سورة الحاقة

لقاؤنا مع سورة الحاقه سورة مكيه شأنها شأن السور المكيه تنبه الناس وتؤكد لهم قيام الساعه وتثبت صدق النبي وتصف أهوال القيامه وما فيها ونتيجه هذه الدنيا وأنها إلى زوال يقول الله تبارك وتعالى‬‬

ٱلْحَآقَّةُ ﴿1﴾ مَا ٱلْحَآقَّةُ ﴿2﴾ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا ٱلْحَآقَّةُ ﴿3﴾
الحاقه يوم القيامه سميت الحاقه لأنها حق لاشك فيها حق الأمر ثبت ووجب وهي الحاقه لأنها ثابته وواجبه وسميت الحاقه لأنها تحق فيها الأمور أي تعرف حقيقتها حق الأمر عرفت حقيقته وحَقَقْته عرفت حقيقته وسميت الحاقه لأنها تحق للمؤمنين وتحق للكافرين النار وسميت الحاقه لأن الباطل فيها يحق يمحق وكل محاق بالباطل تحقه حاققته غالبته فحققته فغلبته فهي الحاقه لأنها تحق كل محاق في دين الله الباطل الحاقه واجبه واقعه ثابته تظهر الأمور فيها على حقيقتها يحق الحق ويبطل الباطل الحاقه لفظ يقرع الآذان ينبه ويلفت النظر ويأتي الإستفهام للفت الأنتباه ﴿مَا الْحَاقَّةُ﴾ الأصل فيها ما هي الحاقه فجاء بالمظهر مكان المضمر قال ﴿ الْحَاقَّةُ(١)مَا الْحَاقَّةُ(٢)﴾ كرر وجاء بها بدلا من الضمير لتهويل شأنها وتفظيع أمرها ﴿ الْحَاقَّةُ(١)مَا الْحَاقَّةُ(٢)﴾ إستفهام للفت الأنظار وشد الإنتباه على عادة العرب في الكلام والقرآن نزل عربيا ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ أي أي شيء أعلمك وأي شيء أخبرك بها فهي فوق كل خيال وراء كل عقل ومعقول ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ أكد مره أخرى وجاء بالظاهر مكان الضمير ولو نلاحظ نجد جاءت كلمة ﴿وَمَا أَدْرَاكَ﴾ وجاءت كلمة (وما يدريك) وقد قيل أن كل ما قال الله فيه وما أدراك فقد أخبر به النبي وأدراه وأعلمه وكل ما جاء في قوله وما يدريك لم يُخبر به النبي إذا فقد أخبر بالساعه لكنه أخبر بصفتها ولم يخبر بموعد قيامها أخبر عن أهوالها ولم يعاينها ولم يشاهدها من هنا يقول له ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ أي كل ما قيل في شأنها كل ما أخبر به عنها وعن وصفها وأهوالها شيء وحقيقتها شيء آخر ﴿وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ﴾ بعد قرع الأسماع بهذا الكلام ولفت النظر والتأكيد عليها وتسميتها بهذا الإسم يأتي حكايه عن أمم كذبت بها كذبت بالحاقه كذبت بالبعث كذبت بالقيامه‬‬
كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌۢ بِٱلْقَارِعَةِ ﴿4﴾ فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا۟ بِٱلطَّاغِيَةِ ﴿5﴾ وَأَمَّا عَادٌۭ فَأُهْلِكُوا۟ بِرِيحٍۢ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍۢ ﴿6﴾ سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍۢ وَثَمَـٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًۭا فَتَرَى ٱلْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَىٰ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍۢ ﴿7﴾ فَهَلْ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٍۢ ﴿8﴾ وَجَآءَ فِرْعَوْنُ وَمَن قَبْلَهُۥ وَٱلْمُؤْتَفِكَـٰتُ بِٱلْخَاطِئَةِ ﴿9﴾ فَعَصَوْا۟ رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةًۭ رَّابِيَةً ﴿10﴾ إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَـٰكُمْ فِى ٱلْجَارِيَةِ ﴿11﴾ لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةًۭ وَتَعِيَهَآ أُذُنٌۭ وَٰعِيَةٌۭ ﴿12﴾
‫﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعَادٌ بِالْقَارِعَةِ﴾ إسم آخر ليوم القيامه القارعه وسميت القارعه لأنها تقرع الناس بأهوالها وأفزاعها تقرع القلوب تقرع الأجرام الجبال والسموات والأرض تقرعها فتفتتها والقرع‫:‬ خبط الشيء الصلب بشيء صلب ذاك هو القرْع قَرَع يقرع فهي القارعه لأنها تقرع الناس وتقرع القلوب بأهوالها وأفزاعها تقرع كل موجود بل الموجودات كلها الجبال والأرض والسموات وسميت القارعه من القرعه لأن أناس يدخلون الجنة وأناس يدخلون النار وكأنها قد أجرت القرعه بينهم فأدخلت أناس الجنة وأدخلت أناس النار والقارعه كنايه عن يوم القيامه وقد يكون القارعه مقصود بها عذاب الدنيا الذي حاق بثمود وعاد والأرجح أن القارعه وصف وإسم ليوم القيامه ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾ قوم صالح ﴿وَعَادٌ﴾ قوم هود ﴿بِالْقَارِعَةِ﴾ فماذا حدث نتيجه لتكذيبهم ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ﴾ الصيحه التي جاوزت كل صيحه الصيحه التي أهلكتهم جمعيا ولم تبق منهم باقيه سميت الطاغيه أو أُهلكوا بسبب الطاغيه أي بسبب الأعمال الطاغيه التي فعلوها فقد عقروا الناقه وعتوا عن أمر ربهم أو أُهلكوا رجل واحد ألا وهو عاقر الناقه أشقى الأولين وسمي طاغيه لأنه طغى وتجبر كداهيه وراويه فهو طاغ وطاغيه فأُهلكوا الطاغيه وهو رجل واحد أهلكت بسببه أمه ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا(١٢)فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا(١٣)فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا(١٤)﴾ [سورة الشمس آية‫:‬ ١٢- ١٤] وقال عقروها والعاقر واحد لكنه نسب العقر للجميع لأنهم رضوا بفعله ﴿فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا﴾ تلك ثمود أهلكوا بالطاغيه ﴿وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ الصرصر شديده الحر أو شديدة البروده أو شديدة الصرير والصوت الصرْ الحر الصِرْ البرد الصرير الصوت الشديد والصياح هذه الريح الصرصر كانت شديده البروده تعذب كما تعذب النار وسميت صرصر من الصر لأن البرد الشديد يجعل الجلد وظاهر الجلد ينكمش وينقبض ويضم كأنه يصر أو من الصرير صرَّ يصرُّ صرا وصرير صاح بشده وصوت بشده كل المعاني في الكلمه فهي شديده الإزعاج صوت الريح مرعب يخلع القلوب وهي أيضا شديده البروده ﴿فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ عتت عليهم تجاوزت قدرتهم عاد وما أدراك ما عاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد كان الرجل إذا خبط الأرض برجله خرقها قوة لم تعط لأحد من قبل قوة في الأجساد قوة في الأموال قوة في الصناعات قوة في كل شيء لم يخلق مثلها في البلاد وقد فرغ ربنا من الخلق إذا ً فليس قبلهم وليس بعدهم مثلهم سلّط ربنا عليهم الريح الهواء الريح الذي يأتي بالخير وبالمطر سلطه الله عليهم سبع ليال وثمانيه أيام وسميت الريح عاتيه تحاوزت قوتهم وقدرتهم بل تجاوزت قدرة الخزان ما أرسل الله من نسمة ريح إلا بمكيال وما أنزل من قطرة ماء إلا بمكيال إلا يوم نوح ويوم عاد في يوم نوح عتى الماء وتجاوز قدرة الخزان فلم يستطيعوا حبسه أو السيطره عليه (انا لما طغى الماء) طغى على الخزان تجاوز قدرة الملائكة الموكلون بالمطر وكذلك الريح في يوم عاد (أهلكوا بريح صرصر عاتيه) عتت على خزَّان الريح فالريح موكول به ملائكه والمطر موكول به ملائكه والسحاب موكول به ملائكه وهكذا لايعصون الله ما أمرهم ويفعلون مايؤمرون في ذاك اليوم عتت الريح على الخزان لم تهب بمكيال ولا بمقدار تجاوزت وتخيل ريح تفوق قدرة الخزنه الملائكه وتعتوا عليهم كيف تكون؟! ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ سبع ليال قيل بدأت مساء الأربعاء ﴿وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ أي متتابعه وقرأت ﴿حَسوما﴾ بفتح الحاء حسوما أي متتابعه حسوما أي قاطعه حسوما مستأصله حسوما‫:‬ مشاميم أيام شؤم عليهم حسمتُ الدابه كويتها بالنار لأداوبها بعد مره فالحسم الكي متتابعا فهي حسوما أي متتابعه أيضا حسمت الشيء فصلته قطعته وفصلته عن غيره أيضا سميت حسوما لأنها حسمت كل خير إستأصلت كل خير وسمي السيف حساما لأنه يحسم العدو عما أراد بك بحسمه عن إرادته إهلاكك والحسوم التي تحسم كل خير وحسوما حال كذلك حسوما إذا قرأت حال للريح أو حسوما مصدر أي حسمتهم حسوما حسوما أيضا جمع حاسم ﴿سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا﴾ متتابعه حسوما مشاميم حسوما حسمت كل خير فيهم حسوما إستأصلتهم حسوما‫:‬ قطعتهم حسوما كانت شؤما عليهم ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا﴾ في هذه الأيام والليالي ﴿فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا﴾ في هبوب الريح عليهم ﴿صَرْعَى﴾ جمع صريع واقع ميت هالك ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ أعجاز أصول نخل خاويه باليه أو خاويه منقعره فارغه من الداخل والنخل يذكر ويؤنث ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ﴾ مؤنث وفي موضع آخر ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ﴾ [سورة القمر آية‫:‬ ٢٠] ذكّر فالنخل يُذكر ويؤنث الأعجاز‫:‬ الأصول الجزوع خاويه فارغه من الداخل ساقطعه ضوى النجم سقط للغروب وخوى المكان خلا من أصحابه ﴿فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا﴾ [سورة النحل آية‫:‬ ٥٢] ذاك الوصف قال فيه العلماء إن الريح حين هبت عليهم سبع ليال وثمانيه أيام هل ماتوا من أول يوم؟ أبدا هل مات بعضهم وبقى بعضهم وكل يوم يموت البعض؟ أبدا ظلوا أحياء ثمانية أيام طوال مدة هبوب الريح وهم أحياء يتعذبون بها فقالوا كانت الريح تطيح بأطرافهم فتقطع منهم الرءو فقال ﴿كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ﴾ أصول نخل بغير فروع فطارت الرءوس خاويه هالكه واقعه تطير الرءوس وتقع الأجساد وقالوا بل كانت الريح تدخل من أفواههم وأنوفهم فتخرج أحشائهم من أدبارهم تدخل من فتحات الجسم من الأنف ومن الفم وتأخذ الأحشاء الأمعاء والقلب والمعده وكل ما في هذا الهيكل فتخرجه من الدبر فأصبحت الأجساد خاليه من الداخل فكأنهم أعجاز نخل خاويه وظلوا كذلك سبعه ليال وثمانية أيام يتعذبون بهذه الريح مع شده قوتهم وجبروتهم حتى كان اليوم الثامن حيث ماتوا جمعيا وصرعوا جمعيا ثم حملتهمالريح فألقتهم في البحر ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ لم يبق منهم شيء لم تر منهم أحد ﴿فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ﴾ من نفٍس باقيه هل ترى لهم من بقاء أو من بقيه هل ترى لهم بقيه منهم أو إنسان يبقى أو نفس باقيه أو بقاء عموما ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ﴾ ﴿ومن قِبَلَهُ﴾ قراءه من عنده من جنود وأتباع ﴿وَجَاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ﴾ الأقوام والأمم السابقه ﴿والمؤتفكة﴾ بالإفراد ﴿والمؤتفكةُ﴾ قراءات ﴿وَالْمُؤْتَفِكَاتُ﴾ قراءه ﴿بِالْخَاطِئَةِ﴾ الفعله الخاطئه الأفعال ذات الخطأ ونسب الخطأ للفعل والخطأ ينسب للفاعل فالفاعل هو المخطيء وليس هو الفعله لكن الخطأ نسب إلى الفعله لتشنيع وتفظيع أفعالهم ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾ المؤتفكات قرى قوم لوط وهي مؤتفكات لأنها إئتفكت قلبت حيث حملها جبريل على جناح واحد من أجنحته الستمائه ورفعها إلى السماء حتى سمع الملأ الأعلى صياح الديكه ونباح الكلاب ثم قبلها فائتفكت والمؤتفكات قرى قوم لوط وكانت خمس قرى ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ﴾ أي عصى قوم فرعون موسى وعصى قوم المؤتفكات قرى قوم لوط عصوْا لوط ونسب الأمر للقرى أي أهل القرى أي وأهل المؤتفكات عصوْا رسول ربهم ورسول قد يأتي بمعنى الرساله ورسول يأتي مفرد ويعنى به الجمع كقوله تبرك وتعالى ﴿اذهبا الى فرعون﴾ لموسى وهرون ﴿فقولا انا رسول ربك﴾ ﴿فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رَابِيَةً﴾ أخذهم الله أخذه رابيه زائده عن كل توقع ربا يربوا‫:‬ زاد ةتضاعف ومنه الربا أخذه رابيه أخذه زائده متضاعفه عن كل أخذه أخذ بها الأمم السابقه أخذه هؤلاء أشد وأنكى وأفظع زادات وربت وتضاعف عن كل الأخذات التي أخذت بها الأمم السابقه ويأتي التذكير بقوم نوح والكلام عن هذه الأمم زجرا لقوم محمد عليه الصلاه والسلام تخويفا لأهل مكه الذين عصوا رسول ربهم وكأنه يجكي لهم عن أمم قد سمعوا بها ومروا على ديارها ويقول لهم اذكروا هذه الأمم واذكروا ما فعلت واذكروا النتائج فلا تفعلوا فعلهم فيحدث لكم ما حدث لهم ويمن عليهم فيقول ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ يمن عليهم لما طغى الماء تجاوز الحد طغى على الخزان كما قلنا مات من قطره إلا وبمكيال أما يوم إهلاك قوم نوح طغى الماء بغير مكيال ﴿حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ﴾ السفينه التي تجري تجري بأمر الله تجري بهم في موج كالجبال ﴿حَمَلْنَاكُمْ﴾ والخطاب لأهل مكه ولم يكن أحد منهم حاضرا في يوم نوح لكن المحمولون في سفينه نوح نوح وأبناؤه ومن آمن به هم أصل الدنيا بعد الطوفان فكأننا قد حملنا ونحن في أصلابهم من هنا يقول ﴿إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ﴾ حملناكم وأنتم في أصلاب أبائكم في الجاريه ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ لنجعلها لنجعل السفينه وقيل إن أوائل هذه الأمه قد رأى بعضا من هذه السفينه لنجعلها الفعله القصه إنجاء نوح ومن آمن معه وإهلاك كل ما على الأرض ﴿تَذْكِرَةً﴾ يتذكرها الإنسان ويتعظ ويلجأ إلى الله ويخشى العذاب ويخشى العقاب ويرجوا الرحمة ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ الأذن الواعيه الأذن التي عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت من كتاب الله وعي الشيء حفظه في نفسه وعاه يعيه وعيا فالوعي أن تحفظ الشيء في نفسك أما أن تحفظ الشيء في غيرك فهو الإبعاد أوعى حفظ الشيء في وعاء وعي حفظه في نفسه ﴿وَتَعِيَهَا أُذُنٌ﴾ وجاء بأذن نكره وكأن الإشاره لنا تقول كما أهلكت ثمود بفعله فعلها واحد فكذلك قد تنجو الأمه بفضل واحد تعيها أذن واعيه مهما قلّت وسْحّت لكن الأذن الواعيه ةجودها في أمه ينفع ويشفع يذكّر بأمرٍ بمعروف وينهى عن منكر يحفظ العلم ويعيه فينقله ويعلمه ويفهمه للناس فينجو الناس بأذن واحده واعيه كما يهلك الناس بفعله واحده طاغيه وبعد أن تكلم عن يوم القيامه إجمالا ﴿الْحَاقَّةُ(١)مَا الْحَاقَّةُ(٢)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ(٣)﴾ وبيان عن تكذيب الأمم السابقه زجرا ً لأهل مكه ثم الإنعام على كل من يعقل فأهل مكه أولا هم مخاطبون ونزلت السوره فيهم ولكنها لكل عاقل ولكل سامع منّ عليهم بالنجاه في سفينة نوح وهم في أصلاب آبائهم وعلى كل إنسان أن يذكر ذلك كيف أهلكت الأرض بمن عليها عصى الشجر؟ هل عصت الدواب؟ هل عصت الطيور؟ العصاه قوم نوح حين طغى الماء وفجرت الأرض عيونا ونزل الماء من السماء والتقى الماء على أمر قد قدر هالك النبات هلك الزرع هلك الضرع هلكت الحشرات هلكت الطيور هلكت الحيوانات جمعيا ماعدا ما حمل في السفينه من كل زوجين إثنين وبقيه الأزواج الكل هلك بذنب أمه بذنب ناس تلك ذكرى وتلك عبره يتعظ بها النا من هنا يقول الله ﴿لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ﴾ ايها الاخ المسلم عليك أن تعي الكلام وأن تذكر وتتذكر ماحدث للأمم السابقه بمعاصي بل كل أمه أهلكت بمعصيه واحده فكيف إذا تفشت المعاصي جمعيها في أمه واحده لولا شيوخ ركع وبهائم رتع وأطفال رضع لصب العذاب علينا صبا يأتي بعد الإجمال التفصيل تأتي لنا الآيات لتفصيل لنا أحوال يوم القيامه يقول الله تبارك وتعالى‫:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
فَإِذَا نُفِخَ فِى ٱلصُّورِ نَفْخَةٌۭ وَٰحِدَةٌۭ ﴿13﴾ وَحُمِلَتِ ٱلْأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةًۭ وَٰحِدَةًۭ ﴿14﴾ فَيَوْمَئِذٍۢ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ ﴿15﴾ وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِىَ يَوْمَئِذٍۢ وَاهِيَةٌۭ ﴿16﴾ وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرْجَآئِهَا ۚ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍۢ ثَمَـٰنِيَةٌۭ ﴿17﴾ يَوْمَئِذٍۢ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌۭ ﴿18﴾
‫﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ نفخةً قراءه الصُور القرْن البوق كيف شكله وكيف حجمه؟ لايعلم ذلك إلا الله النافخ فيه إسرافيل ملك ماحجمه؟ ويم بنفخ في الصور وكيف ينفخ في الصور لكنها نفخه واحده يصعق بها كل حي إنسان حيوان نبات ملك الكل يصعق إلا ماشاء الله نفخه واحده فقط ترى ماذلك الصوت؟ أهو صوت؟ أهو هواء؟ أهو شيء غير معهود وكيف ينفخ فيه وكيف يصل صوته لكل حي في الأرض ولكل حي في السماء في السماء وفي الأرض لأن هذه النفخه بها فزع من في السماء ومن في الأرض بها صعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله أحجام السموات وأحجام مابينها واتساع الكون وكل ذلك يجعل الإنسان يذهل من شأن هذا الصور وشأن النافخ فيه وربنا تبارك وتعالى يقول هي نفخه نفخه واحده كافيه ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ ﴿وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾ هي دكّه واحده وقال دُكِكْن جعل الجبال كشيء واحد والأرض كشيء واحد كما قال ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ [سورة الأنبياء آية‫:‬ ٣٠] وكذلك هنا يقول الجبال والأرض ذكتَّادكه واحده إصطكت السموات بالأرض كل شيء إصطدم بالآخر لكن صدمه واحده هي دكه واحده أو الدك التسويه من قولهم ناقه ودكاء لاسنام لها فترى الأرض مستويه لاترى فيها عوجا ولا أمتا لاجبال ولا مرتفعات ولا منخفضات ولابحار ولا أنهار ولا بيوت ولا قصور شيء واحد مستو ﴿فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ الواقعه يوم القيامه لها أسماء كثيره وأسماء غريبه إسم فيها يشعرك بوصف واقعه لأنها لامحاله واقعه وكأنها حدثت فعلا واقعه لأنها أوقعت الكفار في شر أعمالهم أوقعت الكفار في جهنم وقعت الواقعه ﴿وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ﴾ واهيه متفرقه واهيه ضعيفه وهي يهى وهيا ضعفا شديدا وهي السقاء السقاء القربه وهي السقاء تخرق هل تخرق السماء أم تنهار أم تضعف؟ أوصاف كثيره كل ذلك حادث ﴿وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ الملك إسم جنس أي الملائكه (على أرجائها) جمع رجا رجا وأرجاء طرف وأطراف على أطرافها التي لم تنشقق أو على كل قطعه منها فإذا تشققت أصبحت كتل وقطع متفرقه على كل قطعه الملائكه تقف على أرجاء السماء على أطرافها التي لم تتشقق أو ﴿عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ على أرجاء الأرض حتى لاتذهب أدراج الرياح أو تتوه في القضاء كأنهم يحيطون بأرجاء الأرض حتى إذا دكت دُكت الدكه الواحده وسويت بما عليها بقيت كما هي وهيأت للحشر أم على أرجاء السماء؟!! شيء فظيع شيء مفزع شيء لا يتخيل شيء فوق العقل ﴿وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ﴾ يحمل عرش ربك نب العرش لله وليس معنى ذلك أن الله يجلس على عرش جلوس الملوك أو يلتصق به أو يجوزه العرش أو يحويه أو يسعه أو يلامه وقد نسب البيت إلى الله والبيت لنا سكن ولكن الله لايسكن فيه فقال عن الكعبه أنها بيته حتى قال لإبراهيم (وطهر بيتي) ولكنه لا يسكن فيه ونسبة البيت إلى الله نسبه تشريف نسبه تعظيم وكذلك نسبة العرش إلى الله نسبة تعظيم وتشريف فالعرش لا يحمله بل العرش وحمله العرش محمولون بقدرته مقهورون في قبضته ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ﴾ الحامل للعرش الحمله فمن الحامل للحمله؟ هو الله هو الله (فوقهم) فوق الملائكه فوق رءوس الناس أهل الموقف أهل القيامه يحمل يومئذ ثمانية أملاك ثمانيه ملائكه ثمانيه فقط ثمانيه فقط!! قد قد وما أدرك ما الثمانيه كل واحد كيف يكون حجمه وشكله ثمانية صفوف من الملائكه ثمانيه أمم من لمىئكه ثمانيه جماعات ثمانيه أي شيء هو الله العالم بمراده ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ﴾ إذا ًفالعرش في هذه اللحظه يظهر ويبرز وينزل لكن الله لايحويه مكان ولا يحده زمان كان قبل المكان والزمان وهو الآن على ماعليه كان والعرش وحمله العرش محمولون بقدرته مقهورون في قبضته ولكن الآية من المتشابهات وليس لنا أن نتكلم فيها والعالم بها الله هو أعلم بمراده لكنا نستشعر أن الأمر فيه تمثيل وتشبيه للناس حيث تعرض الجنود والجيوش على السلاطين والملوك وكأن الملك يجلس على عرشه وتعرض عليه جيوشه وتعرض عليه أمور الرعيه وما إلى ذلك فيخاطب الناس على قدر عقولهم لكن التأويل والتفسير ليس إليه سبيل ﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فوقهم﴾ نؤمن بذلك ونصدق به ولا نؤول ولا نفسر وندع العلم بالمعنى وبالمراد لله تبارك وتعالى ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ الكلام عن النفخه الأولى ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ النفخه الأولى حيث الصعق ودكت السماء والأرض دكه احده ووقعت في ذلك اليوم الواقعه وانشقت السماء كل ذلك في النفخه الأولى ثم قال ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ إذا فالنفخه الأولى والصعق والنفخه الثانيه ومابينهما من زمان والبعث والحشر والنشور والعرش والحساب ودخول المؤمنين الجنة ودخول الكفار النار كل ذلك في يوم واحد فجاز الكلام عن النفخه الأولى ثم توالى الكلام عن كل شيء حتى النهايه لأنها في يوم واحد يوم كان مقداره خمسين ألف سنه ﴿لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ لايخفى بالياء ولا تخفى بالتاء قراءه ﴿يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ﴾ تعرضون على الملك تُعرضون على الخالق تعرضون صفا كما خلقكم أول مره لاتخفى منكم خافيه أي لاتخفى منكم خفيه من الأعمال التي خفيتموها في دنياكم هل العرض هنا مقصود به ولا تخفى منكم خافيه أن الله يرى مالم يكن يراه؟ أبدا إن الله يرى ويسمع عالم بهواجس الضمير وخفايا الوهم والتفكير لكن لاتخفى منكم خافيه تشعر بأن الإنسان في ذلك اليوم مفضوح لايخفى عمله على أهل الموقف جمعيا فكل عمل له مهما أخفاه ظهر واتضح ونشر ورأته الخلائق والمستور من ستره الله نسأله الستر في الدنيا والآخره يومئذ تعرضون لاتخفى منكم خافيه لا تستتر منكم عوره فالناس يبعثون في ذلك اليوم حفاه عراه غرلا وأول الخلائق يكسى إبراهيم الخليل ثم يكسى الناس بعد ذلك على قدر شرفهم وقربهم من الله ﴿لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ﴾ لا تستر منكم على عوره تعرضون لاتخفى منكم خافيه على الله حيث أظهر كل شيء كان مستورا لا تخفى منكم خافيه على الناس فيفضح العاصي والكافر على رءوس الخلائق والأشهاد العرض وما أدراك ما العرض العرض والحساب وما أدراك ماالحساب وتخيل وتأمل إذا إستدعيت إلى مكتب مسئول بشر مثلك لاينفع ولا يضر ولكنه يملك من جاه الأمور قليلا وسألك ووقفت أمامه هو يجلس وأنت تقف يسألك ومن ورائك الأحراس بشر ضعفاء فقراء ترتعد منك الفرائض وتدخل الهيبه في قلبك وتخشى وتدمع عيناك وتتمنى وتتمنى من ينقذك أو من يعرفك أو من يشفع لك أو تتمنى أن تنخسف الأرض بهذا المستجوب والسائل وتتمنى أن تأتي بالشهود فكيف في يوم تعرض على من لا تخفى عليه خافيه! لاشفيع ولا حميم ولا صديق ولا أب ولا إبن ولا إستئناف ولا نقص ولا إبرام الكلمه كلمه والحكم حكم إما جنة وإما نار ليس هناك وسط ليس هناك كذب ليس هناك غش ليس هناك خداع عرض ﴿لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ ويوضع الكتاب وينشر وترى الأعمال واضحه جليه ذاك العرض لا يخفى المؤمن من الكفار ولا البار من الفاجر يعرف المجرمون بسيماهم ويعرف المؤمنون بأنوارهم ﴿يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ وقد قيل أن من قرأ سورة الحاقه أي حفظها جاء يوم القيامه وقد أحاط به النور فوق رأسه إلى أسفل قدمه يحفظ سورة الحاقه فقط ذاك هو العرض فقط ذاك هو العرض ايها الاخ المسلم يقول النبي عن ذلك اليوم من حاسبه الله أو من يحاسبه الله يهلك فقالت له أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها كيف ذلك يارسول الله وربنا يقول ﴿فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا﴾ إذا ً فهناك حساب ولكنه يسير على المؤمنين عسير على الكافرين قال ياعائشه إنما ذلك العرض ومن نوقش الحساب هلك ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ(١٣)وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً(١٤)فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ(١٥)وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ(١٦)وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ(١٧)يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ(١٨)﴾ صدق ربي وبلغ نبيه الكريم عليه أفضل صلاه وأكمل تسليم يوم العرض وما أدراك مايوم العرض العرض على الملك العرض على ملك الملوك العرض على من لا تخفى عليه خافيه العرض على القادر المنعم والمعذب المهمين والمسيطر ذلك هو العرض هو العرض والناس فريقان رجل دعا إلى الخير وعمل به وتبعه أناس فكان قدوه وكان أسوه وكان نبراسا يضيء لأتباعه وأحبابه وأهله وأولاده وإذا به ينادي بإسمه وإسم أبيه على رءوس الخلائق فيتقدم للحساب فيعطي كتابا من نور كتاب أبيض مكتوب بخط أبيض يأخذه بيمينه في باطنه السيئات وفي ظاهره الحسنات فيبدأ بقراءة السيئات فيصفر لونه ويقشعر بدنه ويمتليء بالخوف صدره إذا وصل إلى نهايه كتاب السيئات وجد مكتوب في آخره هذهه سيئاتك قد غفرت لك ثم يقلب كتايه ويقرأ في الحسنات يفرح ويطمئن فقد غفرت سيئاته وهاهو يقرأ في حسناته وكلما قرأ فوجيء بأعمال يظنها صغيره فإذا هي كالجبال كبيره ربّاها له الله الصدقه