القرآن الكريم / سورة القلم / التفسير المقروء

سورة القلم

لقاؤنا مع سورة القلم

نٓ ۚ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ﴿1﴾
سورة القلم سورة مكيه إهتمت هذه السورة بتبرئة النبي مما وصفه به المشركون ويرفع قدره وتعظيم شأنه أقسم الله في أول هذه السورة بقسم عظيم ولله تبارك وتعالى أن يقسم بما يشاء على ما يشاء وإذا أقسم الله بشيء فذاك دليل على عظيم هذا الشيء وعظيم قدره وإذا أقسم على شيء فذاك دليل على خطورة هذا الشيء إفتتحت السورة بجرف وياله من حرف ﴿ن﴾ ذاك هو الحرف أهو إسم للسورة؟ أهو إسم للقرآن؟ أهو الحوت؟ وقد سمي يونس بذي النون أي صاحب الحوت؟ أهو الحوت الموجود تحت الأرض السابعه؟ أهو اللوح الذي كتب فيه القلم؟ أهو الدواء الذي غُمس فيها القلم أهو حرف من أسماء الله وزع على السور الر حم ن (الرحمن) علم القرآن أهو قسم يقسم الله به أم هو حرف من حروف الهجاء إعجاز من الله تبارك وتعالى هو مما إستأثر الله بعلمه ﴿ن﴾ من المتشابهات حكمه كحكم ﴿يس﴾ ﴿طه﴾ ﴿ص﴾ ﴿الم﴾ ﴿المر﴾ ﴿المص﴾ ﴿حم﴾ ﴿طس﴾ ﴿طسم﴾ حكمه كحكم فواتح السور أمر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى واختلاف الناس في تفسير الحرف نتج عنه إختلاف في القراءات فمنهم من قرأ ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ فأدغم ومنهم من قرأها بالفتح ﴿نونَ والقلم وما يسطرون﴾ على تقدير فعل ومنهم من قرأها بالكسر (نونِ) على تقدير القسم ومنهم من قرأها بالضم ﴿نونُ﴾ على البناء وأرجح القراءات فيما نرى قراءه حفص (نونْ) بالإسكان فهو حرف من حروف الهجاء وسره عند الله ﴿وَالْقَلَمِ﴾ وما أدراك ما القلم ترى أهو القلم الأزلي أهو أول الخلق حيث خلق الله القلم أول ما خلق ونظر إليه فانشق وأمره أن يكتب فكتب ماهو كائن إلى يوم القيامه من رزق وأجل وأثر وحركة وسكون ثم ختم عليه فسكت ولا يتكلم إلى يوم القيامه أم هو القلم الذي خلقه الله في هذه الدنيا وبه توارث الناس العلم إذ لولا القلم ما أصبح في الدنيا عالما ولا علم علم بالقلم علم الإنسان مالم يعلم القلم أخو اللسان القلم في البيان كبيان اللسان وحكمه حكم اللسان وما يقال باللسان إذا كتب بالقلم كان له الدليل والبرهان القلم قلم القدره قلم الله ﴿والقلم﴾ أقسم الله بالقلم وطالما أقسم الله بالقلم فذاك دليل على عظم شأن هذا القلم شأن عظيم لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى والقلم إما كل قلم إسم جنس وإما القلم الذي كتب في اللوح المحفوظ وإما القلم الذي يكتب به الناس ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ السطر الكتابه السطر تنظيم الكتابه في سطر واحد ولصق الحروف بعضها ببعض ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ من الذي يسطر؟ وماذا يسطرون؟ ومن هم؟ ومن أولئك؟ أهو القلم؟ ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ الكلام عن القلم وجاء بجمع ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ تفخيما لشأن القلم فجمع وأجراه مجرى العاقل ومجرى أولي العلم والعلم إذا كان لا يعقل كقلم الدنيا الذي نكتب به تقول القلم وما يسطر أو الأقلام وماتسطر أما أن تقول ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ إجراء القلم مجرى أولو العلم وكأن القلم يعقل وقد خاطبه الله وقال له اكتب فرد سائلا وما أكتب فهل يعقل هل فخمه الله وعظمه فقال ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ الملائكة الحفظه تكتب أعمال العباد (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) وما يسطرون الناسخون من اللوح المحفوظ لمقادير العباد ومجريات الأمور ﴿وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ الناس والعلماء والكتاب وما يكتبوه من نافع وضار يعلم ما هو القلم وماذا يسطر القلم ومن الذي يسطر وماهو المسطور وقانا الله وإياكم شر ما طويت عليه الصحف وخطه القلم ﴿ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ قَسَمْ خطير على ماذا أقسم الله وتعالى؟ على ثلاثة أشياء أولا أن النبي أعقل العقلاء وأحكم الحكماء ما نطق عن الهوى بل وحي يوحى وثانيا على أجر النبي لا يعدله أجر فقد بلغ الرساله وأدى الأمانه ونصح الأمه وما أخفى شيئا مما أوحى إليه والأمر الثالث أن نبينا أعظم الناس خلقا على الإطلاق وأكرم الناس على الإطلاق سخاءا وكرما وحياءا وعظمه ومكارم تلك أشياء ثلاثه أقسم عليها الله تبارك وتعالى
مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍۢ ﴿2﴾ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍۢ ﴿3﴾ وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍۢ ﴿4﴾
وإن كان القَسَمْ عظيما فإنه يشعر أيضا بامتنان الله على بني الإنسان إذ الكتابه في الإنسان دون الحيوان إشعار بنعمته ومنته على الخلائق علمهم القراءه والكتابه علّم الإنسان مالم يعلم الإنسان هو المخلوق الوحيد في هذه الأرض الذي يقرأ ويكتب ويتناقل العلوم ويتوارث المعارف فيعلو ويصفو ويفهم ويعلم ويعقل عن ربه ويتوارث الناس العلوم فترقى البشريه وترقى الناس وتنتشر الحضاره ويعطي العالم من علمه لم يعلم فإذا بالناس سواء في العلم ومن أراد العلم وجده ومن أراد أن يتعلم وجد من يعلمه ولا يشترط في التعليم المشافهه بل هناك القلم وهناك الكتابه وهناك النقل وهكذا وتلك منه كبرى ونعمه عظمى يشير إليها ربنا تبار وتعالى بهذا القسم ﴿وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ﴾ ﴿مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ﴾ والخطاب لسيد الأحباب الناطق بالصواب قوله فصّل الخطاب ما أنت بنعمة ربك بمجنون ردا على قولهم وإفكهم وقالوا ﴿وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ﴾ [سورة الحجر آية‫:‬ ٦] يرد الله مقسما ما أنت بنعمة ربك بمجنون بنعمة ربك هل هو قسم آخر والباء من حروف القسم بالله والله فكأنه يقسم بالنعمة ونعم الله لاتعد ولا تحصى فهو قسم لا عد له ولا حصر ما أنت وتعمة الله بمجنون كأنه أقسم بنعمته أو ما أنت برحمة ربك بمجنون أو ما أنت بمجنون وقد أنعم الله عليك وأوحى إليك ما أنت بمجنون وأنت منعم‘‘ عليه يا أيها المنعم عليه كيف تكون مجنونا وقد أنعم الله عليك ما أنت بنعمة ربك بمجنون أو هو حمد وشكر كما تقول ما أنت بحمد الله مريض أنت بحمد الله صحيح أنت بحمد الله طيب فكأن الله يقول ما أنت بمجنون والحمد لله والمنه والنعمه لله ﴿وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ الأمر الثاني الذي أقسم عليه إن لك لأجرا غير ممنون ممنون مقطوع منقصوص مننت الحبل قطعته إذا فأجر النبي غير مقطوع غير منقوص آمن به الناس أو لم يؤمن به أحد فله الأجر الكامل السايغ غير منقصوص وغير مقطوع سواءا آمن به الناس أو لم يؤمن به الناس أو غير ممنون به عليك لا يمن به عليك أحد من الناس حتى المؤمنين منهم لأن المؤجر والعاطي هو الله من يمنّ عليك؟ من له خلق المن عليك الله العاطي إذا فأجرك غير ممنون به عليك من أحد ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ الأمر الثالث الذي أقسم الله عليه الخلق أي شيء هذا الخلق وربنا العظيم هو الذي يقول وإنك لعلى خلق عظيم هو المادح له هو المثنى عليه والله مهما أثنى المثنون ومدح المادحون وقال الشعراء ما يقولون مابلغ أحدهم مد الله لحبيبه وإنك لعلى خلق عظيم الخلق يأتي بمعنى الدين والشرع كقوله في موضع آخر حكايه عن قول الكفار ﴿إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ(١٣٧)وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(١٣٨)﴾ [سورة الشعراء آية‫:‬ ١٣٧- ١٣٨] أي دين الأولين وشرع الأولين أنت تأتي به قال هذا قوم عاد لهود نبيهم فالخلق يأتي بمعنى الدين إن كان كذلك ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ أي على دين عظيم يرضى عنه الله واختاره لعباده ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ﴾ [سورة آل عمران آية‫:‬ ١٩] ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ﴾ [سورة آل عمران آية‫:‬ ٨٥] إنك لعلى خلق عظيم على دين وشرع عظيم شرعه الله العظيم سبحانه وتعالى والخلق يأتي بمعنى الآواب والمكارم والسلوكيات وتعريف الخلق في اللغه هو يأخذ به الإنسان نفسه من مكان ومن أفعال ومن عادات ومن آداب يسمى خلقا لأنه أصبح كالخِلْقه فيه لم سمي الخلق خلقا؟ لأنك إذا تخلقت بالأخلاق الحسنه وأصبحت فيك عاده أصبح هذا الخلق الكريم فيك كالخلقه كالوجه واليد إذا كان بالمعنى اللغوي إذا ً فقد مدحه الله وجمع له مكارم الأخلاق إذ هو الذي بعث ليتم مكارم الأخلاق كما قال عن نفسه (انما بعثت لاتمم مكارم الاخلاق وهو الذي اوصانا وقال) (اتق الله حيثما كنت واتبع السيئة الحسنه تمحها وخالق الناس بخلق حسن) بل ويأتي لنا حديثا قدسيا يقول الله تبارك وتعالى فيه لأحد أنبيائه يا إبراهيم حسن خلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار الخلق يقول النبي فيه ما من شيء أعظم في ميزان المؤمن يوم القيامه من خلق حسن وإن الله ليبغض الفاحش البذي ويبلغ العبد باالخلق الحسن ما يبلغه الصائم القائم (وانك لعلى خلق عظيم) السخاء العفو الصفح الكريم الحياء الأدب الإخلاص الوفاء الصدق ما من خلق كريم إلا وتخلق النبي بأعلاه فكان قدوه في كل شيء وحين سئلت عائشه عن خلق النبي قالت فأوجزت وعبرت وصدقت (وكان خلقه القرآن يرضى لرضاه ويسخط لسخطه) ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ وتأكيد الكلام يأتي بـ"إن" و"اللام" وإنك لعلى إن واللام تأكيدات في هذه التعبيرات وفي هذه الآيات بالإضافة للقسم والمتحدث هو الله والمثنى هو الله والمقرر هو الله هنيئا لك يارسول الله إنك لعلى خلق عظيم‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ ﴿5﴾ بِأَييِّكُمُ ٱلْمَفْتُونُ ﴿6﴾ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ ﴿7﴾
