
القرآن الكريم / سورة الشمس / التفسير المقروء
سورة الشمس
مقدمة
لقاؤنا مع سورة الشمس. سورة الشمس سورة مكية أقسم الله ﴿تبارك وتعالى﴾ في أولها بأقسام سبع.
وَٱلشَّمْسِ وَضُحَىٰهَا ﴿1﴾
وَٱلْقَمَرِ إِذَا تَلَىٰهَا ﴿2﴾
وَٱلنَّهَارِ إِذَا جَلَّىٰهَا ﴿3﴾
وَٱلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰهَا ﴿4﴾
وَٱلسَّمَآءِ وَمَا بَنَىٰهَا ﴿5﴾
وَٱلْأَرْضِ وَمَا طَحَىٰهَا ﴿6﴾
وَنَفْسٍۢ وَمَا سَوَّىٰهَا ﴿7﴾
أقسام سبع، وأقسم بأشياء محسومة كما أقسم بقدرته ﴿جل وعلا﴾، أقسم بذاته العليه وبصفته. كل هذه الأقسام على أن الإنسان إذا زَكَّى نفسه أفلح ونجا وفاز.
﴿ وَالشَّمْسِ ﴾ شيء محسوس، بها حياتنا على الأرض، بضوئها وبحرارتها بل وبجاذبيتها للأرض وإلا كانت الأرض تطير في الفضاء. ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ والضحى هو ضوؤها أول النهار أو حرارتها. أقسم بالشمس وبضوء الشمس وبحرارة الشمس وذاك شيء محسوس يدعو للتأمل. ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾ جاء القمر بعدها. تلاها: تبعها، إذ بعد غروب الشمس يبزغ القمر، تقلب الليل والنهار، حركة الشمس والقمر ذاك لا يمكن أن يكون مصادفة وإنما من تدبير العليم الحكيم.
﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴾ أظهرها، جَلَّى الشيء: أظهره. والنهار إذا جَلَّاها: أظهر الشمس. أو جلاها: جَلَّى الأرض. أو جَلَّاها: جَلَّى الظلمة أو جَلَّى الأكوان. ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ يغطيها، غَشَّاها: غطاها. وجاء بلفظ المضارع لمراعاة الفواصل -فواصل الآيات- لم يقل "غشيها" لمراعاة الفواصل. يغشاها: يغطيها، يغطي الأرض، يغطي الظلمة، يغطي الشمس.
﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ وما بناها أي "ومَنْ بناها" وأُوثِرَت "ما" على "مَنْ" هنا، والقياس في اللغة و "مَنْ" لأن الله هو الباني لإرادة الوصفية والتفخيم والتعظيم وكأنه يقول: والسماء، والشيء القادر العظيم المتقن الذي بناها. أو هي مصدرية، "ما" مصدرية، أي السماء وبنيان السماء.﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ أي ربها الذي بناها بغير عمد ترونها.
﴿ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾ طحاها: دَحَاها، طحاها: سَوَّاها وجعلها مستوية تصلح لمعيشة الإنسان والحيوان وتصلح للزرع. طحى الشيء: سَوَّاه من جوانبه. طَحَا يَطحُو، طَحَى يَطحَى طَحواً وطَحياً. ﴿ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾ الله ﴿تبارك وتعالى﴾ الذي طحاها.
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ (ونفس) نكرة. السماء معرفة بالألف واللام، والأرض معرفة بالألف واللام، والشمس والقمر، أما كلمة ﴿نفس﴾ فجاءت نكرة إما للتكثير والمقصود كل نفس منفوسة من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، وإما نُكِّرَت للتعظيم والتفخيم والمراد نفس آدم. وهذه الآية بُحُور لا يصل إليها الفكر ولا يمكن أن يصل إليها العقل. النفس البشرية كيف سُوِّيَت؟ سَوَّاها ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ في هذه الأجساد، والأشكال المختلفة، والقُوَى والإرادة والفكر والعقل والذاكرة والمخيلة والأعضاء والأقدام، الجسد الذي يحوي هذه النفس كيف كَمُلَت أعضاؤه وكيف تناسقت أجزاؤه ظاهراً وباطناً، تلك التسوية والتعديل لا يمكن أن تأتي إلا بفعل حكيم خبير.
