القرآن الكريم / سورة نوح / التفسير المقروء

سورة نوح

مقدمة
لقاؤنا مع سورة نوح نوح شيخ المرسلين ونوح مثال الحلم والصبر نوح أسوه للدعاه قدوه للأنبياء نوح أرسله الله تبارك وتعالى إلى أهل الأرض جمعيا وهو أول رسول يبعث على الأرض بعث وعمره خمسون عاما أو ثلاثمائه وخمسين عاما في بعض الأقوال لبث في قومه يدعوهم ألف سنه إلا خمسين عاما تسعمائه وخمسون يدعوهم أكانوا معمرين؟ أبدا هو وحده الذي عمر وكانت أعمارهم عاديه وقد شهد منهم سبعه قرون هو يموتون وهو باق بينهم يدعوهم تسعمائه وخمسين عاما معجزة المعجزات رجل رآه الأجداد وأجداد الأجداد يموت الأجداد ويأتي الآباء ويموت الآباء ويأتي الأبناء ويموت الأبناء ويأتي الأبناء ويموت الأبناء ويأتي الأحفاد ونوح قائم يدعوهم معجزه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم وهم يكذّبون ويؤذونه ويجتمعون حوله ويضربوه حتى يغشى عليه ويتركوه فإذا أفاق قام يدعوهم بل ويأتي الرجل يتوكأ على عصاه في آخر عمره أوشك أن يموت يأخذ بيده إبنه أو حفيده ويذهب عند نوح ويشير لإبنه وحفيده ويقول أحذركم من هذا الرجل فقد حذرني منه أبي كل أب يحذر أبناءه من نوح ويوصيهم بتكذيبه بالكفر به قرون وقرون تتوالى تسعمائه وخمسين عاما وما آمن معه إلا قليل سبحان الله شيخ المرسلين نوح ولم ييأس إلا حين أخبره الله لن يؤمن من قومك الا من قد آمن أغلق باب الإيمان هنا فقط يئس وعلم أنه لافائده فدعى عليهم بأمر الله ولم يكن في الأرض مؤمن إلا قليل والكل ذهب مع نوح للسفينه هل كان هناك أطفال؟ هل كان هناك حوامل أبدا أعقم الله نساءهم أربعين عاما لايلد فلم يأت الطوفان على طفل أو رضيع جاء على الكفار أعقم النساء وترك الأطفال الصبيان حتى بلغوا من العمر أربعين عاما سن الرشد الكامل والعقل المتكامل هنا أهلكهم تحكي سورة نوح وهي سوره مكيه شأنها شأن سائر السور المكيه تعني بالعقيده وتثبت أصول الإيمان تحكي لنا قصة نوح من أولها لآخرها بإيجاز وبإعجاز يقول الله:

إِنَّآ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِۦٓ أَنْ أَنذِرْ قَوْمَكَ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿1﴾
أرسله الله تبارك وتعالى إلى قومه وقيل قوم نوح كانوا هم أهل الأرض ﴿ أَنْذِرْ قَوْمَكَ ﴾ والإنذار إخبار فيه تخويف مع إعطاء مهله كي تحذر وتأخذ حذرك ﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ ألا هو عذاب الطوفان أو عذاب الآخره أو عذاب الدنيا والآخره فربنا يعذب من يشاء دنيا وأخرى ويخزي من يشاء دنيا وأخرى أرسل نوح لإنذارهم وتحذيرهم من عذاب يأتيهم في الدنيا وفي الآخره إذاً فقد أعطوا المهله وحذرهم وأمهلهم فذهب نوح إليهم يقول الله
قَالَ يَـٰقَوْمِ إِنِّى لَكُمْ نَذِيرٌۭ مُّبِينٌ ﴿2﴾ أَنِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ وَٱتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴿3﴾ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ إِذَا جَآءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿4﴾
﴿ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ تلك مقالة نوح نذير أي منذر مبين أي واضح أنا منكم تعرفون أصلي وتعرفون نسبي وأوضح لكم ما أقول كلامه واضح وشأنه بين ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴾ ثلاثة أشياء طلبها نوح لم يطلب الملك ولم يطلب المال ولم يطلب الجاه ولم يطلب شيئا لنفسه ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ ﴾ أي وحدوه وذروا عبادة الأصنام ﴿ وَاتَّقُوهُ ﴾ اتقوا الله تبارك وتعالى واعملوا بأوامره وابتعدوا عن معاصيه ﴿ وَأَطِيعُونِ ﴾ فيما آمركم به فما آمركم إلا بما أمرني به الله ووعدهم