‫﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ﴾ كلمتان فيهما الوعد والوعيد ﴿فَسَتُبْصِرُ﴾ وعد لرسول الله فستعلم وترى وتسمع وعد له بالنصر والعز والتأييد والرفعه (سيبصرون) وعيد لهم سيبصرون العذاب والهزيمه والذل والخزي والعار ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ المفتون‫:‬ لمجنون المفتون المعذب لأن الله يخاطب أهل جهنم أو تخاطبهم الملائكه ويقولون ﴿ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ﴾ [سورة الذاريات آية‫:‬ ١٤] الفتنة العذاب والفتنه الجنون ﴿فَسَتُبْصِرُ وَيُبْصِرُونَ(٥)بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ(٦)﴾ والباء هنا تجعل المعنى يختلف قد قد فقد تكون الباء زائده المجرد التأكيد وتحليه الكلام أي فستبصر ويبصرون أيكم المجنون أنت أم هم أو الباء بمعنى في فستبصر ويبصرون في أيكم المفتنون كما تقول ليس أحدا في الدار وليس أحدا بالدار في أيكم المفتون أي في أي الفريقين في فريق المؤمنين أم في فريق الكفار في أي الفريقين المجنون والمفتنون والمعذب والسفيه وقد تكون كلمة المفتون مصدر كالمعقول مصدر بمعنى الفتنون والجنون ﴿بِأَيِّكُمُ﴾ أي بأيكم الجنون بأي منكم الجنون من منكم فيه الجنون أنت أم هم وكانوا يقولون عن النبي أن فيه شيطان يتكلم على لسانه وأورثه الجنون وقد يطلق كلمة المفتون على الشيطان وقد فتن في دينه حيث أمر بالسجود وفعصى ويصبح المعنى ﴿بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ﴾ أي من منكم لبسه الشيطان ودخل فيه ثم يأتي القرار بالعلم الأزلي ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ والضلال‫:‬ البعد عن القصد الضلال أن يغيب الإنسان عن قصده ورشده وإذا ضل الشيء في الشيء ذهب ولم يبق له أثر لا يرى ولا يعرف كما تقول ضل الماء في اللبن إذا خلط الماء باللبن فضل الماء غاب وإذا رأى الإنسان هذا اللبن المخلوط إعتقد أنه لبنا خالصا فقد ضل الماء فيه ذاك هو الضلال البعد عن القصد الغيبوبه أن يكون الإنسان ف غيبوبه عن وعيه أن يكون بعيدا عن قصده أن يكون مبعدا عن رشده كل ذلك من الضلال ربك أعلم بمن هو على هذا الضلال أعلم بمن ضل عن سبيله عن طريقه ورضاه ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ الذين هداهم الله للطريق السليم وجنبهم الغوايه وأرشدهم إلى طريق الصواب ثم يأتي التوجيه من العلي الأعلى لسيد الخلق وفذ هذا التوجيه وإن كان توجيها لرسول الله إلا ان فيه التيئيس للكفار من أن يصلوا إلى إغواء النبي ومن أن يصلوا إلى منعه عن نشر دعوته والإبلاغ ثم في هذا التوجيه أيضا ذم لصناديد قريش والأعتاهم أيضا فيما يأتي من هذا التوجيه فضيحة لأكبر رأس في الكفر فضيحة ظلت سنوات طويله لجهوله لا يعلمها صاحبها ولا يعلمها الناس عنه يقول الله موجها‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
فَلَا تُطِعِ ٱلْمُكَذِّبِينَ ﴿8﴾ وَدُّوا۟ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ ﴿9﴾
والمكذبون هم الذين كذبوا النبي وكذّبوا ببعثته وكذّبوا بالقرآن وقد كانوا يتوددون إليه ويصانعونه ويقولون له دع سب آلهتنا وندع سب إلهك وتارة يقولون أعبد آلهتنا يوما ونعبد إلهك يوما وتارة يقولون له إن أثنيت على آلهتنا أثنينا على إلهك وتارة يقولون له هلم بنا نعبد إلهك وآلهتنا فربنا يقول له ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ والكلام له ونحن المعينون أيضا بذلك في كل زمان ومكان الأمر له للأمه ولكل مسلم ولكل مؤمن والكذب أشر أنواع الأثم والمؤمن لا يكذب وسئل النبي هل يزني المؤمن قال نعمهل يشرب الخمر قال نعم وإن كان لا يزني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن لكنه يزني قد وبسرق وقد يشرب الخمر قد قالوا وهل يكذب المؤمن؟ قال لا إنما يفتؤي الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله والرجل يكذب ويكذّب يتحرى الكذب في حديثه حتى يكتب عنه الله كذابا ووصيه رسول الله لنا عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق في حديثه حتى يكتب عند الله صديقا وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حديثه حتى يكتب عند الله كذابا ربنا يقول له ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ ثم يفضحهم ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ الإدهان الممالأه والمصانعه الإدهان إظهار خلاف ما تبطن للناس الإدهان أن تصانع الرجل أنت لا ترضى عن كلامه أنت لاترضى عن صنعه وقعله أنت لاترضى عن خلقه لكنك تمالئه وتمايله وتصانعه وتلين له الكلام ذاك هو الإدهان داهنون وأدهن لغتان بمعنى واحد وإن كان بعض علماء اللغه يقولون المعنى مختلف أدهن غش وداهن مالأ ﴿وَدُّوا﴾ أي تمنوا ﴿لَوْ تُدْهِنُ﴾ تصانعهم وتمايلهم وتجاملهم بالباطل ﴿فَيُدْهِنُونَ﴾ والكلمه هنا يدهنون إن كانت جوابا للنفي كان من الواجب أن تكون فيدهنوا ودوا لو تدهن فيدهنون الأنهار جواب النهي لكنه يقول فيدهنون وإن كانت قرأت في القديم وفي بعض المصاحف فيدهنوا لكن الصحيح فيدهنون كما هي في مصاحفنا والفاء هنا للعطف أو للسببيه بمعنى ودوا لو تداهنهم فحينئذ يدهنون أو ودوا المداهنه بينك وبينهم ولكنهم أخروا مداهنتهم حتى تداهن أنت أولا فإن أدهنت أدهنوا ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾ تصانعهم ويصانعونك تمايلهم ويمالئونك وكأنه يسعى إلى ملك أو إلى دنيا أو إلى رضا الناس فيأخذ شيئا ويأخذون شيئا يتقاسمون الجاه يتقاسمون السلطان يتقاسمون ولاء الناس وغفلوا عن أن محمد يعمل للأخره ويدعو لله غفلوا عن ذلك وخاطبوه بعقولهم وخاطبوه بسفاهتهم خاطبوه بمعاييرهم وما ورثوه من جاهليتهم ودوا لو تدهن فيدهنون وتأتي الفضائح في تسع وصمات يقال أنها نزلت في الوليدبن المغيره كان من أشد الناس قسوة وغلظه عتو وتجبر وإيذاء للنبي وسب للمؤمنين وسب وطعن في القرآن ولدته أمه وبعد ثمانية عشر سنه اعترف به أبوه وألحقه به وهو الوليد بن المغيره كما نسب فهو ابن المغيره والكل يعلم ذلك ويأتي القرآن ويقول واصفا لذاك الجبار‬‬‬‬‬
وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍۢ مَّهِينٍ ﴿10﴾ هَمَّازٍۢ مَّشَّآءٍۭ بِنَمِيمٍۢ ﴿11﴾ مَّنَّاعٍۢ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ ﴿12﴾ عُتُلٍّۭ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ ﴿13﴾ أَن كَانَ ذَا مَالٍۢ وَبَنِينَ ﴿14﴾ إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا قَالَ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿15﴾ سَنَسِمُهُۥ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ ﴿16﴾
وإذا كانت الآيات نزلت فيه وهو المقصود إلا أن المعاني عامه والذم عام لكل من إتصف بهذه الصفات في كل زمان ومكان والعبره بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ الحلاف كثير الحلف والحلف من الأمور المكروهه إذا حدثت بغير طلب وبغير مناسبه فلا يصح للإنسان أن يحلف إلا أن يستحلف كالشهود في المحاكم وقد نهى ربنا تبارك وتعالى عن هذا وقال ﴿وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ﴾ [سورة البقرة آية‫:‬ ٢٢٤] ونبه أنه برحمته لا يؤاخذكم باللغو في أيمانكم لكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ثم رحمنا بعد ذلك فجعل لنا كفارة اليمين ثم يبين لنا أن اليمين أنواع منه اللغو بالله تأكل والله تجلس وإن كان ذا معفوا عنه إلا أنه خلاف الأولى وهناك يمين الكفاره وذاك أ تحلف على شيء في المستقبل ثم يبين لك أن غيره أفضل فتأتي الذي هو خير وتكفر عن يمينك كما قال النبي (اني لاحلف على شيء ثم ارى غيره خير منه فاتي الذي هو خير منه واكفر عن يميني ان شاء الله) ذاك يمين الكفاره وهناك يمين آخر يسمى يمين الغموس لأنه يغمس صاحبه في جهنم وهو أن يحلف الرجل على أمر مضى بغير حقيقته يمين الزور وأقساه وأخطره الشهاده في المحاكم (ألا انبئكم باكبر الكبائر قال بلى يارسول الله قال الشرك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس وقال ألا وشهاده الزور ألا وشهاده الزور ألا وشهاده الزور واخذ يكررها حتى قلنا ليته سكت) نعم ربنا تبارك وتعالى يذم الحلاف الذي يحلف على كل شيء حقا كان أو باطل ومن الناس من يجري اليمين عل ألسنتهم في كل شيء فارغ أو مليء مهم أو غير مهم خطير أو حقير دائما وأبدا يحلف بالله أو بالطلاق أو بأبيه أو بغيره ومن كان حالفا فليحلف بالله ولا يصح أن يحلف الإنسان أن بغير الله إذ هو نوع من أنواع الشرك فلابد أن يكون الحلف بالله لكن كثرة الحلف توقع الحالف في الخطيئه وهنا ذم ربنا تبارك وتعالى كثير الحلف فقال ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) حقير ذليل المهين الحقير الذليل القبيح الذي يأتي بالقبائح الذي يأتي بالسباب الذي يفعل المعاصي المهين الذي أهانه الله ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾ [سورة الحج آية‫:‬ ١٨] أو هي بمعنى مهان فعيل بمعنى مهان أي أهانه الناس ويهينه الله على رءوس الخلائق يوم القيامه ولا ﴿وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ﴾ ﴿هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ الهمز الطعن والضرب باليد أو بالعصا واللمز الطعن باللسان وقالوا الهمز واللمز بمعنى واحد وهو كل طعن باليد أو بالعصا ثم كنّى به عن الطعن باللسان وقال آخرون بل الهمز أن تعيب الرجل وجهه واللمز أن تعيبه في غيبته فإن عبت الرجل وهو حاضر فذاك همز وإن عبت الرجل وهو غائب فذاك لمز الهماز العتاب الذي يذكر عيوب الآخرين بذيء اللسان ﴿مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ النميم‫:‬ النميمه نُمَّ تنّيُم نماً ونميماً ونميمه وقيل بل نميم جمع نميمه أو نميم هو النميمه نمَّ نميما ً ونمَّ نميمه والرجل نمٌ ونمام إذا مشى بالنميمه والنميمة السعايه بالإفساد بين الناس وهذا النمام يقول فيه النبي مقررا لا يدخل الجنة نمام حديث صحيح متواتر وقال في رواية أخرى (لايدخل الجنة قتات) والقتات النمام والنميمه من الكبائر العظمى التي تحرم صاحبها من الجنة وقد يكون ذلك إلى الأبد لأن النبي يقول لايدخل الجنة نمام لايدخلها المفسدون بين الأحبه المفرقون بين الإخوان لا يدخلون الجنة أبدا ولا يشموا ريحها ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾ منّاع للخير لأنه كان يمنع الناس عن الإسلام ويصرفهم عن النبي يقول لا تتبعوه هذا مجنون هذا شاعر تلك أساطير الأولين إكتتبها فهي تملى عليه بكره وأصيلا منع أهله ومنع ولده عن الإسلام ومنع المال فكان كثير الغنى وكان ينادي مناديه في الحج في الجاهليه لا يوقدن أحدا نار ولا يلُتنَ أحدا سويقا ومن أراد الطعام فليأتنا فكان