
سورة المطففين
مقدمة
لقاؤنا مع سورة المطففين. وسورة المطففين قيل نزلت في مكة، وقيل بل نزلت بالمدينة. وقال بعضهم بل نزلت بمكة إلا ثمان آيات من آخرها؛ من قوله (عز وجل): ﴿إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا يَضْحَكُونَ﴾. وقد قيل سبب النزول إن النبي (صلى الله عليه وسلم) حين هاجر إلى المدينة كان أهلها يُطَفِّفُون الكيل والميزان وكانوا شَرَّ ناسٍ في هذا الشأن، فأول ما نزل عليهم من قرآن في المدينة هي سورة المطففين فامتنعوا وصاروا أحسن الناس وفاءً إذا كالوا أو وزنوا. فالقائلون بنزولها في المدينة قالوا نزلت بالمدينة من أجل ذلك. والقائلون إن نزولها بمكة قالوا قرأها عليهم بالمدينة. وإن كان الأرجح هو نزولها بمكة لأن سياق السورة شأنه شأن السور المكية. في أول السورة يهدد ربنا ويتوعد فئة من الناس تطفف في الكيل وفي الميزان. والتطفيف: النمس والإنقاص. والمطفِّف سمي بذلك لأنه لا يأخذ إلا الطَّفِيف؛ الشيء التافه اليسير، فلا يكاد يسرق ممن وزن له أو كال له إلا شيئاً طفيفاً تافهاً حقيراً. فالطَّفِيف: التافه الحقير، والمطَفِّف يأخذ ذلك الطفيف غشاً، يتهددهم ربنا (تبارك وتعالى) ويقول:
وَيْلٌۭ لِّلْمُطَفِّفِينَ ﴿1﴾
ٱلَّذِينَ إِذَا ٱكْتَالُوا۟ عَلَى ٱلنَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ﴿2﴾
وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴿3﴾
أَلَا يَظُنُّ أُو۟لَـٰٓئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ﴿4﴾
لِيَوْمٍ عَظِيمٍۢ ﴿5﴾
يَوْمَ يَقُومُ ٱلنَّاسُ لِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿6﴾
﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ﴾ ودخلت همزة الاستفهام على "لا" النافية تعجيباً من هؤلاء وإنكاراً عليهم. وجاء بكلمة الظن، والظن بمعنى التردد، وكأن من ظن أن هناك بعث خاف من هذا الفعل وامتنع عن ارتكاب هذه القبائح فكيف بمن يتيقن البعث؟ ولذا قيل إن معنى الظن هنا اليقين. وقال بعضهم بل الظن هو التردد، وظنوا: ترددوا. فإن ظن الإنسان أَلَا يعمل حساباً لظنه؟ أَلَا يعمل حساباً لذلك؟ ألا يظنوا أنهم مبعوثون: قائمون بعد الموت، مجموعون ليوم عظيم ووصف اليوم بالعِظَم لعِظَمِ ما فيه من هول وفزع وحساب. ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾: يقومون للحساب، يقومون للمحاكمة، يقومون للجزاء، ما من مثقال ذرة إلا ومُحصية ومحسوبة ومدونة ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [سورة الكهف آية: ٤٩] بل وحين يُعرَضُ عليهم الكتاب يقولون: ﴿مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلا أَحْصَاهَا﴾ [سورة الكهف آية: ٤٩] وفي هذا التعبير بالإنكار والتعجيب وذكر الظن ووصف اليوم بالعظيم وقيام الناس لرب العالمين ووصف نفسه برب العالمين، كل ذلك تهويل وتفظيع لإثم التطفيف وإشعار بفظاعة الجزاء والعذاب.
كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْفُجَّارِ لَفِى سِجِّينٍۢ ﴿7﴾
وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا سِجِّينٌۭ ﴿8﴾
كِتَـٰبٌۭ مَّرْقُومٌۭ ﴿9﴾
وَيْلٌۭ يَوْمَئِذٍۢ لِّلْمُكَذِّبِينَ ﴿10﴾
ٱلَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿11﴾
وَمَا يُكَذِّبُ بِهِۦٓ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿12﴾
إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿13﴾
كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا۟ يَكْسِبُونَ ﴿14﴾
كَلَّآ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍۢ لَّمَحْجُوبُونَ ﴿15﴾
ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا۟ ٱلْجَحِيمِ ﴿16﴾
ثُمَّ يُقَالُ هَـٰذَا ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ﴿17﴾
كَلَّآ إِنَّ كِتَـٰبَ ٱلْأَبْرَارِ لَفِى عِلِّيِّينَ ﴿18﴾
وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿19﴾
كِتَـٰبٌۭ مَّرْقُومٌۭ ﴿20﴾
يَشْهَدُهُ ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴿21﴾
إِنَّ ٱلْأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ ﴿22﴾
عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ﴿23﴾
تَعْرِفُ فِى وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ ٱلنَّعِيمِ ﴿24﴾
يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍۢ مَّخْتُومٍ ﴿25﴾
خِتَـٰمُهُۥ مِسْكٌۭ ۚ وَفِى ذَٰلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ ٱلْمُتَنَـٰفِسُونَ ﴿26﴾
وَمِزَاجُهُۥ مِن تَسْنِيمٍ ﴿27﴾
عَيْنًۭا يَشْرَبُ بِهَا ٱلْمُقَرَّبُونَ ﴿28﴾
﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ يُسقَون، من الساقي؟ في موضع آخر يقول الله (تبارك وتعالى): ﴿وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ ﴾ [سورة الإنسان آية: ٢١]. الرحيق: أرقى وأصفي أنواع الخمر. ﴿يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ﴾ وكلنا يعرف أن الناس حين يضعون طعاماً أو شراباً يريدون أن يخزنوه ولا يخرج منه شيء ولا يدخل إليه شيء من ذباب أو غبار أو غيره يختمون الإناء، وإذا ختموا الإناء ختموه بالطين كما نفعل في ريفنا هذا. ربنا يقول إن هذا الختام مسك وليس طين، ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ (خاتمه) قراءة. الخاتم الذي يُختَم به مسك. ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾ آخر طعمه، آخر الشرب، يَشْتَمُّون منه ريح المسك، ومن المعلوم أن الأشربة عموماً في بدايتها وفي أعلاها الصفاء، والكدورة والكدر في آخر الإناء، أي شراب تشربه يتبقي في آخره شيء من الكدر، فربنا ينفي الكدر عن شرابهم ويقول: ﴿خِتَامُهُ مِسْكٌ﴾: رائحته، وقيل بل طعمه. وقيل في الجنة أنهار من خمر، هذه الخمر ليست من الأنهار بل هي شيء آخر في أوانٍ مختومة لا يفتحها ولا يفض خاتمها إلا صاحبها إذا دخل الجنة. الأبرار يشربون من هذه الكأس المختومة، من ذاك الرحيق المختوم، وخاتمه مسك، هو يفضه ولم يُفَضّ من قبل. ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ﴾: في ذلك النعيم، في هذا الذي وُصِفَ لك، في ذاك الرحيق، فليتنافس: يتسابق، يتصارع المتنافسون. والتنافس في الأصل هو التسارع إلى الشيء النفيس. والشيء النفيس ما تشتهيه النفوس وتتمنى كل نفس أن تحصل عليه، فكل نفيس هو ما تتمناه النفوس، والتنافس هو التصارع والتسابق للحصول على الشيء الذي تتمناه كل نفس. ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾ الرحيق الذي يُسقَونه مخلوط، مِزاجُه: خليطه، مَزَجَ الشيء: خَلَطَهُ، مخلوط بشيء يُسَمَّى التسنيم، ما هو التسنيم؟ التسنيم من حيث اللغة: الارتفاع. سَنَمَه: رَفَعَه، ومنه سَنَام البعير لارتفاعه عن باقي ظهره، فالتسنيم: الرفع والارتفاع. التسنيم شراب، أهو مرفوع شأنه عظيم قدره؟ أم هو في علو ينزل إليهم في الآنية دون أن يصبه أحد؟ ﴿وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ﴾ وتُوصَف التسنيم بأنها ﴿عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ عَلَم على عين، عيناً هي تسنيم، اسمها تسنيم. ﴿يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ﴾ إذاً فالمقربون أعلى مقاماً من الأبرار. المقربون يشربون من تسنيم صافياً صفواً شراباً خالصاً، أما الأبرار فيُمزَج شرابهم من تسنيم، فالأبرار يُمزَج رحيقهم بشيء من التسنيم أما المقربون فيشربون التسنيم خالصاً. التسنيم شراب المقربين ثم يؤخذ منه مِزاج وخليط للأبرار، لأصحاب اليمين، لباقي أهل الجنة. ﴿يَشْرَبُ بِهَا﴾: أي يشرب منها، وجيء بالباء بدلاً من "مِن" للإشعار بأنهم يشربون بها أي يشربون منها ملتذين بها سعداء. أو هي ممزوج بها يشربونها هؤلاء الأبرار من تسنيم الذي هو شراب المقربين صِرفاً.
