
سورة لقمان
مقدمة
لقاؤنا مع سورة لقمان، ولقمان إختلفت الآراء في شأنه؛ فقال بعضهم إنه كان نبينًا، وقال الآخرون بل كان وليًا، والرأي الأرجح أن لقمان لم يكن نبينًا وإنما كان وليًا من أولياء الله تبارك وتعالى، آتاه الله الحكمه، ومنحه من لدنه علمًا، ولذا يُلقب بلقمان الحكيم، وهو في أرجح الأقوال ابن أخت أيوب عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، وقد عاش ألف سنة حتى بُعث داوود، وكان لقمان يفتي الناس، وكان قاضيًا في بني إسرائيل، وحين بُعث داوود إمتنع عن الفتوى، وحين سُئل عن ذلك فقال: "ألا أكتفى إذا كُفيت"، ويُروى عنه أكثر من ألف حكمة، يرويها عنه العلماء والأولياء، ومما يُروى عن حكمة لقمان أنه دخل على داوود يومًا فوجده يسرد الدرع، ولأول مرة يرى لقمان هذا المنظر العجيب، فقد رأى الحديد بين يدي داوود يلين بغير نفخ، وبغير نار، وبغير كير، يمسك الحديد الصلب الفولاذ بيديه فإذا به كالصلصال، أو كالطين، ويقطعه، ويجعله حَلَق، ويسرد، ويضيّق في السرد كما أمره ربه، فصمت، ووقف ينظر، ويراقب حتى إنتهى داوود من نسج الدرع، ولأول مره قام داوود فلبس الدرع، فقال لقمان: "نعْم اللبوس لبوس داوود"، فرد عليه داوود قائلًا: "نعْم الصمت صمت الحكيم"، وقد سميت السورة بإسم لقمان لأن الله تبارك وتعالى قص علينا طرفًا من ذكره، ومن أهم ما قُص علينا في هذه السورة وصية لقمان لإبنه، والتي بها يعرف كل والد ماذا يقول لإبنه. إفتتحت سورة لقمان بسر الله في كتابه وهي الحروف المقطعة، وغاية ما يقال فيها أنها سر الله فلا تطلبوه، وهي من المتشابهات التي لا يصح للعلماء أن يتكلموا في شأنها أو في معناها، فقد إستأثر الله بعلمها، وكل ما قيل في شأن هذه الحروف ما هو إلا إستنباط واستنتاج من العلماء، أو تقريب لأذهان الناس، ولم يؤثر عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، وكلنا يعلم أن الكفار بمكة كانوا يتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم في كل مايقول، يبحثون عن العيوب والمآخذ، ولو كان في هذه الحروف المقطعة، والتي نزلت جلّها أو كلها بمكة، لو كان فيها مايدعو إلى الحيرة والتعجب لسألوه عنها، ولكن لم يؤثر عن كفار مكة أنهم سألوا عنها، أو تعجبوا لها، ممايدل على أن لهذه الحروف مدلول لابد وأنهم علموا مدلولها، ونحن في عصرنا هذا نتمسك بكلام السلف في هذه الحروف أنها سر الله، ولا يعلمه إلا الله.
الٓمٓ ﴿1﴾
تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْحَكِيمِ ﴿2﴾
هُدًۭى وَرَحْمَةًۭ لِّلْمُحْسِنِينَ ﴿3﴾
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلْـَٔاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿4﴾
أُو۟لَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدًۭى مِّن رَّبِّهِمْ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿5﴾
وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌۭ مُّهِينٌۭ ﴿6﴾
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًۭا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِىٓ أُذُنَيْهِ وَقْرًۭا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿7﴾
إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلنَّعِيمِ ﴿8﴾
خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّۭا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿9﴾
خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍۢ تَرَوْنَهَا ۖ وَأَلْقَىٰ فِى ٱلْأَرْضِ رَوَٰسِىَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍۢ ۚ وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۭ فَأَنۢبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍۢ كَرِيمٍ ﴿10﴾
هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ ۚ بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿11﴾