على ذلك إن فعلتم ﴿ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ ﴾ ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ ﴾ "من" للبيان أو "من" للتبعيض يغفر لكم الذنوب التي لا تتعلق بحقوق العباد أو يغفر لكم الذنوب التي سبقت الإسلام فالإسلام يجب ماقبله أو يغفر لكم ذنوبكم ومن زائده للتوكيد والتأكيد ﴿ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ﴾ هنا قال العلماء إما أن الله قد كتب عنده أجليْن إن آمنوا وأطاعوا مد في أعمارهم إلى الأجل المكتوب في أمان ورخاء وسعاده وإذا لم يؤمنوا لا يمد في أجلهم وجاءهم الأجل العاجل وأهلكوا بالطوفان وكأن الله كتب لهم أجلين أجل عاجل بالطوفان وبالتعذيب إن كفروا وأجل آجل مؤجل بعيد يُنسأ في أعمارهم إن هم آمنوا وقال بعض الناس أبداً هو أجل واحد وإنما معنى يؤخركم الى أجل مسمى أي يؤخر عنكم العذاب أي يدعكم تموتون في سلام بلا حرق ولاغرق ولا تدمير ولاخسف ولاتعذيب وإنما يحي الإنسان حياه عاديه طيبه سعيده ويموت إذا جاء أجله موته طبيعيه لاتعذيب فيها ولا خزي ولا عار هذا معنى يؤخركم إلى أجل مسمى مسمَّى عندكم وهو الأجل الذي تعرفونه الموت الطبيعي إن أجل الله لا يؤخر إذا معنى هذا إن الأجل هو أجل واحد ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ ذا جاء أجله وجاء موعده المضروب ريؤخر إذا فقد كان أجل واحد وذاك يرجح وبالرأي الراجح بأن معنى كلمة يؤخركم إلى أجل مسمى أي يؤخر عنكم العذاب والخزي والفقر والقحط ويموت الإنسان موته طبيعه نعم إذا جاء أجلهم لايستأخرون ساعة ولا يستقدمون ﴿ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ أي إذا علمتم ذلك لعلمتم أن أجل الله لايؤخر لو كنتم تعلمون أن أجل الله إذا جاء لايؤخر لآمنتم ولعلمتم أن مصيركم الموت والآية تشعر أنهم كانوا في شك من الموت وكأنهم لفرط تكذيبهم إستمتاعهم بالحياه وانهماكهم في لهوهم كانوا غافلين عن الموت وكأنهم في شك لأن الله يقول ﴿ إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ والكلام على لسان نوح ويحكي نوح ويشكو لربه فيقول:
قَالَ رَبِّ إِنِّى دَعَوْتُ قَوْمِى لَيْلًۭا وَنَهَارًۭا ﴿5﴾ فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَآءِىٓ إِلَّا فِرَارًۭا ﴿6﴾ وَإِنِّى كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوٓا۟ أَصَـٰبِعَهُمْ فِىٓ ءَاذَانِهِمْ وَٱسْتَغْشَوْا۟ ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا۟ وَٱسْتَكْبَرُوا۟ ٱسْتِكْبَارًۭا ﴿7﴾ ثُمَّ إِنِّى دَعَوْتُهُمْ جِهَارًۭا ﴿8﴾ ثُمَّ إِنِّىٓ أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًۭا ﴿9﴾ فَقُلْتُ ٱسْتَغْفِرُوا۟ رَبَّكُمْ إِنَّهُۥ كَانَ غَفَّارًۭا ﴿10﴾ يُرْسِلِ ٱلسَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًۭا ﴿11﴾ وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَٰلٍۢ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـٰتٍۢ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَـٰرًۭا ﴿12﴾
قال ربي إني دعوتهم وبيّن أنواع الدعاء مره دعاهم سراً فردا فردا ومره ذهب إليهم في البيوت بيتا بيتا ومره وقف على الملأ يدعوهم ويخطب فيهم ويحذرهم ومره يأتيهم في منتدياتهم نهارا وفي أسواقهم ومره يأتيهم ليلا وهم على وشك النوم يتقلب معهم مع تقلب الليل والنهار والأحوال يذكّرهم بالله نهاراً أن الذي جاء بالشمس هو الله ويذكرهم بالله ليلا أنكم الآن تنامون ولا عاصم لكم من الله إلا الله يذكرهم فرادى يذكرهم جماعات يعلن لهم علانيه ويجهر بالقول تاره ويسر بالقول تاره ولم يزدهم هذا كله إلا فرارا سبحان الله ﴿ قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا(5)فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا(6)وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ الكلام يشعرك بمنتهى القسوه في هؤلاء القوم وبمنتهى الجبروت يدعوهم بلطف وبرقه بل ويدعوهم إلى سعادتهم فيقول ﴿ وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ ﴾ أي ليمنوا فيكون الإيمان سببا لمغفرة ذنوبهم يدعوهم للسعاده وهم يولًّون مدبرين لايدعوهم لشقاء لايدعوهم لعمل وكد وكدح إنما يدعوهم للسعاده ﴿ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ ﴾ كنايه عن شدة الإعراض أو فعلوا ذلك فعلا فوضعوا أصابعهم في آذانهم سدوها بأطراف الأصابع ﴿ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ تغطوا بالثياب الغشاء الغطاء غشّاه غطاه غشوا ثيابهم حرصوا أن يتغطوا بثيابهم ويستروا أنفسهم حتى لاينظروا له كراهه له وكراهه لدعوته لايريدون حتى مجرد النظر إليه فيسترون أنفسهم بثيابهم ويريدون أن يشعروه بأنهم معرضون عنه أو كرهو أن ينظروا حتى إليه ﴿ وَأَصَرُّوا ﴾ أصروا على المعاصي وعلى الكفر الإصرار لزوم الذنب وعدم الإقلاع عنه والبقاء والعكوف عليه أصروا على الكفر ﴿ وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا ﴾ تأكيد يؤكد إستكبارهم استكبروا على الله واستكبروا على نوح ولم يسمعوا نصحا ولا إرشادا ﴿ ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا ﴾ عكس الإسرار ﴿ ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ ﴾ على الملأ في أسواقهم ومنتدياتهم ثم هنا تفيد الترتيب وقد تفيد التنوع لايشترط في ثم هنا أن تفيد الترتيب إنه دعاهم جهارا هم بعد ذلك دعاهم نهارا ثم بعد ذلك أسر لهم ثم بعد ذلك أعلن لهم لايشترط ذلك وإنما ثم هنا تفيد التنوع تنوّع الأحوال دعاهم في كل وقت وعلى كل حال ﴿ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا ﴾ أكد بالمصدر ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) ﴾ يلخص نوح دعوته ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ دعوه إلى الله دعوه إلى الحنّان المنّان والغافر من يغفر الذنب الواحد مره الغفور من الذي يغفر الذنوب المتعدده والغفار الذي يغفر الذنوب المتعدده والمتكرره فمهما كرر العبد نف الذنب واستغفر غفر له ومهما إرتكب العبد جميع أنواع الذنوب واستغفر غفر له الغفار يغفر جميع أنواع الذنوب ويغفر الذنوب مره بعد مره ولو في اليوم ألف مره إي وربي ما أصر من إستغفر وما إستغفر عبد الله إلا وجد الله غفورا رحيما ﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [سورة النساء آية:110] يلخص نوح دعوته ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا ﴾ السماء كل ما علاك فهو سماء وما وقفت عليه فهو أرض فالسحاب يسمى سماء والمطر يسمى سماء والسماء المبنيه تسمى سماء وسقف البناء يسمى سماء هكذا وبذلك يفهم حديث الجاريه التي سئلت أين الله؟ قالت في السماء أي في وجهه العلو وليس في السماء المبنيه يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ أي سماء التي يرسلها السماء المبنيه التي فتحت أبوابها لسيد الخلق السماء هنا أي السحاب المقصود به السحاب لأنه علاك يرسل السماء عليكم ﴿ مِدْرَارًا ﴾ المدرار أصلا من الدر والدر سيلان اللبن بكثره عبر به عن نزول المطر الوفير والكثير ﴿ وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ يمددكم بأموال يبارك لكم في أموالكم تنتج الأرض وتنبت الأرض وتخرج الأرض معادنها وهكذا ﴿ وَبَنِينَ ﴾ تكثر الخلفه وتكثر الأولاد ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ ﴾ بساتين ﴿ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا ﴾ إذا تدل الآية على أمرين الأمر الأول يبد ومع طول المده وتكذيب قوم نوح أن الله منع عنهم المطر ومنع عنهم الخير وجاءهم الفقر والقحط والجدب وسلط العقم على النساء والرجال فجاءوا فاستغاثوا بنوح فبين لهم باب الفرج ذاك الأمر الأول الذي تشعر به الآية الأمر الثاني إذا جاء رجل إليك وقال لك لم أرزق بالأولاد ادع الله أن يرزقني بولد قل له استغفر الله وإن جاءك رجل وقال لك إني فقير وشكى إليك الفقر فقل له إستغفر الله وإذا جاء رجل يشكو كساد تجارته أو فساد زراعته فقل له إستغفر الله وهكذا ما من خير إلا وبابه الإستغفار والآية تشعر بذلك واسمع ﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا(10)يُرْسِلِ السَّمَاءَ ﴾ أولا يغفر الذنوب ﴿ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11)وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) ﴾ وصدق رسول الله حيث يقول ﴿ان العبد يحرم الرزق بذنب يأتيه﴾ بمعنى أن العبد قد يكتب له الرزق ويهيأ له فيرتكب ذنبا فيرتفع عنه الرزق ويحرم هذا الرزق الذي كتب له فاتقوا الله في أنفسكم واعلموا أن الإستغفار باب الفرج باب الغني باب السعاده باب كل شيء مرغوب في الدنيا وفي الآخره تلك كانت خلاصته دعوة نوح وهي دعوة إلى أبد الآبدين وإلى يوم الدين الإستغفار مفتاح الخير كله وبعد أن تلطف نوح في دعوة قومه ودعاهم بما يؤلف قلوبهم ووعدهم بما هو محبب إليهم المال والبنون والجنات والبساتين والرخاء لم يستجيبوا فبدأ يحذرهم بطشة الجبار فقال:
مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًۭا ﴿13﴾ وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴿14﴾
﴿ مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا ﴾ الرجاء هنا بمعنى الخوف أو الرجاء هنا بمعنى الإعتقاد أي مالكم لاتعتقدون في قدرة الله مالكم لاتخافون بطشه مالكم لاتخافون سلطانه وقهره أو لاتعتقدون أنكم تثابون بالتعظيم وبالثواب الجزيل على إيمانكم مالكم لاتخشون سلطانه وبأسه وجبروته ﴿وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا﴾ بمعنى أنك لو نظرت إلى خلقك كيف كنت طورا بعد طور الأطوار جمع صوْر والطوْر المره والتاره الحاله ﴿ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا ﴾ تارة نطفة وتارة مضغه وتاره علقه وتارة عظام ثم كسى العظام لحما وإذا لم يكونوا قد رأوا الجنين في بطن أمه أو علموا أطوارا الجنين خلقكم أطوارا في الحياه وليد رضيع تحمل ثم تحبو ثم تمشي وتقع ثم تستوي وتقف ثم يكون شابا قويا ثم تضعف وتكبر ويكبر سنك وتسقط أسنانك ويضعف بصرك وترتعش يداك وتمشي ثم تحبو مرة أخرى كما كنت تحبة في صغرك أطوار وإذا لم تر ذلك وأخذك شبابك وقوتك وأعماك عن منشأك ومنتهاك فانظر حولك أطوارا أعمى وبصير غني وفقير قوي وضعيف كبير وصغير أطوار أنواع ثم نقلهم من التأمل في النفوس إلى التأمل في الملكوت في الملك فيما حولك
أَلَمْ تَرَوْا۟ كَيْفَ خَلَقَ ٱللَّهُ سَبْعَ سَمَـٰوَٰتٍۢ طِبَاقًۭا ﴿15﴾ وَجَعَلَ ٱلْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًۭا وَجَعَلَ ٱلشَّمْسَ سِرَاجًۭا ﴿16﴾ وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلْأَرْضِ نَبَاتًۭا ﴿17﴾ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًۭا ﴿18﴾ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ ٱلْأَرْضَ بِسَاطًۭا ﴿19﴾ لِّتَسْلُكُوا۟ مِنْهَا سُبُلًۭا فِجَاجًۭا ﴿20﴾