﴿ وَالشَّمْسِ ﴾ شيء محسوس، بها حياتنا على الأرض، بضوئها وبحرارتها بل وبجاذبيتها للأرض وإلا كانت الأرض تطير في الفضاء. ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ والضحى هو ضوؤها أول النهار أو حرارتها. أقسم بالشمس وبضوء الشمس وبحرارة الشمس وذاك شيء محسوس يدعو للتأمل. ﴿ وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا ﴾ جاء القمر بعدها. تلاها: تبعها، إذ بعد غروب الشمس يبزغ القمر، تقلب الليل والنهار، حركة الشمس والقمر ذاك لا يمكن أن يكون مصادفة وإنما من تدبير العليم الحكيم.
﴿ وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا ﴾ أظهرها، جَلَّى الشيء: أظهره. والنهار إذا جَلَّاها: أظهر الشمس. أو جلاها: جَلَّى الأرض. أو جَلَّاها: جَلَّى الظلمة أو جَلَّى الأكوان. ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا ﴾ يغطيها، غَشَّاها: غطاها. وجاء بلفظ المضارع لمراعاة الفواصل -فواصل الآيات- لم يقل "غشيها" لمراعاة الفواصل. يغشاها: يغطيها، يغطي الأرض، يغطي الظلمة، يغطي الشمس.
﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ وما بناها أي "ومَنْ بناها" وأُوثِرَت "ما" على "مَنْ" هنا، والقياس في اللغة و "مَنْ" لأن الله هو الباني لإرادة الوصفية والتفخيم والتعظيم وكأنه يقول: والسماء، والشيء القادر العظيم المتقن الذي بناها. أو هي مصدرية، "ما" مصدرية، أي السماء وبنيان السماء.﴿ وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا ﴾ أي ربها الذي بناها بغير عمد ترونها.
﴿ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾ طحاها: دَحَاها، طحاها: سَوَّاها وجعلها مستوية تصلح لمعيشة الإنسان والحيوان وتصلح للزرع. طحى الشيء: سَوَّاه من جوانبه. طَحَا يَطحُو، طَحَى يَطحَى طَحواً وطَحياً. ﴿ وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا ﴾ الله ﴿تبارك وتعالى﴾ الذي طحاها.
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ (ونفس) نكرة. السماء معرفة بالألف واللام، والأرض معرفة بالألف واللام، والشمس والقمر، أما كلمة ﴿نفس﴾ فجاءت نكرة إما للتكثير والمقصود كل نفس منفوسة من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة، وإما نُكِّرَت للتعظيم والتفخيم والمراد نفس آدم. وهذه الآية بُحُور لا يصل إليها الفكر ولا يمكن أن يصل إليها العقل. النفس البشرية كيف سُوِّيَت؟ سَوَّاها ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ في هذه الأجساد، والأشكال المختلفة، والقُوَى والإرادة والفكر والعقل والذاكرة والمخيلة والأعضاء والأقدام، الجسد الذي يحوي هذه النفس كيف كَمُلَت أعضاؤه وكيف تناسقت أجزاؤه ظاهراً وباطناً، تلك التسوية والتعديل لا يمكن أن تأتي إلا بفعل حكيم خبير.
وَنَفْسٍۢ وَمَا سَوَّىٰهَا ﴿7﴾
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَىٰهَا ﴿8﴾
قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ﴿9﴾
وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ﴿10﴾
﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴾ أي والذي سواها على هذه الهيئة وهذا التكامل وهذا التناسق.
﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ ألهم هذه النفس الفجور: العصيان، الفجور: الخروج عن المألوف. والتقوى: اتقاء الشرك واتقاء المحارم، اتقاء المعاصي. ألهمها طريق الخير وطريق الشر، كقوله:
﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [سورة البلد آية:10] ألهمها فجورها وتقواها: بَيَّنَ لها، بَيَّنَ الله ﴿تبارك وتعالى﴾ للإنسان طريق الخير وطريق الشر، بَيَّنَ الحلال وبين الحرام وأنزل الأحكام. وفي نفس الوقت مَكَّنَ النفس البشرية من أن تركب أحد السبيلين، فمن أراد الخير يَسَّرَ له ومن أراد الشر سَهَّلَ له، فألهم النفس الفجور والتقوى، وجعل في هذه النفس البشرية المقدرة والإمكانات على أن تأتي الخير وتَذَر الشر أو تأتي الشر وتَذَر الخير، أعطاها هذه الإمكانية وبَيَّنَ لها الحلال والحرام وتركها حرة مختارة فألهمها فجورها وتقواها.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ ذاك جواب القَسَم، وربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ حين يُقسِمُ بأشياء يُقسِمُ بأشياء لتفخيم الشيء المــُقسَم به ولتعظيم شأنه ولبيان قدرته وحكمته وصنعته وإتقانه. ويُقسِمُ بهذه الأشياء على أشياء ليبين أهمية ما أقسم عليه وعِظَمِ شأن ما أقسم من أجله. أقسم ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ بهذه الأقسام السبعى على أن الإنسان أفلح إذا زَكَّى نفسه ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ قَسَمٌ من العلي الأعلى يفيد الثواب ويفيد العقاب، وأن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء. ﴿لقد أفلح﴾ واللام محذوفة لطول الكلام لكنها مُقَدَّرَة لجواب القَسَم، أي بمعنى لقد أفلح. أفلح: فاز ونجا وحصل على مطلوبه وزُحزِحَ عن النار وعن العذاب.