يطعم الناس شهرة فإذا جاءه المسكين أشاح عنه ولم يطعمه كان يطعم وجهاء الناس ويطعم زعماء القبائل وكان يبخل على المسكين والفقير واليتيم مناع للخير لكل خير وأحسن خير الدين والإسلام (معتدْ معتدٍ) متجاوز للحد من العدوان ومن التعدي فيتعدى ويعتدي على حقوق الغير ويتجاوز الحد في كل شيء (أثيم) كثير الإثم بمعنى أثوم كثير الإثم معاصيه كثيره لاتعد ولا تحصى ﴿عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ﴾ عُتُلٍ الوصف الثامن عَتُلَهُ ويَعْيلْه ُ ويَعتُله عتْلاً جذبه وجبّره بشده وبغلظه وهذا يأتي في قول الله تبارك وتعالى ﴿خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ﴾ [سورة الدخان آية‫:‬ ٤٧] أي جروه بغلظه وبقسوه فالعتْل‫:‬ الأخذ بقسوه والجر بشده ربنا يصفه بالغلظه والشده والقسوه ﴿عُتَّلٍ بعد ذلك﴾ بعد كل ما قيل فيه ﴿زنيم﴾ الزنمه جلده تتدلى من حلق الماعز وقد تكون واحده أو إثنتان أسفل لحيه الشاه لا فائده لها تعرف الماعز بها وتسمى الزنمه ربنا يصفه بأنهزنيم وكأنه يعرف بالشر كما تعرف الشاه بالزنمه أو كأنه لا فائده منه فهو زياده محسوب على الناس ولا خير يرجى منه ولا فائده فيه والزنيم له معان كثيره الزنيم الكذاب الزنيم العاصي الزنيم الغشاش الزنيم من لا أصل له الزنيم من لا خير فيه من لا يبالي به الملحقين بالقوم وليس منهم كل ذلك في زنيم ولها معنى خطير آخر الزنيم ولد الزنا يقال عنه زنيم لأنه لا أب له مجهول النسب فإن نسب إلى أحد من الناس فهو ليس منهم أصبح كزنمه الشاه من جسمها وليس من حملها وليس من عظمها أو صوفها أو وبرها ولكنها شيء زائد فكذلك الزنيم ولد الزنا وقد قيل أن ولد الزنا لا يدخل الجنة لا هو ولده ولا ولد ولده تخيروا لنطفكم واتقوا الله فيها نزلت الآيات في الوليد بن المغيره كما قيل وحين سمعها ذهب إلى أمه وقال يا أم لقد وصفني محمد بتسع صفات حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل زنيم كلها ظاهره في أعلمها إلا التاسعه منها يقصد قوله زنيم واللهه لتصدقني أو لأضربن عنقك بالسيف فخافت وقالت يابني كان أبوك عنينا أي لا يقدر على مواطأة النساء وكان ذا مال فخشيت على المال فمكنت راعيا من نفسي فأتت إبن ذلك الراعي ففضحه الله تبارك وتعالى بعد ذلك العمر الطويل وألصق به العار إلى أن تقوم الساعه تلك الصفات التي وصم بها ذلك الكافر وقد قتل في غزوة بدر كافرا وعلم قبل قتله فقد ضرب بالسيف على أنفه وقد جاءت البشاره بذلك في قول الله (أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أسطير الأولين سنسمه على الخرطوم) وهذه الآية لو تأملت فيها تجد غاية الإذلال حيث أطلق على الأنف كلمة خرطوم والخرطوم لا يكون ألا للفيل أو للخنزير كما إذا أراد الإنسان أن يسيء إلى أحد قال عن أظفاره أظلاف وكأنه شبهه بالحيوان آيات نزلت فيها الردع والدفاع من الله السورة في أولها سر مغلق (ن) أي شيء هذا؟ تلفت النظر تبهر الأسماع ثم القسم وأي قسم! (والقلم وما يسطرون) والمن بالنعمه على العلم والعلماء والإشعار بمزيه العلم والتعلم ثم تبرئه النبي ورفع قدره وشأنه وتبشيره بالأحد العظيم الوفير ثم المدح والثناء لسيد الخلق من رب الخلائق ثم بعد ذلك الدفاع عن النبي بسب عدوه بأقذع السباب ووصفه بأبشع الأوصاف ثم فضحه على رءوس الخلائق حقا وصدقا ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ [سورة الحج آية‫:‬ ٣٨] حقا وصدقا ﴿إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ [سورة غافر آية‫:‬ ٥١] نعم ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [سورة النحل آية‫:‬ ١٢٨] ﴿وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ [سورة الحج آية‫:‬ ٤٠] نهى الله حبيبه المصطفى عن طاعه المشركين والمكذبين الذين ودوا لو تدهن فيدهنون الذين راودوه عن عقيدته وطلبوا منه أن يكف عن آلهتهم حتى يكفوا عن عقيدته أو يعيد إلههم يوما ويعبدون إلهه يوما نهاه ربنا عن طاعتهم وما كان لرسول الله أن يطيعهم ثم نهاه عن طاعه ذلك الجبار المتكبر صنديد من صناديد قريش غره ماله وولده ذلك الذي ذمه الله في القرآن ووصفه بتسع صفات ومانرى الله قد ذم أحدا في القرآن بمثل ما ذم هذا الإنسان ذلك الذي كان أشد عداوه لرسول الله ذما له وإيذاءا ً للمؤمنين من أصحابه يقول الله بعد أن وصفه بتسع صفات كل واحده منها أسوأ من أختها ﴿أَنْ كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ(١٤)إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ(١٥)﴾ والكلام متعلق بالنهي أي لا تطعه لأنه ذو مال وبنين فيغريك ماله أو يغريك بنوه وقد كان النبي يطمع في إيمان رؤساء القوم لأن بإيمان رؤساء القوم تؤمن العشائر والقبائل فبيّن الله أن الإيمان بالله نعمهوهبه وأن الإنسان في هذه الدنيا قد يطيعه ماله وقد يكون المال عليه وبال ولذا كان النبي يدعو ويقول اللهم اني اعوذ بك من فقر ينسيني واعوذ بك من غني يطغني ذلك الطاغيه طغى لأنه كان ذا مال وبنين أي لا تطع ذلك العتل الزنيم المناع للخير المعتدي الأثيم لأنه كان ذا مال وبنين وقد قرأت بقراءات قرأت بالإستفهام على التوبيخ ﴿آن كان ذا مال وبنين﴾ وقرأت ﴿ءآن كان ذا مال وبنين﴾ وقرأت ﴿ءأن كان ذا مال وبنين﴾ ثلاث قراءات على الإسنفهام للتوبيخ بمعنى ألئن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا يقول فيها أساطير الأولين ألئن كان ذا مال وبنين تطعيه؟ ألئن كان ذا مال وبنين يكفر ويتجبر ويسكبر يطغيه ماله يطغيه بنوه وقرأت بالكسر أيضا ﴿إن كان ذا مال وبنين﴾ ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ وكأنه تعليل لمقالته لم قال في القرآن ذلك لأن ماله أطفاه الأساطير جميع أسطوره والأسطوره ما يسطر من تخاريف ومن ترهات وأباطيل زعم ذاك الكافر أن القرآن ماهو إلا قصص خرافات تراهات أباطيل سطرها الأولون فنقلها محمد وادعى أنها من عند الله ﴿إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ﴾ على ذاك الجبار المتكبر ﴿آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ﴾ ويرد عليه ربنا بالتهديد والوعيد والإنتقام ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ والوسم التعليم والوسم الكي بالنار وقد كان الناس يعلمون بهائهم بالكي بالنار فإذا علمت البهائم عرف لمن هي ذاك هو الوسم ﴿سَنَسِمُهُ﴾ سنعلمه بعلامه يعرف بها على مر الأيام ﴿عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ تعبير عن الأنف والتعبير فيه إهانه وإذلالا لأن الخرطوم لايكون إلا للفيل أو الخنزير أما الإنسان فله أنف وأشرف عضو في جسم الإنسان هو الوجه أشرف عضو وأكرم عضو هو الوجه لذا إذا وصفت وجهك على الأرض تذللا لله أكرمك الله لأنك وضعت أشرف مافيك على التراب فالوجه أكرم عضو في الإنسان والأنف أكرم ما في الوجه لأنه مرتفع على الوجه وإرتفاع الأنف على الوجه جعل الأنف أكرم وأشرف جزء في الوجه كما أن الوجه أشرف جزء وعضو في الجسم ولذا جعل الأنف محل العز ومحل الكبرياء ومحل الأنفه واستعير منه الكلمه (الأنفه) ويقال فلان عنده أنفه يأنف عن الصغائر وإذا أريد الإذلال قال في شأنه رغم أنفه و جدع أنفه وكأن الأنف موضع الإذلال وموضع التكريم فحين يقول الله ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ أذله وأهانه أن عبّر عن أنفه بالخرطوم الذي لا يكون إلا للخنزير أو الفيل أيضا لا يسم على وجهه فقط وهو أشرف أعضاؤه وإنما على أشرف ما في أشرف أعضائه ألا وهو الأنف وقال بعض الناس أن من نزلت فيه الآيات الوليد بن المغيره وقد ضرب بالسيف على أنفه فترك فيه علامة في غزوة بدر قبل أن يقتل وقال بعضهم الكلام كنايه عن الإذلال ليس بالفعل والوسم وإنما سوف يتم ذلك يوم القيامه حيث يكوى بالنار على على أنفه فتصبح له علامه يعرف بها على رءوس الأشهاد وقد كنا نعلم من القرآن أن الناس يعرفون يوم القيامه بسيماهم خاصة المجرمون وهناك علامتان ذكرتا في القرآن العلامه الأولى قول الله ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ [سورة آل عمران آية‫:‬ ١٠٦] فمن أسوّد وجهه يوم القيامه فذاك مجرم عرف بإجرامه علم بسواد وجهه والعلامه الثانيه قول الله ﴿وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا﴾ [سورة طه آية‫:‬ ١٠٢] تلك علامه ثانيه في هذه الآية توجد علامه ثالثه سنسمه على الخرطوم وكأن هناك علامه ثالثه ألا وهي الوسم على الأنف والكي بالنار وقال بعض الناس ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ أي سنلحق به عارا لا يفارقه إلى أن تقوم الساعه ذاك العار هو الوصف الذي وصف به تسع صفات آخرها زنيم ﴿سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ﴾ هذا الوسم وهذا التعليم لذاك الكافر بالكي بالنار يوم القيامه فيعرف أو بإلحاق العار به إلى أن تقوم الساعه أو بإذلاله وإهانته كان ذلك هو التهديد من الله ومن يهن الله فما له من مكرم والعزيز من أعزه الله والذليل من أذله الله والوجه أشرف عضو في جسم الإنسان أذله الإنسان طاعة لله إرتفع وعلا وعز وزاده الله رفعه وعزه وينتقل الكلام إلى أهل مكه‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
إِنَّا بَلَوْنَـٰهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا۟ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ ﴿17﴾ وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴿18﴾ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌۭ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ ﴿19﴾ فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ ﴿20﴾ فَتَنَادَوْا۟ مُصْبِحِينَ ﴿21﴾ أَنِ ٱغْدُوا۟ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰرِمِينَ ﴿22﴾ فَٱنطَلَقُوا۟ وَهُمْ يَتَخَـٰفَتُونَ ﴿23﴾ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌۭ ﴿24﴾ وَغَدَوْا۟ عَلَىٰ حَرْدٍۢ قَـٰدِرِينَ ﴿25﴾ فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوٓا۟ إِنَّا لَضَآلُّونَ ﴿26﴾ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ ﴿27﴾ قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ ﴿28﴾ قَالُوا۟ سُبْحَـٰنَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَـٰلِمِينَ ﴿29﴾ فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍۢ يَتَلَـٰوَمُونَ ﴿30﴾ قَالُوا۟ يَـٰوَيْلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَـٰغِينَ ﴿31﴾ عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًۭا مِّنْهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ ﴿32﴾ كَذَٰلِكَ ٱلْعَذَابُ ۖ وَلَعَذَابُ ٱلْـَٔاخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا۟ يَعْلَمُونَ ﴿33﴾