اليسيره القليله إذا هي كالجبال وكلما قرأ في حسناته زاد سرورا وفرحا حتى إذا إنتهى من قراءه حسناته وجد مكتوبا آخرها هذه حسناتك وقد ضوعفت لك فيطول حتى يصل طوله إلة ستين ذراعا قامة أبيه آدم وإذا بوجهه يبيض ويحيطه ويحلى بالجلال والكمال ويؤتى بتاج فيوضع على رأسه ويحلى بحليتن ويحلى بالحلي والأساور في كل مفصل مامن مفصل في جسده إلا ويحلى بالأساور والخواتيم ويكسى بحلتين يبيض وجهه ويفرح فيقال له إرجع إلى إخوانك فبشرهم بأن لكل واحد منهم ماهو لك فيعود إلى أتباعه وأحبابه وإخوانه فرحا مسرورا مناديا من بعيد ﴿فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ(١٩)إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ(٢٠)﴾ فيأتي الرد من العلي الأعلى ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ(٢١)فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ(٢٢)قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ(٢٣)﴾ ويقول هو لأصحابه ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ وأما إن كان رأسا في الشر والعياذ بالله داعيا إلى المنكر محرضا على الفسق ناهيا عن المعروف متباعدا عن الحق ينادي بإسمه وإسم أبيه على رءوس الخلائق ويؤتى به للحساب ويعطى كتابا مسودا مكتوبا بخط أسود في ظاهره السيئات وفي باطنه الحسنات ويبدأ بقراءه حسناته فيغتر ويفرح فرحا كاذبا حتى إذا إنتهى من قراءة حسناته وجد مكتوبا في آخرها هذه حسناتك ردت عليك فيسود وجهه وتزرق عينه ويقرأ في صحيفته سيئاته فيجد مالا يخطر على باله مالفظ من قول إلا ودون عليه ما أشار من إشاره وسطرت عليه كم غمز وكم لمز كم سب وكم إغتاب كم فعل وكم فعل كم بخل وكم وكم يقرأ في شيئاته حتى إذا ماانتهى منها وجد مكتوبا في آخرها هذه سيئاتك ضوعفت عليك أي ضوعف عذابها له من العذاب ضعفين يسوّد وجهه وتزرق عينه ويعظم جسده حتى يكون خرسه كجبل أحد وما بين منكبيه مسيره ثلاثه أيام للراكب المسرع وكلما تضخم جسده كلما نال من أصناف العذاب مالا يخطر على بال ثم يكسى بثوبين من القطران ويقال له عد لإخوانك وأتباعك وأخبرهم بأن لهم مثل مالك فيولي في خزي وعار في ندم في ألم ويقول (ياليتني لم اوتي كتابيه ولم ادر ما حسابيه) (ما اغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه) وهو في ندائه إذا بالعلي الأعلى يقول الزبانيه جهنم ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوه(٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(٣١)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(٣٢)﴾‬‬‬
‫ايها الاخ المسلم يوم العرض لك أو عليك وماربك بظلام للعبيد إنما هي أعمالكم أحصاها الله لكم من وجد خيرا فليحمد الله ون وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه ربنا يفصل لنا أحوال العرض بعدما وصف لنا أهوال يوم القيامه
فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقْرَءُوا۟ كِتَـٰبِيَهْ ﴿19﴾ إِنِّى ظَنَنتُ أَنِّى مُلَـٰقٍ حِسَابِيَهْ ﴿20﴾ فَهُوَ فِى عِيشَةٍۢ رَّاضِيَةٍۢ ﴿21﴾ فِى جَنَّةٍ عَالِيَةٍۢ ﴿22﴾ قُطُوفُهَا دَانِيَةٌۭ ﴿23﴾ كُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ هَنِيٓـًٔۢا بِمَآ أَسْلَفْتُمْ فِى ٱلْأَيَّامِ ٱلْخَالِيَةِ ﴿24﴾
‫﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾ علامة النجاه علامة الكرامة علامه الفوز والفلاح أن يعطي كتابه بيمينه ﴿فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ "هاء" بمعنى خذ من قول النبي في شأن التعامل الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء مثلا بمثل وزنا بوزن هَاءَ للرجل وهَاءِ للمرأه هاؤماً للإثنين رجلان أو إمرأتان هاؤم للرجال هاؤنَّ للنساء هاهو يقول هاؤَم أي خذوا ﴿اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ كتابي وهي منصوبه وأضيفت لها الهاء للسكت هاء السكت لإظهار فتحه الياء فمنهم من قرأ بالهاء في الوقف وحذفها في الوصل فقالوا ﴿فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ(١٩)إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ(٢٠)﴾ فإذا وصل قال (هاؤم اقرأوا كتابي أني ظننت اني ملاق حسابي فهو في عيشة راضيه) فالهاء تثبتت في الوقف تحذف في الوصل ومنهم من أثبتها وصلا ووقفا وذاك أرجح لأنه يوافق رسم المصحف ﴿هَاؤُمُ اقْرَءُوا﴾ أي خذوا اقرأوا ﴿كِتَابِيَهْ﴾ هاء السكت لإظهار الفتحه في الياء ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ﴾ هاهو المؤمن يقول ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ الحساب يوم الحساب أي إعتقد أن الله سوف يحاسبه لكن التعبير بكلمة لا يشعرك أنه قد تردد بين اليقين والتكذيب كل ظن جاء في القرآن من المؤمن فهو يقين ومن الكافر فهو شك فإن اء الظن في القرآن عن المؤمن أو تعبير عن المؤمن فذاك يعني اليقين الراسخ وإن جاءت كلمة الظن على لسان الكافر أو في شأن الكافر فظن الكافر شك وظن المؤمن يقين ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ﴾ أي إني تيقنت ولذا يقول الله ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾ [سورة البقرة آية‫:‬ ٤٦] أي يعتقدون ويوقنون يقينا راسخا ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ حسابيه وماليه والكلمات كلها بهاء السكت لإظهار فتحه الياء إني ظننت أني ملاق حسابيه متيقن من الحساب وقد نجّاه خوفه من الحساب من خاف سلم وحديث ربنا القدسي يقول (لا اجمع على عبدي امنين وخوفين ابدا فمن خافني في الدنيا أمنته يوم القيامه ومن امنني في الدنيا خوفته يوم القيامه) نعم ذلك الرجل خاف الحساب فلما خاف من الحساب ﴿فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ أي ذات رضا والصيغه صيغه نسب ك لابن وتامر أي بائع لبن وبائع تمر أو فهو في عيشة راضيه أي في عيشه مرضيه يرضى عنها صاحبها ولا يسخط فهي عيشه ذات رضا ونسب الرضا إلى العيشه تكيف هي؟! مبالغه تقصر عنها الأفهام ولاتصل إلى حقيقتها الأوهام أو هي مرضيه يرضى عنها ولا يسخطها أبدا هو راهن أبدا بما أعطاه الله فهو في عيشه راضيه ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ عالية المكان في السماء السابعه فوق ذلك عاليه المكانه عاليه البناء عاليه الأشجار عاليه الدرجات هو الله خلقها وأعدها هو يقول ﴿فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ﴾ ذاك علو لايعرفه إلا الله سبحانه وتعالى ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ نعم هي عاليه لكن القطوف دانيه قطوف جمع قطْف والقطف ما يجتنى بسرعه ما تجتنبه بسرعه وبدون يسمى قطف أما القطف فهو مصدر قطوف جمع قطف قطوفها دانيه قريبه للقائم والقاعد مهما علت الأشجار باشتهاءك للثمر إذا بالثمريين يديك يأتيك طائعا مختارا وكأنك أخذت كلمة كن فيكون أردت أن تكتسي وتلبس من الحلل ماشئت إذا بأشجار الجنة تنبت الحلل كما تنبت أشجار الدنيا القطن والكتان وبجهد الإنسان ويكافح في صناعتها وحلجها وما إلى ذلك أشجار الجنة تخرج الثياب جاهزه معده مقاس صاحبها كيفما إشتهى وكيفما أراد ﴿قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ﴾ هذه القطوف الدانيه والتي يقطفها صاحبها وهذه العيشه الراضيه التي قال نبينا فيها أنهم يعيشون ولايموتون أبدا ويصحُّون ولايمرضون أبدا وينعمون فلا يبأسون أبدا ويشبُّون فلا يهرمون أبدا شباب دائم وحياه دائمه ﴿كُلُوا وَاشْرَبُوا﴾ القائل هو الله القائل هم الملائكة ﴿هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ هنيئا أي أكلاً هانئاً تهنئون به ليس فيه غصه وليس فيه ألم وليس فيه تعب وليس فيه مايعكر صفوه كما يحدث في طعام الدنيا ﴿هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ﴾ بما قدمتم في الأيام الماضيه أيام الدنيا ومن عجب أن الطعام أمامك والجنة بين يديك والحور في فراشك وكل نعيم يخطر ولا يخطر على البال ملك يمينك وأنت ولاتمنع ولا مالك لكل ذلك إلآك أنت المالك وأنت المتصرف وأنت صاحب كل شيء لأن الله يقول (أصحاب الجنة) أصحابها ويقول الوارثون وكأنهم ورثوها فهي ملكيه لاينازعك فيها شريك ولايضادك فيها عدو ولا ينزعها منك ظالم ومع ذلك ينال لك (كلوا واشربوا) أهو دلال؟ أهو جنان؟ أهو تشجيع؟ أهو عطاء؟ أهو تنشيط؟ لم يقال لك كلوا واشربوا والأكل أمامك والشرب أمامك ولت ممنوعا؟ لابد وأن فيها العطاء كلوا واشربوا يكفي أن تسمع من الذي يقول لك كل واشرب يكفي السماع وينتقل الكلام إلى النوع الآخر والصنف الآخر والعياذ بالله وبضدها تتميز الأشياء
وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَـٰبَهُۥ بِشِمَالِهِۦ فَيَقُولُ يَـٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ ﴿25﴾ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ ﴿26﴾ يَـٰلَيْتَهَا كَانَتِ ٱلْقَاضِيَةَ ﴿27﴾ مَآ أَغْنَىٰ عَنِّى مَالِيَهْ ۜ ﴿28﴾ هَلَكَ عَنِّى سُلْطَـٰنِيَهْ ﴿29﴾
‫﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ﴾ علامة البؤس والشؤم والفضيحه والخزي والعار علامة الهلاك ﴿فَيَقُولُ يَالَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ﴾ يتمنى لولم يعط الكتاب كيف ذلك وكيف يعطي كنايه وتمنى أن يكون عدها كما يقول الكافر ياليتني كنت ترابا ويقول معترفا ومقرا حيث لاينفع الإعتراف والإقرار ﴿وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ﴾ لم يظن أن هناك حساب وعقاب وثواب المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل والكافر أساء الظن بربه فأساء العمل هاهو يقر ويعترف ولم أدرِ ما حسابيه ﴿يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ ليتها ما هي؟ موتته الأولى أو الصعقه أو الوقفه حين وقف لأخذ كتابه ﴿يَالَيْتَهَا﴾ الموته الأولى أو الحياه الأولى ﴿كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ ومن عجب أنه تمنى الموت وقد كان الموت أكره شيء إليه سل الكافر أيحب أن يموت سل العاصي أيحب أن يموت ربنا يقول ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ﴾ [سورة البقرة آية‫:‬ ٩٦] هاهو الآن يتمنى الموت ويقول ﴿يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ﴾ ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ﴾ المال والأتباع هاهو يتبرأ من أمرين المال والسلطان كل مايقتتل عليه الناس في الدنيا المال والسلطان كل يريد أن يتسلط يريد الجاه يريد السلطه يريد التسلط ويسعى وراء المال بشتى الوسائل ومهما جمع من مال فهو راحل وتاركه وراءه هاهو يتبرأ ويقول ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ﴾ يود المجرم لويفتدي يومئذ ببنيه بل بالدنيا جمعيا وكذلك لو له مافي الأرض جمعيا ومثله يوم القيامه لافتدى من عذاب يوم القيامه لكن ذلك ريغنيه فهو يقول ﴿مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ﴾ ﴿هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ﴾ السلطان والجاه والملك وكل ماكان عنده أو الحجه والبرهان التي كان يحاجّ بها الحق ليدحضه بالباطل كل ذلك هلك وضاع فينادي ربنا تبارك وتعالى زبانية جهنم
خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴿30﴾ ثُمَّ ٱلْجَحِيمَ صَلُّوهُ ﴿31﴾ ثُمَّ فِى سِلْسِلَةٍۢ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًۭا فَٱسْلُكُوهُ ﴿32﴾
‫﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ وتكفي كلمه خذوه القائل هو الجبار والسامع مطيع لايعصي ولايتردد ولايخاف ولايخشى بل يجد لذته وسعادته في التعذيب خلق من الغضب خلقت ملائكة جهنم من الغضب كيف هي!! والغُل القيْد يجمع بين الأيدي والأعناق ذاك هو الغل الذي يجمع بين اليد والعنق ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ﴾ قيدوه بالأغلال وقيدوا يديه إلى عنقه بالأغلال ﴿ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ(٣١)ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ(٣٢)﴾ نلاحظ قدّم الجحيم وقدّم السلسله لم يقل ثم صلُّوه الجحيم أو ثم اسلكوه في سلسله بل قدم الجحيم والسلسله على غير السياق والنسق وسياق اللغه في كلامنا نؤخر السلسله ويؤخر الجحيم ولكن ذلك ليشعرك بالخصوصيه والإختصاص وكأن الجحيم قد خصص له وكأن السلسله قد صنعت من أجله وله كما أن كلمة ثم التي تفيد التراخي في كلامنا جاءت هنا ليست للتراخي ولكن لتفاوت الشده في العذاب بين كل صنف ولون ليبين لك التفاوت في شدة العذاب كلما رأى عذابا شديدا فما يليه أشد وأنكى لذا جاء بكلمة ثم كما وأن العدد في سلسله ذرعها سبعون ذراعا ليس مرادا لذاته بل يفيد الكثره كقوله تبارك وتعالى ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ [سورة التوبة آية‫:‬ ٨٠] سبعون ذراعا بأي ذراع؟ بذراع الإنسان في الدنيا بذراع الإنسان في الآخره بذراع الملك بذراع من؟ والذرْع مقياس بأي ذراع هذا هو الذراع هو مقياسك في هذه الدنيا والذراع معروف فهل ذراع الإنسان أم ذراع الإنسان في الآخره وطوله ستون ذراعا أم بذراع الكافر مسيرة بين منكبيه ثلاثة أيام للراكب المسرع أم بذراع الملك الذي ينادي يعلم الله لكن الفريق هو في قوله ﴿فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ أرأيت الإبره المخيط له ثقب وأنت تأتي بالفتيل وتدخله في هذا الثقب وكلما كان الثقب ضيقا كلما وجدت الشدة والمشقه في إدخال الخيط ذاك يسمى سلك فأنت تسلكه أي تدخله في الثقب فكيف يسلك الكافر في السلسله والسلسله حلق كل حلقه تدخل في حلقه أخرى فكيف يدخل هو ويسلك في هذه السلسله؟ تحير الناس فمنهم من قال تدخل السلسله في فيه وتخرج من دبره هكذا يسلك فيها وقال بعضهم بل تدخل من دبره وتخرج من خياشيمه فإذا هو فيها كما تضع اللحمه في السيخ للشواء وقال بعضهم بل تلف عليه السلسله يعلم الله كيف يكون ذلك ويأتي التعليل في صيغة الإستئناف التعليل المستأنف
إِنَّهُۥ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ ٱلْعَظِيمِ ﴿33﴾ وَلَا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ ٱلْمِسْكِينِ ﴿34﴾
‫﴿إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ﴾ وكأن هناك سائلا سأل لم كل هذا العذاب فقيل له (إنه) أي ذاك الكافر كان لايؤمن بالله العظيم وجاء بلفظ العظيم ليبين لك أن العظمه لله وحده فمن إستعظم عن عبادته وتعظم عن الطاعه كان ذلك جزاؤه كان لا يؤمن بالله العظيم أي صاحب العظمه هو الوحيد ذو العظمه فمن تعظم واستعظم عن طاعته والسجود له كان ذلك جزاوه السلسله والجحيم وما إلى ذلك فالذنب الأكبر الكفر ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ وجاء بهذين الذنبين فقط وتأمل أسوأ أخبث وأشر العقائد الكفر فالعقائد متعدده الإيمان ونصف الإيمان والتثليث ودعاء الملائكه بنات الله وإنكار الألوهيه وما إلى ذلك فأسوأ العقائد وأشرّها على الإطلاق هو الكفر (إنه كان لايؤمن بالله العظيم) وأشر الرذائل البخل فجاء بذكر الكفر وبذكر البخل الكفر أشر العقائد والبخل أشر المعاصي وأشر الطبائع وأرذل العادات والتعبير غريب (ولايحض) والحض التحريض والحث لايحض على طعام المسكين أي على إطعام المسكين أو على تقديم الطعام للمسكين إذاً فذاك الذي أذنب وقيل ﴿خذوه فغلًّوه﴾ كان كافرا وكان لايحض ولايحرض ولا يحث على طعام المسكين فكيف يمنع منع إطعام المسكين بنفه كأنك تقول للآخر لاتنفق على فلان أنت تمنع فقط فمابالك بالمانع نفسه مجرد النهي عن الإنفاق مجرد الأمر بالبخل نتج عنه ذلك فكيف بالبخل نفسه فجاء بكلمة ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ ليبين لك إن مجرد الإمتناع عن الحث عن النفقه والأمر بالكرم أو مجرد النهي عن الإنفاق والأمر بالبخل كافي لحدوث مثل هذه الألوان من العذاب‬‬
فَلَيْسَ لَهُ ٱلْيَوْمَ هَـٰهُنَا حَمِيمٌۭ ﴿35﴾ وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍۢ ﴿36﴾ لَّا يَأْكُلُهُۥٓ إِلَّا ٱلْخَـٰطِـُٔونَ ﴿37﴾
‫﴿فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ﴾ الحميم الصديق المحب الحميم الماء الساخن إستعير للتعبير عن سخونة وحرارة الحب حتى أنه يحترق قلبه من أجلك أي فليس له صديق مخلص محب ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ غسلين قالوا سمي غسلين لأنه يغسل أمعاءهم يغسل بطونهم فيخرج أحشاءهم من أدبارهم وقالوا سمي غسلين لأنه غسيل أهل النار مايسيل من أجسادهم وقروحهم وجروحهم وقالوا غسلين أشر الطعام وهولا يعرف أعاذنا الله وإياكم منه ثلاثة أنواع من الطعام جاء في القرآن لأهل النار شجرة الزقوم وقال ﴿لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِنْ ضَرِيعٍ﴾ [سورة الغاشية آية‫:‬ ٦] وقال هنا ﴿وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ﴾ ثلاثة أنواع الغسلين والضريع والزقوم أنواع خلقها الله لأهل جهنم أعاذنا الله وإياكم من كل ذلك ﴿لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ﴾ قرأت الخاطون وقرأت الخاطيون بالياء الخاطيء الذي يخطيء عمدا المخطيء الذي يخطيء عن غير قصد خطيءَ الرجل أخطأ عمدا خطأ أخطأ عمدا أخطأ الرجل ضد الصواب عن غير قصد لم يقل المخطئون لأن المخطيء من يخطيء عن غير قصد أما الخاطيء فهو المتعمد للخطأ لذا يقول لا يأكله إلا الخاطئون الذين تعمدوا الخطايا وأكثروا من المعاصي عامدين متعمدين ويتوقف الكلام بعد ماشرح حال هؤلاء وهؤلاء ويبدأ تنزيه النبي عما نسب إليه تبرئه النبي عن كل نقص وعما اهموه به وتأكيد على أن القرآن من عند الله ويأتي كل ذلك مقدما بالقسم وقسم ياله من قسم أيها ا خ المسلم سورة الحاقه تبين لك حال الدنيا وحال الآخره تبين لك المصير والمآل لاطريق بعد الدنيا إلا طريقان طريق إلى جنة ونعيم وطريق إلى نار وجحيم ولك أن تختار فاختر لنفسك أي الطريقين تختار القسم يقسم به الله فيقول‫:‬‬‬‬‬
فَلَآ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ ﴿38﴾ وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ﴿39﴾ إِنَّهُۥ لَقَوْلُ رَسُولٍۢ كَرِيمٍۢ ﴿40﴾ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍۢ ۚ قَلِيلًۭا مَّا تُؤْمِنُونَ ﴿41﴾ وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍۢ ۚ قَلِيلًۭا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿42﴾