ويبدأ الكلام في سورة لقمان عن لقمان، ووصياه، ووصية لقمان لإبنة، أبلغ وصية عرفها الإنسان؛ فإنه لم يدع شيئًا من الخيرات إلا وأوصاه، ولم يدع شيئًا من المنكرات إلا ونهاه عنه، ولذا يقول الله تبارك وتعالى:
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا لُقْمَـٰنَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ لِلَّهِ ۚ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌۭ ﴿12﴾
وَإِذْ قَالَ لُقْمَـٰنُ لِٱبْنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَـٰبُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌۭ ﴿13﴾
وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ بِوَٰلِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍۢ وَفِصَـٰلُهُۥ فِى عَامَيْنِ أَنِ ٱشْكُرْ لِى وَلِوَٰلِدَيْكَ إِلَىَّ ٱلْمَصِيرُ ﴿14﴾
وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌۭ فَلَا تُطِعْهُمَا ۖ وَصَاحِبْهُمَا فِى ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفًۭا ۖ وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَىَّ ۚ ثُمَّ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿15﴾
يَـٰبُنَىَّ إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍۢ مِّنْ خَرْدَلٍۢ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ أَوْ فِى ٱلْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌۭ ﴿16﴾
يَـٰبُنَىَّ أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ وَأْمُرْ بِٱلْمَعْرُوفِ وَٱنْهَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلْأُمُورِ ﴿17﴾
أيها الاخ المسلم، لا زالت وصية لقمان تترا، وهي وصية من الوصايا التي أجملها القرآن لنا، تعليمًا لنا، وتعريفًا لنا، تنبيهًا لنا لما يجب أن يكون عليه الناصح، سواء كان ناصحًا لإبنه، أو شيخًا ناصحًا لمريده، أو معلمًا ناصحًا لتلميذه، أو ناصحًا ينصح الآخرين، أكمل نفسك، ثم أكمل غيرك، وليكن برك بوالديك تلو طاعة الله مباشرة؛ فهما يستحقان التعظيم والطاعه بعد الباري سبحانه وتعالى، وإياك وعقوق الوالدين؛ فإن عقوبه عقوق الوالدين يعدل الشرك.
مازلنا في أنوار وصية لقمان لابنه، يقول لقمان لابنه في تضاعيف وصيته:
وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍۢ فَخُورٍۢ ﴿18﴾
وَٱقْصِدْ فِى مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ ۚ إِنَّ أَنكَرَ ٱلْأَصْوَٰتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ ﴿19﴾
أَلَمْ تَرَوْا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَةًۭ وَبَاطِنَةًۭ ۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَلَا هُدًۭى وَلَا كِتَـٰبٍۢ مُّنِيرٍۢ ﴿20﴾
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا۟ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُوا۟ بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ ءَابَآءَنَآ ۚ أَوَلَوْ كَانَ ٱلشَّيْطَـٰنُ يَدْعُوهُمْ إِلَىٰ عَذَابِ ٱلسَّعِيرِ ﴿21﴾
وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌۭ فَقَدِ ٱسْتَمْسَكَ بِٱلْعُرْوَةِ ٱلْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى ٱللَّهِ عَـٰقِبَةُ ٱلْأُمُورِ ﴿22﴾
وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحْزُنكَ كُفْرُهُۥٓ ۚ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌۢ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ ﴿23﴾
نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلًۭا ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٍۢ ﴿24﴾
وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ ۚ قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿25﴾
لِلَّهِ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَنِىُّ ٱلْحَمِيدُ ﴿26﴾
