
سورة السجدة
مقدمة
لقاؤنا مع سورة السجده، سورة السجده سورة مكيه، نزلت بمكه ما عدا ثلاث آيات، وهي من قوله تعالى: ﴿ أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لَّا يَسْتَوُونَ﴾ وسورة السجده من السور التي بُدأت بالحروف المقطعه ﴿الم﴾، وتحدثنا عن هذه الحروف كثيرًا، وخير وأصح مايقال فيها أنها سر الله فلا تطلبوه، ولله تبارك وتعالى في كل كتابه سر، وسره في القرآن فواتح السور.
الٓمٓ ﴿1﴾
تَنزِيلُ ٱلْكِتَـٰبِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿2﴾
أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَىٰهُ ۚ بَلْ هُوَ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًۭا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٍۢ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ﴿3﴾
ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِى سِتَّةِ أَيَّامٍۢ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ ۖ مَا لَكُم مِّن دُونِهِۦ مِن وَلِىٍّۢ وَلَا شَفِيعٍ ۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ ﴿4﴾
يُدَبِّرُ ٱلْأَمْرَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ إِلَى ٱلْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِى يَوْمٍۢ كَانَ مِقْدَارُهُۥٓ أَلْفَ سَنَةٍۢ مِّمَّا تَعُدُّونَ ﴿5﴾
ذَٰلِكَ عَـٰلِمُ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿6﴾
ٱلَّذِىٓ أَحْسَنَ كُلَّ شَىْءٍ خَلَقَهُۥ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ ٱلْإِنسَـٰنِ مِن طِينٍۢ ﴿7﴾
ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُۥ مِن سُلَـٰلَةٍۢ مِّن مَّآءٍۢ مَّهِينٍۢ ﴿8﴾
ثُمَّ سَوَّىٰهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِۦ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلسَّمْعَ وَٱلْأَبْصَـٰرَ وَٱلْأَفْـِٔدَةَ ۚ قَلِيلًۭا مَّا تَشْكُرُونَ ﴿9﴾
وَقَالُوٓا۟ أَءِذَا ضَلَلْنَا فِى ٱلْأَرْضِ أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍۢ جَدِيدٍۭ ۚ بَلْ هُم بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ كَـٰفِرُونَ ﴿10﴾
قُلْ يَتَوَفَّىٰكُم مَّلَكُ ٱلْمَوْتِ ٱلَّذِى وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾
ايها الاخ المسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من احب لقاء الله احب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه، قالوا يا رسول الله:كيف ذلك؟ كلنا يكره الموت، قال ليس كما تظنون، بل إذا جاءت ساعه العبد منكم، فمن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"، وذلك يحدث عند معاينه سكرات الموت، عند دخول ملك الموت، ذلك الذي لا تحجبه حصون، أو بروج، أو أحراس، ﴿أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ ...﴾[سورة النساء آية: ٧٨].
يقول الله تبارك وتعالى لحبيبه المصطفى صلى الله عليه وسلم، والخطاب للنبي والمراد النبي والأمة:
وَلَوْ تَرَىٰٓ إِذِ ٱلْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا۟ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَٱرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَـٰلِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ﴿12﴾
وَلَوْ شِئْنَا لَـَٔاتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَىٰهَا وَلَـٰكِنْ حَقَّ ٱلْقَوْلُ مِنِّى لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿13﴾
فَذُوقُوا۟ بِمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَآ إِنَّا نَسِينَـٰكُمْ ۖ وَذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿14﴾
إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا۟ بِهَا خَرُّوا۟ سُجَّدًۭا وَسَبَّحُوا۟ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ ﴿15﴾
تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًۭا وَطَمَعًۭا وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ ﴿16﴾
فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌۭ مَّآ أُخْفِىَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍۢ جَزَآءًۢ بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿17﴾
أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًۭا كَمَن كَانَ فَاسِقًۭا ۚ لَّا يَسْتَوُۥنَ ﴿18﴾
أَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْمَأْوَىٰ نُزُلًۢا بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿19﴾
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُوا۟ فَمَأْوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ ۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓا۟ أَن يَخْرُجُوا۟ مِنْهَآ أُعِيدُوا۟ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا۟ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ ﴿20﴾