‫﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(٣٨)وَمَا لَا تُبْصِرُونَ(٣٩)﴾ قسمْ عظيم قسم غريب قسم لم يدع شيئا إلا وأقسم به ﴿ بِمَا تُبْصِرُونَ(٣٨)وَمَا لَا تُبْصِرُونَ(٣٩)﴾ ماتدركه الأبصار ومالاتقع عليه الأنظار وكأنه قد أقسم بذاته العليه وأقسم بملائكته وأقسم بجنته وتار وأقسم بالمغيبات جمعيا وأقسم بالشواهق جمعيا أقسم بماتبصروما لاتبصر أقسم بالخلق والخالق أقسم بالملك والملكوت أقسم بالظاهر والباطن أقسم بالجنه والنار أقسم بالدنيا والآخره أقسم بالملائكه والجن والإنس وكل مخلوقاته أقسم بكل شيء لأنه يقول ﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ(٣٨)وَمَا لَا تُبْصِرُونَ(٣٩)﴾ فلم يدع شيء قسم وياله من قسم على أي شيء كان هذا القسم؟ ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ عليه الصلاة والسلام (لاأقسم) لا زيادة لإفادة التأكيد فهو قسم مؤكد قسم إجابته إنه لقول رسول كريم وقيل لا نافيه لا أقسم أي الأمر ليس محتاجا لقم الأمر أوضح من أن يقسم عليه غاية الوضوح فلا داعي هناك للقسم وقال بعضهم لا نفي لكلام سابق أي فلا أي فليس الأمر كما يقولون أي فلا ولا لما يدعون ثم إستأنف وقال (أقسم بماتبصرون) وأرجح الأقوال أنه قسم وأن لا نريده لتأكيد القسم (إِنَّهُ) القرآن ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ نسب القول إلى النبي والقائل هو الله القرآن كلام الله لكنه هنا يقول ﴿لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ فنسب القول إلى الرسول الكريم لأنه هو تاليه ومبلغه والعامل به وقارئه وحافظه وناقله والمقصود بالرسول الكريم محمد وإن كان بعض الناس قالوا المقصود جبريل لكن الأرجح رسول الله لأن الكلام بعد ذلك تبرئه له ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ﴾ فالتبرئه للنبي إذا ً فالمقصود برسول كريم محمد عليه افضل سلام وأكمل تسليم ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ قليلا ماتؤمنون لأنك لو نظرت في القرآن لوجدته أبعد مايكون عن الشعر فليس فيه قوافي الشعر وليس فيه نسق الشعر والفارق بينه وبين الشعر واضح بين إذا فقليلا ماتؤمنون لأنكم لا تؤمنون عنادا لأن من رأى القرآن وسمعه وجب عليه الإيمان بل وجب الإيمان فوراً ﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ﴾ إنهم قالوا إنه شاعر تاره وقالوا كاهن تاره والكاهن تتنزل عليه الشياطين فربنا ينفي عنه التهمه ويقول ﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ جاء بالتذكر في نفي الشاعريه قال ﴿قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ لأن الأمر لايحتاج إلا لمجرد السماع للقرآن والفارق واضح بين الشعر والقرآن وفي نفي الكهانه جاء بالتذكر لأنك لو تذكرت قليلا كيف يكون كاهنا والكاهن يستمد كلامه من الشياطين هو قد سب الشياطين في كلامه القرآن فيه ذم للشياطين (اعوذ بالله من الشياطين) وهكذا فيه سب للشياطين فكيف تنزل الشياطين على من يسبهم؟ هل يعقل أن تنزل الشياطين على من يبهم فيوحون إليه كلاما يتسلط به على النا لذا قال ﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾ ليس فيه سجع الكهانه وليس فيه الكهانه وهو يسب الشياطين فكيف تزعمون أنه كاهن قليلا ما تذكرون
تَنزِيلٌۭ مِّن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿43﴾ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلْأَقَاوِيلِ ﴿44﴾ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ ﴿45﴾ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ ﴿46﴾ فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَـٰجِزِينَ ﴿47﴾
‫﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ذاك هو الحق تنزيلا من رب العالمين أي القرآن نزل من رب العالمين الذي ربي الناس وربى الخلائق وخلق الكل وإنا في هذه الحاله حين يقول الله تنزيلٌ من رب العالمين يثبت القدره والقوة وينفي عن نفسه الجهل والنقص والعيب سبحانه وتعالى فيقول ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ﴾ تقوّل إختلق قال خلاف تقوّل إختلاق وافترى القول وقال الأقاويل والأقاويل هي الأقوال ولكن جاء بصيغه الكلام بالأقاويل للتصغير والتحقير والمعنى لو أن إنسانا قال كلمه بل نصف كلمه بل حرفا واحدا متقولا على الله مفتريا على الله يسمعه أو لا يسمعه؟ يسمعه يراه أم لايراه؟ يراه هل يتركه عن عجز؟ هل يتركه عن جهل؟ لذا يقول ويبين صدق النبي ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ﴾ كما تدعون أنه إفترى القرآن ويقوله هو من عنده لو تقوّل كلمه نصف كلمه ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ أي بيمينه باليد اليمنى يصوّر لهم أخذ السلطان الجائر أو أخذ السلطان العادل للفاجر الظالم كيف يأخذه يأخذه باليد اليمنى ثم يلفحه بالسيف قم يطيح برقبته هكذا كانوا يقتلون الناس فيصوّر لهم هذا التصوير ﴿ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ الوتين‫:‬ النخاع الوتين نبساط القلب عرق معلق به القلب إذا قطع هلك الإنسان أو ﴿لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ﴾ بالقوة لأن القوة في الميامين لأخذنا منه بالقوة والقدره أي أخذناه بقدرتنا وقوتنا ﴿فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ أي ليس هناك مخلوق يستطيع أن يحجز بينه وبين العذاب أو يحجز وبين الله‬‬‬
وَإِنَّهُۥ لَتَذْكِرَةٌۭ لِّلْمُتَّقِينَ ﴿48﴾ وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذِّبِينَ ﴿49﴾ وَإِنَّهُۥ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿50﴾ وَإِنَّهُۥ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ ﴿51﴾ فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ ﴿52﴾
‫﴿وَإِنَّهُ﴾ القرآن ﴿لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ﴾ خصّ بالذكر لأنهم المنتفعون به ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ﴾ والكلام تهديد ووعيد لأنه طالما علم فسوف يحاسب وسوف يؤاخذ ﴿وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ حين يرون ثواب من آمن به ثواب من قرأه ثواب من فسره ثواب من إستمعه ثواب من تلاه وصلى به حينئذ يتحسر الكافر الذي لم يؤمن به ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ أي يقين الحق واليقين درجات سوف يأتي المجال للكلام عنه علم القين وعين القين وحق القين ﴿وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾ من باب إضافه الصفه للموصوف أي اليقين الحق الذي لاريب فيه ولاشك اليقين العلم المؤكد من يقنت البئر راق ماؤها وشف قعرها فاليقين من أرقى درجات العلم ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ بعد كل ذلك يأمر ربنا تبارك وتعالى نبيه ويأمرنا بتنزيهه سبحانه وتعالى عن النقص والعيب إذ لو تقول رجل على الله وادعى النبوة كيف يتركه هل لايراه هل لايسمعه حاشا وكلا ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾ نزه الله عن النقص والسوء نزهه عن أن يسكت على كلام قد افترى عليه فنبينا هو الصادق المصدوق وكلامه كلام رب العالمين‫.‬‬‬‬