وَلَوْ أَنَّمَا فِى ٱلْأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَـٰمٌۭ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعْدِهِۦ سَبْعَةُ أَبْحُرٍۢ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَـٰتُ ٱللَّهِ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌۭ ﴿27﴾
مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍۢ وَٰحِدَةٍ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌۢ بَصِيرٌ ﴿28﴾
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُولِجُ ٱلَّيْلَ فِى ٱلنَّهَارِ وَيُولِجُ ٱلنَّهَارَ فِى ٱلَّيْلِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّۭ يَجْرِىٓ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّۭى وَأَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌۭ ﴿29﴾
ذَٰلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ ٱلْبَـٰطِلُ وَأَنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْعَلِىُّ ٱلْكَبِيرُ ﴿30﴾
أيها الأخ المسلم، الحق يقابل الباطل، والحق في أعراف الناس شيء، والحق في ذات الله شيء آخر، ايها الاخ المسلم، لايعرف الحق إلا الحق سبحانه وتعالى، فالحق أنواع؛ حق في الأعيان، حق في الأذهان، حق على اللسان، أحق ما يطلق عليه كلمة الحق هو ذات الله، الثابت في ذاته، الواجب من جميع جهاته، والحق في الأذهان، وأحق ما يكون في أذهان الناس وهو المعرفه، هو معرفه الله تبارك وتعالى، وأحق ما يقال على اللسان هو كلمة لا إله إلا الله، فهي الحق المطلق. أيها الاخ الكريم، كلمة الحق قد تقال للموجودات، للأشياء الموجوده، فأنت تقول أن هناك مسجد يسمى مسجد المواساه بمنطقه كذا، فإن صادف قولك ووصفك حقيقة وجود المسجد فذاك حق في الأعيان، أي الأشياء التي تعاين وترى، وقد تقول أن مسجد المواساه سعته كذا، ورواده عددهم كذا، وتلك معلومات ومعرفه في ذهنك عن سعه المسجد وعدد رواده، فإذا اتضح أن ما تعرفه وما علمته يصادف الواقع فعلًا من حيث السعه والعدد، فأنت قد قلت الحق، وصادف علمك حقيقة الأشياء، وإذا قلت أن مسجد المواساه فيه دعوه خالصه إلى الله، وذلك ما نرجوه، وكان حقًا، فقولك على لسانك هو أيضًا الحق، وعليه فالحق يطلق على الأقوال، يطلق أيضًا على المعارف، والموجود في الأذهان يطلق أيضًا على الموجود في الأعيان، وكل ما في الوجود من أشياء، وأعيان، أو معلومات في الأذهان، أو أقوال وكلام على اللسان، هو حق من جهه، وباطل من جهه أخرى، فأنت تقول أن السماء موجوده حق، ولكن من جهه أنك تراها، ومن أن الله تبارك وتعالى هو موجد هذه السماء؛ فهي محتاجه إليه في وجودها، قبل أن تكون السماء موجوده، أكانت السماء حقًا؟ أبدًا، بعد ما تُدمر هذه السماء وتصبح كالمهل، هل السماء تصبح موجوده؟ أم أن كلمة وجود هنا تصبح كلمة باطله؟ الباطل: المعدوم، السماء موجوده الآن، ولكنها كانت معدومه قبل أن يوجدها الله، وهي معدومه حين يشاء الله، وكذلك الإنسان؛ أنت الآن موجود، موجود حق، قبل ميلادك لم تكن موجودًا، وبعد موتك لا تكون موجودًا، فأنت حق في فتره زمنيه محدده، وهي فتره وجودك في الدنيا، أو في المكان الذي حددناه بالوجود، وأنت في هذا الوجود أيضًا محتاج في حقيقة وجودك إلى الموجد الأصلي، وهو الله، وكذلك المعلومات طالما علمتها، وأصبحت في ذهنك، وأصبحت من المعارف فهي حقيقة، وقبل أن تدخل هذه المعلومات قي ذهنك كانت معدومه فهي باطل، وأنت في إحتياجك، أو في علمك بهذه المعلومات محتاج إلى الكتاب، أو المعلوم، أو المرشد، فإذا نسيت هذه المعلومات أصبحت باطله، أو معدومه، من هنا يتبين لك أن الباطل هو المعدوم الذي لا وجود له، سواء كان قولًا لا يصادف حقًا، أو كان شيئًا في ذهنك، فتقول أن معلوماتك باطله، أو أن كلامك باطل، أو أن حقيقة الشيء غير موجوده، إذًا فهو باطل، فالباطل المعدوم، والحق الموجود المصادف لحقيقة الوجود، إذا نظرنا إلى الذات العليه موجوده من الأزل، وباقيه إلى الأبد، فلم تكن معدومه، ولن تكون معدومه، إذًا فالوجود الإلهي يختلف عن وجود أي شيء، إذًا فهذا الوجود هو الحق المطلق، وأي وجود آخر حق من جهه إحتياجه