سورة المعارج

مقدمة‬‬‬‬
‫لقاؤنا مع سورة المعارج وسورة المعارج سورة مكيه شأنها شأن السور المكيه التي تعالج العقيده نزلت سورة المعارج تحذر وتنذر وتصف لنا أهوال يوم القيامه وتبين أن الناس فريقان فريق في الجنه وفريق في السعير كان الناس في مكه يستهزئون برسول الله وكلما خوّفهم زادهم ذلك نفورا وكلما حذرهم إزدادوا طغيانا كبيرا حتى أنهم كانوا يستعجلون العذاب وبدلا من أن يسألوا الله الهدى سألوه العقاب سفاهه ﴿وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ﴾ [سورة النور آية‫:‬ ٤٠] يقول أحدهم داعيا سائلا متضرعا إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجاره من السماء أو ائتنا بعذاب أليم بدلا من أن يقولوا إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه أو افتح قلوبنا له والآخر يقول اسقط علينا كسفا من السماء من هنا نزلت السورة تبين لهم أن الله لايستعجل وأنه حليم ولا يستفزه عصيان الناس فلا تضره المعاصي ولاتنفعه الطاعات ومهما فعلوا ومهما قالوا فالله تبارك وتعالى مطلّع محيط أعد لهم مايستحقونه في أول السوره يأتي ذكر هذا الداعي وهذا السائل وهذا المستعجل والمستدعي للعذاب‬‬‬‬‬‬‬

سَأَلَ سَآئِلٌۢ بِعَذَابٍۢ وَاقِعٍۢ ﴿1﴾ لِّلْكَـٰفِرِينَ لَيْسَ لَهُۥ دَافِعٌۭ ﴿2﴾ مِّنَ ٱللَّهِ ذِى ٱلْمَعَارِجِ ﴿3﴾
سأل سائل أي دعي داع لأن السؤال واستدعاء وقرأت سأل سايل بغير همز بمعنى سأل سأئل وهي قراءه وهي لغه وقرأت سأل سيْل من السيلان وكأن هناك في جهنم سيْل من العذاب سيْل ذاك الوادي المملوء بلظى سال بالعذاب فهو آتيهم لامحاله سال سيْل بعذاب واقع وقال واقع وهو لم يقع بعد ليدلل على أن العذاب آتٍ لامحاله سأل سائل بعذاب يقع أولا يقع فربنا يقول واقع حادث وكأنه قد وقع هذا المستدعي للعذاب المستعجل له سأل بعذاب والباء بمعنى عن أي سأل سائل عن كقوله تبارك وتعالى ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [سورة الفرقان آية‫:‬ ٥٩] أي فاسأل عنه أو الباء زائده للتأكيد كقوله ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾ [سورة المؤمنون آية‫:‬ ٢٠] أي تنبت الدهن ﴿سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ(١)لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ(٢)﴾ إذا ً فهذا العذاب واقع على الكافرين لامحاله وهو مختص بهم ﴿لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ﴾ أي لا يُدفع لايدفعه أحد لايمنعه أحد لأن الله إذا أراد شيئا فلا راد لقضائه ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ﴾ هذا العذاب من قبل الله قادم من جهته وبأمره ﴿ذِي الْمَعَارِجِ﴾ وقرأت (ذي المعاريج) المعراج والمعارج والمعاريج الدرجات المصاعد هذه الآية قال فيها العلماء المعارج المصاعد المعارج السموات السبع المعارج الدرجات العلى المعارج درجات المؤمنين في الجنة المعارج المصاعد التي يصعد فيها الكلام الطيب والعمل الصالح ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [سورة فاطر آية‫:‬ ١٠] فالمعارج تصعد فيها الكلمات الطيبات وتصعد فيها الأعمال الصالحات أو المعارج التي يصعد فيها الملائكة أو هي درجات الجنة أو إرتفاع المؤمنين في مقام التقوى والقرب من الله‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
تَعْرُجُ ٱلْمَلَـٰٓئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍۢ ﴿4﴾ فَٱصْبِرْ صَبْرًۭا جَمِيلًا ﴿5﴾ إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُۥ بَعِيدًۭا ﴿6﴾ وَنَرَىٰهُ قَرِيبًۭا ﴿7﴾ يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ ﴿8﴾ وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ﴿9﴾ وَلَا يَسْـَٔلُ حَمِيمٌ حَمِيمًۭا ﴿10﴾ يُبَصَّرُونَهُمْ ۚ يَوَدُّ ٱلْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِى مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍۭ بِبَنِيهِ ﴿11﴾ وَصَـٰحِبَتِهِۦ وَأَخِيهِ ﴿12﴾ وَفَصِيلَتِهِ ٱلَّتِى تُـْٔوِيهِ ﴿13﴾ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا ثُمَّ يُنجِيهِ ﴿14﴾
‫﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ وهذه الآية من قبل أن نتكلم فيها نرى والله أعلم أنها من المتشابهات التي يجوز الخوض فيها وأنها تمر كما جاءت ويعلم تأويلها الله سبحانه وتعالى وقد قيل فيها من باب التوضيح وليس من باب التأويل تعرج الملائكه تصعد والروح جبريل جبريل من الملائكه أفرد بالذكر تخصيصا تشريفا تعظيما لقدره ورفعه شأنه أو الروح خلق آخر يعلمه الله أو الروح أرواح المؤمنين أو الروح ملك والأرجح الروح جبريل لقوله عز وجل في موضع آخر ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ(١٩٣)عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ(١٩٤)﴾ [سورة الشعراء آية‫:‬ ١٩٣- ١٩٤]‬‬‬‬‬‬‬
‫﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ جبريل أفرد بالذكر تشريفا ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى العرش ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى محل الرضوان والكرامه ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى حيث أمر وقضى لأن الله لايحويه مكان ولايحده زمان "إليه" إلى الله هل يقال كذلك؟ من هنا قيل هي من المتشابهات فقال بعضهم تدعها والله أعلم باويلها وقال بعضهم "إليه" إلى محل الكرامه إلى محل الرضا والرضوان إلى حيث قضى وأمر إلى عرشه وقالوا كما قال ربنا على لسان إبراهيم حكايه عنه في موضع آخر أو على لسان إبراهيم ﴿وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [سورة الصافات آية‫:‬ ٩٩] هل ذهب إلى ربه؟ أين ذهب إلى ربه؟ أني ذاهب إلى ربي أي حيث أمر ربي أوحيث قضى لي ربي هنا قال ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ﴾ إلى حيث أمر ربي إلى حيث قضى إلى محل الكرامه إلى محل الرضوان إلى عرشه لأن الذات العليه تتنزه عن المكان والزمان وتتقدس عن الإختصاص بالجهات ولايحويه مكان ولايحده زمان تعرج إليه ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ﴾ قالوا المسافه التي تعرج إليها الملائكه إلى حيث أراد الله تلك المسافه لو قطعها إنسان يقطعها في خمسين ألف سنه تقطعها الملائكه في يوم للتديل على سرعه الملائكه فما تقطعه أنت بوسائلك الحديثه وغير الحديثه في خمسين ألف سنه تقطعه الملائكه في يوم واحد وقالوا الكلام على سبيل التمثيل والتخييل وضرب الأمثال لبيان أو المساحات والمسافات شاسعه والرقى إلى الله وإلى محل رضوانه فوق الخيال وفوق الحساب ولانهايه لها فجيء بكلمه خمسين ألف سنه وقالوا خمسين ألف سنه ذاك طول يوم القيامه ﴿فِي يَوْمٍ﴾ الذي هو يوم القيامه طوله خمين ألف سنه وقالوا إن يوم القيامه فيه خمسين موقفا كل موقف ألف سنه للتوفيق بين هذه الآية وبين قوله ﴿وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ﴾ [سورة الحج آية‫:‬ ٤٧] وقالوا يوم القيامه لانهاية له له أول وليس له آخر أوله نفخه الحشر أيت آخره؟ هل ينتهي بغروب الشمس؟ هل ينتهي بقدوم ليل؟ لا نهاية له لأن الحساب ونشر الديوان ونصب الميزان يعقبه بعد ذلك جنه ونار وخلود لانهايه له فيوم القيامه لانهاية له فكيف يقال إن طوله خمسون ألف سنه؟ قالوا خمسون ألف سنه ذاك وقت الحساب قبل أن تتفتح أبواب النار وقبل أن تتفتح أبواب الجنة وهنا حين سمع الناس ذلك قيل أن بعضهم سأل رسول الله وقال يارسول الله ما أطول ذلك اليوم فقال النبي والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاه مفروضه يصليها في الدنيا إذا فهو خمسون ألف سنه على الكافرين أما المؤمنين فيمر عليهم مر البرق كوقت صلاه مفروضه كوقت صلاه واحده والله على كل شيء قدير ثم يسري عن حبيبه ويسليه ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ يؤذونك بالكلام يستعجلونك بالعذاب يكذبونك فاصبر صبرا جميلا الصبر الجميل هو الذي لاشكوى فيه لأحد غير الله فمهما إشتكي العبد فليس يصابر مهما إشتكى لأحد من الخلائق فهو ليس بصابر صبرا جميلا الصبر الجميل لاجزع فيه ولا ضجر فيه ولا شكوى فيه ذاك هو الصبر الجميل لاتشتكي الله لأحد من خلقه ولا تستعجل كشف الغمه أو كشف الكربه ولاتضجر ولا تيأس ولاتمل ذاك هو الصبر الجميل ﴿فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا﴾ ﴿إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ أي بعيد عن الوقوع أي لن يحدث وليس بعيدا بمعنى لم يأت أواونه أو أن هناك مده طويله أو ليس عاجلا أو أن الزمان سوف يطول بهم إنهم يرونه بعيدا بمعنى بعيدا عن الوقوع مستحيلا أن يحدث كقولك ذاك أمر بعيد أي بعيد الإحتمال لن يقع ﴿إِنَّهُمْ﴾ الكفار ﴿يَرَوْنَهُ بَعِيدًا﴾ ﴿وَنَرَاهُ قَرِيبًا﴾ ربنا يراه قريبا أي واقع لامحاله وكل آت قريب وتبدأ أوصاف يوم القيامه ﴿يَوْمَ تَكُونُ السَّمَاءُ كَالْمُهْلِ﴾ والسماء محيطه بالأرض وهي ليست سماء واحده ولكنها سبع سموات المهل الرصاص المذاب المهل كل معدن كل فلتر الفلترات والمعادن إذا أذيبت على مهل ذاك المذاب من المعادن والفلترات كالرصاص والنحاس يسمى مهل وتخيل إذا أمطرت السماء قليلا واشتد المطر صبرى الناس وخافوا واحتموا من الماء وإذا أمطرت بعض الثلوج فزع الناس واختبأوا فكيف إذا نزلت السماء وأمطرت بالمهل بالنحاس والرصاص المذاب معادن ملتهبه ذائبه تقع على الأرض تكون السماء كالمهل ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ﴾ العهن الصوف المصبوغ إذا لم يكن مصبوغا لن يسمى عهنا الصوف هو الماده غير المصبوغه إذا صبغ الصوف سمي عهنا تكون الجبال كالعهن تتفتت أول أمرها فتصبح كالرمل المكوم ﴿كَثِيبًا مَهِيلًا﴾ [سورة المزمل آية‫:‬ ١٤] ثم يصبح كالعهن قِطَعْ عهن وعهنه مفرد عهنه وعهن وعهن الصوف الملون إذا بالجبال تطير في الهواء بعد أن كانت مهيلا كالرمل إذا بها تتحول إلى منظر كقطع من الصوف الملون حسب لون الجبال منها ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ﴾ [سورة فاطر آية‫:‬ ٢٧] وكذلك بألوانها تطير في الهواء وفي السماء كالعهن المنقوش ثم بعد ذلك تصبح هباءا منثورا أحوال وأهوال أهوال وأفزاع لا تحتملها الجبال ولا تحتملها السموات ﴿السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ﴾ [سورة المزمل آية‫:‬ ١٨] السماء منفطر به والتي يقول فيها خالقها ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ [سورة الذاريات آية‫:‬ ٤٧] ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ وقرأت ﴿ولايُسأل حميم حميما﴾ الحميم‫:‬ الصديق المشفق الحميم القريب والحميم أصلا الحراره والماء الحار فيطلق على الصديق الذي إمتلأ قلبه بحبك أو يحترق من أجلك يطلق عليه كلمه حميم ﴿لايُسأل حميم حميما﴾ لايُسأل أحد ولايسأل أحد، كلٌ في شأنه كل مشغول ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ يعرّفونهم الناس تتعارف يتعارفون بينهم ورغم التعارف إذا بهم يغرون من بعضهم فيعرف الرجل أباه ويعرف الرجل إبنه وتعرف الأم ولدها ويعرف الولد أمه وبعد التعارف يحدث الفرار فهم يتعارفون أولا ﴿يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ بعد ذلك يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه كل يفر كل بشأنه مشغول وتنادي الأم ولدها يابني ويعرفها وتقول له ألم يكن بطني لك وعاءا ألم يكن حجري لك وطاءا ألم يكن ثدي لك غذاءا يابني إحمل عني شيئا فيقول إليك عني إني بأمري عنك مشغول نعم لكل إمريء منهم يؤمئذ شأن يغنيه ايها الاخ المسلم ذاك يوم لاينفعك فيه إلا العمل ذاك يوم لاينفعك فيه إلا صدقه أو كلمة طيبه أو معروف أو إحسان ذاك يوم لاينفع الأب إبنه ﴿يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾ [سورة لقمان آية‫:‬ ٣٣] إما أن تمر عليك اللحظات والسنون كمر البرق كصلاة فريضه أو تمر عليك كخمسين ألف سنه أنت واختيارك ماذا تختار الرضا والنور أم تختار الخزي والعار فإنه يوما يجعل الوالدان شيبا يوم يغضب ربنا فيه غضبه لم يغضب مثلها من قبل ولن يغضب مثلها بعد حلم الله وإمهاله مئات الف ملايين السنين حلم وإمهال لمئات لألوف لملايين لأعداء لاعد لها ولاحصر من الناس يأمرهم بما يصلحهم ينهاههم عما يتلفهم يرسل وينزل ويخاطب بالمنطق ويكلم العقول أي حلم وأي إمهال يرزقهم ويشكرون غيره يخلقهم ويعبدون غيره يسترهم ويفضحون أنفسهم يبيت العبد عاصيا ستره الله فيصيبح فيحدث الناس بمعصيته فيكشف ستر الله عليه الإنسان يمشي في هذه الدنيا لايملك شيئا حتى أنفاسه لايملكها وحاول ايها الضعيف أن تحبس أنفاسك حاول أيها المسكين أن تنظم أنفاسك حاول أفشلت؟ أعلمت أنك ضعيف؟ حاول أيها المسكين أن تتحكم في دقات قلبك حاول أن تعجل بها حاول أن تبطئها حاول أن تأمر معدتك بهضم الطعام بل حاول أن تأمرها بلفظ الطعام حاول أن تخرج فضلاتك وقتما شئت أفشلت؟ أعلمت أنك مسكين؟ أعلمت أنك ضعيف؟ أعلمت أنك في يد القدره تحركك كيف يشاء أين أنت من الله؟ أين أنت من الخالق الرازق؟ أين أنت من الحنّان المنّان؟ أين أنت منه؟ أمصطلح أنت معه؟ أراضٍ أنت عنه؟ هل تكلمه؟ هل تناجيه؟ هل تعطيه أذنك؟ هل تأتنس به؟ هل تلجأ إليه؟ أتحبه؟ أتشعر به؟ أفقْ أيها الغافل أفيق فالسعاده موجوده قريبه المنال ولكنك أنت بعيد عنها أين أنت من الله أنت؟ أين أنت من الحنان الدافق؟ أين أنت من الستر؟ أين من العنايه والكلاءه والرعايه أين أنت من العين الذي لاينام ومن الركن الذي لايرام والعز الذي لايضام؟ أتركت كل ذلك من أجل دنيا زائله؟ أتركت كل ذلك من أجل مال ضائع؟ أتركت كل ذلك من أجل اللهو والتسليه أتركت كل ذلك من أجل أُنس وإئتناس بأناس يفرون عنك غدا بل يقدمونك للنار يفدون أنفسهم بك ويتمنون لو فعلوا ذلك واسمع ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ ببنيه بأولاده أيتخيل الإنسان ذلك؟ هل يمكن لك أن تتصور أن تحمل إبنك بيم يديك وترمي به تحت عجلات سياره بدلا من نفسك إذا وجدت وليدك وإبنك قد جرى في الطريق وجاءت سياره مسرعه وهمت بأن تدهمه ماذا تفعل؟ ألا تجري إليه ألا تجري وتحتضنه وتحميه بنفسك ألا تفعل ذلك كل الناس يفعل ذلك فكيف يفر المرء من أخيه ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ﴾ ﴿من عذابٍ يومئذ﴾ قراءه بتنوين عذابٍ ونصب يوم ﴿وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ﴾ الزوجه والأخ والولد ولايكفيه ذلك ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ الفصيله التي إنفصل عنها أي نتج منها أي خرج منها العشيره الأقارب يدخل فيها الأب والجد والعم وهكذا العشيره القريبه وفصيلته سميت بالفصيله لأنها فصلت عن القبيله أو سميت فصيله لأنه هو إنفصل منها نبت منها وخرج منها ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ﴾ تؤيه تأمنه في الدنيا تحميه في الدنيا تثور من أجله تنتقم بسببه تثأر له هذه الفصيله التي كانت تؤيه في الدنيا يتمنى أن يفتدي بها بل ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ ياسبحان الله ومن في الأرض جمعيا وثم هنا ليست للتراخي ليست للترتيب للتراخي كما هي في اللغه العربيه في إعتياد الكلام ثم هنا للإستبعاد بمعنى النهي عن تمنى ذلك نعم لكن الله يقول له ويشعره بتعبير الآيات إياك إياك والتمني والوداده ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ﴾ إستبعاد لهذه الوداده وإن ودّ وإن تمنى وإن قدم بنيه وقدّم فصيلته التي تؤؤيه ومن في الأرض جمعيا ثم ينجيه كلا إنها لظى
كَلَّآ ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ ﴿15﴾ نَزَّاعَةًۭ لِّلشَّوَىٰ ﴿16﴾ تَدْعُوا۟ مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّىٰ ﴿17﴾ وَجَمَعَ فَأَوْعَىٰٓ ﴿18﴾
‫﴿كَلَّا﴾ كلمة زجر ورد لاأبدا لايمكن ولن يحدث ولايجدي كلا وتقف ثم تنشيء القراءه (إِنَّهَا لَظَى) والكلام عنها المنتظره والتي تلتتقطهم كما يلتقط الطائر الحب أرأيتم الطائره إذا حط على الأرض فالتقط الحب هكذا جهنم تلتقطهم كما يلتقط الطائر الحبه أو تصِلْ ﴿كَلَّا إِنَّهَا لَظَى﴾ بمعنى حقا إنها لظى كلا كلمة قد تعني لا رفض لكلام سابق فإن كانت كذلك فالوقف عليها وكلا قد تعني حقا فإن كان كذلك وجب وصل الكلام من هي لظى وكيف جاءت سيرتها؟ والكلام لم يدل عليها ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ(١١)وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ(١٢)وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ(١٣)وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ(١٤)﴾ ينجيه الإشاره هنا طالما جاء ذكر النجاه إذا ً فلابد وأن يكون هناك هلاك ينجيه من أي شيء إذا فهناك هلاك يتمنى المرء أن ينجو من هذا الهلاك بالدنيا وما فيها وقد يكون من السهل عليك أنتنجو من كل ذلك بدرهم برغيف خبز بلقمه بكلمه طيبه بمسحه على رأس يتيم (اتقوا النار ولو بشق تمره) كانت وكانت كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون هاهي الدنيا أمامكم فسحه من الوقت متسعه لكم إنفقوا تنجو ا من الهلاك المال أم الأبناء أنت تفتدي نفسك الآن بمال بلقمه خبز بإطعام مسكين بصدقه بكلمه طيبه بإماطه الأذى عن الطريق بأن تلقى أخاك بوجه باسم غدا تود لو تفتدي ببنيك وصاحبتك وأخيك وفصيلتك التي تؤويك ومن في الأرض جمعيا ثم ينجيك ويقال لك كلا إنها لظى والكلام عنها وأعاذنا الله وإياكم لظى طبقه من طباق جهنم أو هي إسم من أسمائها ولها أسماء وأي أسماء وأي صفات وأوصاف واللظى شدة اللهب ﴿نَزَّاعَةً لِلشَّوَى﴾ نزاعةٌ بالرفع الشوى‫:‬ جلده الرأس تنزع من لهب لظى نزاعه قلاعه الشوى‫:‬ جمع شواه كلمة شواةٍ أي جلدة الرأس جمعها شوى والشوى من الإنسان أطرافه وأعضاؤه وجلوده رماه فأشواه أي أصابه في غير مقتل أصاب أطرافه والشوى جلدة الرأس تنزع من لهب لظى نزاعه قلاعه تقلع الجلد جلد الرأس والأطراف وكلما قلعت جلد الرأس تنبت غيره في النور واللحظه وكلما طارت الأطراف منها الأصابع تطير أصابع الأقدام وأصابع الأيدي وكل الأطراف وكل مازاد في الجسم تطيش وتشوى الوجوه وتنزع وإذا بها تنبت في الحال ماهو إلا ألم ماهو إلا عذاب، ﴿تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ من أدبر عن الحق وتولى عن الطاعه من أدبر عن عباده ربه من أدبر من إبتعد من أعطى دبره الدبر الظهر وكأنه أعطاك ظهره أنت تدعوه إلى الخير وبدلا من أن يقبل عليك بوجهه يعطيك