أيها الأخ المسلم؛ ذاك وصف لحال الناس: الأبرار والفجار، ولك أن تختار. يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): (خمسٌ بخمسٍ ما نقص قوم من عهد إلا سُلِّطَ عليهم عدوهم ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر وما ظهرت فيهم الفاحشة إلا ظهر فيهم الطاعون -وفي رواية وما فشت فيهم الفاحشة-إلا فشا فيهم الموت وما طففوا الكيل إلا مُنِعُوا النبات وأُخِذُوا بالسنين وما منعوا الزكاة إلا حبس الله عنهم المطر.) ويقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم) في قول الله (عز وجل): ﴿ يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ يقول: "يوم يقوم الناس لرب العالمين في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة فمنهم من يصل العرق إلى كعبيه ومنهم من يصل إلى ركبتيه ومنهم من يصل إلى حَقوَيه ومنهم من يصل إلى صدره ومنهم من يصل إلى أذنيه ومنهم من يَرْشَحُ في عرقه كما يرشح الضفدع وإنه ليهون على المؤمن حتى يكون كصلاة الفريضة يصليها في الدنيا).
كان المؤمنون مستضعفين في الأرض، فقد آمن به الفقراء وآمن به العبيد وآمنت به الإماء واستعصى الإيمان على المستكبرين، أؤلئك المترفين في كل زمان ومكان الذين إذا جاءهم رسول من الله بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم، المترفون في كل زمان ومكان الذين أبطرتهم النعمة والذين تمسكوا بما لديهم من مال أو جاه أو سلطان واستنكفوا أن يتبعوا غيرهم من البشر، صناديد قريش الذين طغوا وتجبروا في مكة وتسلطوا على رقاب العباد فكان المؤمنون إذا مروا بهم يتغامزون واستهزأوا وسبوهم وآذوهم ولم ينجُ من العذاب أحد، حتى سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) يسجد لله (تبارك وتعالى) في الكعبة ويأتي هؤلاء الكفار غلاظ القلب يأتون ببقايا جمل ذبيح جزور، يأتون بِسَلَى هذا الجذور – أمعاؤه – وقذره ويضعوها على ظهر النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو ساجد في الحرم، في بيت الله، ويظل ساجداً حتى تأتي ابنته فاطمة فتُمِيطُ الأذى عن ظهره. يبين ربنا (تبارك وتعالى) أفعال هؤلاء ثم يبين مصيرهم فيقول :
إِنَّ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُوا۟ كَانُوا۟ مِنَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يَضْحَكُونَ ﴿29﴾
وَإِذَا مَرُّوا۟ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ ﴿30﴾
وَإِذَا ٱنقَلَبُوٓا۟ إِلَىٰٓ أَهْلِهِمُ ٱنقَلَبُوا۟ فَكِهِينَ ﴿31﴾
وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوٓا۟ إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَضَآلُّونَ ﴿32﴾
وَمَآ أُرْسِلُوا۟ عَلَيْهِمْ حَـٰفِظِينَ ﴿33﴾
فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ مِنَ ٱلْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ ﴿34﴾
عَلَى ٱلْأَرَآئِكِ يَنظُرُونَ ﴿35﴾
هَلْ ثُوِّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُوا۟ يَفْعَلُونَ ﴿36﴾
