
سورة الروم
مقدمة
سورة الروم، سورة مكية، نزلت بمكه، وهي من ضمن السور التي افتتحت بالحروف المقطعه والتي تكلمنا فيها من قبل، خلاصة ما يقال فيها أنها سر الله فلا تطلبوه، ولله في كل كتاب سر، وسره في القرآن فواتح السور، فهي من المتشابهات التي إستأثر الله تبارك وتعالى بعلمها، فلا يعلمها إلا الله، أفتتحت السورة بقول الله تبارك وتعالى:
﴿ الم(١)غُلِبَتِ الرُّومُ(٢)﴾ [سورة الروم آية: ١- ٢]
الروم دوله من دول أهل الكتاب، ولم يكن ينافسها في قوتها سوى دوله واحده هي دوله الفرس، ودولة الفرس أهل وثن، كانوا يعبدون النار، ولم يكن في الدنيا في ذلك الوقت إلا هاتان الدولتان؛ دولة الروم، ودولة الفرس، والعرب لم تكن لهم دوله، بل كانوا قبائل متنافرين، متحاربين، يغير بعضهم على بعض، رُحَّل، يرعون الغنم، أهل باديه، وأما أهل مكه فقد أمنوا بأمان الله تبارك وتعالى حيث جعل الحرم آمنًا، ولكنهم لم يكونوا أهل زرع، بل كانوا أهل تجارة، وأما المدينة فكان جل أهلها اليهود، وكانوا أهل زراعة، وكذلك كان أهل المدينة من عباد الوثن، وفي بدء البعثه والنبي صلى الله عليه وسلم بمكه، وفي أوائل دعوته، كانت الحروب مستمرة بين الروم والفرس، وهكذا الدنيا القوى يأكل الضعيف، وإذا ظهرت قوتان تنازعتا حتى تغلب إحداهما الأخرى، أو يوقفهم الرعب إذا تساوت القوتان، ولكن التناوش يظل قائمًا بينهما كما نرى في عصرنا هذا بين الشرق والغرب، وفي تلك الأيام أغارت الفرس على الروم فغلبت، ونزلت آزرعات، وهي منطقه من الشام، واستولت على بُصرى من أرض العراق، وهزمت الروم، وهنا هلل مشركوا مكه لهذا النصر، وعيّروا المسلمين بذلك، وقالوا أنتم أهل كتاب، والروم أهل كتاب، والفرس عبدة نار، وأهل وثن، وقد إنتصر أهل الوثن وعباد النار على أهل الكتاب، ولو كان أهل الكتاب على صواب لنصرهم ربهم، وطالما هُزموا فذلك يبشر بهزيمتكم، وباندحاركم، واستئصال شأفتكم، فاغتاظ المسلمون، وقد كانوا إلى ذلك الوقت يميلون إلى أهل الكتاب باعتبارهم يعرفون الله تبارك وتعالى ويؤمنون برسله، وحين إغتاظ المسلمون، وشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزل جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بهذه السورة:
الٓمٓ ﴿1﴾
غُلِبَتِ ٱلرُّومُ ﴿2﴾
فِىٓ أَدْنَى ٱلْأَرْضِ وَهُم مِّنۢ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿3﴾
فِى بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّهِ ٱلْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنۢ بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍۢ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿4﴾
بِنَصْرِ ٱللَّهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿5﴾
وَعْدَ ٱللَّهِ ۖ لَا يُخْلِفُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿6﴾
يَعْلَمُونَ ظَـٰهِرًۭا مِّنَ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ ٱلْـَٔاخِرَةِ هُمْ غَـٰفِلُونَ ﴿7﴾
أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا۟ فِىٓ أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ ٱللَّهُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَآ إِلَّا بِٱلْحَقِّ وَأَجَلٍۢ مُّسَمًّۭى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلنَّاسِ بِلِقَآئِ رَبِّهِمْ لَكَـٰفِرُونَ ﴿8﴾
أَوَلَمْ يَسِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَيَنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوٓا۟ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةًۭ وَأَثَارُوا۟ ٱلْأَرْضَ وَعَمَرُوهَآ أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ ۖ فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴿9﴾
ثُمَّ كَانَ عَـٰقِبَةَ ٱلَّذِينَ أَسَـٰٓـُٔوا۟ ٱلسُّوٓأَىٰٓ أَن كَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِ ٱللَّهِ وَكَانُوا۟ بِهَا يَسْتَهْزِءُونَ ﴿10﴾
ٱللَّهُ يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿11﴾
وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُبْلِسُ ٱلْمُجْرِمُونَ ﴿12﴾
وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَآئِهِمْ شُفَعَـٰٓؤُا۟ وَكَانُوا۟ بِشُرَكَآئِهِمْ كَـٰفِرِينَ ﴿13﴾
وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍۢ يَتَفَرَّقُونَ ﴿14﴾
فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍۢ يُحْبَرُونَ ﴿15﴾
وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا وَلِقَآئِ ٱلْـَٔاخِرَةِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ فِى ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ ﴿16﴾
فَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿17﴾
وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَعَشِيًّۭا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿18﴾