‫﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ﴾ بلوناهم‫:‬ إختبرناهم وامتحناهم وقد كان النبي دعا ربه أن يعينه على أهل مكه بسنين كسني يوسف تجبروا وعتوا وأطغاهم مالهم وكفار مكه وصناديدها كانوا أغنى الناس أصحاب سلطان وأصحاب جاه فأراد النبي أن يضيق ربنا عليهم فاستجاب الله له وجاءتهم سنه خصت كل شيء حتى أكلوا الجيف وأكلوا الكلاب والقطط والعظام ولجأوا إلى النبي يسألوه أن يدعو الله ليكشف عنهم العذاب فيحكي ربنا لنا أن هذا الإختبار إختبار لأهل مكه كما حدث مع غيرهم وجاء بقصة أناس يعرفونهم أهل مكه فقد كان في صنعاء وهي في طريقهم وطريق قوافلهم رجلا مؤمنا صالحا طيبا صادق وكانت له ثمار وكانت له بساتين فكان إذا حان موعد الحصاد دعى المساكين والفقراء ونادى فيهم وأخذهم معه عند الحصاد كل ما أخطأه المنجل لهم وكل ما ذرّه الريح لهم وكل ما وقع بنفسه لهم وكل ما زاد عن البساط الذي يفرشه ليقع عليه الثمار لهم فكان يشبعهم ويعطيهم وكانالله يبارك له ومات الرجل وورثه أبناؤه فاجتمعوا وقالوا إن فعلتا كما فعل أبونا لنفتقرت فنحن كثيروا الولد وعزموا على حرمان المساكين من حقهم فانظروا ماذا فعل الله بهم يقول الله ﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ(١٧)وَلَا يَسْتَثْنُونَ(١٨)﴾ إجتمعوا وأقسموا وحلفوا ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا﴾ ليجذنها يقطعونها صَرَمَ يصرم حصد وقطع ﴿لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ﴾ داخلين في الصباح أي قبل أن يصبح الصباح وقبل أن يضيء النهار حتى لايراهم أحد وأقسموا على ذلك أقسموا ليصرمنها مصبحين ﴿وَلَا يَسْتَثْنُونَ﴾ ولم يقولوا إن شاء الله والفعل في الغد سوف نفعل كذا غدا قبل الصباح نذهب ونجذ ونقطع ونحصد داخلين في الصباح ولم يقولوا إن شاء الله والإستثناء أن نستثني فتقول إن شاء الله لأنك تعلق الأمر بمشيئة الله إذ هو الفعال لمايريد ولا يقع في ملكه إلا مايريد أو لا يستثنون أي لا يستثنون من القطع والحصاد حق المساكين إذا فقد أقسموا ليصرمنها جمعيا ثمرة ثمره وحبه وحبه ولا يستثنون ولا يتركون شيئا للمساكين ولا يستثنون حق المساكين معنى آخر ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ(١٩)فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ(٢٠)﴾ والطائف غلب إستعماله في الشر كقول الله ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [سورة الأعراف آية‫:‬ ٢٠١] وقال بعضهم الطائف لا يكون إلا ليلا ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ﴾ قيل هو جبريل وقيل الطائف البلاء وقيل الطائف العذاب وقيل الطائف أمر الله ﴿مِنْ رَبِّكَ﴾ أي بأمر ربك أرسل الله على هذه الجنة وسميت جنة لتكاتف أغصانها والتفاف تلك الأغصان والتفاف تلك الأغصان وكثرة الثمار حتى أنك إذا نظرت إلى أعلى لا ترى السماء جنة مغطاه من جنَّهُ أي غطاه تكاتفت وتكاثفت وتشابكت أغصانها وتكاثرت سميت هذه الحديقه جنة ليبين لك ربنا كيف أنعم على صاحبها لأنه كان يؤدي حق الله فيها وجاء أولاده ومنعوا وبخلوا طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون وهم في حمايه الله وهم في كلاءة الله لأن العبد إذا نام فالله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فما من نائم إلا والله يرعاه ما من نائم إلا والله قد توفاه لا يدفع عن نفسه شرا ولا يجلب لنفسه نفعا ومع ذلك وهو نائم تعمل أجزاؤه وأعضاؤه فتعمل المعده ويعمل القلب وتعمل الدوره الدمويه ويتنفس الهواء كل ذلك بفضل الله وبنعمة الله ناموا على معصيه ناموا على عزم خاطيء وهم نيام طاف عليها طائف فأصبحت كالصريم الصريم بمعنى المصروم أي وكأنها جُذَّت وحصدت بالكامل والصريم يطلق على الليل والصريم يطلق على النهار لأن الليل ينصرم من النهار والنهار ينصرم من الليل فإن كان كالصريم بمعنى الليل من الإحتراق إودت واحترقت عن كاملها ولم يبق فيها إلا الرماد الأسود فكأنها ليل مظلم وإن كان كالصريم بمعنى النهار إذا ً فقد إبيضت ولم يبق فيها أثر لشيء وابيضت كبياض النهار أو كالصريم كما قلنا بمعنى كالمصروم وكأن أناسا قد جذوها وحصدوها وقطعوها طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون في ثوان في دقائق فأصبحت كالصريم ﴿فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ(٢١)أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ(٢٢)فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ(٢٣)أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ(٢٤)وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ(٢٥)﴾ أن اغدوا أي إذهبوا وأقبلوا على حرثكم والحرث هو الزرع وقال على ولم يقل إلى تعبيرا عن كلامهم اغدورا على حرثكم ليبين لك أنهم حين تنادوا وقالوا لبعضهم هلم بنا إلى الحرث قال على لأن على تفيد الإستعلاء والتمكن والإقتدار وكأنهم مقتدرين عليها مسيطرين عليها واثقين من حصدها وجذها وصرامها ﴿إِنْ كُنْتُمْ صَارِمِينَ﴾ قاطعين حاصدين هلم بنا نسرع ونذهب قبل بزوغ الصباح ونحصد ونجمع ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ﴾ إنطلقوا وذهبوا وهم يتخافتون يشربون الكلام خفت يخفت كت ولم يبين وهم يتخافتون لا يبينون الكلام لا يمعهم أحد ولا يميز كلامهم هم يسرون الكلام ماذا كانوا يسرون وماذا كانوا يقولون ﴿أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ "أن" مفسره للكلام الذي أقسموه لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين تصميم وعزم أكيد على حرمان المساكين ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ غدوا‫:‬ إنطلقوا غُدْوه مبكرا في الصباح من الغدوه من التبكير في الصباح ﴿عَلَى حَرْدٍ﴾ كلمة حرد لا يمكن أن تحل محلها كلمة أخرى تفيد معاني غريبه ومعاني عديده حرد يحرد منع ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ غدوا على عزم لمنع المساكين حقهم ﴿قَادِرِينَ﴾ رغم أنهم قادرين غير فقراء معهم الأموال معهم الثمار هاهي الجنة قد آتت أكلها فهم قادرين على إعطاء المساكين ومع ذلك غدوا على إصرار بالمنع أيضا حرد يحردُ حرودا حرد يحرد حردا منع حرد يحرد حرودا إنفرد فهو حريد أي وحيد منفرد عن القوم وغدوا على حرد أي منفردين ليس معهم أحد ولي معهم مسكين كما كان أبوهم يفعل (قادرين) قادرين على أنفسهم على حرام الجنة متمكنين من ذلك أيضا الحرد الغضب أيضا الحرد القدرة والقصد حرد فلان حرْد فلان أي قصد قصْدَه أي نهج نهجه قعدوا على حرد على قصد وعلى عزم قادرين في أنفسهم كما يعتقدون على حرام النخل وحصدا الشجر ووصلوا إلى جنتهم ﴿فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ﴾ ليس أرضنا إنا ضللنا الطريق يستحيل رأوها بالأمس فقط كانت وكانت فكيف تصبح كذلك لذا حينما رأوها في أول وهله قالوا إنا لضالون ثم بحثوا ونظروا عنه ويره وتأملوا فتأكدوا من وجودهم في جنتهم هنا قالوا ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ هي الجنة ولكنا حرمنا خيرها وحرمنا ثمرها ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ أوسطهم سنا أو سطهم رأيا أوسطهم أعدلهم أرجحهم رأيا أعقلهم من الوسطيه لا إفراط ولا تفريط ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ إذا فقد قيل لهم ذلك إذا فهم لم يجتمعوا على الشر بل كان هناك منهم واحد يقول لهم إياكم لولا تسبحون أي هلا تستثنون وتقولون إن شاء الله والتسبيح والإستثناء إخوان لأن المعنى التنزيه إذا قلت لأفعلن إن شاء الله فكلمة إن شاء الله وإن كانت إستثناءا إلا أنها أيضا تنزيه لله أن يقع في ملكه مالا يريد أو تسبحون بمعنى تستغفرون تتوبون وترجعون إلى الله ﴿قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ﴾ أفاقوا ورجعوا فقالوا ﴿قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ إعترفوا بذنبهم وقالوا إنا كنا ظالمين إذا فقد ظلموا أنفسهم ولم يظلمهم الله تبارك وتعالى نزهوا الله عن الظلم وماربك بظلام للعبيد وتابوا وعادوا بمقالتهم سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فقد نسبوا الظلم إلى أنفسهم ونزهوا تبارك وتعالى عن أن يكون قد ظلمهم بالإطاحه بجنتهم ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ﴾ يلوم بعضهم البعض الآخر هذا التلاوم يدل على أن منهم من أشار بالفعل (لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين) هيا بنا نصرمها ولا نستثني ومنهم من سكت راضيا ومنهم من إعترض كأوسطهم حين قال ألم أقل لكم لولا تسبحون ومنهم من سكت مرغما إذا ً لم يكونوا على رأي واحد لكن الشر تغلب وحب المال تغلب فأخذ بعضهم يلوم بعض هذا يقول ألم لكم لولا تسبحون ألم أقل لكم خافوا الله ألم أقل لكم إفعلوا كما كان يفعل أبوكم ويقول الآخر بل أنت الذي أشرت بذلك وأنت الذي دفعتنا إلى ذلك ويقول الآخر أنا لم أتكلم أنا سكت ولم سكت؟ ولم لم تقل رأيك أقبل بعضهم على بعض يتلاومون ﴿قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(٣١)عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ(٣٢)كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(٣٣)﴾ وكلمة ويل دعاء بالهلاك فكأنهم يقولون ياهلاك هلم إلينا سريعا فنحن مستحق إنا كنا طائعين والطغيان تجاوز الحد وقد علموا أنهم قد تجاوزوا الحد وعملوا بما لايجب ومنعوا ما يجب وندموا ترى أكانت توبه؟ هل كانت صادقه؟ أم هو فعل المجرمين حين يأتيهم الشده كالكفار إذا ركبوا البحر وأحاط بهم الموج من كل مكان دعَوْا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق هل كان كذلك هل قالوا هذا حين رأوا بأس الله أم أنهم قالوا ذاك وهم صادقين إختلف العلماء وإن كان الرأي الأرجح أن التوبه كانت صادقه وكانت من قلوبهم ولكن يبقى أمر في غاية الأهمية والخطوره هلم بنا نتأمل الموقف هم لهم جنة لهم ثمار يجب فيه الزكاه هم يعلمون ذلك وكان أبوهم يخرج زكاة ثماره ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [سورة الأنعام آية‫:‬ ١٤١] عزموا على المنع وناموا هل فعلوا المعصية؟ هل أتوها؟ أبدا لم يمهلهم القضاء والقدر لم يفعلوها هم قالوا سوف نفعل سوف نحصد وسوف نمنع حق المساكين وناموا ولم يمنعوا حق المساكين ولم يفعلوا شيئا فأخذهم الله بعقوبته وحصد جنتهم وهم نائمون أيؤخذ الإنسان بالعزم على الفعل واولم يفعل؟ أرأيتم أمر غايه في الخطوره ولم يكن ينتبه إليه الإنسان وغالبنا كان يعتقد أن العبد طالما لم يفعل لايؤاخذ لكن الآيات تشير أن مجرد العزم على الفعل يؤاخذ صاحبه بالعزم ولو لم يفعل كيف يكون ذلك؟ إذا من نوى أن يقتل إنسانا ونام على نيته فمات بعث قائلا ومن نوى أن يزني في الصباح فنام فمات بعث زانيا وصدق رسول الله حيث قال (انما الاعمال بالنيات وانما لكل امري ما نوى) هاهم قد نووا شطط لم يفعلوا شيئا لم يمنعوا حق المساكين عزموا فقط ونووا ومع ذلك عوقبوا وأخذ مالهم كله بخلوا بالقليل فأخذ منهم القليل والكثير ولم يؤخذ منهم ما بخلوا به فقط بل أخذ منهم كل مالهم أيها الاخ المسلم من هنا نتبين قول النبي إذا إلتقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ القاتل قتل يعاقب يدخل النار المقتول قتل لم يقتل لم يفعل شيء فما بال المقتول؟ قال إن كان حريص على القتل صاحبه لم يمكنه الله لأن المتوفى للأنفس هو الله هو حين حمل سيفه نوى القتل لم يمكنه الله هو الذي قتل فعوقب على نيته ايها الاخ المسلم من نام على نيته بعث عليها إن مات والإنسان يؤاخذ على العزم ولو لم يتم الفعل فمن عزم على السرقه وذهب ليسرق فوجد الحرس فمنع عن السرقه كتبت عليه سرقه ولوم لم يسرق ومن نوى أن يزني وذهب للزنا فوجد الزوج موجودا أو لم يجد من يزني بها عد زانيا وكتب عليه ذلك ومن نوى أن يشرب خمرا أو يتناول مخدرا أي نوع من المعاصي إذا عزم الإنسان عليها في قلبه ونواها كتبت عليه ولو لم يفعلها حتى الرضا يؤاخذ الإنسان وصدق الصادق المصدوق حيث يقول من شهد المعصية ولم يرضها كان كمن شهدها ومن لم يشهدها ومن لم يشهدها ورضيها كان كمن شهدها فإذا جاءك الرجل يحكي لك عن معاصيه فرضيت أنت بذلك واتمعت وأعطيته أذنك وقلت هلم هلمّ مستزيدا بحديثه هو يحكي لك عن زناه أو عن سكره أو عن فعله هو الذي عصى ويحكي لك عن معصيته وأنت تسمع ولا تعلق سوى أنك ترضى عن الحديث كنت كمن فعله وكنت أنت وهو سواء في الذنب والعقاب من لم يشهدها ورضيها وهو لم يشهدها كان كمن شهدها إتقوا الله في أنفسكم إتقوا الله في آذانكم وألسنتكم إتقوا الله في نواياكم ناموا على نيه طيبه لأن الإنسان لايعلم متى يموت فإن مات على صلاح مات على صدق مات نيه طيبه ولم يمت على نيه سيئه هاهم ناموا عزموا على المعصيه على الصرام في الغد ولا بستثنون مجرد العزم طاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم حين فعل الله تبارك وتعالى ذلك بهم هل ظلمهم؟ أبدا ولكنهم ظلموا أنفسهم زأقروا بذلك وقالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فالله تبارك وتعالى يؤاخذ على النيه والعزم وأعمال القلوب ومن ذلك قوله عز وجل ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ﴾ [سورة البقره آية‫:‬ ٢٢٥] والقلب له أمراض وأمراض القلب عديده والعبد قد يؤأخذ على ما في قلبه ولو لم يعمل كالحسد مثلا هل يفعل الحاسد شيئا غير أن ينظر هل مد يده؟ هل أتلف نعمة المحسود؟ هل توجه إلى الله بالدعاء أن يزيل نعمته صاحب النعمه؟ نظر فقط هل الحاقد فعل شيئا غير أن قلبه إمتلأ بالحقد بالضغينه بالكره الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ولم يفعل شيئا الغاضب الكاره الحاقد لم يفعل شيئا والأخطر من كل ذلك الظن ضننت بأخيك شيئا ولم تنطق ولم تتكلم ولم تفعل أمؤاخذ أنت؟ نعم فإن الله يقول ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ﴾ [سورة الحجرات آية‫:‬ ١٢] إذا ً فهو ذنب إذا ً فهو إثم وطالما كان إثما وكان ذنبا فلابد وأن الظان مؤاخذ على ذلك هاهم عزموا ونووْا ولم يفعلوا ومع ذلك أوخذوا وعوقبوا ولكن الله تلطف بهم فتابوا ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ(٣٠)قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ(٣١)﴾ ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ هكذا لجأوا إلى الله وتابوا وعرفوا أن الله تبارك وتعالى قد إبتلاهم بالنقص في المال ليعودوا إلى الله ويتوبوا وما جاء في المال خير من أن يأتي في الأنف والحمد لله والأرض قائمه وإن شاء الله أصلحها كما أتلقها هو المحي والمميت وهو النافع وهو الضار لذا يقولون ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يبدلْنا﴾ أو ﴿أن يبَّدلنا﴾ قراءتان الإبدال والتبديل لغتان بمعنى واحد أن تقول أبدلني أو بدّلني نفس المعنى وقال بعضهم ليستا لغتين والمعنى مختلف كل كلمه لغه بمعنى كل كلمه لها معنى منفصل التبديل أن تغير من هيئة الشيء أو تغير من حال الشيء وعيّن الشيء قائمه فتبديل المنبر أن تغير لونه أن تأخذ منه شيئا أو أن تضيف إليه شيئا عين الشيء قائمه ذاك هو التبديل والإبدال أن تزيل الشيء من مكانه ترفع عين الشيء وتأتي بغيره مكانه أبدله إذا أزال هذا وجاء بشيء آخر (عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا) إما أن يبدل حالها حال الأرض فتنبت وتزهر ويزهو فيها النبات وتعود إلى سابق حالها أو يبدلها ربنا بأن يرزقهم بأرض أخرى أشد نضاره وأكثر ثمرا وهكذا ﴿عَسَى رَبُّنَا﴾ إذا فقد لجأوا إلى الله وتمنوا وتابوا وسألوا الله ببركه توبتهم أن يبدلهم خيرا من الجنة التي طاف عليها الطائف بالليل وهم نائمون ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ قالوا إلى منتهى وكأن الغايه الله ولا شيء سواه أفادت الكلمه أن منتهى الرغبه هي رضوان الله وأن منتهى الأمل هو الله وأن منتهى الرجوع إلى الله لا إلى سواه وشتان بين مقالتهم في الأول ومقالتهم في الآخر أما في أول حالهم قالوا ﴿وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ﴾ الإستيلاء القدره عبروا بكلمة على حرد قادرين وهنا حين تابوا وعقلوا وفهموا قالوا ﴿إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ منتهى اللجوء ومنتهى الغاية ومنتهى الأمل ﴿عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ﴾ ويعقب ربنا على الحكايه ويقول ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ تهديد ووعيد لأهل مكه أي كما فعلنا بهؤلاء وفعلنا بكم سنه واحده ولولا دعاء النبي ما أمطرتهم السماء وما أنبتت الأرض ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ وهو كلام عام لكل النا لكل من يعقل لك مال تجب فيه الزكاة فتبخل وتمنع وزكاة الأموال ربع العشر قد يير ضئيل فتبخل بهذا الجزء اليير الذي يبارك في مالك وينميه وصدق رول الله حين يقول (لو كنت حالفا لحلفت على ثلاث لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها ولن تموت نفس حتى تستوفي اجلها وما نقص ما من صدقه) إسم الزكاه من زكى يزكو‫:‬ نمى ينمو إذا فالزكاه نمو وليست نقصان وكلما أخرجت من مالك لابد وأن يزيد المال وإن نقص في عينك فكم من مريض أنفقت فيه الكثير وكم ومن ولد أنفقت عليه الكثير وكم تلف أصابك في مبناك أو في بيتك أو في صحتك أو في يارتك أو في بهائمك أو في أرضك كم من تلف لم يصيب غيرك تجد التلف قد أصاب إنسان ولم يصب غيره لم ذلك وقد حذرنا نبينا ونبهنا وقال ما من يوم يصبح صباحه وتشرق شمسه إلا وملكان يناديان ويدعوان اللهم إعط كل منفق خلفا وإعط كل ممسك تلفا ودعاء الملائكه مستجاب وخلقهم الله لذلك الدعاء وألهمهم هذا الدعاء وهو يريد أن يستجيب لهم لأنه هو الذي خلقهم وألهمهم هذا الدعاء ايها الاخ المسلم ربنا ينذر ويحذر ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ﴾ عذاب الدنيا لكل ممسك ولكل بخيل فالبخيل بعيد من الناس وبعيد عن الله بعيد من الجنه قريب من النار ﴿كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ذاك عذاب الدنيا أن يصبح المرء ويجد أن ماله قد ذهب حيث لا يمكن له أن يسترده بالتلف سيارة نقل يملكها رجل في حادثه فجأه في دقيقه أو ثانيه ذهبت وذهب ماله يصبح فتجد الشرطه قد حاصرت تجارته ووضع تحت التحفظ أو الحراسه وكثيرا ما نقرأ ذلك في الجرائد أنا لا أقول إنهم ظالمون ولذا فعل بهم ذلك أنا لا أعلم شيئا لكن الحياه فيها التأمل حين ترى غيرك تتعظ والعاقل من إتعظ بغيره كم من صاحب مال وأصبح ولا مال له ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ طبعا إذا كانت الدنيا والدنيا تعوض أخطر ما في الدنيا الموت مهما ذهب المال فأنت حي تسعى على قدميك ويقال لك الحمد لله طالما أنت بصحه طالما تمشي على قدميك أخطر ما في الدنيا الموت وكلنا ميت لذا يقول الله ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ﴾ لأن بعد الآخره ليس هناك دار إما جنة وإما نار خلود وانظر يوم البعث ويوم القيامه ذاك رجل يأتي ويرى جنته ويرى بستانه يرى عمله يرى الرضوان نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم وذاك يأتي وقد إود وجهه أو إزرق أو وسم على أنفه يشير إليه النا وتنصب له الريات رايات الغدر والخيانه وينادي من مكان بعيد ويلقى في جهنم ويضرب بمقامع من حديد وهكذا شتان والمسأله كلها تتوقف على إيمان العبد بالله وتصديق رسول الله وحين بأمرك النبي بالإنفاق أنفاق ينفق الله عليك ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [سورة الحديد آية‫:‬ ٧] ذاك أمر الله ايها الاخ المسلم يقول الله ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أي لو كانوا يعلمون عذاب الآخره أكبر ما صنعوا ما يصنعون لو كانوا يعلمون ما بخلوا بأموالهم لو كانوا يعلمون لعلموا أن الله حين يشرع لنا أمرا إنما يشرع لنا ما فيه مصلحتنا وما فيه خيرنا دنيا وأخرى ايها الاخ المسلم ذهب علي بن ابي طالب رضى الله عنه وأرضاه ومعه بعض أصحابه لزيارة القبور ثم قال وأصحابه يسمعون يا أهل القريه يا أهل التربه خبرونا بما وجدتم نخبركم بما تركتم أما أموالكم التي تركتموها فقد قسمت وأما بيوتكم التي سكنتموها وشيدتموها فقد سكنت وأما نساؤكم فقد نكحت وكت الناس ثم إلتفت إلى أصحابه وقال لو أذن لأهل القبور أن يتكلموا لقالوا (ان خير الزاد التقوى) وعد الله المتقين بالرضا والنعيم وعدهم بالروح والريحان وعدهم بالنور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم وقال في محكم كتابه في سورة (ن) والتي نحن بصددها‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّـٰتِ ٱلنَّعِيمِ ﴿34﴾