(على الأرائك ينظرون) هنا ينظرون إلى الكفار، وقيل بين الجنة والنار كُوَى، كل كُوَّة يُرَى من خلفها أهل النار، كقوله في موضع آخر: ﴿قال هل أنتم مُطَّلِعون(٥٤)فاطَّلَع فرآه في سواء الجحيم(٥٥)﴾ [سورة الصافات آية: ٥٤- ٥٥] إذا أراد أهل النعيم أن ينظروا إلى أهل الجحيم فُتِحَت لهم الكُوَى فنظروا ورأوا. ﴿عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ ينظرون إلى الكفار الذين استهزأوا بهم، فترى بلالاً ينظر إلى أبي جهل، وترى صهيباً ينظر إلى أبي لهب، وهكذا ينظرون. ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ سؤال للتقرير لا يحتاج للإجابة. أي هل جُوزِي. ثُوِّبَ: جُوزِي. أَثَابَهُ وثَوَّبَهُ: جازاه. والثَّوب أصلاً: الرجوع. ثَابَ يَثُوبُ: رَجَع. فالثَّوَاب ما يرجع على العبد من جزاء في مقابلة عمله، ذاك هو الثواب. ويُطلَق في الخير والشر وإن غلب استعماله في الخير. هنا يقول: ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ﴾ إذاً هو يتهكم بهم، لأن كلمة ثُوِّبَ أي جوزي بالخير إذ غلب استخدام الكلمة في الخير. ﴿هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾ نعم! جازاهم الله (تبارك وتعالى) بفعلهم، ألم يكونوا يستهزئون بالمؤمنين في الدنيا؟ الله يستهزئ بهم. ألم يكونوا يضحكون من المؤمنين في الدنيا؟ المؤمنون اليوم يضحكون منهم. وفي تفسيرهم قال ستُفتَح أبواب جهنم فيسارعون إلى أبواب جهنم وحين يهمون بالخروج تُغلَق الأبواب في وجوههم، وذاك قول الله: ﴿الله يستهزئ بهم﴾كما كانوا يستهزئون، وهنا يراهم المؤمنون -وهم على الأرائك- فيضحكون منهم كيف سارعوا إلى الأبواب مُؤَمِّلين في الخروج ثم تُغلَق الأبواب في وجوههم. أيها الأخ المسلم؛ السورة تهتم بشأن الكيل والوزن، المكيال والميزان أداتان خلقهما الله (تبارك وتعالى) حيث قال: ﴿ووضع الميزان﴾ عليها جُلُّ تعامل الناس، وأهم شيء في تعامل الناس هو العدل والحق، ولا يتحقق العدل إلا بالوزن وبالكيل، فكل التعامل أصله ومنشؤه وأساسه كيلاً أو وزناً. فإذا خسر الناس الميزان وطففوا الكيل ظلموا غيرهم، وحقوق العباد لا تُمحَى ولا تُنسَى، ومن ظلم أحداً في الدنيا الله وكيله، ويحذر نبينا (صلى الله عليه وسلم) من الظلم ويقول: (اتقوا دعوة المظلوم فوالذي نفسي بيده ليس بينها وبين الله حجاب يرفعها الله فوق الغمام ويقول وعزتي وجلالي لأَنْصُرَنَّكِ ولو بعد حين) بل حرم الله (تبارك وتعالى) الظلم على نفسه وهو يقول: "حَرَّمتُ الظلم على نفسي فلا تظالموا."
أيها الأخ المسلم؛ يصف ربنا (تبارك وتعالى) هذا المطفف بأنه إن سرق سرق الشيء الطفيف الخفيف التافه القليل، فكيف تبيع آخرتك بالحقير من الدنيا؟ وقال بعض الناس: التطفيف في كل شيء؛ في الكيل والميزان كما جاء في السورة، أيضاً في الصلاة وفي الصيام وفي الذكر وفي الكلام وفي كل شيء، والتطفيف في الصلاة أن تؤديها سريعاً لا تُتِمُّ ركوعها أو سجودها، والوفاء في الصلاة أن تؤدي أركانها كما أدى النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلكل شيء تطفيف ووفاء، فإياك وإياك أن تكون من المطففين لأن الله هددهم وتوعدهم: ﴿وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ﴾.