
سورة الشرح
مقدمة
نزلت سورة الشرح، سورة (ألم نشرح) بمكة، وهي ثماني آيات. يقول الله (تبارك، وتعالى) مُنعِماً على حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) مُقَرِّراً:.
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ﴿1﴾
وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ ﴿2﴾
ٱلَّذِىٓ أَنقَضَ ظَهْرَكَ ﴿3﴾
وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴿4﴾
﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾ رفع ذِكرَ النبي (صلى الله عليه وسلم) بأمور؛ أمر ربنا (تبارك، وتعالى) المؤمنين بالصلاة عليه، وذَكَرَه في الملأ الأعلى، وصَلَّى عليه أزلاً، وأمر ملائكته يُصَلُّون عليه، ذَكَرَه في الكتب السماوية السابقة جميعاً، وأخذ الميثاق على الأنبياء أن يشهدوا له، وأن يؤمنوا به، وأن يوصوا أقوامهم بالإيمان به، رفع الذكر بأمور كثيرة، أصحها أو أعلاها: لا يُذكَرُ الله (تبارك، وتعالى) إلا، ويُذكَر محمد معه. وقيل أن الله (تبارك، وتعالى) أخبره عن طريق جبريل عن رفع الذِّكر: ما ذُكِرتُ إلا، وذُكِرتَ معي، في التشهد، في الأذان، في الإقامة، في الخُطَب على المنابر، في رمي الجمار، في الطواف والسعي، في كل مكان يُذكَر نبينا (صلى الله عليه وسلم) مع الله (تبارك، وتعالى) بل لو أن رجلاً آمن بالله وباليوم الآخر وبالملائكة وبالكتب السماوية وبجميع الأنبياء، وعمل الصالحات، ولم يؤمن بمحمد (صلى الله عليه وسلم) عُدَّ كافراً، ودخل النار ﴿مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾] سورة النساء آية: ٨٠[فجعل طاعة النبي طاعة له، وجعل حب النبي حباً له، ولا يُذكَر الله إلا، ويُذكَر النبي (صلى الله عليه وسلم) معه، ولا تُقبَل الشهادة بوحدانية الله إلا إذا قُرِنَت بشهادة أن محمداً رسول الله، ﴿وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ﴾.
فَإِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًا ﴿5﴾
إِنَّ مَعَ ٱلْعُسْرِ يُسْرًۭا ﴿6﴾
فَإِذَا فَرَغْتَ فَٱنصَبْ ﴿7﴾
وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَٱرْغَب ﴿8﴾
أيها الأخ المسلم؛ الناس في هذه الدنيا مختلفون، وفي تقبلهم للقضاء والقَدَر درجات، فمن الناس من يرضى بقضاء الله (تبارك، وتعالى) ومن الناس من يسخط، ومن الناس من يَسعَد. والمال في الدنيا امتحان، وليس دليلاً على إكرام الله (تبارك، وتعالى) للعبد، وكل مافيا هذه الدنيا ابتلاء وفتنة، فإن كنتَ ذا مال فأنت مُمتَحَن، وإن كنتَ ذا جاه فأنت مُبتَلَى، وإن كنتَ ذا صحة وعافية فأنت مُختَبَر، كل ذلك يُسأَل عنه ابن آدم يوم القيامة. كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يربط الأحجار على بطنه من الجوع، وهو سيد الخلائق وأحب الناس إلى الله. إذاً فالغنى ليس علامة. ومَرِضَ النبي (صلى الله عليه وسلم) إذاً فالصحة ليست علامة، بل وحين مات النبي (صلى الله عليه وسلم) لَقِيَ وكابد من الموت وسكرات الموت الكثير حتى إنه ليقول: "إن للموت لسكرات". إذاً التعب عند الموت ليس دليلاً على سخط الله) تبارك، وتعالى (، والمرض ليس دليلاً على غضب الله (تبارك، وتعالى) فما من عبد يصاب بشيء إلا، وهو كفارة لسيئاته ورفعة لدرجاته، والعلامة إذا دخلتَ على الرجل المصاب فوجدتَه راضياُ محتسباُ فتلك كفارة. ما من شيء يصيب المسلم إلا، ويُكَفِّرُ الله به عن سيئاته، حتى الشوكة يَشَاكُهَا يُكَفِّر بها عن سيئاته، ويرفع من درجاته ﴿مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْ لَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (٢٣) ﴾ [سورة الحديد آية: ٢٢- ٢٣]. ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾ [سورة الشورى آية: ٣٠] فإذا دخلتَ عليه وجدتَه راضياً محتسباً فتلك كفارة، أما إذا دخلتَ عليه فوجدتَه سعيداً فرحاً فتلك علامة على رفعة الدرجة، ثلاث علامات. ولذا كان الصحابة إذا بُسِطَت لهم الدنيا بكوا، وقالوا: نخشى أن تكون حسناتنا قد عُجِّلَت لنا في الدنيا، وكانت إذا جاءتهم المصائب فرحوا بها، وقالوا: مرحباً بشِعَار الصالحين، إذا جاءهم الفقر قالوا مرحباً بشِعَار الصالحين، وإذا جاءت المصيبة قالوا نفرح، ونجد سرورنا عند مواقع القَدَر. وكانت النعمة الدنيوية إذا أتت أحدهم قال: هي عقوبة عُجِّلَت لنا، الدنيا، النعمة، الغنى، الجاه، يعدوا ذلك عقوبة! نعم، يخشون السؤال، وكلما قل زاد المرء في الدنيا قل السؤال في الآخرة، وكلما كثر زاده في الآخرة كلما نجا، خير الزاد التقوى. أيها الأخ المسلم؛ الرضا بقضاء الله وقَدَرِه، حُلوِه ومُرِّه، خَيرِه وشَرِّه أساس في الإيمان، وهو علامة من علامات الإيمان.