
سورة النبأ
مقدمة
لقاؤنا مع سورة النبأ. بُعِثَ النبي (صلى الله عليه وسلم) والقوم في جهالة وشرك، أنبأهم بأن الأصنام لا تنفع ولا تشفع وأن النافع والضار هو الواحد القهار، حذرهم من يوم البعث وأنبأهم عن يوم الفصل فكانوا بين مكذب ومنكر وبين شاك ومتردد، ترددوا بين الإنكار والإقرار فمنهم من قال إِنْ هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما نحن بمبعوثين فأنكروا البعث على الإطلاق، ومنهم من قال ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين فهم في شك وتردد. ترددوا بين الإقرار والإنكار، وتساءلوا بينهم وسألوا النبي (صلى الله عليه وسلم) استهزاء أئذا كنا عظاماً ورفاتا أئنا لمبعوثون؟ تساءلوا بينهم وسألوه وسألوا المؤمنين واستهزأوا فنزلت سورة النبأ، سورة عَمَّ يتساءلون. نزلت تهدد وتتوعد هؤلاء المستهزئين الشاكين المترددين المنكرين المكذبين، وساقت السورة من الأدلة على قدرة الله (تبارك وتعالى) على البعث عشرة أدلة لا ينكرها إلا جاحد أو مكابر، فهي مما هو مُشاهَد لا يسع الإنسان فيها إلا الإقرار. وتحدثت السورة في ذلك اليوم وعن نتائج هذا اليوم، وتحدثت عن النار ومصير أهلها، وعن الجنة ونعيم أهلها.
افتُتِحَت السورة بتساؤل، وليس الغرض منه السؤال وإنما الغرض منه التوعد والتهديد والإشعار بعظمة شأن ذلك اليوم الذي ترددوا في شأنه
عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ ﴿1﴾
عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلْعَظِيمِ ﴿2﴾
ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ ﴿3﴾
كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴿4﴾
ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ﴿5﴾
وتُساقُ الأدلة شاهد وكل الناس يراها وكل الناس يعرفها، أدلة على الخلق والإيجاد، أدلة على وجود الواحد القهار المهيمن، عشرة أدلة لا يملك الإنسان إزاءها إلا الإقرار، فمن جحد وأنكر كان مكابراً.
أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلْأَرْضَ مِهَـٰدًۭا ﴿6﴾
وَٱلْجِبَالَ أَوْتَادًۭا ﴿7﴾
وَخَلَقْنَـٰكُمْ أَزْوَٰجًۭا ﴿8﴾
وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًۭا ﴿9﴾
وَجَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِبَاسًۭا ﴿10﴾
وَجَعَلْنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشًۭا ﴿11﴾
وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًۭا شِدَادًۭا ﴿12﴾
وَجَعَلْنَا سِرَاجًۭا وَهَّاجًۭا ﴿13﴾
وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلْمُعْصِرَٰتِ مَآءًۭ ثَجَّاجًۭا ﴿14﴾
لِّنُخْرِجَ بِهِۦ حَبًّۭا وَنَبَاتًۭا ﴿15﴾
وَجَنَّـٰتٍ أَلْفَافًا ﴿16﴾
﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ الثَّجَّاج: الــمُنصَبُّ بكثرة. ثَجَّ الماء: انصَبَّ وانصَبَّ بكثرة. والمعصِرات: السحائب التي أَعصَرَت، أي تَعصرُ المطر شيئاً فشيئاً ولا تَصُبُّه مرة واحدة، بل يأتيك المطر قطرات متتابعة فتنفع وتنبت الزرع وتسقي الضرع. هذا المطر المنصَبُّ وكأن السحائب تَعصِرُ نفسها فتنزل المياه قطرات متتابعة كثيرة مفيدة نافعة. أو المعصِرات: الرياح، إذ الرياح تَعصِرُ السحائب فتُنزِلُ منه المطر. وأَعصَرَتِ السحائب: أوشكت على المطر. أو الرياح المعصِرات: أي المثيرة للأعاصير. أَعصَرَتِ الرياح: أثارت الأعاصير، والرياح المعصِرات: المثيرة للأعاصير، تحرك السحائب فتعصرها فينزل من ذلك المطر. وأرجح الأقوال المعصِرات: السحائب كما جاء في الصحاح، السحائب أَعصَرَتِ بالمطر: أي امتلأت بالمطر وأوشكت أن تنزله، من أصل استخدام الكلمة أعصرت الفتاة إذا أوشكت على المحيض وقاربت. ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا﴾ وقرئت (ثَجَّاحاً) بالحاء، والمثاجِح: مَصَابُّ المياه. (ثَجَّاجاً): مُنْصَبَّاً متتابعاً كثيراً نافعاً. المعصِرات والسحائب لو نظرت إليها لوجدت حركة دائبة، الشمس بحرارتها البعيدة غير الضارة تتسلط أشعتها على مياه البحار والمحيطات فتتبخر وبهذا البخر تتخلص المياه من ملوحتها، يبقى الملح ويصعد العذب، هذا البخار حين يتصاعد لا يتشتت في الأجواء، بل تأتي الرياح المـــُسَخَّرة بأمر المولى (عز وجل) فتجمع السحائب فتتكاثف وتتراكم، فإذا تكاثفت وتراكمت صعدت بها الرياح إلى الأجواء العليا، والأجواء العليا باردة، وحين تصعد السحائب بحرارتها إلى الأجواء الباردة تأتي الرياح المسخرة أيضاً فتسوقها إلى حيث يريد الله ثم تعصرها أو تعتصر فينزل المطر عذباً طاهراً طهوراً نقياً نافعاً، ينفع الناس وينفع الأرض وينفع المخلوقات، منه الشراب ومنه الشجر الذي فيه تُسِيمُون. الماء واحد والأرض واحدة ولكن الخارج من الأرض مختلف، منه الفاكهة ومنه الأَبُّ، منه الحلو ومنه المر، منه طعامكم ومنه طعام بهائمكم، لذا يقول الله (تبارك وتعالى): ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (١٤)لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (١٥)﴾ حَبَّاً لكم؛ القمح والشعيرة والأذرة وكل ما هو من صنف الحبوب كالعدس والفول وما إلى ذلك، حَبَّاً هو طعامكم. (ونباتاً) للأنعام، لبهائمكم، للخيل والبغال والحمير، للبقر والغنم، فأخرج من نفس الماء ومن نفس الأرض المختلف، ما هو طعام لكم وما هو طعام لأنعامكم. ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ الجنات: جمع جَنَّة، والجَنَّة: البستان المتكاثف شجره الملتف أغصانه فيستر من يمشي فيه أو يستر الأرض، أو تحجب الأغصان والفروع ضوء الشمس عنها فتظللها، من الجَنِّ وهو السَّتر والإخفاء، ومنه الجِنُّ لأننا لا نراهم، واسم الجِنِّ يُشعِر بأنه لا يمكن لإنسان أن يرى الجن، اسمه الجن أي مختفي، والجنة اختفت عن الشمس أو ظُلِّلَت بالأشجار. ﴿أَلْفَافًا﴾ اسم جمع لا مفرد له، ملتفة الأغصان. أو هو جمع لِفّ ولُفّ ولَفِيف كشريف وأشراف. ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا﴾ ملتفة الأغصان متشابكة.لم تُنبِت لكم الحَبَّ فقط بل أنبت لكم الفاكهة أيضاً للتفكه والتنعم، هل في الفاكهه غذاء؟ كان من الممكن أن يكتفي بغذاء للإنسان كالفول والعدس، كالحب فقط، لِمَ جعل الحب وأنبت الخضروات أيضاً؟ لنتويع هذا الطعام، ثم بعد ذلك فاكهة أيضاً، وانظر إلى البهائم لها صنف واحد من الطعام، منها ما يأكل اللحم كالوحوش، ومنها ما يأكل الخضروات كالبهائم، لكن الإنسان له حَبٌّ وله خضار وله فواكه وله أصناف وألوان وأنواع لا عد لها ولا حصر، والأرض واحدة والماء واحد والرب الخالق واحد. نعم أنت تحرث، أنت تبذر حب الشعير فتنبت الأرض شعيراً، وأنت تحرث الأرض وتبذر القمح فتنبت الأرض قمحاً وهكذا، ولكن من أين أتيتَ ببذر الشعير؟ من أين أتيتَ ببذر القمح؟ من أين أتيتَ بذاك الذي تبذره في الأرض؟ من أين أتيتَ به؟ من شجره، مَنِ الذي أنبت شجره؟
عشرة أدلة هل ينكرها أحد؟ كلنا يبصرها، كلنا يراها، لا نملك إزاءها إلا الإقرار بوجود الواحد القهار، فالمنكرون الجاحدون الكفار أنكروا وكذبوا وجحدوا حسداً وكِبراً وعُلُوَّاً لا لعدم وجود الأدلة، بل الأدلة موجودة، لذا يَعقُب سَوْقُ الأدلة القرار الحق والقول الفصل والتهديد والوعيد لكل منكر لهذه الأدلة.