﴿ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ من زَكَّى نفسَه. التزكية في الأصل: النماء والزيادة، الزكاة: النماء والزيادة. زَكَى الزرع يزكو: أي نما وزاد. من يزكي نفسه أي من يرفع شأن نفسه. وكيف يرفع الإنسان شأن نفسه؟ بأن يتقي الله ﴿تبارك وتعالى﴾، بأن يأتي الطاعات. فإن فعل ذلك ذُكِرَ في الملأ الأعلى، ذكرته الملائكة، وربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ يقول في حديثه القدسي:(من ذَكَرَني في نفسه ذَكَرتُهُ في نفسي ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير من ملئه).
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ رفعها ورفع شأنها وأعلاها بالتقوى وبالطاعة. ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ دَسَّاها: أخفاها في المعاصي وأغرقها في الذنوب والأوزار. دَسَّ الأصل فيها دَسَّسَ، دَسَّسَ الشيء: أخفاه في شيء آخر، فمن دَسَّ شيئاً أي أخفاه في شيء آخر.
﴿ وَقَدْ خَابَ ﴾ خاب هذا الإنسان وخسر وندم، خاب ولم يفلح. ﴿ من دَسَّاها ﴾ من دَسَّ نفسه، من أخفى نفسه، لم يرفع شأنها وإنما أنزلها وأخفاها في العصيان وفي الذنوب وفي الأوصال، في أوصال هذه الدنيا. ذاك كان جواب القَسَم، والسورة تعالج ذلك الموضوع بأهمية وهو موضوع تزكية النفس. والقَسَم بهذه الأشياء العظيمة والتي نرى أثرها في هذه الدنيا، أثر النهار وأثر الليل وأثر الشمس وأثر القمر والسماء والأرض والنفوس، وسبحان من أوضع في كل قلب ما أشغله، كل ذلك ترى اختلافاً، ترى اختلاف الأحوال في الناس واختلاف الأخلاق واختلاف السلوك واختلاف كل شيء، وتعاقب الليل والنهار وتعاقب الشمس والقمر. كل ذلك يدل على وجود الصانع الحكيم المدبر الخبير. يدل أيضاً على عدم دوام الحال ودوام الحال من المحال. وطالما كان الحال غير دائم فلابد ويعقب الحياة موت وبعث ونشور وسؤال وحساب. كل ذلك يتأمله السامع الذي فتح الله قلبه للهدى. ثم يأتي بعد ذلك التهديد والوعيد لكفار مكة أن يصيبهم مثل ما أصاب من كان قبلهم وقد كانوا أشد منهم قوة.
﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ ألهم هذه النفس الفجور: العصيان، الفجور: الخروج عن المألوف. والتقوى: اتقاء الشرك واتقاء المحارم، اتقاء المعاصي. ألهمها طريق الخير وطريق الشر، كقوله:
﴿ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴾ [سورة البلد آية:10] ألهمها فجورها وتقواها: بَيَّنَ لها، بَيَّنَ الله ﴿تبارك وتعالى﴾ للإنسان طريق الخير وطريق الشر، بَيَّنَ الحلال وبين الحرام وأنزل الأحكام. وفي نفس الوقت مَكَّنَ النفس البشرية من أن تركب أحد السبيلين، فمن أراد الخير يَسَّرَ له ومن أراد الشر سَهَّلَ له، فألهم النفس الفجور والتقوى، وجعل في هذه النفس البشرية المقدرة والإمكانات على أن تأتي الخير وتَذَر الشر أو تأتي الشر وتَذَر الخير، أعطاها هذه الإمكانية وبَيَّنَ لها الحلال والحرام وتركها حرة مختارة فألهمها فجورها وتقواها.
