
سورة المعارج
مقدمة
لقاؤنا مع سورة المعارج وسورة المعارج سورة مكيه شأنها شأن السور المكيه التي تعالج العقيده نزلت سورة المعارج تحذر وتنذر وتصف لنا أهوال يوم القيامه وتبين أن الناس فريقان فريق في الجنه وفريق في السعير كان الناس في مكه يستهزئون برسول الله وكلما خوّفهم زادهم ذلك نفورا وكلما حذرهم إزدادوا طغيانا كبيرا حتى أنهم كانوا يستعجلون العذاب وبدلا من أن يسألوا الله الهدى سألوه العقاب سفاهه ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [سورة النور آية: ٤٠] يقول أحدهم داعيا سائلا متضرعا إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجاره من السماء أو ائتنا بعذاب أليم بدلا من أن يقولوا إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه أو افتح قلوبنا له والآخر يقول اسقط علينا كسفا من السماء من هنا نزلت السورة تبين لهم أن الله لايستعجل وأنه حليم ولا يستفزه عصيان الناس فلا تضره المعاصي ولاتنفعه الطاعات ومهما فعلوا ومهما قالوا فالله تبارك وتعالى مطلّع محيط أعد لهم مايستحقونه في أول السوره يأتي ذكر هذا الداعي وهذا السائل وهذا المستعجل والمستدعي للعذاب
سَأَلَ سَآئِلٌۢ بِعَذَابٍۢ وَاقِعٍۢ ﴿1﴾
لِّلْكَـٰفِرِينَ لَيْسَ لَهُۥ دَافِعٌۭ ﴿2﴾
مِّنَ ٱللَّهِ ذِى ٱلْمَعَارِجِ ﴿3﴾
تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍۢ ﴿4﴾
فَٱصْبِرْ صَبْرًۭا جَمِيلًا ﴿5﴾
إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُۥ بَعِيدًۭا ﴿6﴾
وَنَرَىٰهُ قَرِيبًۭا ﴿7﴾
يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ ﴿8﴾
وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ﴿9﴾
وَلَا يَسْـَٔلُ حَمِيمٌ حَمِيمًۭا ﴿10﴾
يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍۭ بِبَنِيهِ ﴿11﴾
وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ ﴿12﴾
وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـْٔوِيهِ ﴿13﴾
وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴿14﴾
﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ جبريل أفرد بالذكر تشريفا ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى العرش ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى محل الرضوان والكرامه ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى حيث أمر وقضى لأن الله لايحويه مكان ولايحده زمان "إليه" إلى الله هل يقال كذلك؟ من هنا قيل هي من المتشابهات فقال بعضهم تدعها والله أعلم باويلها وقال بعضهم "إليه" إلى محل الكرامه إلى محل الرضا والرضوان إلى حيث قضى وأمر إلى عرشه وقالوا كما قال ربنا على لسان إبراهيم حكايه عنه في موضع آخر أو على لسان إبراهيم ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [سورة الصافات آية: ٩٩] هل ذهب إلى ربه؟ أين ذهب إلى ربه؟ أني ذاهب إلى ربي أي حيث أمر ربي أوحيث قضى لي ربي هنا قال ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ إلى حيث أمر ربي إلى حيث قضى إلى محل الكرامه إلى محل الرضوان إلى عرشه لأن الذات العليه تتنزه عن المكان والزمان وتتقدس عن الإختصاص بالجهات ولايحويه مكان ولايحده زمان تعرج إليه ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قالوا المسافه التي تعرج إليها الملائكه إلى حيث أراد الله تلك المسافه لو قطعها إنسان يقطعها في خمسين ألف سنه تقطعها الملائكه في يوم للتديل على سرعه الملائكه فما تقطعه أنت بوسائلك الحديثه وغير الحديثه في خمسين ألف سنه تقطعه الملائكه في يوم واحد وقالوا