمْهُ بِيَدِه فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك من الإيمان في شيء).
والمقَوِّمُون بأيديهم هم الذين يملكون السلطة، وكذلك الأب راع في بيته يملك أن يُقَوِّمَ بيده، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته والمقَوِّمُون باللسان هم العلماء، والمقَوِّمُون بالقلب هم الضعفاء الذين لا يملكون من الأمر شيئاً، أو أن يرى المسلم منكراً ولا يستطيع أن يغيره بقلبه ويقول: اللهم إن هذا منكراً لا يرضيك ويُنكِرُ بقلبه ويبتعد، لأن الرضا بالمعاصي اشتراك فيها، فمن رضي عن المعصية ولم يشهدها كان كمن شهدها، وكذلك كل سامع لمعصية أو لفسق وراض بذلك فهو شريك في الإثم. ونبينا (صلى الله عليه وسلم) يُحَذِّرُ ويقول: "لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر لَيُسَلِّطَنَّ الله عليكم شِرَارَكم ويدعو خِيَارُكم ولا يُستَجَابُ لكم".
﴿كَلَّا﴾ ردع آخر وزجر آخر. ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ﴾ والخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) ﴿لَا تُطِعْهُ﴾. وأما ﴿كَلَّا﴾ فهي ردع لهذا الكافر الناهي عن الصلاة، الناهي عن التقوى. ﴿لا تُطِعْهُ واسجُدْ﴾ وأمر النبي (صلى الله عليه وسلم) بالسجود. والأمر بالسجود هنا إما الأمر بالسجود في الصلاة؛ أي صلِّ لله (تبارك وتعالى) وتَقَرَّب إليه بالدعاء، ويُعَبَّر عن الكل بالجزء كما يُعَبَّر عن الصلاة بالركعة. ﴿وَاقْتَرِبْ﴾ بمعنى اقترِب من الله (تبارك وتعالى) بالدعاء. أو اقترِب من الله (تبارك وتعالى) في السجود، والسجود إما بمعنى الصلاة، وإما أمر بسجود التلاوة. والسجدة هنا من عزائم السجود وقد سجدها النبي (صلى الله عليه وسلم) حين تلاها، وقال (صلى الله عليه وسلم): "أقرب ما يكون العبد من ربه وأحبه إليه ما كانت جبهته في الأرض ساجداً لله" وإذا تُلِيَت الآية في الصلاة سجد القارئ، وإذا تُلِيَت في خارج الصلاة سجد القارئ وسجد السامع، وإذا تُلِيَت على المنابر نزل الإمام وسجد وسجد المصلون. خُتِمَت السورة بردع وزجر هذا الكافر، ثم بعد ذلك أمرت النبي (صلى الله عليه وسلم) بعدم طاعته وأمرته بالسجود والاقتراب لقول الله (عز وجل): ﴿كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ الآيات وإن كانت نزلت في حادثة مخصوصة ولكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. والآيات تهديد لكل من ينهى عن البر والتقوى، تهديد لكل آمِرٍ بمنكر ناهٍ عن معروف، والنهاية في هذا الكلام وكما قلنا وإن كانت خاصة بحادثة معينة إلا أننا نرى أن من الناس من ينهى عن المعروف دون أن يدري، كأن ينهى الأب ابنه عن إطلاق لحيته، أو أن ينهى الأب ابنه عن الذهاب إلى المسجد، أو أن يمتنع الرجل عن تنفيذ رغبة زوجته في الاحتشام وارتداء الزي الإسلامي، أو أن ينهى الحاكم الناس عن الإيمان بالله أو تقوى الله أو العمل بشرائع الإسلام. كل ناهٍ عن معروف واقع تحت هذا التهديد، والتهديد ممن يملك التهديد.
أيها الأخ المسلم؛ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم، وهو فرض كفاية على كل مسلم في حدوده لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول:
(من رأى منكراً فَلْيُقَوِّمْهُ بِيَدِه فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وليس وراء ذلك من الإيمان في شيء).
والمقَوِّمُون بأيديهم هم الذين يملكون السلطة، وكذلك الأب راع في بيته يملك أن يُقَوِّمَ بيده، فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته والمقَوِّمُون باللسان هم العلماء، والمقَوِّمُون بالقلب هم الضعفاء الذين لا يملكون من الأمر شيئاً، أو أن يرى المسلم منكراً ولا يستطيع أن يغيره بقلبه ويقول: اللهم إن هذا منكراً لا يرضيك ويُنكِرُ بقلبه ويبتعد، لأن الرضا بالمعاصي اشتراك فيها، فمن رضي عن المعصية ولم يشهدها كان كمن شهدها، وكذلك كل سامع لمعصية أو لفسق وراض بذلك فهو شريك في الإثم. ونبينا (صلى الله عليه وسلم) يُحَذِّرُ ويقول: "لَتَأْمُرُنَّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر لَيُسَلِّطَنَّ الله عليكم شِرَارَكم ويدعو خِيَارُكم ولا يُستَجَابُ لكم".