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ ذاك جواب القَسَم، وربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ حين يُقسِمُ بأشياء يُقسِمُ بأشياء لتفخيم الشيء المــُقسَم به ولتعظيم شأنه ولبيان قدرته وحكمته وصنعته وإتقانه. ويُقسِمُ بهذه الأشياء على أشياء ليبين أهمية ما أقسم عليه وعِظَمِ شأن ما أقسم من أجله. أقسم ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ بهذه الأقسام السبعى على أن الإنسان أفلح إذا زَكَّى نفسه ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ قَسَمٌ من العلي الأعلى يفيد الثواب ويفيد العقاب، وأن الدنيا دار ابتلاء وليست دار جزاء. ﴿لقد أفلح﴾ واللام محذوفة لطول الكلام لكنها مُقَدَّرَة لجواب القَسَم، أي بمعنى لقد أفلح. أفلح: فاز ونجا وحصل على مطلوبه وزُحزِحَ عن النار وعن العذاب.
﴿ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ من زَكَّى نفسَه. التزكية في الأصل: النماء والزيادة، الزكاة: النماء والزيادة. زَكَى الزرع يزكو: أي نما وزاد. من يزكي نفسه أي من يرفع شأن نفسه. وكيف يرفع الإنسان شأن نفسه؟ بأن يتقي الله ﴿تبارك وتعالى﴾، بأن يأتي الطاعات. فإن فعل ذلك ذُكِرَ في الملأ الأعلى، ذكرته الملائكة، وربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ يقول في حديثه القدسي:(من ذَكَرَني في نفسه ذَكَرتُهُ في نفسي ومن ذكرني في ملأٍ ذكرته في ملأٍ خير من ملئه).
﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ رفعها ورفع شأنها وأعلاها بالتقوى وبالطاعة. ﴿ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ دَسَّاها: أخفاها في المعاصي وأغرقها في الذنوب والأوزار. دَسَّ الأصل فيها دَسَّسَ، دَسَّسَ الشيء: أخفاه في شيء آخر، فمن دَسَّ شيئاً أي أخفاه في شيء آخر.
﴿ وَقَدْ خَابَ ﴾ خاب هذا الإنسان وخسر وندم، خاب ولم يفلح. ﴿ من دَسَّاها ﴾ من دَسَّ نفسه، من أخفى نفسه، لم يرفع شأنها وإنما أنزلها وأخفاها في العصيان وفي الذنوب وفي الأوصال، في أوصال هذه الدنيا. ذاك كان جواب القَسَم، والسورة تعالج ذلك الموضوع بأهمية وهو موضوع تزكية النفس. والقَسَم بهذه الأشياء العظيمة والتي نرى أثرها في هذه الدنيا، أثر النهار وأثر الليل وأثر الشمس وأثر القمر والسماء والأرض والنفوس، وسبحان من أوضع في كل قلب ما أشغله، كل ذلك ترى اختلافاً، ترى اختلاف الأحوال في الناس واختلاف الأخلاق واختلاف السلوك واختلاف كل شيء، وتعاقب الليل والنهار وتعاقب الشمس والقمر. كل ذلك يدل على وجود الصانع الحكيم المدبر الخبير. يدل أيضاً على عدم دوام الحال ودوام الحال من المحال. وطالما كان الحال غير دائم فلابد ويعقب الحياة موت وبعث ونشور وسؤال وحساب. كل ذلك يتأمله السامع الذي فتح الله قلبه للهدى. ثم يأتي بعد ذلك التهديد والوعيد لكفار مكة أن يصيبهم مثل ما أصاب من كان قبلهم وقد كانوا أشد منهم قوة.
كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَىٰهَآ ﴿11﴾
إِذِ ٱنۢبَعَثَ أَشْقَىٰهَا ﴿12﴾
فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ ٱللَّهِ نَاقَةَ ٱللَّهِ وَسُقْيَـٰهَا ﴿13﴾
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنۢبِهِمْ فَسَوَّىٰهَا ﴿14﴾
وَلَا يَخَافُ عُقْبَـٰهَا ﴿15﴾
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا ﴾ وثمود قوم صالح. بعث الله ﴿تبارك وتعالى﴾ لهم صالحاً فوعظهم ونهاهم عن الكبر والخيلاء والعصيان والكفر، وطلبوا منه آية، وسأل الله أن يأتيه بآية وهم الذين اختاروها؛ أشاروا إلى صخرة صَمَّاء في الجبل وقالوا إن كنتَ رسولاً حقاً فأخرِج لنا من هذه الصخرة الصماء ناقة عاشوراء؛ ناقة حامل في عشرة أشهر، واستجاب الله ﴿تبارك وتعالى﴾ لصالح، وأشار صالح إلى الصخرة فانفلقت وخرجت الناقة العشراء، وجعل لهم ربنا علامة في هذه الناقة فقال لهم صالح: للناقة شِربٌ في يوم ولكم شِربٌ في يوم، هي تشرب يوماً ولا تقربون الماء وأنتم تشربون يوماً وهي لا تقرب الماء، فإياكم والتعدي عليها وإياكم وإيذائها فإن آذيتموها بعد أن طلبتموها ينزل بكم العذاب، وما من قوم في الأمم السابقة طلبوا آية إلا وكانت وبالاً عليهم، وما طلب الآيات إلا الكفار، وربنا يقول:
﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [سورة الإسراء آية:59] أما المؤمن فلا يطلب آية، المؤمن ينفتح قلبه للإيمان وينشرح صدره للإسلام بفضل الله ﴿جل وعلا).
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ﴾ أي كذبت ثمودُ صالحاً. ﴿ بِطَغْوَاهَا ﴾ أي بسبب طغيانها، والأصل فيه الياء – الطغيا- جاء بالواو وهما لغتان، وقُرِئت ﴿بطغواها ﴾. وقالوا: العذاب الذي نزل بثمود يسمى الطغوى لأنه طغى عليهم فأهلكهم. أو ﴿ كذبت ثمود بطغواها ﴾ أي كذبت بالإنذار وبالعذاب الطاغي الذي أنذرهم به صالح. أو كذبت بسبب طغيانها. الطغيان: تجاوز الحد. طغى الماء: تجاوز الحد وفاض على جوانبه وأغرق الأرض. فسمي العذاب الذي الذي نزل على ثمود بالطغوى لأنه طغى عليهم ولم يَذَر منهم أحداً. أو الطغيان: هو طغيانهم، تجاوزهم للحد في الكفر والعصيان.
﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ انبعث: قام بنشاط، قام مسرعاً، قام بِهِمَّة. ﴿ أَشْقَاهَا ﴾ أشقى ثمود، بل هو أشقى الأولين على الإطلاق. إذ سأل النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ علي بن أبي طالب فقال: "يا علي أتدري من أشقى الأولين؟" قال: عاقر الناقة يا رسول الله، قال: "نعم"، قال: "وهل تدري من أشقى الآخِرِين؟" قال: الله ورسوله أعلم، قال: "أشقى الآخرين يا علي من يضربك ها هنا فيُخَضِّبُ هذه" أي قاتل علي هو أشقى آخِرِ الناس. ﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ أشقى القوم، أشقى القبيلة، أشقى ثمود. ﴿فقال لهم رسول الله﴾: صالح، أي صالح حين انبعث أشقاها وأراد أن يعقرها، أرادوا ذبح الناقة، الآية، خرجت من الصخر أمام أعينهم، منتهى الطغيان، منتهى الجبروت، منتهي الكبر والعتو. حين هَمُّوا بذلك حَذَّرَهم صالح، قال لهم: ناقة الله وسُقيَاها، أي احذروا ناقة الله واحذروا سُقيَاها أي شربها، احذروا أن تَمَسُّوا ماءها أو يوم شِربِها واحذروا أن تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم أليم. ﴿قال لهم رسول الله ناقة الله﴾: منصوبة على التحذير، أي احذروا ناقة الله أن تمسوها.