الكلام على سبيل التمثيل والتخييل وضرب الأمثال لبيان أو المساحات والمسافات شاسعه والرقى إلى الله وإلى محل رضوانه فوق الخيال وفوق الحساب ولانهايه لها فجيء بكلمه خمسين ألف سنه وقالوا خمسين ألف سنه ذاك طول يوم القيامه ﴿فِي يَوْمٍ﴾ الذي هو يوم القيامه طوله خمين ألف سنه وقالوا إن يوم القيامه فيه خمسين موقفا كل موقف ألف سنه للتوفيق بين هذه الآية وبين قوله ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [سورة الحج آية: ٤٧] وقالوا يوم القيامه لانهاية له له أول وليس له آخر أوله نفخه الحشر أيت آخره؟ هل ينتهي بغروب الشمس؟ هل ينتهي بقدوم ليل؟ لا نهاية له لأن الحساب ونشر الديوان ونصب الميزان يعقبه بعد ذلك جنه ونار وخلود لانهايه له فيوم القيامه لانهاية له فكيف يقال إن طوله خمسون ألف سنه؟ قالوا خمسون ألف سنه ذاك وقت الحساب قبل أن تتفتح أبواب النار وقبل أن تتفتح أبواب الجنة وهنا حين سمع الناس ذلك قيل أن بعضهم سأل رسول الله وقال يارسول الله ما أطول ذلك اليوم فقال النبي والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاه مفروضه يصليها في الدنيا إذا فهو خمسون ألف سنه على الكافرين أما المؤمنين فيمر عليهم مر البرق كوقت صلاه مفروضه كوقت صلاه واحده والله على كل شيء قدير ثم يسري عن حبيبه ويسليه ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ يؤذونك بالكلام يستعجلونك بالعذاب يكذبونك فاصبر صبرا جميلا الصبر الجميل هو الذي لاشكوى فيه لأحد غير الله فمهما إشتكي العبد فليس يصابر مهما إشتكى لأحد من الخلائق فهو ليس بصابر صبرا جميلا الصبر الجميل لاجزع فيه ولا ضجر فيه ولا شكوى فيه ذاك هو الصبر الجميل لاتشتكي الله لأحد من خلقه ولا تستعجل كشف الغمه أو كشف الكربه ولاتضجر ولا تيأس ولاتمل ذاك هو الصبر الجميل ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ أي بعيد عن الوقوع أي لن يحدث وليس بعيدا بمعنى لم يأت أواونه أو أن هناك مده طويله أو ليس عاجلا أو أن الزمان سوف يطول بهم إنهم يرونه بعيدا بمعنى بعيدا عن الوقوع مستحيلا أن يحدث كقولك ذاك أمر بعيد أي بعيد الإحتمال لن يقع ﴿إِنَّهُمْ﴾ الكفار ﴿يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ ﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ ربنا يراه قريبا أي واقع لامحاله وكل آت قريب وتبدأ أوصاف يوم القيامه ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ والسماء محيطه بالأرض وهي ليست سماء واحده ولكنها سبع سموات المهل الرصاص المذاب المهل كل معدن كل فلتر الفلترات والمعادن إذا أذيبت على مهل ذاك المذاب من المعادن والفلترات كالرصاص والنحاس يسمى مهل وتخيل إذا أمطرت السماء قليلا واشتد المطر صبرى الناس وخافوا واحتموا من الماء وإذا أمطرت بعض الثلوج فزع الناس واختبأوا فكيف إذا نزلت السماء وأمطرت بالمهل بالنحاس والرصاص المذاب معادن ملتهبه ذائبه تقع على الأرض تكون السماء كالمهل ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ العهن الصوف المصبوغ إذا لم يكن مصبوغا لن يسمى عهنا الصوف هو الماده غير المصبوغه إذا صبغ الصوف سمي عهنا تكون الجبال كالعهن تتفتت أول أمرها فتصبح كالرمل المكوم ﴿كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ [سورة المزمل آية: ١٤] ثم يصبح كالعهن قِطَعْ عهن وعهنه مفرد عهنه وعهن وعهن الصوف الملون إذا بالجبال تطير في الهواء بعد أن كانت مهيلا كالرمل إذا بها تتحول إلى منظر كقطع من الصوف الملون حسب لون الجبال منها ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [سورة