ايها الاخ المسلم، لقد سبق وأن قلنا أن النار في الدنيا تضيء، أما نار الآخره فهي مظلمه، نار سوداء لا ضوء فيها، ولكن هذه النار التي تتميز من الغيظ، كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير؟ هذه التي إذا رأتهم من بعيد سمعوا لها تغيظًا وزفيرًا، كلما خبت زدناهم سعيرًا، هذه النار هم في قعرها في ظلام دامس ولهيب لا يوصف، ولا يتخيل، ولا يخطر على البال، لكن النار تتأجج، وفي تأججها والتهابها وارتفاع ألسنة لهيبها تحملهم من قعرها إلى أعلاها، تفور كما وصفها ربنا تبارك وتعالى أنها تفور، وحين تفور وتحملهم إلى أعلى يحدوهم الأمل في القفز منها إلى الخارج، فإذا إرتفعوا بلهيبها إلى أعلاها، ورأوا السور، أرادوا أن يخرجوا ويقفزوا منها، لذا يقول الله تبارك وتعالى: ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا﴾كيف يريدون الخروج، وأنّى لهم هذا الخروج؟ هذا يحدث في هذه اللحظه حين يرتفعون بلهيبها إلى أعلاها، فيهُّمون بالقفز، فيعادوا فيها بالمقامع؛ مقامع من حديد في أيدي ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، إذا همُّوا بالقفز إذا بالمقامع تتلقاهم بالضربات التي لا قبل لمخلوق باحتمالها، فيعادوا إلى قعر جهنم، ﴿فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ﴾ ثم يحذر ربنا ويتوعد لأن الناس قد تنسى، وقد تقول حين تأتي تلك الساعه، وحين يأتي يوم القيامه فيها الفرج، ويقولون يوم الجحيم ربك رحيم، وكلمات وأماني يتمناها الإنسان ويمنيهم الشيطان، ﴿يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا﴾[سورة النساء آية: ١٢٠] يمنّيهم بالتوبه حين يكبر، يمنّيهم بطول العمر، بطول الأجل، بالمغفره، أماني فارغه فيقول الله تبارك وتعالى متوعدًاً ومحذرًا:ً
وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَدْنَىٰ دُونَ ٱلْعَذَابِ ٱلْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿21﴾
وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَـٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَآ ۚ إِنَّا مِنَ ٱلْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ ﴿22﴾
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ فَلَا تَكُن فِى مِرْيَةٍۢ مِّن لِّقَآئِهِۦ ۖ وَجَعَلْنَـٰهُ هُدًۭى لِّبَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴿23﴾
وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةًۭ يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا۟ ۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا يُوقِنُونَ ﴿24﴾
إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ فِيمَا كَانُوا۟ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿25﴾
أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّنَ ٱلْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَـٰكِنِهِمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍ ۖ أَفَلَا يَسْمَعُونَ ﴿26﴾
أَوَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّا نَسُوقُ ٱلْمَآءَ إِلَى ٱلْأَرْضِ ٱلْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِۦ زَرْعًۭا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَـٰمُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ ۖ أَفَلَا يُبْصِرُونَ ﴿27﴾
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْفَتْحُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴿28﴾
قُلْ يَوْمَ ٱلْفَتْحِ لَا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِيمَـٰنُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ ﴿29﴾
ايها الاخ المسلم، في الدنيا محاكم، وفي الدنيا قضاء وقضاه، وفي الدنيا إذا كان الحكم قد جانب الحقيقه فهناك درجات للتقاضي، وهناك محامون رزقوا اللباقه، والمنطق، والتحايل، وإيجاد الثغرات، والشك يفسر لصالح المهتم، وهناك الوسائط، والرشاوى، وشهود الزور، وهناك غير كل ذلك الأمل في الله من المظلوم أن ينتصر يوم القيامه، أما في يوم القيامه، وفي يوم الفتح، فليس هناك شهود زور، وليس هناك شك يفسر لصالح المتهم، فالأمر أمر يقين، فالناقد، والقاضي، والحاكم بصير، هو الله، وليس هناك إستئناف، ولا نقض، ولا إبرام، ولا محامون يرافعون ويترافعون عنك؛ لأنه لا تنفع الشفاعه عنده إلا لمن أذن له الرحمن ورضى له قولًا، لا يملكون الشفاعه، يستصرخ وينادي هل من صديق أو من حميم فلا يجد لا صديق حميم، ولا شفيع معين، الفتح: الحكم الحق، اليوم الذي لا ظلم فيه، ويصف لنا نبينا صلى الله عليه وسلم بعض ذلك اليوم فيقول إن الله يطوي السموات السبع والأرض جميعًا في قبضته ثم يرجها رجًا، فيقول: "أنا الملك، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ لمن الملك اليوم؟ فلا ينطق شيء، فيرد الله مجيبًا لنفسه: لله الواحد القهار"، اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم. ايها الاخ المسلم، يوم يجعل الولدان شيبًا، ترى الناس فيه سكارى وما هم بسكارى، تضع كل ذات حمل حملها، أيها الأخ، هل عملت لذلك اليوم، هؤلاء يقولون متى هذا الفتح إن كنتم صادقين، يوم الفتح لا إنظار، ولا إمهال، ولا تأجيل، ولا شفاعه، ولا صديق، ولا درهم، ولا دينار، ولا شك، بل اليقين كله، ثم يقول الله تبارك وتعالى لنبيه وصفيه صلى الله عليه وسلم مختتمًا سورة السجده:
فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَٱنتَظِرْ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ ﴿30﴾
ايها الاخ المسلم، في يوم الفتح قلنا أن هؤلاء يطلبون العوده حين يعاينون الموت، ثم يطلبون العوده حين يعاينون البعث، ويطالبون بالعوده حين يعاينون النار، ويطالبون الهروب والخروج إذا دخلوا النار فقذفتهم ألسنه لهيبها، وحين ييأسون ينادون: يا مالك ليقض علينا ربك، هؤلاء كما كذبوا في الدنيا على الله وعلى الناس يكذبون كذلك في يوم القيامه، فحين يسألهم ربهم أين شركاؤكم؟ يقولون بجرأه غريبه: والله ربنا ما كنا مشركين، فيقول ربنا تبارك وتعالى: انظر كيف كذبوا على أنفسهم؛ لأنهم حين كذبوا، كذبوا على أنفسهم، لأن الله لا يُكذَبُ عليه، لأنه يعلم السر وأخفى، حين يكذبون تؤتي بالصحائف وتنشر فيجدوا ما عملوا حاضرًا ويقولون: ﴿يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ رمشة العين، النفس، التثاؤب، حركه اليد، حركه العضلات، ما من صغيره ولا كبيره إلا أحصاها، والمحصي هو الله، ماذا يقولون؟ يقولون هذه الصحف مزوره، هذا المكتوب مخالف للحقائق، أين كتب؟ ومتى كتب؟ لم نرى ذلك، فيطعنون في الصحائف بالتزوير كما كانوا في الدنيا، فيؤتى بالشهود العدول، عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، حين يؤتى بالشهود يشهدون عليهم يقاومون الشهود، ويقولون هؤلاء ليسوا بالشهود العدول، لم نرهم في الدنيا، ولم نسمعهم، ثم إنهم حين رأونا على المعاصي لم لمْ ينبهونا؟ لِمَ لمْ يذكّرونا طالما تركونا ودوّنوا ما يشاءوا فهم ليسوا بالشهود العدول، هنا حين يصل الأمر بهم إلى ذلك يختم على أفواههم، وإذا بالأعضاء تنطق؛ الجلود تشهد، اليد تتكلم عما سرقت، وكيف بطشت، وكيف إمتدت للحرام، والقدم تتحدث عن خطواتها في الدنيا، كل خطوه، خطوه خطوة، يوم مقداره خمسون ألف سنه حساب، كيف تبيع ذلك كله بخمسين سنة من النعيم الزائل؟! تتحدث القدم بكل خطوة، حتى الجلود تنطق، فيعودون بالائمه على أنفسهم وأعضائهم، ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا﴾[سورة فصلت آية: ٢١] فتنطق الجلود وتقول: ﴿أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾[سورة فصلت آية: ٢١] أي أن الجلود نطقت بأمر الله، ولو ترك الأمر لها ما نطقت ولأطاعت أصحابها في عصيانهم وتكذبيهم، ولكن الله تبارك وتعالى أنطقها كما أنطق كل شيء، إذًا فكل شيء في الدنيا ناطق، تسمعه وقد لا تسمعه، تفهمه وقد لاتفهمه، ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا﴾[سورة الإسراء آية: ٤٤] فالله تبارك وتعالى يقول عن الجلود حين تقول: ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ(٢١)وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ(٢٣)وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ(٢٤)﴾[سورة فصلت آية: ٢١- ٢٤]
ايها الاخ المسلم، هل يمكن لك أن تستتر من المعصية؟ أو حين تعصي ممكن لك أن تستتر من عينك؟ هل يمكن لك أن تعصي وعينك مغمضه؟ هل يمكن لك أن تستتر من أذنك حين تعصي؟ وإن إستطعت أن تستتر من سمعك وبصرك أتستطيع أن تستتر من جلدك وأنت تعصي به وبأعضائك؟ كيف تستتر من أعضائك وأنت تستخدمها في المعصيه؟ إحذر فالشهود منك؛ هذه الأصابع ستكون عدوًا لك، إياك وأن تستخدمها في المعصيه؛ هذه العيون، والآذان، والجلود التي تطيبها، وتزينها، وتكسوها بفاخر الثياب، كل ذلك قد يكون عدوًا لك في الغد، ويشهد عليك. فإياك أن تطيع هواك.
ايها الاخ المسلم، اليوم قريب، في ذلك اليوم يحشر الناس فردًا فردًا، ويحاسب الناس فردًا فردًا، وفي ذلك اليوم يقول الله: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ﴾[سورة مريم آية: ٩٦] الود يوم القيامه ينشأ من الود في الدنيا ﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾[سورة الزخرف آية: ٦٧] ﴿ يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ﴾[سورة الزخرف آية: ٦٨] هؤلاء الذين تحابوا في الله في الدنيا، واجتمعوا على كلامه.
ايها الاخ المسلم، من أقرب القرب إلى الله تبارك وتعالى أن تبحث عن أخ لك تؤاخيه في الله وتجتمع معه على كلام الله، على القرآن، على حفظ القرآن ولو آيه، ولو سورة، طالما إجتمعت وتحاببت على حب الله مع أخ لك أبشر أنك سوف يجعل لك يوم القيامه ودًا، سيقال لك لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون، ستتنزل عليك الملائكه ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ﴾[سورة فصلت آية: ٣١] سوف تظل بظل العرش حيث لا ظل إلا ظل العرش، إثنان تحابا في الله إجتمعا عليه وافترقا عليه.