﴿ وَسُقْيَاهَا ﴾ أي وشِربِها وماءها. ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ فذبحوها، قتلوها. والغريب أن عاقر الناقة واحد، حتى أنهم قالوا إن اسمه "قدار"، مَنْ عقرها رجل، وربنا يقول: ﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ لكن الله ﴿تبارك وتعالى﴾ نسب العقر إليهم جميعاً فقال: ﴿فعقروها﴾، ولم يقل: فعَقَرَها، لأنهم رضوا بفعله فكان عليهم الوزر كوِزْرِه. ولذا يحذرنا نبينا ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ ويقول: "من رضي بالمعصية ولم يشهدها كان كمن عملها" فالرضا بالمعصية يساوي عمل المعاصي، فإن جاءك رجل يحكي لك عن معاصيه أو عن ذنب أذنبه أو عن شيء فعله مفتخراً بذلك فَرَضِيتَ أنتَ كنتَ معه في الذنب سواء، الرضا عن المنكر يصيب الراضين بنفس عقوبة المرتكبين. هاهو ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ يقول:
﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ ونسب العقر إلى الجميع. ﴿ فَدَمْدَمَ ﴾ "فَدَهْدَمَ" دَمْدَمَ ودَهْدَمَ قراءات. ودَهْدَمَ أو دَمْدَمَ: أَطْبَقَ عليهم العذاب. تريد العذاب وتكرير العذاب نفس العذاب ينزل ثم ينزل ثم ينزل.
﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ﴾ أهلكهم. والدَّمدَمَة إهلاك فيه استئصال. ﴿ بِذَنْبِهِمْ ﴾ بسبب ذنبهم؛ الكفر وعقر الناقة. ﴿ فَسَوَّاهَا ﴾ سَوَّى القرية بالأرض. أو فَسَوَّاها: أي سَوَّى الدمدمة بينهم، لم يفلت منها غني ولا فقير أو صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى. سَوَّى الدمدمة على الكل، فأُهلِكَت ثمود بحيواناتها بحشراتها بزواحفها ببهائمها بأناسها، بكبيرهم وصغيرهم، بمن أذنب منهم ومن لم يذنب، وبمن عقر ومن لم يعقر، لأن الكل كان راضياً عن ذلك.
﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ وقُرِأَت (فلا يخاف عقباها) من الذي يخاف؟ العُقبَى: النتيجة، العُقبَى: ما يَعقُبُ الفعل، العاقبة، عاقبة كل شيء هو ما يَعقُبُه. ﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ أي لا يخاف عاقبة هذه الفعلة؛ وهي التدمير والدمدمة والإهلاك. قالوا: صالح لا يخاف, ﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ أي ولا يخاف صالح عُقبَى هذه الدمدمة لأن الله نَجَّاه ﴿ نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ [سورة هود آية: 66] فلا يخاف صالح عُقبى الدمدمة لأنها لم تُصِبْه بسوء . وقيل: بل الكلام فيه تقديم وتأخير، والكلام عن عاقر الناقة: ﴿إذ انبعث أشقاها ... ولا يخاف عقباها﴾ أي لا يخاف نتيجة عقره للناقة فانبعث ولا يخاف. والرأي الأرجح والأشبه بالصواب هو أن الضمير عائد إلى الذات العلية، إلى الله ﴿تبارك وتعالى﴾ ﴿ولا يخاف﴾ أي ولا يخاف الله.
﴿ عُقْبَاهَا ﴾ عُقبَى الإهلاك والدمدمة كما يخاف الملوك، فمِنَ الملوك من يتجبرون أو يُهلِكُون أو يحاربون أو يَقتُلُون لكنه كبشر يخاف ثأر أهل القتيل أو ثأر أهل المظلوم أو يخاف غضبة الرعية، أو يخاف تقلب الأيام، أو يخاف زوال السلطان. أما الله فلا يُسأَل عما يفعل وهم يُسأَلون. ﴿ولا يخاف عقباها﴾ أي ولا يخاف الله ﴿تبارك وتعالى﴾ عاقبة التدمير، ولو أهلك الله ﴿تبارك وتعالى﴾ من على الأرض جميعاً ما أَثَّرَ ذلك في مُلكِهِ لأن الله ﴿تبارك وتعالى﴾ كان ولم يكن شيء. أيها الأخ المسلم؛ سورة الشمس تدعو للتأمل، تدعو للتفكر، مامن مؤمن ومسلم إلا ويتأمل في تقلب الأحوال ومرور الأيام والزمان ويعلم أن الدنيا لها نهاية كما كان لها بداية، فكل شيء له بداية، وكل شيء له نهاية، وكما يعقب الليل النهار ويعقب النهار الليل فكذلك يعقب الموت الحياة، ولابد من بعث بعد هذا الموت، ولا يمكن أن يُسَوِّي ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ بين الطائع والعاصي، والدنيا ابتلاء وليس فيها شيء دائم وكل ما عليها زائل. وربنا (تبارك وتعالى) نَبَّهَ لذلك وقال :
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية: 7] .وطبيعة الزينة أن تُقَام ثم تُفَضّ.