ألم تروا هنا لايقصد بها المعاينه فلم ير أحد من الناس السموات السبع وإنما يقصد بها الإخبار طباقا مطابقه طبق فوق طبق من قولهم طابق النعل جعلها الطبقه فوق الطبقه مساويه لها تماما ملاصقه لها لكن السموات مطابقه تمام المطابقه مع عدم المماسه فبيّن كل سماء وسماء خلق وأمر ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا ﴾ القمر في السماء الدنيا وقال فيهن إذا فالسموات محيطه السماء الثانيه محيطه بالسماء الأولى والثالثه محيطه بالثانيه وهكذا طالما قال ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ ﴾ فكونه في السماء الدنيا يعني كونه في جميع السموات لأن السموات محيطه بعضها ببعض ووجودا القمر في الجزء معناه وجوده في الكل حتى في قولك في كلام الدنيا فلان بالمدينه هل هو في المدينه كلها أم في جزء من المدينه؟ في جزء من المدينه ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ ﴾ أي في السموات هو في جزء هو في سماء واحده سماء الدنيا ﴿ نُورًا ﴾ مضيئا ﴿ وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ والملفت للنظر إختلاف التعبير ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ ورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ واختلاف التعبير يفيد أن الشمس كالسراج يشتعل ذاتيا أما النور فلا إشتعال فيه من هنا نعلم كما أثبت علم الفلك حديثا أن الشمس تضيء باشتعال ذاتي فهي تضيء من ذاتها أما القمر فيستمد نوره من الشمس وليس فيها إشتعال مطلقا ويقول القرآن من أربعة عشر قرنا ﴿ وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا ﴾ سبحانه من أحاط علمه بكل شيء ومايفرط في كتابه من شيء جعل القمر فيهن نورا فهو يستمد نوره من غيره وجعل الشمس سراجا سراج كالمصباح الذي يضاء مصباح الزيت مصباح الغاز المصابيح التي تسرج تضاء فتشتعل ويأتي الضوء من النار المشتعله ذلك هو السراج تلك هي الشمس أما القمر فليس كذلك وإنما القمر يأتي عليه ضوء الشمس فينعكس ضوء الشمس على وجه القمر كالمرآه ولا إشتعال فيه ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا(17)ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا(18)وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19)لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) ﴾ نباتا مصدر على غير المصدر الأصلي فالأصل إنباتا لكنه جاء بإسم وضعه موضع المصدر ليبين أمر غريب الإنسان في البدايه خلق آدم من الطين وكأنه خرج من الأرض كما يخرج النبات قد تكون تلك هي الغابه أو يكون ذلك هو المقصود وقد يكون المقصود لفت نظرك منذ ولدت أنت صغيرا بدأت تنو وترعرع وتكبر من أي شيء؟ من أغذيه وعناصر حيوانيه ونباتيه وكل الأغذيه والعناصر التي تسببت في نموك وترعرعك كلها خارجه من الأرض وكأنك تشبه النبات يتغذى من الأرض يخرج صغيرا ثم يتغذى من الأرض وينو وينمو ويترعرع حتى يأتي وقت الحصاد ﴿ وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا ﴾ أنت تشرب اللبن أنت تأكل اللحم أنت تأكل النباتات والخضروات كل ماتغذيت أنت به خرج من الأرض وكان سببا في نموك كما ينمو النبات من هنا شبه العبد بالنبات فانتبه طالما شبهت بالنبات والنبات يخرج صغيرا ثم يخضر ثم يزهو ثم ثم ثم يكون حطاما ﴿ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ﴾ [سورة الحديد آية:20] ﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾ يعيدكم فيها كما خرجتم ويخرجكم إخراجا جاء بالتأكيد لإثبات أن الإخراج والحشر حاصل لامحاله واقع لاشك من هنا قال ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ﴾ أكد بالمصدر ليبين أن الحشر والنشر حادث وواقع لامحاله إي وربي لتبعثن ثم لتنبئن بما علمتم وذلك على الله يسير ﴿ ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا ﴾ في الأرض ﴿ وَيُخْرِجُكُمْ ﴾ يوم البعث إخراجا ﴿ وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا ﴾ كالبساط سهله تمشون فيها وتفعلون فيها ماتشاؤن وتتقلبون في معايشكم وهذا لا ينفي كربه الأرض لأن الكره إذا كانت عظيمه كان كل جزء منها مسطح جعلها سهله كالبساط الذي تجلسون عليه وتنامون عليه ﴿ لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا ﴾ من هنا فهمنا معنى البساط أي التسهيل جعلها بساط أي منبسطه وليست مرتفعات ومنخفضات يصعب على الإنسان أن يمشي عليها إنما جعلها منبسطه لتسلكوا منها سبلا فجاجا الفجاج جمع فج والفج الطريق الواسع هاهي الطرق واسعه وممهده ومبسوطه للناس يسلكوا منها كيف شاءوا ويمشوا فيها كيف أرادوا تلك كانت تهديدا نوح وتحذيراته وتوضيحاته وبياناته في أنفسكم ثم في الأرض ثم في الملأ ثم في السموات في القمر في الشمس كل ذلك وضحه نوح ثم لجأ إلى ربه بعد أن يئس منهم
قَالَ نُوحٌۭ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِى وَٱتَّبَعُوا۟ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُۥ وَوَلَدُهُۥٓ إِلَّا خَسَارًۭا ﴿21﴾ وَمَكَرُوا۟ مَكْرًۭا كُبَّارًۭا ﴿22﴾ وَقَالُوا۟ لَا تَذَرُنَّ ءَالِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّۭا وَلَا سُوَاعًۭا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًۭا ﴿23﴾ وَقَدْ أَضَلُّوا۟ كَثِيرًۭا ۖ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا ضَلَـٰلًۭا ﴿24﴾ مِّمَّا خَطِيٓـَٔـٰتِهِمْ أُغْرِقُوا۟ فَأُدْخِلُوا۟ نَارًۭا فَلَمْ يَجِدُوا۟ لَهُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَارًۭا ﴿25﴾
نوح يستصرخ ﴿ قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴾ ﴿ ووُلْدْهُ ﴾ الوُلْدْ جمع وَلَد كأْسْدْ جمع أَسَدْ أو هي لغه كحْزْن وحَزَن الأغنياء المترفون في وقت وفي كل زمان هم دعاه الناس إلى النار هم دعاه على أبواب جهنم فالناس بطبيعتهم يقلدوا الأغنياء والمترفين وانظر حتى في زماننا هذا تجد منشأ الفسق يأتي من الترف والنعيم تأتي الأزياء العاريه المكلفه ثم بعد ذلك يقلدن الفقيرات الأغنياء فيتعرين كما تعروا وهكذا تجد القادر على الخمر والمخدر هو الذي يبدأ بذلك ثم يقلده الفقير فيشرب الكحول لأنه لايقوى على ثمن الخمر ويشرب المخدر لأنه لايقدر على ثمن كذا وهكذا المترفون في كل مكان هم أساس الفسق ودعاة الفجور من هنا يقول نوح من زمن نوح ﴿ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا ﴾ ذووا الأموال والأولاد الذين خسروا دنياهم وأخراهم وغرهم المال ووعزهم الأولاد وقالوا اتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ﴿ وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا ﴾ أو ﴿ كُبَارا ﴾ قراءتان كبير كبار كبّار درجات في العظم والكبير أقل من الكبار والكبار أقل من الكبار والكبّار بالغ الغايه في الكبر العظم إحتالوا والحيل والمكر والخبث واللؤم والتآلف مع بعض على المعاصي وعلى الفجور وعلى إيذاء نوح وعلى إيذاء المؤمنين بنوح وعلى حض الناس على الكفر ﴿ وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ نَسْرًا ﴾ عصيان نوح والكفر بنوح والكفر بالله إبقوا على ما أنتم عليه واعبدوا الأصنام والأوثان لاتذرن آلهتكم وعلى الوجه الأحض وعلى الخصوص آلهه مخصوصه أكبر آلهتهم وأعظمها لديهم ﴿ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا ﴾ بالضم ﴿ وَداً ﴾ بالفتح قراءه ﴿ وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا ﴾ أسماء آلهه ﴿ وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا ﴾ المترفون "مكروا مكرا كبارا وقد أضلوا" معطوفه عليها أو الأصنام ﴿ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا ﴾ أي تسببوا في الإضلال ﴿ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا ﴾ دعاء من نوح أو إخبار يارب أنت لاتزد الظالمين إلا ضلالا لأن الظالم لايؤهل للإيمان والهداية وأسوأ الذنوب الظلم وأخطر أنواع الظلم الشرك بالله ﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا ﴾ لم يجدوا لهم من دون الله أنصار تعريض بهم وتهكم لأنهم إتخذوا الأنصار والآلهة في الدنيا فلما أغرقوا ودخلوا النار لم يجدوا أنصارا إذا فهو تهكم بآلهتهم التي إتخذوها من دون الله لكن الآية فيها أمر غريب وانتبه ﴿ مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ ﴾ إذًا فقد أغرقوا سبب الخطأ وربك ليس بظلام للعبيد أغرقوا وجاء الطوفان وأغرقرقهم وأغرق الأرض جمعيا ﴿ فأُدخلوا ﴾ الفاء للترتيب مع التعقيب والآية تفيد أنه غرق الآن ودخل النار فورا كيف والنار لم تفتح لأهلها بعد سوف تفتح يوم القيامه هل دخلوا النار فعلا؟ الآية تدل على عذاب القبر هناك ناس يشككون في عذاب القبر الآية دليل على ذلك هي والآية الأخرى التي يقول فيها عن آل فرعون ﴿ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ﴾ [سورة غافر آية:46] هذه الآية دليل على وجود العذاب في القبر ودليل على صدق رسول الله في قوله القبر إما حفره من حفر النار أو روضه من رياض الجنة هاهم غرقوا فأُدخلوا نارا نار القبر عذاب القبر
وَقَالَ نُوحٌۭ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى ٱلْأَرْضِ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ دَيَّارًا ﴿26﴾ إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا۟ عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوٓا۟ إِلَّا فَاجِرًۭا كَفَّارًۭا ﴿27﴾ رَّبِّ ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِىَ مُؤْمِنًۭا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ وَلَا تَزِدِ ٱلظَّـٰلِمِينَ إِلَّا تَبَارًۢا ﴿28﴾
دعاء بأمر الله وبالوحي لأنه ما من نبي يدعو على قومه إلا بأمر الله له ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ ﴾ [ سورة هود آية:36] ﴿ وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ ﴾ لاتترك ﴿ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ الديار من الدار وهو الذي يسكن الدار الديار من الدوران الذي يدور ويتحرك في الأرض لاتذر على الأرض من الكافرين ديارا أي ساكن دار أو ديّار متحرك لاتجعل على الأرض ولا تترك في الأرض شيء يتحرك فأهلك كل متحرك حتى الحيوان حتى الحشرات حتى الدواب حتى الطيور ﴿ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ ولم يكن في الأرض إلا الكفر ويعلل سبب الدعاء ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ ﴾ تتركهم ﴿ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ علم ذلك بالتجارب عاشرهم تسعمائه وخمسين عاما أو بإيحاء الله له إن تركتهم لن يأتي من أصلابهم مؤمن فلم يتركون إن تركتهم أضلوا العباد وزادوا في الإضلال والمؤمنون مع نوح يموتون وتنتهي آجالهم وأعمارهم ولايؤمن جديد إذا فسوف يأتي يوم لايبقى إلا نوح من هنا قال إن تذرهم يضلوا عبادك ولايلدوا إلا فاجرا كفارا ثم ختم على ذلك بالدعاء لنفسه ولوالديه ثم عمم الدعاء لكل مؤمن ومؤمنه إلى أن تقوم الساعه فقال ﴿ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ ﴾ وكان والده مؤمنين وقيل نوح لم يكن له أب مشرك من لدن آدم إلى نوح ﴿ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا ﴾ البيت المسجد السفينه بيته وكانت بيوت الأنبياء لايدخلها إلا مؤمن ﴿ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ﴾ هلاكا، تبر هلك أهلكه وتبر هو وتبره تتبر أهلكه إهلاكا.