فاطر آية: ٢٧] وكذلك بألوانها تطير في الهواء وفي السماء كالعهن المنقوش ثم بعد ذلك تصبح هباءا منثورا أحوال وأهوال أهوال وأفزاع لا تحتملها الجبال ولا تحتملها السموات ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [سورة المزمل آية: ١٨] السماء منفطر به والتي يقول فيها خالقها ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [سورة الذاريات آية: ٤٧] ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ وقرأت ﴿ولايُسأل حميم حميما﴾ الحميم: الصديق المشفق الحميم القريب والحميم أصلا الحراره والماء الحار فيطلق على الصديق الذي إمتلأ قلبه بحبك أو يحترق من أجلك يطلق عليه كلمه حميم ﴿لايُسأل حميم حميما﴾ لايُسأل أحد ولايسأل أحد، كلٌ في شأنه كل مشغول ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ يعرّفونهم الناس تتعارف يتعارفون بينهم ورغم التعارف إذا بهم يغرون من بعضهم فيعرف الرجل أباه ويعرف الرجل إبنه وتعرف الأم ولدها ويعرف الولد أمه وبعد التعارف يحدث الفرار فهم يتعارفون أولا ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ بعد ذلك يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه كل يفر كل بشأنه مشغول وتنادي الأم ولدها يابني ويعرفها وتقول له ألم يكن بطني لك وعاءا ألم يكن حجري لك وطاءا ألم يكن ثدي لك غذاءا يابني إحمل عني شيئا فيقول إليك عني إني بأمري عنك مشغول نعم لكل إمريء منهم يؤمئذ شأن يغنيه ايها الاخ المسلم ذاك يوم لاينفعك فيه إلا العمل ذاك يوم لاينفعك فيه إلا صدقه أو كلمة طيبه أو معروف أو إحسان ذاك يوم لاينفع الأب إبنه ﴿يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ [سورة لقمان آية: ٣٣] إما أن تمر عليك اللحظات والسنون كمر البرق كصلاة فريضه أو تمر عليك كخمسين ألف سنه أنت واختيارك ماذا تختار الرضا والنور أم تختار الخزي والعار فإنه يوما يجعل الوالدان شيبا يوم يغضب ربنا فيه غضبه لم يغضب مثلها من قبل ولن يغضب مثلها بعد حلم الله وإمهاله مئات الف ملايين السنين حلم وإمهال لمئات لألوف لملايين لأعداء لاعد لها ولاحصر من الناس يأمرهم بما يصلحهم ينهاههم عما يتلفهم يرسل وينزل ويخاطب بالمنطق ويكلم العقول أي حلم وأي إمهال يرزقهم ويشكرون غيره يخلقهم ويعبدون غيره يسترهم ويفضحون أنفسهم يبيت العبد عاصيا ستره الله فيصيبح فيحدث الناس بمعصيته فيكشف ستر الله عليه الإنسان يمشي في هذه الدنيا لايملك شيئا حتى أنفاسه لايملكها وحاول ايها الضعيف أن تحبس أنفاسك حاول أيها المسكين أن تنظم أنفاسك حاول أفشلت؟ أعلمت أنك ضعيف؟ حاول أيها المسكين أن تتحكم في دقات قلبك حاول أن تعجل بها حاول أن تبطئها حاول أن تأمر معدتك بهضم الطعام بل حاول أن تأمرها بلفظ الطعام حاول أن تخرج فضلاتك وقتما شئت أفشلت؟ أعلمت أنك مسكين؟ أعلمت أنك ضعيف؟ أعلمت أنك في يد القدره تحركك كيف يشاء أين أنت من الله؟ أين أنت من الخالق الرازق؟ أين أنت من الحنّان المنّان؟ أين أنت منه؟ أمصطلح أنت معه؟ أراضٍ أنت عنه؟ هل تكلمه؟ هل تناجيه؟ هل تعطيه أذنك؟ هل تأتنس به؟ هل تلجأ إليه؟ أتحبه؟ أتشعر به؟ أفقْ أيها الغافل أفيق فالسعاده موجوده قريبه المنال ولكنك أنت بعيد عنها أين أنت من الله أنت؟ أين أنت من الحنان الدافق؟ أين أنت من الستر؟ أين من العنايه والكلاءه والرعايه أين أنت من العين الذي لاينام ومن الركن الذي لايرام والعز الذي لايضام؟ أتركت كل ذلك من أجل دنيا زائله؟ أتركت كل ذلك من أجل مال ضائع؟ أتركت كل ذلك من أجل اللهو والتسليه أتركت كل ذلك من أجل أُنس وإئتناس بأناس يفرون عنك غدا بل يقدمونك للنار يفدون أنفسهم بك ويتمنون لو فعلوا ذلك واسمع ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ ببنيه بأولاده أيتخيل الإنسان ذلك؟ هل يمكن لك أن تتصور أن تحمل إبنك بيم يديك وترمي به تحت عجلات سياره بدلا من نفسك إذا وجدت وليدك وإبنك قد جرى في الطريق وجاءت سياره مسرعه وهمت بأن تدهمه ماذا تفعل؟ ألا تجري إليه ألا تجري وتحتضنه وتحميه بنفسك ألا تفعل ذلك كل الناس يفعل ذلك فكيف يفر المرء من أخيه ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ ﴿من عذابٍ يومئذ﴾ قراءه بتنوين عذابٍ ونصب يوم ﴿وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ﴾ الزوجه والأخ والولد ولايكفيه ذلك ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ الفصيله التي إنفصل عنها أي نتج منها أي خرج منها العشيره الأقارب يدخل فيها الأب والجد والعم وهكذا العشيره القريبه وفصيلته سميت بالفصيله لأنها فصلت عن القبيله أو سميت فصيله لأنه هو إنفصل منها نبت منها وخرج منها ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ تؤيه تأمنه في الدنيا تحميه في الدنيا تثور من أجله تنتقم بسببه تثأر له هذه الفصيله التي كانت تؤيه في الدنيا يتمنى أن يفتدي بها بل ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ ياسبحان الله ومن في الأرض جمعيا وثم هنا ليست للتراخي ليست للترتيب للتراخي كما هي في اللغه العربيه في إعتياد الكلام ثم هنا للإستبعاد بمعنى النهي عن تمنى ذلك نعم لكن الله يقول له ويشعره بتعبير الآيات إياك إياك والتمني والوداده ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ﴾ إستبعاد لهذه الوداده وإن ودّ وإن تمنى وإن قدم بنيه وقدّم فصيلته التي تؤؤيه ومن في الأرض جمعيا ثم ينجيه كلا إنها لظى
كَلَّآ ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ ﴿15﴾
نَزَّاعَةًۭ لِّلشَّوَىٰ ﴿16﴾
تَدْعُوا۟ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ﴿17﴾
وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰٓ ﴿18﴾
إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿19﴾
إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًۭا ﴿20﴾
وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿21﴾
إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ ﴿22﴾
ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ ﴿23﴾
وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّۭ مَّعْلُومٌۭ ﴿24﴾
لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ ﴿25﴾
وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿26﴾
وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴿27﴾
إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍۢ ﴿28﴾
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ ﴿29﴾
إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿30﴾
فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ ﴿31﴾
وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ ﴿32﴾
وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَـٰدَٰتِهِمْ قَآئِمُونَ ﴿33﴾
وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿34﴾