أيها الأخ المسلم؛ سَلِ الله ﴿تبارك وتعالى﴾ حُسنَ الختام واعمل لذلك، وتَذَكَّر قول العلي الأعلى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾
﴿ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴾ [سورة الإسراء آية:59] أما المؤمن فلا يطلب آية، المؤمن ينفتح قلبه للإيمان وينشرح صدره للإسلام بفضل الله ﴿جل وعلا).
﴿ كَذَّبَتْ ثَمُودُ ﴾ أي كذبت ثمودُ صالحاً. ﴿ بِطَغْوَاهَا ﴾ أي بسبب طغيانها، والأصل فيه الياء – الطغيا- جاء بالواو وهما لغتان، وقُرِئت ﴿بطغواها ﴾. وقالوا: العذاب الذي نزل بثمود يسمى الطغوى لأنه طغى عليهم فأهلكهم. أو ﴿ كذبت ثمود بطغواها ﴾ أي كذبت بالإنذار وبالعذاب الطاغي الذي أنذرهم به صالح. أو كذبت بسبب طغيانها. الطغيان: تجاوز الحد. طغى الماء: تجاوز الحد وفاض على جوانبه وأغرق الأرض. فسمي العذاب الذي الذي نزل على ثمود بالطغوى لأنه طغى عليهم ولم يَذَر منهم أحداً. أو الطغيان: هو طغيانهم، تجاوزهم للحد في الكفر والعصيان.
﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ انبعث: قام بنشاط، قام مسرعاً، قام بِهِمَّة. ﴿ أَشْقَاهَا ﴾ أشقى ثمود، بل هو أشقى الأولين على الإطلاق. إذ سأل النبي ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ علي بن أبي طالب فقال: "يا علي أتدري من أشقى الأولين؟" قال: عاقر الناقة يا رسول الله، قال: "نعم"، قال: "وهل تدري من أشقى الآخِرِين؟" قال: الله ورسوله أعلم، قال: "أشقى الآخرين يا علي من يضربك ها هنا فيُخَضِّبُ هذه" أي قاتل علي هو أشقى آخِرِ الناس. ﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ أشقى القوم، أشقى القبيلة، أشقى ثمود. ﴿فقال لهم رسول الله﴾: صالح، أي صالح حين انبعث أشقاها وأراد أن يعقرها، أرادوا ذبح الناقة، الآية، خرجت من الصخر أمام أعينهم، منتهى الطغيان، منتهى الجبروت، منتهي الكبر والعتو. حين هَمُّوا بذلك حَذَّرَهم صالح، قال لهم: ناقة الله وسُقيَاها، أي احذروا ناقة الله واحذروا سُقيَاها أي شربها، احذروا أن تَمَسُّوا ماءها أو يوم شِربِها واحذروا أن تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب يوم أليم. ﴿قال لهم رسول الله ناقة الله﴾: منصوبة على التحذير، أي احذروا ناقة الله أن تمسوها.
﴿ وَسُقْيَاهَا ﴾ أي وشِربِها وماءها. ﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ فذبحوها، قتلوها. والغريب أن عاقر الناقة واحد، حتى أنهم قالوا إن اسمه "قدار"، مَنْ عقرها رجل، وربنا يقول: ﴿ إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا ﴾ لكن الله ﴿تبارك وتعالى﴾ نسب العقر إليهم جميعاً فقال: ﴿فعقروها﴾، ولم يقل: فعَقَرَها، لأنهم رضوا بفعله فكان عليهم الوزر كوِزْرِه. ولذا يحذرنا نبينا ﴿صلى الله عليه وسلم﴾ ويقول: "من رضي بالمعصية ولم يشهدها كان كمن عملها" فالرضا بالمعصية يساوي عمل المعاصي، فإن جاءك رجل يحكي لك عن معاصيه أو عن ذنب أذنبه أو عن شيء فعله مفتخراً بذلك فَرَضِيتَ أنتَ كنتَ معه في الذنب سواء، الرضا عن المنكر يصيب الراضين بنفس عقوبة المرتكبين. هاهو ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ يقول:
﴿ فَعَقَرُوهَا ﴾ ونسب العقر إلى الجميع. ﴿ فَدَمْدَمَ ﴾ "فَدَهْدَمَ" دَمْدَمَ ودَهْدَمَ قراءات. ودَهْدَمَ أو دَمْدَمَ: أَطْبَقَ عليهم العذاب. تريد العذاب وتكرير العذاب نفس العذاب ينزل ثم ينزل ثم ينزل.