ظهره ذاك هو الإدبار ﴿أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ تولّى‫:‬ إبتعدوا نصرف تدعوه جهنم قالوا تدعوه أي تتمكن منه وقالوا تدعوه بمعنى أنها تعذبه قالوا تدعوه أي تدعوه الزبانيه ونب الدعاء إلى جهنم للمبالغه وقال بعضهم وهو الأرجح أبدا تدعوه أي تدعوه بإسمه وتتكلم بلسان وتنادي عليه فجهنم تعقل وتسمع وترى ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ [سورة الفرقان آية‫:‬ ١٢] إذا رأتهم تراهم وكذلك تدعوهم وتقول بإسمه يافلان تنادي عليه فإذا إلتفت حطت عليه والتقطته كما تلتقط الطيور الحبوب ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ جمع المال فأوعى وضعه في الوعاء وقلنا من قبل وعى حفظ حفظ في نفسه ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ [سورة الحاقه آية‫:‬ ١٢] أوعى حفظ في غيره وعى حفظ في غيره هنا ﴿وَجَمَعَ فَأَوْعَى﴾ أي وضع ماجمعه من مال في الوعاء كنز المال وأمن له واعتبر أن المال أمان وضمان فأحب ماله وكنزه وجمعه ولم ينفق في سبيل الله ومهما دعى للإنفاق من أشاح بوجهه فإذا جاءه السائل أعطاه ظهره وإذا رأى المحروم أغمض عينه وإذا دعى إلى الإنفاق تغابى أو أصم أذنه أو إبتعد جمع فأوعى في وعاء والوعاء قد يكون صندوقا وقد يكون خزائن وقد يكون بنكا من البنوك وقد يكون ربويا فيزداد العذاب ويتضاعف كما تضاعف ماله بالربا هذه النار تسمى لظى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى هل عرف الإنسان نفسه؟ هلم بنا نستعرض وصف الإنسان في القرآن حتى تعرف أنفسنا يقول الخالق عز وجل ﴿خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ [سورة الأنبياء آية‫:‬ ٣٧] ويقول ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا﴾ [سورة الإسراء آية‫:‬ ١١] ويقول ﴿وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا﴾ [سورة الكهف آية‫:‬ ٥٤] ويقول ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ [سورة إبراهيم آية‫:‬ ٣٤] ويقول ﴿وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾ [سورة الأحزاب آية‫:‬ ٧٢] ويقول ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَكَفُورٌ﴾ [سورة الحج آية‫:‬ ٦٦] أمثله وأمثله والقول كثير ذلك هو الإنسان شحيح ﴿وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ﴾ [سورة النساء آية‫:‬ ١٢٨] عجول‫:‬ لاصبر له جهول لاحلم له كفور‫:‬ لاشكران له ولاعرفان له ظلوم لاعداله له صفات في الإنسان خلق من تراب وذاك طبع التراب ذاك ما جبل عليه الإنسان المبين والموضح هو الصانع هو الخالق هل بعد ذلك هناك شك وفي سورة المعارج يجمع ذلك كله في كلمتين حيث يقول الله‫:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴿19﴾ إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعًۭا ﴿20﴾ وَإِذَا مَسَّهُ ٱلْخَيْرُ مَنُوعًا ﴿21﴾
إذا مسّة الشر جذوعا وإذا مسه الخير منوعا شرح لكلمة هلوع الهلع تلك طبيعة الإنسان والتي تحوي جميع المعاني من جهل وكفر وبخل وعجله الهلوع قلة الصبر الهلع كثرة الجزع الهلع إمساك بخل شح إذا مسه الشر جذوعا قل صبره وإذا مسه الخير قل شكره إذا إبتلى بالمرض صرخ لم ولماذا وتأوه وشكى الله لطوب الأرض وإذا أصابه الخير وجاءه المال منع وكنز وبخل وشح جهده عرقه فكره عقله ماله مستقبله هو حريص يعمل حساب الأيام يعمل حساب الأولاد يمنع ونسي أنه ولد عاريا قابضا على يديه قابضا على الهواء ما من مولود يولد إلا وتجده قد قبض يديه بشدة هل حاولت أن تفتح قبضه الصغير؟ حاول بشده جبل على ذلك على القبض والمسك هاهو الإنسان خلق هلوعا ﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ﴾ فقر ضر مرض موت ولد موت قريب موت عزيز فقد مال فقد جاه ﴿جَزُوعًا﴾ جزع قل صبره وشكى وقال لم ولماذا وأخذ وأعطى في الكلام ونظر لغيره وما إلى ذلك ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ﴾ أصابه الغنى أو الرخاء أو الصحه ﴿مَنُوعًا﴾ منع وكأنه هو الآتي بهذا الخير ونسى أن الله هو الذي أعطاه تلك صفات الإنسان ويأتي الإستثناء أتريد أن نهرب من هذه الطباع أتريد أن تنجو من خلق السباع؟ أتريد ألا تكون هذه صفاتك أتريد أن تتخلص من هذه الجبله من هذا الجبل وهذا الطبع ذاك الجبل وذاك الطبع لايدخل الجنة ليس من طباع الملأ الأعلى لابد لمن يدخل الجنة أن يكون على هيئة الملائكه لابد أن يكون على هيئة الطائعين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون لابد وأن يهيأ للقدس للملأ الأعلى هذه النورانيه من أين تأتيه وهذه الترابيه والطينيه كيف يتخلص منها ربنا وصف لنا الدواء فاستثنى من هذه الطباع وقال‫:‬‬‬‬‬‬‬‬
إِلَّا ٱلْمُصَلِّينَ ﴿22﴾ ٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ دَآئِمُونَ ﴿23﴾ وَٱلَّذِينَ فِىٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقٌّۭ مَّعْلُومٌۭ ﴿24﴾ لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ ﴿25﴾ وَٱلَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ ﴿26﴾ وَٱلَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ ﴿27﴾ إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍۢ ﴿28﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَـٰفِظُونَ ﴿29﴾ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزْوَٰجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴿30﴾ فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذَٰلِكَ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ ﴿31﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ لِأَمَـٰنَـٰتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَٰعُونَ ﴿32﴾ وَٱلَّذِينَ هُم بِشَهَـٰدَٰتِهِمْ قَآئِمُونَ ﴿33﴾ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴿34﴾