وجاءت صفات أخرى خاصه بالمجتمع فالصلاه ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ تختص بالعبد تنهاه عن الفحشاء والمنكر تذكره بالله توقفه أمام الله في اليوم والليله خمس مرات مذكره أيام بالوقف يوم الحساب إذاً فهم يخافون من الحق يشفقون على الخلْق ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(٢٤)لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(٢٥)﴾ إشفاق على الخلْق ﴿يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ إيمان وعقيده وعمل ﴿مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ خائفون رغم طاعتهم ورغم أعمالهم غير مطمئنين لعملهم ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ كلام يبين أن الواجب على الإنسان أن يحذر ويخاف ويأتي الكلام الخاص بالمجتمع ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(٢٩)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(٣٠)فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(٣١)﴾ تنظيم المجتمع الحفاظ على الحياه الزوجيه الحفاظ على الأولاد الحفاظ على البيوت الحفاظ على العفه حفظ النسل والنسب ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ كنايه رقيقه تعبير راق تعبير لا فحش فيه يعبر بالكنايه والفرج معلوم ومعروف ﴿حَافِظُونَ﴾ محافظون على فروجهم ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ الرقيقات المملوكات فمن فعل ذلك وأباح فرجه لزوجته وما ملكت يمينه فقط ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ لايلامون والملوم الذي قد يلام غير ذنب أما المليم هو ما فعلا يستحق أن يلام عليه فالذين لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين أي لا لوم عليهم أصلا فقد وضعوا الشيء في موضعه بل هم على ذلك مثابون لقول النبي (ان في بضع احدكم لصدقه) في بضع أحدكم كنايه عن النطفه التي يضعها الرجل في رحم امرأته قالوا يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيثاب على ذلك قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان يعاقب قالوا نعم قال فكذلك إن في بضع أحدكم لصدقه إذا فقد يثاب المرء على إتتانه لشهوته يأكل ويثاب ينام ويؤجر يأتي شهوته وتكتب له الحسنات أي رحمة؟ أي حنان أي عطاء بشرط النيه أن تكون في الحلال ومن الحلال وابتغاء الحلال ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ الابتغاء بغي الشيء وابتغاه طلبه أشد الطلب الذين يبتغون وراء ذلك يسعون إلى ما وراء ذلك إلى ماهو غير حلال ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾ خلاف ماذكر الزوجه المحلله وملك اليمين ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ المتعدون والمتجاوزوز للحدود وللأوامر عدا الأمر وتعداه تجاوزه فأولئك هم الذين تعدوا الحدود وانتقلوا من الحلال إلى الحرام أولئك الذين تعدوا وتجاوزوا الأوامر والمباحات ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ لأمنتهم مفرد وجمع قراءتان، الأمانه إسم جن تطلق على كل مايؤتمن عليه المرء فإذا قرأت والذين هم لأمنتهم فهي إسم جن تعمّ كل أمانه وإن قرأت ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ﴾ فقد تعددت الأمانات نعم الشرائع أمانه حديث رسول الله أمانه القرآن بين يديك أمانه أبناؤك أمانه مالك أمانه لأنك لم تخلق شيئا ولم تصنع شيئا أنت جئت من العدم أنت نفسك معدوم جئت أصلا من العدم كل ما أعطاك الله خوّلك أمانه أنت مسئول عنها يوم القيامه وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ رعى: حفظ الرعايه الحفظ فهم يحفظون الأمانه أمانات الناس لديهم وسر أخيك لديك أمانه فإن حدثك حديث ثم إلتفت فهي أمانه كلام أخيك لك أمانه أسرار الزوج لأمرأته أمانه شكل الزوجه وما إطلع عليه الرجل منها أمانه يحرم إفشاؤها أعضاؤك أمانه الشرائع الأوامر أمانه وأما العهود فهو ما إتفقت فيه مع غيرك وتعاهدت معه عليه وآية المنافق إذا عاهد غدر أما هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات الكامله فهم لأماناتهم وعهدهم راعون يحافظون على العهود يؤدونها يوفون بالعهد ولا ينقضون الميثاق ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ –بشهادتهم- قرأت بالإفراد وقرأت بالجمع بشادتهم إسم جنس تعم كل شهادة بشهادتهم قائمون يشهدون على القريب والغريب يشهدون على الغني والفقير بالحق لايخوفون الشهاده يدلون بالشهادة ولايكتمونها ولا يغيرونها أبدًا فإن استدعوا للشهادة أدوها على وجهها لا يكتمون الشهاده أبدا لأنهم يعلمون أن من يكتم الشهاده فهو آثم قلبه فهم بشهاداتهم قائمون هل أداء الشهاده من ضمن الآمانات؟ نعم أداء الشهاده من ضمن الأمانه فشهادتك بما رأيت أمانه فإذا إستدعيت لتؤدي بالشهاده فهي أمانه لم ذكرت مفرده مخصوصه بعد التعميم حيث قال ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ ومن طمنها الشهاده فجاء بها على التخصيص وقال ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ خصت بالذكر بعد أن جاءت في العموم في الآية السابقه وذلك للحفاظ على حقوق الناس فحقوق الناس خطيره ومن إقتطع سير سلم بغير حق لقى وهو عليه غضبان ومن إقتطع شبر أرض من مسلم بيمين فاجر طوّق به إلى سبع راضين حقوق العباد مال غيرك كنفسه وروحه وقد قرن الله بين النفس والروح في آية واحده فقال ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [سورة النساء آية: ٢٩- ٣٠] إذًا فأكل المال كقتل النفس ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ تخصيص الذكر في الشهاده رغم أنها جاءت في التعميم في الأمانات إلا أنه جاء بها وأفردها بالذكر لبيان أهميه الشهاده إياك إياك وأن تجامل جارك أو تجامل صديقك أو تشفق على فقير فتشهد لصالحه زورا وبهتانا فربنا يقول ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى﴾ [سورة النساء آية: ١٣٥] إنتبه لأداء الشهاده فهناك من يجاملون جيرانهم وأصدقاءهم وأقربائهم ويجاملون الفقراء فيشهدون لهم في المحاكم مجامله أو يشهدون بأجر ويل لهم فقد فارقوا مايقارب الشرك أكبر الكبائر شهاده الزور أكبر الكبائر بعد الشرك بالله شهاده الزور وعقوق الوالدين ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ المحافظه على الصلاة غير الدوام في الآيات الصفات ثمانيه بعدد أبواب الجنة قدمت بالصلاه وختمت بالصلاة في الأول قال ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ وفي النهايه قال ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ إذا فالدوام على الصلاه غير المحافظه عليها الدوام على الصلاه يتعلق بالصلاه نفسها والمحافظه تتعلق بأحوالها فالذين يداومون على الصلاه الذين يؤدون الفرائض ولا يتخلفون عن فرض لايسهون ولاينامون عن فرض ولا يتشاغلون عن فريضه فهم يؤدون الصلاه في مواقيتها لايفوتهم فرض أبدا فهم دائمون على الصلاه لايصلي مره يقطع مره وإنما يصلي جميع الفرائض ذاك هو الدوام أما المحافظه فهو إسباغ الوضوء والخشوع في الصلاه والأداء بالكيفيه المطلوبه من ستر العوره واستقبال القبله وطهاره الثوب طهاره البدن وطهارة المكان ويكون ماتصلي فيه من مال حلال فالصلاه في الثوب المغصوب باطله والصلاه في المسجد المغتصبه أرضه باطله فلابد أن يكون من حلال ووضوءك الماء من حلال فهم يحافظون على الصلاة على أركانها ووضوئها على الخشوع فيها على عدم الإلتفات أثنائها على ألا يبطلها مبطل تلك هي المحافظه فالدوام على الصلاة من حيث الصلاه نفسها والمحافظه من حيث أحوال الصلاه