وعد من الله ومن أصدق من الله قيلا المتقون درجات أول درجات التقوى هي تقوى الشرك أن تتقي أن تشرك مع الله أحد والشرك منه الجلي ومنه الخفي أعاذنا الله وإياكم منهما ثم يأتي بعد ذلك تقوى الحرام والمعاصي والكبائر والصغائر والخواطر وكلها درجات وتأتي بعد ذلك أعلى درجات التقوى وهي تقوى الأنبياء والمرسلين والعارفين وهو أن تتقي أن يشغل قلبك أحد مع الله ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ أي نعيم؟ وكلنا رأى نعم الدنيا وما فيها من تفاوت غنى فأحسن وفقر مدقع رأينا القصور الشاهقه ورأينا النا يسكنون الكهوف تفاوت ودرجات وكل مانراه في الدنيا من نعم أو نعيم لا يساوي عند الله جناح بعوضه بل يدمر كل ذلك يدمره تدنيرا ولا يبالي فلا قيمه له كل ما في هذه الدنيا وما على هذه الأرض زينة لها وطبع الزينه أن تقام ثم تقص أقامها الله ليبتلي عباده ثم يفضها يوم القيامه فترى الجبال تحبسبها جامده وهي تمر مر السحاب ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ﴾ وعد صادق محقق بسمعه الكفار فيستهزئون ويقولون إننا أغنى من أتباع محمد أغنى من أتباعه وهم أكرمهم نسبا وصهرا وهم أكثر جمعا وولدا وإن كان الله قد أعطاهم ذلك في الدنيا وفضلهم على المسلمين فلابد وأن يفضلهم عن المسلمين في الآخره إن كان هناك بعث هم ينكرون البعث أولا ثم بعد ذلك يفترضون حدوثه فيقولون إن حدث بعث كما يدّعي المسلمون وكانت هناك آخره فلابد أن فضل في الدنيا يفضل في الآخره فكما أعطاهم المال في الدنيا هو العاطي وهو الرازق طالما فضلهم في الدنيا فلابد أن ذلك التفضيل عن استحقاق إذا ً هم مستحقون للتفضيل أيضا في الآخره تلك مقالتهم مقاله سفيهه لا تخضع لمنطق ولالعقل ولا تستقيم مع عقل فيرد الله عليهم ويقول موبخا لهم مبكتا لهم متعجبا عن مقالتهم‬‬‬‬‬
أَفَنَجْعَلُ ٱلْمُسْلِمِينَ كَٱلْمُجْرِمِينَ ﴿35﴾
سؤال توبيخ سؤال تبكيت سؤال تعجب أفنجعل المسلمين كالمجرمين من أسلم وجهه لله وهو محسن من أطاع الله ورسوله من عف عن الحرام من أكرم جاره وبر والديه وأنفق من ماله وسعى في الأرض بالإصلاح هل يكون جزاء ذلك الجزاء الكافر الذي أنكر وجود الله أو جعل مع الله آلهة أخرى أو سعى في الأرض ليفد فيها ويهلك الحرث والنسل وارتكب المعاصي دون أن يبالي وجمع المال من غير أن يفكر أمن حرام هو أم من حلال بخل واستغنى وشح وأعرض المجرم الكافر وأكبر إجرام الكفر أفنجعل المسلمين كالمجرم ثم يلتفت إليهم‬‬‬‬‬
مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴿36﴾ أَمْ لَكُمْ كِتَـٰبٌۭ فِيهِ تَدْرُسُونَ ﴿37﴾ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ ﴿38﴾ أَمْ لَكُمْ أَيْمَـٰنٌ عَلَيْنَا بَـٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ ۙ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ ﴿39﴾
يلتفت إليهم بالخطاب منكرا متعجبا مشعرا بأن رأيهم سفيه ولا يخرج عن عقل سليم ﴿مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ كيف تحكمون بهذا أن يكون المسلم كالمجرم في النهايه وفي ثواب الآخره وفي العطاء إلتفت في الخطاب مشعرا لنا وللكل أن هذا الرأي غير سليم سفيه لا يخضع لمنطق ولا يخضع لعقل ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ وانظر إلى الأدله التي تساق فتفند زعمهم ليس لهم كتاب يأخذون منه ذاك الحكم لايقلدون أحدا في هذه المقاله كلامهم لا يخضع لمنطق ولا لعقل ولا يستقيم مع عداله هل لكم كتاب سماوي فيه ما تقولون ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ﴾ تقرأون وتذاكرون وتستذكرون هل لكم ذلك الكتاب ﴿إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ إن الأصل فيها أن ولدخول اللام فيها على الخبر كسرت والقياس ﴿أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ(٣٧)إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ(٣٨)﴾ وحين دخلت اللام (لما) كسرت إن وذاك منطق اللغه مثلما تقول لأخيك إنك عاقل أو إني أعلم أنك عاقل فإن قلت إنك لعاقل تكسر الهمزه لدخول اللام هنا كسرت الهمزه لدخول اللام ومعنى الكلام (ام لكم كتاب فيه تدرسون أن لكم فيه ما تخير) والتخير الإختيار وقد يكون المعنى مختلف (ام لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخير) إذا إن لكم فيه لما تخير والكلام إستئناف أي تختارون ما تشاءون من هذا الكتاب وتحكمون بما جاء به وتقولوا إن الكفار ما للمسلمين طالما فضلوا في الدنيا فهم مفضلون في الآخره ﴿أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ بالغهٌ بالغهً على الحال قراءتان أيمان علينا بالغة مؤكده أو بالغة إلى يوم القيامه أي عهود ومواثيق على الله بأن يعطيكم في الآخره كما أعطاكم في الدنيا ويفضلكم في الآخرة على المسلمين كما فضلكم في الدنيا على المسلمين هل لكم هذه الأيمان والعهود الموثقه البالغه المتناهيه في التأكيد أو البالغه إلى يوم القيامه الواصله إلى يوم القيامه دون نقص ولا إبرام ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ هذه العهود تقضي بتنفيذ ما حكمتم به وقضيتم به ونفس ما يقال فيها ما قيل في إن لكم لما تخيرون الأصل فيها (أن لكم ما تحكمون) وحين دخلت اللام كسرت الهمزة (ان لكم لما تحكمون) أو هي على أصلها إن لكم إذاً لما تحكمون طالما كانت لكم العهود والمواثيق على الله أن يدخلكم الجنة ويعظم أجركم أكثر من المسلمين في الآخره كما فعل في الدنيا إن كان كذلك إن لكم لما تحكمون إذا كانت الأيمان بالغة إلى يوم القيامه هل هذا حدث؟ لم يحدث فليس لهم عهود عند الله فليس لهم عهود عند الله فلي عندهم كتاب يقرأون فيه من أين أتوا بهذا الكلام ويلتفت الخطاب إلى النبي
سَلْهُمْ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ ﴿40﴾ أَمْ لَهُمْ شُرَكَآءُ فَلْيَأْتُوا۟ بِشُرَكَآئِهِمْ إِن كَانُوا۟ صَـٰدِقِينَ ﴿41﴾
‫﴿سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ﴾ أي إسألهم يا محمد أيهم بذلك زعيم الزعيم الكفيل الضامن والضمين المتحدث عن العزم أي من هؤلاء الكفار الذين زعموا أن لهم ماللمسلمين في الآخره إن كان هناك بعث من ضامن لهذا؟ من كفيل بذلك؟ من الذي يتكلم ويتحدث عنهم؟ والسؤال تشعر فيه بالسخريه والتهكم من ذا يضمن ذلك الكلام فليتقدم فليقل لنا فليعلن عن نفسه‫.‬ سؤال فيه التوبيخ والإنكار أيضا فيه التعجيز ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾ هل قال مقالتهم أحد آخر شركاء في هذه المقاله أو شركاء مع الله وعدوهم بذلك وعدوهم بأن لهم الجنه ولهم ما للمسلمين هل لهم شركاء أو أحد قال لهم هذه المقاله ﴿فَلْيَأْتُوا﴾ فعل أمر معناه التعجيز فكيف يأتون بشركاء لله والله واحد أحد وكيف يأتون بمن قال مقالتهم ﴿فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ أسئله فيها التوبيخ فيها الإنكار فيها السخريه والتهكم بمقالتهم ثم ينتقل بعد ذلك لوصف الآخره وما فيها من أهوال ويذكرر فيها أمر هام أخطر ما في الآخره أشد ساعه من ساعات يوم القيامه ويوم القيامه ساعات بل أيام بل سنوات كان مقداره خمسين ألف سنه مواقف وأهوال وأحوال أشد ساعه من ساعات ذلك اليوم يقول الله فيه‬‬‬‬‬‬‬‬‬
يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍۢ وَيُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ ﴿42﴾ خَـٰشِعَةً أَبْصَـٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌۭ ۖ وَقَدْ كَانُوا۟ يُدْعَوْنَ إِلَى ٱلسُّجُودِ وَهُمْ سَـٰلِمُونَ ﴿43﴾
‫﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ الكشف عن الساق كنايه عن الشده والكرب والهول الأصل فيها ساعه الحرب ساعة الهزيمه والروع والفزع تجري النساء خشية الأشر فيشمرون عن سوقهن يشمرن جلابيهن عن سوقهن ليسرعن في الجري مخالفه الوقوع في الأسر الفضيحه فيكنى عن ذلك بالكشف عن الساق أيضا كلما كان الأمر خطير يحتاج للشده والجد شمَّر المرء ساقه حتى يشتد في الإتيان بهذا الأمر أو يواجه هذه الشده والكرب فكنى بالكشف عن الساق عن كل أمر شديد فيه الكرب والهم والغم يوم يكشف عن ساق يوم القيامه ولاساق هناك ولا كاشف ولا مغطى كما تقول عن البخيل غُلت يده يده مغلوله كنايه عن شده البخل والشح وكأن اليد مربوطه إلى العنق يغُل وليس هناك أغلال وليس هناك ربط وليس هناك وإنما هي كنايه يده مغلوله أي بخيل وكأن اليد قد بطت لايستطيع أن يفكها وينفق بها فكذلك يوم يكشف عن ساق هناك وإنما الأكر كنايه عن الشده والهول قد يكون ذلك هو المعنى هناك معنى آخر الساق متعاره ساق كل شيء أصله ساق الشجره أصلها وكذلك ساق الإنسان مابه قوامه فالشجره لاتقوم إلا على ساق والإنسان لا يقوم إلا على ساق فأصل الشيء وقوامه الساق فيوم يقول ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ أي يكشف عن حقيقة الأمر وأصله تكشف الحقائق ﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾ [سورة ق آية‫:‬ ٢٢] يذهب الزيف وتنتهي الزينه ويذهب الغرور وما إلى ذلك وتظهر حقائق الأمور ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ أي يكشف عن أصل الأمر عن حقيقة الوضع أن هناك بعث وأن هناك قيامه وأن هناك ميزان وأن هناك ديوان وأن هناك الملك الديان وقرأت ﴿يُكشف﴾ وقرأت ﴿نَكْشِفْ﴾ ﴿تكشِفْ﴾ ﴿تكشِفْ﴾ ﴿يُكْشَفْ﴾ ﴿تُكشِفْ﴾ ﴿تكشِفْ﴾ ﴿تُكشِفْ﴾ وكلها لغات بمعنى واحد هي للفاعل أو للمفعول وما إلى ذلك (يوم يُكشَفْ يوم تَكشِفْ) تكشف الساعه والقيامه عن شدتها وهولها وكربها والفاعل الساعه القيامه حيث يشيب الوليد حيث تضع كل ذات حمل حملها حيث ترى الناس سكارى وماهم بسكرها ولكن عذاب الله شديد ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ لم لا يستطيعون؟ صلب الله ظهورهم وجعلها كالطبق يريدون السجود ولا يستطيعون هم يريدون ذلك ولكن لا يستطيعون ﴿وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ﴾ ليس تعبدا ولا تكليفا فليس في القيامه تكليف وليس في القيامه تعبد القيامه جزاء الدنيا إبتلاء وتكليف أما الآخره جزاء وعطاء وثواب وعقاب فالدعوه إلى السجود هنا ليس معناها تكليفا أو تعبدا وإنما تبكيتا وتوبيخا وإظهار لخزيهم وندامتهم وعارهم يدعون إلى السجود فلا يستطيعون ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ﴾ والخشوع أصلافي القلب والخشوع للجوارح ونسبه الخشوع إلى البصر لأن الذل يظهر في العيون خاشعة أبصارهم ذليله منكسره يظهر فيها الذل والعار والإنكسار ﴿تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾ رهقَه ُ وألاهقه غشيَهُ رهقه يرهقه رهقا وغشيه يغشاه غطاه ترهقهم ذله تغطيهم وتلحق بهم وتعمهم الهوان والذله والصغار والإنكسار والخزي والعار والندامه أمام الأشهاد على رءوس الخلائق حيث يعرف المجرمون بسيماهم ﴿وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ﴾ كان العبد في الدنيا سالما آمنا يسمع الأذان فيدعى إلى السجود وهمو سالم وهو آمن فإن سجد وأطاع في الدنيا سجد يوم القيامه يوم يكشف عن ساق وإن عصى وأبى ولم يسجد هم بالسجود يوم القيامه فلا يستطيع وتصبح علامه أما الطائعين فيخرون لله سجدا وأما العصاه والمجرمين قتدهب ظهورهم طبقا فلا يستطيعون السجود كل ذلك يوم القيامه وقال بعض الناس الكلام يحتمل أن يكون ذلك في الدنيا ﴿يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ﴾ كنايه عن شدة المرض إذا لحق الإنسان وحدث له الكرب في النزع الأخير وهمّت روحه بالخروج وتيقن الموت وجاء وقت الصلاه وسمع الأذان وندم على مافات من عمره وأرد أن يهمّ بالسجود وبالصلاه فلا يقوى على ذلك من ضعفه وكرب الموت وسكرات الموت وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون وهو صحيح وهو سليم وهو شاب والكلام لكل عنيد في هذه الدنيا يغير بشبابه وصحته ويقول حينما أكبر أفعل أحج أصلي أتوب أفعل وأفعل فلا يضمن فيباغته المرض وتأتيه سكرات الموت ولا يملك جسمه ولاقوته في ذلك الوقت وفي هذه الساعه يحاول أن يأتي من الخيرات شيئا قبل أن يموت فلا يمكنه الله والأرجح أن الكلام عن الآخره وعن يوم القيامه والساق كما قلنا كنايه وإن كان بعض الناس قالوا يوم يكشف عن ساق العرش وقال بعضهم يوم يكشف عن ساق جهنم وإن كانت اللغ تحتمل ذلك وإنما الرأي الأرجح والأسلم والذي عليه جمهور المفسرين والعلماء أن الكلام كنايه عن الشده والهول والكرب وهي أشد ساعه من ساعات القيامه كما قال بن عباس حبر الأمه‬‬‬‬‬‬‬‬‬
فَذَرْنِى وَمَن يُكَذِّبُ بِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ ۖ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ﴿44﴾ وَأُمْلِى لَهُمْ ۚ إِنَّ كَيْدِى مَتِينٌ ﴿45﴾
تهديد مرعب تهديد لو معته الجبال لانهارت لووجه إلى السماء لشققت المهدد هو الله القوي الجبار يقول لحبيبه معزياً مسرّيا مسلياً مؤملاً له دعك من هؤلاء المكذبين أتركهم لي أنا كفيل بهم أنا قوي عليهم عقوبتهم معدَّه لهم دعهم وكلْ أمرهم إليّ وتفرغ أنت للدعوه وتفرّغ أنت للبلاغ ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ﴾ "من" مفعول به أو "من" معطوفه على ذرني ومن يكذب بهذا الحديث ﴿فَذَرْنِي﴾ إتركني والله تبارك وتعالى لا يترك وإنما الكلام معناه اترك هؤلاء لي وكل أمرهم إليّ ودع شأنهم ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ بعد أن هددهم بالخزي والعار يوم القيامه حيث يدعى الناس إلى السجود وكل من سجد في الدنيا سجد في هذه الساعه ثم يرفع المؤمنون رءوسهم ووجوههم أشد بياضا من الثلج من هذه السجده كل ساجد في الدنيا من ذكر أو أنثى لله حين يسجد في تلك الساعه وفي ذلك الوقت يرفع رأسه ووجهه أشد بياضا من الثلج والآخرون يهمون بالسجود فلا يستطيعون كما وصف لنا النبي يذهب ظهره طبقا واحدا لايقوى على السجود وتتحول وجوههم إلى السواد فهي أشد سوادا ً من القار بهذه السجده هددهم بذلك وبيّن لهم وتوعدهم ثم يهددهم في الدنيا ويبيّن لهم الإستدراج إستفعال من الدرج الإستصعاء أو الإستنزال درجه درجه فالإستدراج أن تأتي به منزله بعد منزله ومرحله بعد مرحله ودرجه بعد درجه كيف يكون الإستدراج من الله؟ كلما أذنب العبد ذنبا أو أحدث خطيئه أنعم الله عليه بنعمه كلما يشتد العبد في التجبر والطغيان كلما يزيد الله له في النعم والإمهال إذا رأيت العبد منعما عليه وهو مقيم على معصيه فاعلم أنه مستدرج كم من مستدرج بالإحسان إليه كم من مفتون بالثناء عليه كم من مغرور بالستر عليه فقد يستر ربنا العاصي فيغتر بستر الله عليه وقد يثنى الناس على العبد وعلى عمله فيعتقد أن ثناء الناس من رضا الله فيغتر بذلك وقد ينعم عليه وكلما إشتهى شيئا من أمور الدنيا أعطاه الله إياه فيستدرج بذلك كم من مستدرج بالإحسان عليه وكم من مفتون بالثناء عليه أنكى وأشد ألوان العذاب الإستدراج لأن العبد يغفل فيؤخذ من حيث لا يدري ولا يحتسب فلا تتاح له فرصة التوبه المرض يلجئك إلى الله يارب أسألك الشفاء الفقر والحاجه تلجئك إلى الله يارب وهكذا كلما حدثت مصيبه أو بليه أو ضيق أو كرب كلما ألجأك ذلك إلى الله وكأن الكرب نعمه وكأن الفقر رحمه ومن العباد من يصب عليه البلاء صبا وتذهب الملائكه بعد ذلك إلى ربها فيسألهم ماذا فعل عبدي يقولون يارب حمدك واسترجع أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون فيقول إذهبوا إليه مره أخرى وصبوا عليه البلاء يذهبون ويعودون يارب حمدك واسترجع فيقول إذهبوا إليه وصبوا عليه البلاء صبا فإني أحب أن أسمع صوته البلاء رحمة البليه نعمة خفيه لكن الناس في غفله يعتقدون أن العطاء في الدنيا أجر وثواب أو أن العطاء في الدنيا رحمة ورضا ولكن العطاء في الدنيا إمتحان فإن أعطيت المال فانظر إلى نفسك ماذا تعمل فيه إن كنت تنفقه يمنه ويسره على المتع الدنيويه الزائله فأنت مفتون أنت مستدرج أما إذا كنت تخرج حق الله من هذا المال وحق الفقراء والمساكين وتنفق من مالك على الخيرات وعلى الفقراء وعلى المساكين ولا تدري شمالك ما أنفقت يمينك تنفق بلا خشيه للفقر تنفق بلا خوف من الإقلال إن فعلت ذلك في المال فأنت منعم عليك أما إذا كانت القوة تدعوك إلى البطش أو الغرور أو العجب أو ما إلى ذلك فأنت مستدرج إذا رأيت العبد منعما عليه وهو مقيم على المعصيه فاعلم أن ذلك منه إستدراج ﴿سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ﴾ درجه درجه كلما يخطيء العبد يستر كلما يذنب يرزق كلما يطغى كلما يمهد له في الأرض ذلك هو الإستدراج ولذا سماه الله كيد لذا قال ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ سمّاه كيد والكيد التدبير باحتيال التدبير بمكر ذاك هو الكيد منه المحمود ومنه المذموم فمن المحمود مافعله يوف معه أخيه ﴿كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ﴾ المحمود ما يفعله الله ﴿إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا(١٥)وَأَكِيدُ كَيْدًا(١٦)﴾ فالكيد منه المحمود ومنه المذموم الكيد التدبير باحتيال بخديعه من هنا ربنا يسمي إستدراجه للكفار كيدا فيقول ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ الإملاء الإمهال أصل الكلمه من الملاوه ملاوه مُلاوه مِلاوه مثلته الميم بالضم والفتح والكسر الملاو المده من الزمان المده من الدهر تسمى ملاوه ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ﴾ أي أطيل في أعمارهم أبقيهم في هذه الدنيا على معصيتهم أمد لهم وأمهل لهم وأملي نعم إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ كيد الله لا ينقص تدبير الله محكم تدبير الله ليس في ثغرات لا يقاوم فقضاؤه نافذ قوي متين شديد قادر يرى يسمع يخلق كل شيء يحي ويميت يحوّل ويغير بيده كل شيء فكيف يطاق كيده ثم يقول الله مره أخرى لحبيبه والسؤال لهم ولمن يعقل‬‬‬‬‬
أَمْ تَسْـَٔلُهُمْ أَجْرًۭا فَهُم مِّن مَّغْرَمٍۢ مُّثْقَلُونَ ﴿46﴾ أَمْ عِندَهُمُ ٱلْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ ﴿47﴾
هل سألتهم أجرا على الدعوه؟ هل سألتهم أجرا على الإبلاغ فهم يخافون من الغرم أن يدانوا دينا كثيرا أو تقل أموالهم هل تسألهم ثوابا هل تسألهم أجرا أخرويا هل تسألهم مالا فإن سألتهم مالا خافوا من الفقر ومن أجل ذلك عصوك لم يطيعوك لأنك سألتهم الأموال وطالما سألتهم الأموال إذا فأنت تسعى للمال؟ أبدا فلم عصوك وأنت تدعوهم بالمنطق وبالحجه وبالبرهان ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ﴾ المغرم‫:‬ الذين الكثير إذا غرم الإنسان حدّث فكذب ووعد فأخلف المغرم أن يدان الرجل دينا لا يستطيع الوفاء به والغارمون من مستحقي الزكاه الذين غلبتهم الديون ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ﴾ ليس كل ذلك ليس لهم كتاب فيه يدرسون ليس لهم عهود ومواثيق عند الله ليس لهم شركاء يقولون مقالتهم أو يعدوهم بذلك ويزعمون بزعمهم ليس عندهم حجه ولابرهان ولا منطق ولا كتاب ولا تسألهم أجرا فيخافون أن يعطوك الأجر ويطيعونك فيفتقرون ويغرمون إذا ً فما الأمر لم يبق إلا شيء واحد أن يكون عندهم اللوح المحفوظ فهم يقرأون فيه وينقلون منه ويقضون ويحكمون بما جاء فيه أم عندهم الغيب فهم يكتبون على اللوح المحفوظ وينقلون منه ويكتبون ما يعارض كلامك يا محمد محمد يدّعي الرساله ويقول كلاما يقول إنه وحي من الله قرآنا يتلى نزل من اللوح المحفوظ هل عندكم ما يعارضه هل عندكم قرآن آخر هل عندكم أحكام أخرى هل عندكم اللوح المحفوظ تنقلون منه ما يعارض كلامه إذا لم يكن الأمر كذلك فما الذي دعاكم إلى التكذيب والكفران ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ﴾ المغيبات ماغاب عنك فهم يعرفون ما سوف يأتي في المستقبل وأحوال القيامه هم كذبوا بالبعث أصلا فكيف تكذب بالبعث ثم تفترض وتقول إن كان هناك بعث فلنا مالهم وقد كذّب بالبعث أصلا ايها الاخ المسلم في يوم القيامه في ذلك اليوم الأهوال فيه لا تطاق فيما وصف عن هذا اليوم أو ما وصف من شدته وكربه مهما تخيل الإنسان يستحيل أن يصل إلى حقيقة أمره يوم تخشاه الملائكه الملائكه لا تُسأل الملائكة لا تُعاقب الملائكه ليس لها نار وليس لها جنة ومع ذلك هم منه مشفقون كيف؟ إذا كانت الملائكه تخافه إذا كانت السموات والأرض تخافه فكيف بالإنسان الذي أقيم اليوم من أجله هو الذي يسأل في ذلك اليوم ويحاسب ويعاقب فكيف به؟ هل إستعد الإنسان لذللك اليوم جاء رجل إلى رسول الله يقول له يارسول الله متى الساعه فقال النبي وما أعددت لها أنت تسأل عن موعدها فهل أعددت لها العده أيها الاخ المسلم الصلاة الصلاة أهم ركن من أركان الإسلام بعد الشهاده الصلاه صله بين العبد وربه إذا أبقيت عليها فأنت متصل بالله إذا قطعتها قطعت الصله بينك وبين الله وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامه الصلاه فإن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله حافظوا على صلواتكم وإياكم والتراخي وإياكم والتكاسل أدوها بخشوع يأمر الله حبيبه المصطفى بالصبر وبالرضا ولاشك أن النبي كان ينظر إلى إستدراج الله لهؤلاء الصناديد كان يمر على بلال فيراه مطروحا ًفي الشمس وفي صدره الحجر العظيم الكبير ويضرب بالسياط ويعذب‫.‬ وربنا تبارك وتعالى يرى ويسمع يمر على آل ياسر عمار بن ياسر وأبيه وأمه ويرى العذاب الذي لا تحتمله الجبال ولا يملك لهم إلا أن يقول صبرا آل ياسر موعدكم الجنة يرى كل ذلك ويرى الله قد أنعم عليهم وأعطاهم الأموال والبنين والجاه والصحه والسلطان ويرى المسلمين فقراء تعساء ولا ينصرون فلاشك كانت تحدثه بنفسه بنصر الله متى نصر الله متى وكل الأنبياء فعل ذلك كما قال الله أصاببتهم السراء والضراء حتى يقول كل رسول في زمانه والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب والقرب والبعد أمر نسبي فما تراه أنت بعيدا يراه الله قريبا (انهم يرونه بعيدا ونراه قريبا) لأن الله ليس عنده زمن فقد كان قبل الزمان والمكان من هنا يأمره الله ويعزيه ويسري عنه ويقول
فَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ ٱلْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌۭ ﴿48﴾ لَّوْلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعْمَةٌۭ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِٱلْعَرَآءِ وَهُوَ مَذْمُومٌۭ ﴿49﴾ فَٱجْتَبَـٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ ٱلصَّـٰلِحِينَ ﴿50﴾
‫﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾ أي اصبر لقضائه أخّر عنك النصر ذاك قضاءٌ منه أمرٌ حكمه أخر النصر عن المسلمين والمؤمنين ترك بلال يعذب وترك سميه تقتل وترك ياسر كذلك وترك عمار يعذب ترك صهيب كل أولئك في عين الله وسمعته ومع ذلك تركهم أخر النصر عنهم وعنك ذاك أمره وقضاؤه فاصبر لحكم ربك ويحذره ﴿وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ يونس ﴿الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ يونس حين أرسل إلى قومه ودعاهم إشتد أذاهم واشتد تكذيبهم ولم يؤمن به أحد وحذرهم وأنذرهم وتوقع لهم العذاب وقد علم من الله إذا لم يؤمنوا سوف يأتيهم العذاب حين إستأخر الإنتقام واستأخر العذاب ينتظره ولا يحدث ينتظر أن يؤمن أحد ولا يؤمن أحد ضجر وغضب على قومه وتركهم بلا أمل من الله ترك قومه وهجرهم وانصرف مبتعدا مهاجرا عنهم وذهب إلى البحر وركب السفينه ظانا أن الله لن يؤاخذه ظن أن الله لايقدر عليه معنى لا يقدر عليه لا يضيق عليه لن يؤاخذه فقد أبلغ وأدى ما عليه وزاد القوم في جبروتهم وكفرهم وركب السفينه وحدث ما حدث والتقمه الحوت وإذا به في ظلام في بطن الحوت والحوت في أعماق المحيط هنا أفاق وتذكّر وعلم أنه قد ابتلى بما فعل فصرخ مناديا لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين والملائكه حافين من حول العرش والملأ الأعلى يسمع التسبيح ولا يعلمون من أين يأتي هذا التسبيح سمعه الله وهو في بطن الحوت فرحمه وتاب عليه وأخرجه من بطن الحوت سقيما وبفضل سجوده لله وتسبيحه لله كانت الرحمة فلولا أنه كان من المسبحين للبث في بطنه إلى يوم يبعثون التسبيح كنايه عن السجود لله وتنزيه الله والعباده أرسله ربنا بعد ذلك وشفعه في ومه وعاد إلى قومه فآمنوا جمعيا ولم يتخلف منهم أحد الإيمان والكفر بيد الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء والرسل عليهم الإبلاغ من يقول ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ مكظوم مغلول مهموم انغم في القلب والكرب في الأنفاس أو مكظوم محبوس محبوس في بطن الحوت أين يذهب وحرم الله على بطن الحوت أن تأكله أو أن نهضمه فهو مكظوم محبوس كظم غيظه حب غيظه أو مكظوم مملوء بالغم مملوء بالهم نعم كان مغموما وربنا يحكي عنه وعن غمه ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(٨٧)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ(٨٨)﴾ [سورة الأنبياء آية‫:‬ ٨٧- ٨٨] يعزيه ويسرّي عنه ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَىٰ وَهُوَ مَكْظُومٌ﴾ ﴿لَوْلَا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ "لولا أن تدارك" فعل ماضي أي تداركته الرحمة والتذكير للنعمه حقيقي ولأن تأنيث النعمه غير حقيقي وقرأت ﴿لولا ان تدَّارك﴾ فعل مضارع أدغمت التاء في الدال ﴿لولا أن ادّارك﴾ ﴿لولا أن إدّارك﴾ ﴿لولا أن تداركته﴾ قراءه مختلفه لرسم المصحف قرأها ابن مسعود لولا أن تداركته النعمه النبوة الإصطفاء الرحمة قبول التوبه التوفيق للتسبيح ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ﴾ العراء الأرض لا شجر فيها ولا جبل ولا حجر الأرض الخلاء ﴿لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ﴾ ملوم مذموم مذنب مذموم مبعد عن الرحمة العراء الأرض في الدنيا لفظه الحوت كان من الممكن أن يلفظه الحوت إلى العراء أرض خاليه لاظل فيها ولا شجر ولاطعام ولاماء ولاجبل ولاحجر مذموما مبعدا عن الله لكنه نبذ بالعراء وهو سقيم غير مذموم أو بالعراء بأرض يوم القيامه للبث في بطنه إلى يوم يبعثون لولا أن تداركه نعمة من ربه لنُبذ بالعراء أرض يوم القيامه وهو مذموم مبعد من رحمة الله يوم القيامه لكن الله تداركه برحمته وبفضله ﴿فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ إصطفاه من الجابيه التي يجبى إليها الماء إصطفاه أخذه إليه ضمهُ إلى رحمته وإلى رضوانه فجعله من الصالحين الكاملين في الصلاح ثم يقول الله تبارك وتعالى خاتما للسوره مثنيا على القرآن كما بدأها بالثناء على سيد الأنام فاجتمع الثناء على النبي في البدايه مع الثناء على القرآن في النهايه فكان أجمل بدايه وختام يقول الله تبارك وتعالى
وَإِن يَكَادُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَـٰرِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا۟ ٱلذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجْنُونٌۭ ﴿51﴾ وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌۭ لِّلْعَـٰلَمِينَ ﴿52﴾
أجمل ختام بالثناء على القرآن حيث ذِكْر شرف ذكر تذكير ﴿يُزلقونك﴾ ﴿ليُزلقونك﴾ قراءات بالضم والفتح زلقهُ يزلقه أزلقه يزلقه نحْاه وأبعده هؤلاء الكفار ينظرون إلى النبي بالغيظ وبالكيد وبالحسره وبالغل بأعينهم تكاد النظرات توقعه على الأرض تكاد نظراتهم تقتله الكلام يدل على البغض والحسد والكراهيه والحقد والغل حتى إن هذه النظرات تكاد تصرعه أو تنحيه عن مكانه أو توقفه عن الإبلاغ ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ﴾ حين سمعوا القرآن ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ يتهمونك بالجنون حين يسمعون منك القرآن وينظرون إليكر بالبغضاء والكراهيه والحسد نظرات تقتلعك من مكانك نظرات تكاد توقعك نظرات تكاد تصرعك ذاك هو المعنى قال بعض الناس الآية دليل على العين والحسد والعين حق إن العين لتدخل الرجل القبر الجمل القدْر ينظر بعينه إلى الرجل متدخله القبر يموت وينظر إلى الجمل بعينه فيذبح ويدخل القدْر ويسوّي قالوا الآية دليل على وجود الحسد وربنا تبارك وتعالى حمى النبي من الحسد ويقزل له هم يريدون أن يحسدوك بأعينهم يعنانوك أي يصيبونك بالعين غيظا وحسدا ﴿وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ﴾ وقال بعض النا كانت قبيله من العرب شهيره بالحسد فذهبوا إلى رجالها وطلبوا منهم أن يحسدوا النبي وكان الرجل منهم ينظر إلى الناقه بعين الحسد وهي تمر أمامه ويقول يا غلام إليك الدرهم والقدر إذهب وائتنا من لحمها لأنها بعد خطوات تقع فيضطر صاحبها لذبحها وبيع لحمها كانوا مشهورين بالحسد فذهبوا إليهم كفار مكه وطلبوا منهم أن يحسدوا النبي فأخبره الله ﴿وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ(٥١)وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ(٥٢)﴾ فكيف يكون مجنونا من نزل عليه الذكر وكيف يحسد من نزل عليه القرآن من حماه ربنا الذكر الشرف ﴿وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ﴾ [سورة الزخرف آية‫:‬ ٤٤] أي شرف لك ولقومك في موضع آخر والذكر أيضا التذكير والتذكر من هنا ربنا يختم السورة بالثناء على القرآن ﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ أو الثناء على سيد الانام أي أن محمدا شرف للدنيا بأسرها بل هو شرف الدنيا ولولاه ماكان في الدنيا شرف شرف للدنيا وشرف لمن يتبعه أيضا هو شرف لنا وهو شرف للدنيا وهو ذكر أيضا لنا إذ يذكرنا بالله وبالآخره عنه أو الكلام عن القرآن إن الكلام عنه فقد ختمت السورة بما بدأت به الثناء على النبي ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ (وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ) وإن كان الكلام عن القرآن فقد أفتتحت بالثناء على النبي واختتمت بالثناء على القرآن فكان أجمل بدايه وكان أجمل ختام ايها الاخ المسلم سورة (ن) سورة القلم سورة فيها التأمل فيها التدبير فيها حال الدنيا وحال الآخرى فيها تحذير لكل ذي مال لو عزمت على الإمساك ولم تمسك ضاع المال كما ضاع أصحاب الجنة لو لم تسجد في الدنيا لحرمت السجود بين يدي المولى عز وجل أنت في الدنيا تسجد وأنت لا ترى الكعبه هي وجهه فقط هي قبله فقط والسجود لله فأنت تسجد غيبا ترى الكعبه ولاترى الله وإنما تسجد عن إيمان وعقيده من هنا تمنح فرصه السجود لله شخصيا يوم القيامه حيث يتجلى للعباد جمعيا فمن كان يعبد الله سجد له ومن كان يعبد غير الله لم يسجد لله إحرص على السجود وربنا يقول لحبيبه المصطفى ﴿وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ﴾ وأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد‫.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