‫﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾ إذا فالمصلي ليس هلوعا وإذا مسه ليس جذوعا وإذا مسه الخير ليس منوعا أبدا لكن ليس كل مصلي يصلي إنما يتقبل الله الصلاه ممن تواضع بها لعظمته ولم يتطاول بها على أحد من خلقه لذا يقول ﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ(٢٢)الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ(٢٣)﴾ لا يفوته فرض لايشغله عن الصلاه شاغل الصلاه أولا هاهم على صلاتهم دائمون لايفرطون في مواقيتها ولا مواعيدها ولاينامون عن فرض ولا ينشغلون عن فرض ولا يلهون عن فرض أبدا إنما هم على كل الفرائض مرابطون منتظرون هذا هو الرباط أتدرون مالرباط إنتظار الصلوات بعد الصلوات ذاك هو الرباط (اصبروا وصابروا ورابطوا) الرباط إنتظار الصلوات بعد الصلوات ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(٢٤)لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(٢٥)﴾ في أموالهم حق معلوم طالما معلوم إذا فهي الزكاه لأن الصدقه والتطوع ليس معلوم وإنما هو وفق الحاجه قل أو كثر لكن المعلوم إذا هو المفروض حق معلوم محسوب ولا يحسب إلا الزكاه فهم يؤدون الزكاه إذا فهم يؤدون الفرائض الصلاه قدمت ثم الزكاه وحدد وصفان الوصف الأول السائل الذي ألجاته الحاجه للسؤال دون أن تتحرى أنت عن أصله وفصله دون أن تبحث وإنما هو سائل والمحروم الذي لايسأل تعففا وليس غناءا ويعتقد الناس أنه غني فيحرم العطاء لعدم السؤال ذاك هو المحروم وكم من بيوت أغلقت على الحرمان وتعفف أهلها عن السؤال ربنا يحدثنا عن الناجين الذين في أموالهم حق معلوم لهؤلاء وهؤلاء للسائل فهم يعطون السائل بغير تحري بغير بحث بغير سؤال واستقصاء طالما مد يده أعطوه فاليد العليا خير من اليد السفلى وأوكلوا أمره إلى الله أما المحروم فهم باحثون عنه متحرون عنه ذاك الذي تعفف عن السؤال فحرم العطاء ظناً من الناس أنه لم يسأل لأنه في غير حاجه ذاك هو المحروم ففي أموالهم حق للسائل والمحروم ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ يصدقون بيوم الدين بيوم الجزاء وجاء بكلمة الدين لأن كلمة الدين تعني الجزاء لم يقل يوم القيامه قال الدين الجزاء لإشعارك بأن معنى التصديق بيوم الدين أي يوم الجزاء أنه طالما كان هناك جزاء فلابد أن يكون هناك عمل الجزاء على أي شيء؟ العمل إذا يصدقون بيوم الدين أي فهم عاملون له لأنك طالما إعتقدت أن هناك يوم الجزاء راعيت أعمالك فأنت مجازي عليها محاسب عليها طالما أنت محاسب على أعمالك فلابد وأن تراعيها فهم يصدقون بالعمل وليس بالقول (ليس الايمان بالتمني ولكن الايمان ما وقر في القلب وصدقه العمل) فهم يصدقون بيوم الدين أي يعتقدون في يوم القيامه ويعتقدون أنه يوم الجزاء فيعملون له لذا جاء بكلمه الدين ولم يأت بكلمة أخرى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ خائفون وجلون خائفون من عذاب ربهم رغم أعمالهم الصالحه على صلاتهم دائمون في أموالهم حق للسائل والمحروم وهم يصدقون بيوم الدين إعتقادا وعملا ومع ذلك فهم من عذاب ربهم مشفقون سبحان الله رغم أعمالهم الصالحه رغم الطاعات نعم يخافون عذاب ربهم لأنهم لايطمئنون إلى أعمالهم فلن يدخل أحدكم الجنة عمله وإنما الدخول بالرحمة لذا فهم من عذاب ربهم مشفقون ويأتي الإعتراض جمله إعتراضيه للكلام عن الصفات ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ القائل هو الله أما الكلام عنهم يصدقون بيوم الدين من عذاب ربهم مشفقون لفروجهم حافظون لأماناتهم وعهدهم راعون الصفات متصله وجاءت وجاءت جمله معترضه ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ إذاً فهم على حق في خوفهم من العذاب إذاً كونهم من خشية ربهم مشفقون إذاً هم على حق لأن العذاب غير مأمون والقائل هو الله نعم وصدق رسول الله حيث يحدثنا عن رب العزه في حديثه القدسي (لا اجمع على عبدي أمنين او خوفين ابدا فمن امنني في الدنيا خوفته يوم القيامه ومن خافنيفي الدنيا أمنته يوم القيامه) ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ إعتراض في الكلام يفيد أن الإنسان لابد وأن يخاف مهما عمل صالحا لايطمئن فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون وقد قال ابو بكر الصديق صاحب رسول الله في الغار وفي الطريق قال لا آمن مكر الله وإحدى قدمي في الجنة ابو بكر سيد كل قبيله وفريق بعد النبيين والصديقين نعم إن عذاب ربهم غير مأمون إعتراض يبين لك أن ذاك الواجب على الإنسان أن يخاف ويحذر ويخشى فعذاب ربنا غير مأمون لأن الله لايجب عليه شيء أنت صليت وتصدقت وحججت واعتمرت وفعلت وفعلت أتضمن القبول هل تضمن الإخلاص؟ هل تملك على الله شيء؟ هل يجب عليه شيء أبدا إذا فعذاب ربنا غير مأمون‫.‬‬‬‬‬‬‬‬
‫وجاءت صفات أخرى خاصه بالمجتمع فالصلاه ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ تختص بالعبد تنهاه عن الفحشاء والمنكر تذكره بالله توقفه أمام الله في اليوم والليله خمس مرات مذكره أيام بالوقف يوم الحساب إذاً فهم يخافون من الحق يشفقون على الخلْق ﴿فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(٢٤)لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ(٢٥)﴾ إشفاق على الخلْق ﴿يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ﴾ إيمان وعقيده وعمل ﴿مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾ خائفون رغم طاعتهم ورغم أعمالهم غير مطمئنين لعملهم ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ﴾ كلام يبين أن الواجب على الإنسان أن يحذر ويخاف ويأتي الكلام الخاص بالمجتمع ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ(٢٩)إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ(٣٠)فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ(٣١)﴾ تنظيم المجتمع الحفاظ على الحياه الزوجيه الحفاظ على الأولاد الحفاظ على البيوت الحفاظ على العفه حفظ النسل والنسب ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ كنايه رقيقه تعبير راق تعبير لا فحش فيه يعبر بالكنايه والفرج معلوم ومعروف ﴿حَافِظُونَ﴾ محافظون على فروجهم ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ الرقيقات المملوكات فمن فعل ذلك وأباح فرجه لزوجته وما ملكت يمينه فقط ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ لايلامون والملوم الذي قد يلام غير ذنب أما المليم هو ما فعلا يستحق أن يلام عليه فالذين لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين أي لا لوم عليهم أصلا فقد وضعوا الشيء في موضعه بل هم على ذلك مثابون لقول النبي (ان في بضع احدكم لصدقه) في بضع أحدكم كنايه عن النطفه التي يضعها الرجل في رحم امرأته قالوا يارسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيثاب على ذلك قال أرأيتم لو وضعها في حرام أكان يعاقب قالوا نعم قال فكذلك إن في بضع أحدكم لصدقه إذا فقد يثاب المرء على إتتانه لشهوته يأكل ويثاب ينام ويؤجر يأتي شهوته وتكتب له الحسنات أي رحمة؟ أي حنان أي عطاء بشرط النيه أن تكون في الحلال ومن الحلال وابتغاء الحلال ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ الابتغاء بغي الشيء وابتغاه طلبه أشد الطلب الذين يبتغون وراء ذلك يسعون إلى ما وراء ذلك إلى ماهو غير حلال ﴿فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ﴾ خلاف ماذكر الزوجه المحلله وملك اليمين ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ﴾ المتعدون والمتجاوزوز للحدود وللأوامر عدا الأمر وتعداه تجاوزه فأولئك هم الذين تعدوا الحدود وانتقلوا من الحلال إلى الحرام أولئك الذين تعدوا وتجاوزوا الأوامر والمباحات ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ لأمنتهم مفرد وجمع قراءتان، الأمانه إسم جن تطلق على كل مايؤتمن عليه المرء فإذا قرأت والذين هم لأمنتهم فهي إسم جن تعمّ كل أمانه وإن قرأت ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ﴾ فقد تعددت الأمانات نعم الشرائع أمانه حديث رسول الله أمانه القرآن بين يديك أمانه أبناؤك أمانه مالك أمانه لأنك لم تخلق شيئا ولم تصنع شيئا أنت جئت من العدم أنت نفسك معدوم جئت أصلا من العدم كل ما أعطاك الله خوّلك أمانه أنت مسئول عنها يوم القيامه وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ رعى‫:‬ حفظ الرعايه الحفظ فهم يحفظون الأمانه أمانات الناس لديهم وسر أخيك لديك أمانه فإن حدثك حديث ثم إلتفت فهي أمانه كلام أخيك لك أمانه أسرار الزوج لأمرأته أمانه شكل الزوجه وما إطلع عليه الرجل منها أمانه يحرم إفشاؤها أعضاؤك أمانه الشرائع الأوامر أمانه وأما العهود فهو ما إتفقت فيه مع غيرك وتعاهدت معه عليه وآية المنافق إذا عاهد غدر أما هؤلاء الموصوفون بهذه الصفات الكامله فهم لأماناتهم وعهدهم راعون يحافظون على العهود يؤدونها يوفون بالعهد ولا ينقضون الميثاق ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ –بشهادتهم- قرأت بالإفراد وقرأت بالجمع بشادتهم إسم جنس تعم كل شهادة بشهادتهم قائمون يشهدون على القريب والغريب يشهدون على الغني والفقير بالحق لايخوفون الشهاده يدلون بالشهادة ولايكتمونها ولا يغيرونها أبدًا فإن استدعوا للشهادة أدوها على وجهها لا يكتمون الشهاده أبدا لأنهم يعلمون أن من يكتم الشهاده فهو آثم قلبه فهم بشهاداتهم قائمون هل أداء الشهاده من ضمن الآمانات؟ نعم أداء الشهاده من ضمن الأمانه فشهادتك بما رأيت أمانه فإذا إستدعيت لتؤدي بالشهاده فهي أمانه لم ذكرت مفرده مخصوصه بعد التعميم حيث قال ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾ ومن طمنها الشهاده فجاء بها على التخصيص وقال ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ خصت بالذكر بعد أن جاءت في العموم في الآية السابقه وذلك للحفاظ على حقوق الناس فحقوق الناس خطيره ومن إقتطع سير سلم بغير حق لقى وهو عليه غضبان ومن إقتطع شبر أرض من مسلم بيمين فاجر طوّق به إلى سبع راضين حقوق العباد مال غيرك كنفسه وروحه وقد قرن الله بين النفس والروح في آية واحده فقال ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [سورة النساء آية‫:‬ ٢٩- ٣٠] إذًا فأكل المال كقتل النفس ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ﴾ تخصيص الذكر في الشهاده رغم أنها جاءت في التعميم في الأمانات إلا أنه جاء بها وأفردها بالذكر لبيان أهميه الشهاده إياك إياك وأن تجامل جارك أو تجامل صديقك أو تشفق على فقير فتشهد لصالحه زورا وبهتانا فربنا يقول ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى﴾ [سورة النساء آية‫:‬ ١٣٥] إنتبه لأداء الشهاده فهناك من يجاملون جيرانهم وأصدقاءهم وأقربائهم ويجاملون الفقراء فيشهدون لهم في المحاكم مجامله أو يشهدون بأجر ويل لهم فقد فارقوا مايقارب الشرك أكبر الكبائر شهاده الزور أكبر الكبائر بعد الشرك بالله شهاده الزور وعقوق الوالدين ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ المحافظه على الصلاة غير الدوام في الآيات الصفات ثمانيه بعدد أبواب الجنة قدمت بالصلاه وختمت بالصلاة في الأول قال ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾ وفي النهايه قال ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ إذا فالدوام على الصلاه غير المحافظه عليها الدوام على الصلاه يتعلق بالصلاه نفسها والمحافظه تتعلق بأحوالها فالذين يداومون على الصلاه الذين يؤدون الفرائض ولا يتخلفون عن فرض لايسهون ولاينامون عن فرض ولا يتشاغلون عن فريضه فهم يؤدون الصلاه في مواقيتها لايفوتهم فرض أبدا فهم دائمون على الصلاه لايصلي مره يقطع مره وإنما يصلي جميع الفرائض ذاك هو الدوام أما المحافظه فهو إسباغ الوضوء والخشوع في الصلاه والأداء بالكيفيه المطلوبه من ستر العوره واستقبال القبله وطهاره الثوب طهاره البدن وطهارة المكان ويكون ماتصلي فيه من مال حلال فالصلاه في الثوب المغصوب باطله والصلاه في المسجد المغتصبه أرضه باطله فلابد أن يكون من حلال ووضوءك الماء من حلال فهم يحافظون على الصلاة على أركانها ووضوئها على الخشوع فيها على عدم الإلتفات أثنائها على ألا يبطلها مبطل تلك هي المحافظه فالدوام على الصلاة من حيث الصلاه نفسها والمحافظه من حيث أحوال الصلاه
أُو۟لَـٰٓئِكَ فِى جَنَّـٰتٍۢ مُّكْرَمُونَ ﴿35﴾