﴿ فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ ﴾ أهلكهم. والدَّمدَمَة إهلاك فيه استئصال. ﴿ بِذَنْبِهِمْ ﴾ بسبب ذنبهم؛ الكفر وعقر الناقة. ﴿ فَسَوَّاهَا ﴾ سَوَّى القرية بالأرض. أو فَسَوَّاها: أي سَوَّى الدمدمة بينهم، لم يفلت منها غني ولا فقير أو صغير أو كبير أو ذكر أو أنثى. سَوَّى الدمدمة على الكل، فأُهلِكَت ثمود بحيواناتها بحشراتها بزواحفها ببهائمها بأناسها، بكبيرهم وصغيرهم، بمن أذنب منهم ومن لم يذنب، وبمن عقر ومن لم يعقر، لأن الكل كان راضياً عن ذلك.
﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ وقُرِأَت (فلا يخاف عقباها) من الذي يخاف؟ العُقبَى: النتيجة، العُقبَى: ما يَعقُبُ الفعل، العاقبة، عاقبة كل شيء هو ما يَعقُبُه. ﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ أي لا يخاف عاقبة هذه الفعلة؛ وهي التدمير والدمدمة والإهلاك. قالوا: صالح لا يخاف, ﴿ وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا ﴾ أي ولا يخاف صالح عُقبَى هذه الدمدمة لأن الله نَجَّاه ﴿ نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا ﴾ [سورة هود آية: 66] فلا يخاف صالح عُقبى الدمدمة لأنها لم تُصِبْه بسوء . وقيل: بل الكلام فيه تقديم وتأخير، والكلام عن عاقر الناقة: ﴿إذ انبعث أشقاها ... ولا يخاف عقباها﴾ أي لا يخاف نتيجة عقره للناقة فانبعث ولا يخاف. والرأي الأرجح والأشبه بالصواب هو أن الضمير عائد إلى الذات العلية، إلى الله ﴿تبارك وتعالى﴾ ﴿ولا يخاف﴾ أي ولا يخاف الله.
﴿ عُقْبَاهَا ﴾ عُقبَى الإهلاك والدمدمة كما يخاف الملوك، فمِنَ الملوك من يتجبرون أو يُهلِكُون أو يحاربون أو يَقتُلُون لكنه كبشر يخاف ثأر أهل القتيل أو ثأر أهل المظلوم أو يخاف غضبة الرعية، أو يخاف تقلب الأيام، أو يخاف زوال السلطان. أما الله فلا يُسأَل عما يفعل وهم يُسأَلون. ﴿ولا يخاف عقباها﴾ أي ولا يخاف الله ﴿تبارك وتعالى﴾ عاقبة التدمير، ولو أهلك الله ﴿تبارك وتعالى﴾ من على الأرض جميعاً ما أَثَّرَ ذلك في مُلكِهِ لأن الله ﴿تبارك وتعالى﴾ كان ولم يكن شيء. أيها الأخ المسلم؛ سورة الشمس تدعو للتأمل، تدعو للتفكر، مامن مؤمن ومسلم إلا ويتأمل في تقلب الأحوال ومرور الأيام والزمان ويعلم أن الدنيا لها نهاية كما كان لها بداية، فكل شيء له بداية، وكل شيء له نهاية، وكما يعقب الليل النهار ويعقب النهار الليل فكذلك يعقب الموت الحياة، ولابد من بعث بعد هذا الموت، ولا يمكن أن يُسَوِّي ربنا ﴿تبارك وتعالى﴾ بين الطائع والعاصي، والدنيا ابتلاء وليس فيها شيء دائم وكل ما عليها زائل. وربنا (تبارك وتعالى) نَبَّهَ لذلك وقال :
﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [سورة الكهف آية: 7] .وطبيعة الزينة أن تُقَام ثم تُفَضّ.
أيها الأخ المسلم؛ سَلِ الله ﴿تبارك وتعالى﴾ حُسنَ الختام واعمل لذلك، وتَذَكَّر قول العلي الأعلى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (10) ﴾