إلى الله، وباطل من جهه أخرى؛ بأنه كان معدومًا لولا الله، وسوف يكون معدومًا بمشيئة الله، كذلك الله في وجوده لم يحتج إلى موجد، فهو موجود بذاته، وأي موجود آخر محتاج لغيره في وجوده، فأنت محتاج لله في خلقك، ومحتاج للطعام لبقائك، ومحتاج للشراب لحياتك، ومحتاج للكساء لتدفئتك، وهكذا البقاء نفسه، بقاءك محتاج لإمداد مستمر حتى يستمر هذا البقاء، إذا سمينا بقاءك حقيقي، فإذا إمتنع عنك الإمداد انتهى البقاء، أصبحت باطلًا، أصبحت معدومًا، الله هو الموجود، الحق، الأزلي، الثابت، بلا زوال، وإلى الأبد، فإذا تكلمنا عن المعرفه؛ المعارف والعلوم تتغير وتتبدل، والنظريات التي كانت حقيقة ثابته في يوم من الأيام تتغير، وتأتي، وتنشأ نظريات أخرى، وعلوم أخرى تنفي ما سبق، نظريات تتغير كل يوم في الطب، والهندسة، وكل شيء في مكونات هذه الأشياء، إذًا المعارف إن كانت حقيقة في وقت ما، قد تصبح باطله في وقت ما، أما المعرفه بالله أزلًا وأبدًا فهي معرفه الحق، لا تتغير، ولا تتبدل؛ لأن الله تبارك وتعالى لا يتغير، ولا يتبدل، فمعرفتك بالله هي المعرفه الحق المطلقه، فالعلم بالله أشرف العلوم على الإطلاق، وأحق العلوم على الإطلاق، وكذلك الأقوال؛ مهما قلت من أشياء قد تصادف حقًا، وقد لا تصادف، وحتى لو صادفت الحق صادفته من جانب ولم تصادفه من جانب آخر، وهكذا، أما أحق الأقوال على الاطلاق فهو كلمة لا إله إلا الله، ذلك هو القول الثابت، والقول الحق، ذلك بأن الله هو الحق الثابت في ذاته، الموجود الأزلي، الواجد، واجب الوجود، واجب من جميع جهاته، هو الحق المطلق، هو الله، ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ الأصنام، والأوثان، والآلهه، كل ذلك باطل، كانوا يؤلهون فرعون، أين فرعون الآن؟ أصبح باطلًا، كانوا يعبدون الأصنام فكسرها محمد عليه الصلاة والسلام، وهكذا فكل ما يدعي من غير الله باطل في نفسه، باطل في وجوده، زاهق، لا وجود له، متقدم ذلك بأن الله هو الحق؛ لأنه سخر الشمس والقمر، يولج الليل في النهار، وهكذا شمول القدرة، وبديع الصنعه، واختصاص الباري سبحانه وتعالى، كل ذلك يفيد بأن الله هو الحق، وأن مايدعون من دونه الباطل، ﴿وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾ العلوّ في اللغه نوعان؛ علو مكانه، وعلو رتبه، فمثلًا الدور الرابع في العلو، والأول في السفل، فإذا رتبت الأشياء المحسوسه، الأجرام بعضها فوق بعض، لكان ما هو في جهه العلو يسمى عال، وما كان في جهه السفل فهو الأدنى والأسفل، ذاك علو مكاني، وهناك علو في الرتبه؛ فالوزير أعلى رتبه من الخفير، والسلطان أعلى رتبه من الأمير، والعالم أعلى رتبه من الجاهل، والحي أعلى رتبه من الميت، والمتكلم أعلى رتبه من الأبكم، والسميع أعلى رتبه من الأصم، إذًا فهناك علو في المكانه، كما هناك علو في المكان، فإذا رتبت الأشياء في الوجود لوجدت أن الأشياء محسوسه، ومعقوله، المحسوسه ترتب في العلو بحسب المكان، والمعقوله، المعنويه، ترتب بحسب المكانه والرتبه، لو نظرنا إلى الله لوجدنا أنه تبارك وتعالى ليس فوقه شيء، إذًا فهو العليّ المطلق، ليس في المكان لأن الله لا يحويه مكان، ولايحده زمان، ولكن في العلو المطلق، الذي لا يعرفه إلا الله، فإن نظرت إلى السمع، ورتبت الناس بحسب أسماعهم وقدرتهم على السمع، في مكانة السمع فالله تبارك وتعالى هو السميع المطلق، فإن رتبت حسب البصر، فهو البصير المطلق، وإن رتبت حسب الحي والميت، الحي أعلى رتبه من الميت، ولكن الحي يستمد حياته من غيره، الحي الذي لا يستمد حياته من غيرة أعلى رتبه من الحي الذي يستمد حياته من غيره، فما بالك بالحي الذي يمد كل حي بحياته، هو الله، ليس حيًا فقط بل هو أصل ومصدر كل حياه، إذًا فالله هو العلي المطلق، علو لا يُدرك شأنه، ولاتصل إليه العقول، العلي المطلق، هو الله، ﴿الْكَبِيرُ﴾ الكبير في لغه الناس إذا طالت مدة الإنسان في الحياة، وطال عمره، يطلق عليه كلمة كبرُ الرجل، فهو كبير، أما من حيث الحجم فلا يطلق كلمة كبير على الحجم، وإنما تطلق كلمة عظيم، ولذلك أعظم مخلوقات الله هو العرش؛ لأنه أكبر حجمًا، فمن حيث الحجم يطلق على الزائد في حجمة عن غيره أعظم، أما من حيث مدة البقاء، أو مدة الوجود فيطلق كلمة كبير، هذا في تعبير الناس، فإن كانت كلمة كبير تطلق على من طالت مدة بقائه سنوات، فما بالك بمن لا نهايه لوجوده، ولا بدايه لوجوده؟ إذًا فالكبير المطلق هو الله، المتعالي على كل ما سواه، المتسلط على كل ما سواه، أيها الاخ المسلم، مهما تكلمنا في صفات الله تبارك وتعالى لا يمكن أن نصل إلى حقيقه هذه الأسماء، ولا يمكن أن نصل إلى كنه هذه الصفات، فلا يعرف الله على الحقيقه إلا الله، ونحن إنما نبين معاني الكلمات بحسب ما تطيقه عقولنا، وبقدر معلوماتنا، واستخدامنا لهذه الألفاظ فقط مع تنزيه الله تبارك وتعالى عن التشبيه، والتمثيل، والتحديد، فليس كمثله شيء، وهو السميع البصير، هو الله، لازلنا في أضواء وأنوار سورة لقمان، وتمضي بنا الآيات برهانًا ودليلًا على باهر قدرته، وكمال حكمته، وشمول إنعامه، ويقول الله تبارك وتعالى:
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱلْفُلْكَ تَجْرِى فِى ٱلْبَحْرِ بِنِعْمَتِ ٱللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍۢ ﴿31﴾
وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌۭ كَٱلظُّلَلِ دَعَوُا۟ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمْ إِلَى ٱلْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌۭ ۚ وَمَا يَجْحَدُ بِـَٔايَـٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍۢ كَفُورٍۢ ﴿32﴾
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُوا۟ رَبَّكُمْ وَٱخْشَوْا۟ يَوْمًۭا لَّا يَجْزِى وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيْـًٔا ۚ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّۭ ۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ ٱلْحَيَوٰةُ ٱلدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِٱللَّهِ ٱلْغَرُورُ ﴿33﴾
ايها الاخ المسلم، لكل شيء مفتاح، ومفاتيح الأمور كلها بيد الله، ومنها ما بينه لنا ربنا تبارك وتعالى، ومنها ما بينه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمفتاح الأرض الطرق، ومفتاح البحر السفن، ومفتاح السماء الدعاء. ايها الاخ المسلم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: مفتاتيح الغيب خمس لا يعلمهن الا الله ثم تلى قول الله تبارك وتعالى:
إِنَّ ٱللَّهَ عِندَهُۥ عِلْمُ ٱلسَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌۭ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًۭا ۖ وَمَا تَدْرِى نَفْسٌۢ بِأَىِّ أَرْضٍۢ تَمُوتُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌۢ ﴿34﴾
ايها الاخ المسلم، علم العبد مستفاد من الأشياء، وعلم الله تبارك وتعالى سبب لوجود الأشياء، فأنت علمت اللغه لوجود اللغه أصلًا، تواجدت اللغه أولًا ثم تتعلمها، علمت بالسماء بعد أن وجدت السماء، علمك بالشمس والقمر بدأ من وجود الشمس، ووجود القمر، فعلمك بالأشياء مستفاد من وجود الأشياء، ولا يمكن أن تعلم بشيء معدوم، أن تعلم عن شيء غير موجود، فجميع علوم الإنسان مستفاد من الأشياء، علم الله سبق وجود الأشياء، بل علمه سبب في وجود هذه الأشياء، فعلمه بالسماء سبب في وجود السماء، أيضًا علم الإنسان يزيد وينقص، فأنت قد تنسى، وينقص علمك بالنسيان، وقد تتعلم شيئًا فيزيد علمك بهذا التعلم، أما الله تبارك وتعالى فعلمه أزلي قديم، لا يزيد، ولا ينقص، ومهما علمت فقد تعلم الظواهر، ولا تعلم البواطن، ولا تعلم كنه الأشياء، كما تعلم الناس الكهرباء، فاستغلوا مصادرها، واستغلوا آثارها، واستغلوها، وكنه الكهرباء بعيد عن علوم العلماء، كنه الجاذبيه، لا يعلم هذه القوى إلا الله تبارك وتعالى؛ فعلم الله قديم أزلي، سبق الأشياء، لا يزيد ولا ينقص، لا تفوته فائته، لا يشغله شأن عن شأن، إن الله تبارك وتعالى عليم خبير.