‫﴿أُولَئِكَ﴾ الجامعون لهذه الصفات ﴿جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ﴾ والمكرِم هو الله إفتتح بالصلاه واختتم بالصلاة ليبين لك أن الصلاه هي عمود الإسلام من أقامها فقد أقام الإسلام ومن تركها فقد هدم الإسلام بيان أهمية الصلاه أن تفتتح بها الصفات وأن تختتم بها الصفات التي بها نجاة الإنسان من الهلع إذا فمن إكتملت فيه هذه الصفات ليس شحيحا وليس عجولا وليس كفورا وليس ظلوما نجى من كل هذه الصفات نجى من كل الطبائع تهيأ للدخول في حظيرة القدس تخلق بأخلاق الملائكه هيء وتخلص من الطبع والجبل لأرضي والترابي والطيني وأصبح متخلقا بالأخلاق النورانيه النورانيه مهيأ لدخول الملأ الأعلى مهيأ لأن يكون من أهل الجنة (أُولَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) والكرم هو الله ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [سورة الحج آية‫:‬ ١٨] كان النبي إذا جل في المسجد الحرام حين كان بمكه وقبل الهجره والسورة سورة المعارج مكيه لما كان يجلس في المسجد الحرام يقرأ القرآن حتى ينذر قومه ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ [سورة الشعراء آية‫:‬ ٢١٤] حتى يبلغ حتى يطيع الله في قوله ﴿فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ﴾ [سورة الحجر آية‫:‬ ٩٤] فوجب عليه الأعلان فكان يقرأ القرأن في الكعبه في البيت الحرام رغم أن فيه من الأصنام ثلاثمائه وستين صنما كان الكفار يتجمعون حوله في جماعات صغيره بمجرد مايدخل المسجد بمجرد أن يروه قادما يشيرون إلى بعض ويتغامزون ويحيطون به من كل جانب في جماعات صغيره متعرفه حتى لايبدو أنهم متكتلون يتجمعون في جماعات متفرقه ويستهزئون بالكلام ويرفعون أصواتهم حتى لايسمعه الناس وهكذا فتحدثنا عنهم سورة المعارج بعد وصف الكاملين الموصوفين الكامله الناجيه من الهلع والجزع والمنع بعد أن وصف الله الطائعين بهذه الصفات يتحدث عن كفار مكه يقول‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
فَمَالِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ ﴿36﴾ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ ﴿37﴾ أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِئٍۢ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍۢ ﴿38﴾
‫﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ﴾ قِبَلَكَ أي في إتجاهك الإهطاع الإسراع مع مد العنق أهطع أسرع في شبه ومد عنقه إلى الأمام فهو يصف مشيتهم المسرعه مع مد العنق كمشية الذئاب كمشية المتلصص ﴿فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ملشأنهم وماخبرهم وماذا يريدون ﴿قِبَلَكَ﴾ في إتجاهك ﴿مُهْطِعِينَ﴾ ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ﴾ أي يحيطون عن يمينك وعن شمالك ﴿عِزِينَ﴾ سماعات جمع عزه والعزه الجماه المتفرقه من العزو ومن قولك عزاه وعزاه إلى كذا ألحقه وأضافه إلى غيره إذ كل جماعه مضافه إلى غير ما أضيف إليه الجماعه الأخرى العِزه من العزوه ومن العزو عزاه إلى غيره أضافه إلى غيره فالعزه الجماعه المتفرقه التي تعزى إلى عيَر ما تعزى إليه الجماعه الأخرى فهم متفرقون ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ هل يطمعون أن يدخلوا جنة النعيم لم قال ذلك؟ لأنهم كانوا يسمعون قول النبي ووضفه للطائعين على صلاتهم دائمون على صلاتهم يحافظون لأماناتهم وعهدهم راعون من عذاب ربهم مشفقون يصدقون بيوم الدين يصف ويقول في النهايه مبشرا ﴿أُولَٰئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ﴾ يقول هؤلاء الكفار لئن دخل هؤلاء الفقراء الحثاله الجنة لدخلناها قبلهم فكما فضلنا عنهم في الدنيا إن كان هناك آخره إن كان هناك بعث إن صدق في زعمه إن كان هناك جنة لابد أن نكون أول من يدخلها كانوا يقولون ذلك إستكبارا أولا هم يكذبون بيوم الدين ومع ذلك ورغم تكذيبهم بالبعث ورغم إنكارهم لوجود الجنة والنار إلا أنهم يزعمون أنه إن كانت هناك جنة فهم أولى الناس بدخولها ليس بلال وصهيب والفقراء والمساكين الذين أحاطوا بمحمد إستكبارا ومكر السيء لذا يقول الله تبارك وتعالى ميئسا لهم ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ وقرأت يَدخل رغم ماعملوه رغم تكذيبهم لسيد الخلق
كَلَّآ ۖ إِنَّا خَلَقْنَـٰهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ ﴿39﴾ فَلَآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَـٰرِقِ وَٱلْمَغَـٰرِبِ إِنَّا لَقَـٰدِرُونَ ﴿40﴾ عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ خَيْرًۭا مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ﴿41﴾ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا۟ وَيَلْعَبُوا۟ حَتَّىٰ يُلَـٰقُوا۟ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِى يُوعَدُونَ ﴿42﴾ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلْأَجْدَاثِ سِرَاعًۭا كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍۢ يُوفِضُونَ ﴿43﴾ خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌۭ ۚ ذَٰلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِى كَانُوا۟ يُوعَدُونَ ﴿44﴾
‫﴿كَلَّا﴾ كلمة ردع كلمة زجر كلا لن يحدث أبداً ثم يقول الله ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾ من أي شيء خلقت أيها الإنسان من نطفة مذره وماهو آخرك أيها الإنسان؟ جيفة قذره وأنت بين ذلك تحمل العذره وأنظر إلى أمعائك وانظر كي ترى مافيها وانظر إلى جوفك أرأيت ما في جوفك؟ هذا أنت أرأريت من أي شيء خلقت؟ فلينظر الإنسان مما خلق؟ من ماء دافق نظفه مذره جرت مجرى البول انظر إلى آخرك وهاهي القبور ليست عنك بعيده شعور ممزقه وعظام نخره ولوم متهرأه؟ أنت مأكول ومشروب يا مسكين فالدود ينتظرك يتغذى عليك ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾ هل يطمع كل امريء منهم أن يدخل جنة نعيم كيف وهم مخلوقون من القذر لم يستكملوا الصفات الحميده التي تؤهلهم لمجال القدسي كيف يُهيأ هذا المخلوق لدخول الجنة للإستظلال بظل العرش للنظر لوجهه الكريم كيف؟!! بالصلاه بالوقوف بين يديه بالخوف منه بالوجل بالإشفاق من عذابه بالرحمة بين الناس بالعطاء بالإنفاق بعدم البخل بالرضا بقضائه وقدره بالحب إن أصابته ضراء وإن أصابته سراء شكر هكذت يهيأ بالنورانيه أما بغير ذلك كيف يدخل الجنة قد يكون ذلك هو المعنى وقد يكون المعنى ﴿إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾ أي من أجل مايعلمون أي من أجل الطاعه ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [سورة الذاريات آية‫:‬ ٥٦] هل أدوا العباده؟ فكيف يطمعون في دخول جنة النعيم ويأتي القسم ﴿فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ فلا أقسم لا نافيه أي لاأقسم لأن الأمر غير محتاج لقسم فهو أوضح وأظهر وأبين من أن يقسم عليه ﴿برب المشرق والمغرب﴾ قراءه ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ قراءه أو لا مزيده للتأكيد أي فأقسم ويؤتى باللام للزياده في التأكيد أو لا ردع وزجر لكلام سابق أي ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ﴾ كلا ولا وألف كلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون لا نفي لكلام سابق ردع وزجر لكلام سابق ثم أنشأ القسم أقسم رب المشرق والمغرب قراءه بالإفراد فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾ وما نحن بعاجزين عن ذلك سابقه فسبقه غالبه فغلبه وما نحن بمسبوقين أي وما نحن بمغلوبين وماهم بفائتين نحن قادرين على أن نهلكهم وينشيء غيرهم كما أهلك القرون الأولى الماضيه أين عاد؟ أين ثمود؟ أين قرى لوط؟ أين فرعون؟ أين الآباء وأين الأجداد فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم بإهلاكهم وتدميرهم والإتيان بخلق آخر أو وكأن الكلام يشير إلى الأنصار قد يفهم ذلك إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم الكفار حولك يا محمد مهطعين يستهزئون بكلامك ويتجمون حولك ويتغامزون إنا قادرون على أن تبدل خيرا منهم فنصرف هؤلاء ونأتيك بأناس يحيطون بك إحاطة السواء بالمعصم مؤمنون بك يفدونك بأرواحهم وبالمهج هم خلفلك في الصلاه وأمامك في القتال هؤلاء رهبان بالليل فرسان بالنهار أمثال أب طلحه الذي وقف وأعطى ظهره للرماح وحمى رسول الله بصدره وأحاطه بيديه والرماح تأتيه والسهام تصيبه في ظهره وهو يتلقى الرماح بصدره ويقول للمصطفى روحي فدا روحك فدا نفسك وجسدي فدا جسدك بأبي وأمي أنت يارسول الله وتلقي مايزيد عن السبعين ضربه حتى وقع مغشيا عليه وقال نبينا أدركوا أخاكم لقد أوجب أي أوجب أبا طلحه الجنه نعم ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ(٤٠)عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ(٤١)﴾ وجاءت الأنصار لايجدون في أنفسهم حاجه مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولوكان بهم خصاصه ﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾ فذرهم فاتركهم يامحمد يذر الشيء يتركه يدعه ذرهم يخوضوا في الباطل الخوض الدخول في المخاضه المخاضه الماء الضحل فيه الطين فيه النجس فيه المستقذر فكأن المتكلم فيما لايعينه والمهرِف بمالايعرف كأنه يخوض في مخاضه لايسلم من النجاسه ولايسلم من القذر ذرهم يحوضوا في باطلهم في رعواهم في كلامهم عنك إنك شاعر إنك مجنون إنك إنك إنك ذرهم يخوضوا أو يلعبوا وما الحياه الدنيا إلا لعب ولهو يلعبوا في دنياهم وفي حياتهم ﴿يلْقَّوْا﴾ قراءه أي يوم القيامه الذي أوعدهم الله إياه والكلام فيه تهديد ووعيد ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ الأجداث جمع جدث والجدث القبر سراعا جمع سريع هو سريع وهم سراع أي يخرجون من القبور مسرعين ويأتي التهكم بهم والتقريع ﴿الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ ﴿نَصْبٍ﴾ ﴿نُصْبٍ﴾ ثلاث قراءت النَصْب والنُصُب حجاره كانوا ينصبونها كالعلامه يذبحون عليها الذبائح ويلطخونها بدماء الذبائح والنصب غير الصنم الصنم صوره صوره لإنسان صوره لحيوان صوره لشيء تمثال أما النصب حجر لا صورة له والنصب جمع نصب كرهن ورهن أو جمع نصاب ككتاب وكتب أو هي جمعها أنصاب جمع الجمع أو نصب ونصب ونصب بمعنى واحد ثلاث قراءات يتهكم بهم يقول الله يوم ينفخ في النفخه الأولى يخرجون من القبور مسرعين كما كانوا يسرعون في الدنيا إلى النصب حيث إعتادوا في الجاهليه إذا إستيقظوا في الصباح بمجرد مايقوم الرجل من فراشه يسرع مبكرا يجري إلى النصب يتعبد يتقرب إلى النصب إلى الأحجار يذبحون عليهم يتهكم بهم ربنا تبارك وتعالى ويقول ﴿يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ﴾ يوفضون يسرعون أوفض يفيض إيفاضا وأوفض و وفيض يفض وفضا أسرع وأوفضه غيره أسرعه والإيفاض متعدى في إسراعهم للأنصاب في الدنيا كانوا يخرجون متفائلين مستبشرين أما في إسراعهم حين خروجهم من الأجداث ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ ينظرون في الأرض لا يرفعون أبصارهم أبدا يلحقهم الخزي والعار خاشعة أبصارهم البصر خاشع إذا فهو منخفض لايرفعون أبصارهم ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ تغشاهم ذله أي الذل والهوان رهق يرهق رهقا غشاه بقهر غطاه لكن يقهر رغما عنه ترهقهم ذله أحاطت بهم الذله أحاط بهم الهوان أحاط بهم العار ﴿ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ﴾ هذا الذي يوصف ذلك اليوم الذي كانوا به يستهزئون لقد جاء هذا اليوم وجاء بصيغة الماضي ليبين التحقق جاء اليوم فعلا قد كانوا يوعدون به في الدنيا فيكذبون ويستهزئون ايها الاخ المسلم هل عرفت أصلك؟ هل عرفت من أي شيء خلقت؟ هل عرفت نهايتك؟ هل نظرت إلى قبرك؟ هل نظرت إلى حثه أخيك؟ هل نزلت إلى المقابر ورأيت العظام الباليه هل رأيت كل ذلك هل عرفت أنك لايمكن لك أن تدخل إلى الملأ الأعلى وتدخل الجنة وتظل بظل العرش ومتهيأ لحضرة القدس إلا بصفات لابد أن تستكمل فيك وبغيرها لايمكن لك أن تدخل يستحيل غير مهيأ لهذا فلا يمكن لك الدخول هل عرفت كل ذلك إعلم أنك بين مخافتين بين عاجل قد مضى لاتدري مالله صانع به وبين آجل قد بقى لاتدري ما الله قاض فيه فخذ من نفسك لنفسك وخذ من شبابك لهرمك وخذ من غناك لفقرك وخذ من فراغك لشغلك وخذ من حياتك لموتك وخذ من نفسك لنفسك‫.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