إِنَّ يَوْمَ ٱلْفَصْلِ كَانَ مِيقَـٰتًۭا ﴿17﴾
يَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًۭا ﴿18﴾
وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتْ أَبْوَٰبًۭا ﴿19﴾
وَسُيِّرَتِ ٱلْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا ﴿20﴾
إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًۭا ﴿21﴾
لِّلطَّـٰغِينَ مَـَٔابًۭا ﴿22﴾
لَّـٰبِثِينَ فِيهَآ أَحْقَابًۭا ﴿23﴾
لَّا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًۭا وَلَا شَرَابًا ﴿24﴾
إِلَّا حَمِيمًۭا وَغَسَّاقًۭا ﴿25﴾
جَزَآءًۭ وِفَاقًا ﴿26﴾
إِنَّهُمْ كَانُوا۟ لَا يَرْجُونَ حِسَابًۭا ﴿27﴾
وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا كِذَّابًۭا ﴿28﴾
وَكُلَّ شَىْءٍ أَحْصَيْنَـٰهُ كِتَـٰبًۭا ﴿29﴾
فَذُوقُوا۟ فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا ﴿30﴾
كما ساقت آيات سورة النبأ بيان لمصير الكفار يوم القيامة، حذرت وتوعدت وأوعدت وهددت هؤلاء المكذبين للبعث المعجزين لله (تبارك وتعالى) المسيئون الأدب مع الله، حذرتهم وتوعدتهم وأوعدتهم وهددتهم، تأتي الآيات وتبين ألوان النعيم للمصدقين المحبين المطيعين لله ولرسوله، وكعادة القرآن في الترغيب والترهيب، وبضدها تتميز الأشياء، يقول الله عز من قائل:
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴿31﴾
حَدَآئِقَ وَأَعْنَـٰبًۭا ﴿32﴾
وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًۭا ﴿33﴾
وَكَأْسًۭا دِهَاقًۭا ﴿34﴾
لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًۭا وَلَا كِذَّٰبًۭا ﴿35﴾
جَزَآءًۭ مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَابًۭا ﴿36﴾
رَّبِّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًۭا ﴿37﴾
يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ صَفًّۭا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًۭا ﴿38﴾
ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ مَـَٔابًا ﴿39﴾
إِنَّآ أَنذَرْنَـٰكُمْ عَذَابًۭا قَرِيبًۭا يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يَـٰلَيْتَنِى كُنتُ تُرَٰبًۢا ﴿40﴾
ويأتي الإنذار بختام السورة مشيراً إلى أولها: ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ أنذرناكم هذا اليوم، وقد أعذر من أنذر، وسمي العذاب قريباً لأن كل آت قريب، أو سمي قريباً لأن أوله الموت. أنذرناكم عذاباً قريباً، والموت قريب، كل امرئٍ مصبحاً في أهله والموت أقرب من شراك نعله، كم من أصحابك وكم من معارفك كنت تكلمه أو كنت تزوره وتركته وإذا بهم يخبرونك لقد مات؟ كيف؟ لقد مات، كان معي بالأمس! لقد كنت عنده البارحة! كم وكم؟ ولا تضمن نفسك، والموت أول اللقاء بين العبد وربه، أو بين العبد ولقاء ربه، سبع عقبات أهونها الموت وأصعبها جواز الصراط. ﴿إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا﴾: يوم القيامة، وكل آت قريب. أو الموت، والموت أقرب من شراك نعلك. ﴿يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ المرء المؤمن، لأن بعدها يقول: ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ﴾ المرء الكافر، لأنه يقول: إنا أنذرناكم، والإنذار للكفار والبشاره للمؤمنين. فالمرء الكافر في قول، والمرء المؤمن في قول آخر. المرء: الإنسان على إطلاقه، مؤمنه وكافره، وذاك أرجح الأقوال. يوم ينظر المرء:كل مرء، لأن المؤمن يرى أعماله الصالحه ويرى كتابه ويأخذ بيمينه ويقول: ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ [سورة الحاقة آية: ١٩] والكافر يأخذ كتابه بشماله ويقول ﴿يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾ [سورة الحاقة آية: ٢٥] ﴿وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا﴾ الكافر، قالوا: الكافر إبليس، لأنه حين أُمِرَ بالسجود لآدم قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، وحين يرى النعيم الذي فيه آدم وبنوه يتمنى أن يكون تراباً، أو خُلِقَ من تراب ولم يخلق من النار حتى لا يتكبر. وقالوا الكافر: الكافر من الناس، يقول الكافر -كل كافر في كل زمان وفي كل عصر وأوان- ياليتني كنت تراباً، لم أُخلَق أصلاً. أو ياليتني كنت تراباً: أي لم أُبعَث. وأرجح الأقوال أن ذلك يحدث في يوم القيامة حيث تُمَدُّ الأرض كالأديم ويُحشَر الناس والجن والطيور والوحوش والدواب، وحين تُحشَر الدواب والوحوش والطيور والحيوانات ﴿وإذا الوحوش حُشِرَت﴾ يوضع بينهم القصاص حتى يُقتَصُّ للشاه الجلحاء من الشاة القرناء بنطحتها. الذنب لا يُنسى أبداً، كلبٌ عَضَّ كلباً آخر، شاة نطحت شاة وتعدت عليها، خطف طائر حبة من طائر آخر، كل ذلك تَظَالُم وربنا لا يرضى بالظلم، ورغم أن البهائم غير مكلفة إلا أنها عارفة بربها ﴿وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ﴾ [سورة الإسراء آية: ٤٤]، ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ﴾ [سورة الأنعام آية: ٣٨] فيقتص للشاه الجلحاء -أي التي من غير قرون- من الشاة القرناء بنطحتها، فإذا فرغ من القصاص قيل لكل ذلك: كونوا تراباً، فتتحول الطيور والوحوش وكل ما هو غير مُكَلَّف من المخلوقات إلى تراب، حينئذ يقول الكافر ياليتني كنت تراباً، أي ياليت مصيره كان كمصير الحيوان. وربنا يخاطبهم في الدنيا عن عدم إيمانهم ويشبههم بالأنعام ﴿أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ﴾ [سورة الأعراف آية: ١٧٩] فإذا حُشِرَت الأنعام قال الكافر يا ليتني كنت تراباً، أي يتمني أن يكون من الأنعام، يتمنى أن يكون من الوحوش فيُقضَى عليه ويقال له كن تراباً بعد القصاص بدلاً من أن يخلد في جهنم. أيها الأخ المسلم؛ في يوم القيامة الحساب ألوان وأنواع، فمن المؤمنين من يُحاسَب حساباً يسيراً ألا وهو العرض كما قال سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) لأن من نوقش الحساب هلك، لأن السائل في الدنيا لايعلم، يسألك أين كنت بالأمس؟ يطلب منك الإجابة حتى يعلم ما لا يعلم. أما السائل يوم القيامة فهو العالم علام الغيوب، فإن سأل أيسأل ليعلم؟ بل يسأل ليعاقب، لذا من نوقش الحساب هلك. أما المؤمنون فيُعرَضون فقط ﴿وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا﴾ [سورة مريم آية: ٧١] والعرض هو الجواز على الصراط، وحين يجوز المؤمن ترصده جهنم فتطأطئ له ولا يصل إليه شررها ولا لهيبها بل ولا دخانها، بل هو آمن. ويجوز الناس على الصراط بحسب أعمالهم، وهناك من المؤمنين من يدنيهم الله منه كما بَيَّنَ لنا نبينا (صلى الله عليه وسلم) يُدني ربنا منه المؤمن ويبسط عليه كَنَفَه فلا يراه أحد، ويقول: عبدي تَذْكُرُ ذنب كذا؟ فيقول يارب أذكره، فيقول الله (تبارك وتعالى): قد سترتُك في الدنيا وأنا الآن أغفر لك، ثم يقول: تَذْكُرُ ذنب كذا؟ ويقول يارب أذكره، فيقول الله (جل وعلا): سترتُك في الدنيا واليوم أغفره، حتى يُقَرِّرُه بذنوبه كلها، ذاك من يُقَرَّر. وهناك من تُمحَى سيئاته بغير حساب، وهناك من يجوز الصراط ويدخل الجنة ويطمئن وإذا بالمــــَلَك يأتيه بورقة ويقول: هذه من الله أنظر إليها، فينظر إليها فيصفر وجهه وترتعد فرائصه، فقد سطر فيها كل ذنوبه وقد تجاوز الصراط ولم يُسأَل ولقي كتابه بيمينه وكله حسنات في حسنات وغفل عن سيئاته ونسيها لكن الله لا ينسى، فتأتيه هذه الصحيفة فإذا اصفَرَّ وجهه وارتعدت فرائصه يقول له المـــَلَك: لقد أمرني الله أن أعطيك هذه الصحيفة فإذا رأيت وجهك قد اصفر أخبرتك أن الله قد استحيا أن يسألك عما فيها وقد غفرها لك بشيبتك في الإسلام.