الآية خبر، أو هي أمر جاء في صيغة الإخبار، فإن كانت الآية خبرًا ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ فهو إخبار للناس أن الله هو المستحق الأوحد للحمد، وهو المستحق الأوحد للتنزيه، وجاءنا بأوقات تختص بالحمد، وأوقات تختص بالتنزية، في الصباح حين الإستيقاظ، في المساء حين النوم، تكون الخلوة، خلوه الإنسان بنفسه، وهنا يجب تنزيه الله عن كل ما يسيء، وعما لا يليق بجلاله وكماله، وفي أوقات الظهر، والعصر، وعشيًا من عشى العين، نقص نورها، فإذا نقص نور النهار بعد العصر إلى المغرب، فذاك هو العشى، في هذه الأوقات تتجدد نعم الله؛ إذ هي أوقات عمل، وأوقات شغل، وفي أوقات شغل، وفي أوقات الصباح والمساء، تتضح قدرة الله في تقليب الليل والنهار، كيف أنامك؟ كيف أصبحك؟ في الصبح والمساء تظهر آثار القدرة، وفي الظهر والعصر تتجدد الآلاء والنعم، من هنا تبين لنا الآية أن كل من يعقل من أهل السموات وأهل الأرض، هم على هذا التنزيه والتحميد لمستحق الحمد الأوحد، ذاك معنى، والمعنى الآخر أن الآية ليست خبرًا، هي في صيغة الإخبار ولكنها أمر، جاء في القرآن في أكثر من موضع الأمر في صيغ الخبر كقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [سورة الحشر آية: ١٠] فهو أمر للناس، أمر لمن يعقل، أمر لكل مسلم، أمر لكل من يرى آثار قدرة الله ويرى آثار النعمة بالتسبيح، أي فسبحوا الله حين تمسون وحين تصبحون، حال الخلوة حين ترى نفسك أوشكت على النوم والغفله والسكون، وهو حي قائم لا ينام، وحين تصبح فتجد الدنيا كما هي، وتجد الشمس قد أشرقت، وتجد نفسك قد قمت من نومك، ولا تدري كم مر عليك من الزمان حتى تنظر إلى ساعتك، أو تنظر إلى الجو لترى موضع الشمس، هنا يجب أن تنزه الله عما لا يليق بجلاله وكماله، وكذلك الحمد، تحمد الله في أوقات الظهر، أوقات الكد، والكدح، والعمل، والعصر حين الرواح، وقد كسبت، ورزقت بغير جهد منك، فما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها، يرزقها وإياكم بغير جهد منك، إنما هي أسباب، تأخذ بالأسباب فقط، وقد يأخذ الرجلان بسبب واحد، أحدهما يربح، والآخر لا يربح، ونفس السبب، ونفس الرجل، ونفس السلعه، لكنها إرادة الله؛ يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر، فهو أمر لنا بالتسبيح والتحميد في هذه الأوقات، وقد يكون الأمر غير ذلك، وقد يكون الأمر غير ذلك، وتكون هناك جملة إعتراضية؛ بمعنى أن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ ، ﴿وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ أصبح التسبيح في الأوقات جميعًا أما قوله: ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فهي جمله إعتراضية، إخبار من الله لنا بأنه محمود من الأزل، حمد نفسه بنفسه، وحمدته السموات والأرض، إما بالمقال، وإما بالحال، وهنا يصبح الأمر بالتسبيح في أوقات بعينها، والتسبيح هنا يعني الصلاة، كما جاء في كثير من الأحاديث: سُبحة الضحى، أي صلاة الضحى، ويصبح هنا أمرًا بالصلاة، وتحديد للأوقات، فسبحان الله حين تمسون المساء من بعد المغرب إلى العتمه، فتشمل صلاة المغرب، وصلاة العشاء، وحين تصبحون: صلاة الصبح، وعشيًا: صلاة العصر، وحين تظهرون: صلاة الظهر، وتصبح الآية تحديد لمواقيت الصلوات الخمس، وسميت الصلاة بالتسبيح؛ لأن التسبيح فيها واضح، ظاهر.
وهناك أيضًا قراءة أخرى وإن كانت غير مشهورة ﴿ فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينًا تُمْسُونَ وَحِينًا تُصْبِحُونَ﴾
يُخْرِجُ ٱلْحَىَّ مِنَ ٱلْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ ٱلْمَيِّتَ مِنَ ٱلْحَىِّ وَيُحْىِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ۚ وَكَذَٰلِكَ تُخْرَجُونَ ﴿19﴾
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍۢ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٌۭ تَنتَشِرُونَ ﴿20﴾
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًۭا لِّتَسْكُنُوٓا۟ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةًۭ وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَتَفَكَّرُونَ ﴿21﴾
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦ خَلْقُ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَٱخْتِلَـٰفُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَٰنِكُمْ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّلْعَـٰلِمِينَ ﴿22﴾
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦ مَنَامُكُم بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱبْتِغَآؤُكُم مِّن فَضْلِهِۦٓ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَسْمَعُونَ ﴿23﴾
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦ يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ خَوْفًۭا وَطَمَعًۭا وَيُنَزِّلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۭ فَيُحْىِۦ بِهِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ ﴿24﴾
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَن تَقُومَ ٱلسَّمَآءُ وَٱلْأَرْضُ بِأَمْرِهِۦ ۚ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةًۭ مِّنَ ٱلْأَرْضِ إِذَآ أَنتُمْ تَخْرُجُونَ ﴿25﴾
وَلَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ كُلٌّۭ لَّهُۥ قَـٰنِتُونَ ﴿26﴾
وَهُوَ ٱلَّذِى يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ۚ وَلَهُ ٱلْمَثَلُ ٱلْأَعْلَىٰ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿27﴾
ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًۭا مِّنْ أَنفُسِكُمْ ۖ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَـٰنُكُم مِّن شُرَكَآءَ فِى مَا رَزَقْنَـٰكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَآءٌۭ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ ٱلْـَٔايَـٰتِ لِقَوْمٍۢ يَعْقِلُونَ ﴿28﴾
بَلِ ٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ أَهْوَآءَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍۢ ۖ فَمَن يَهْدِى مَنْ أَضَلَّ ٱللَّهُ ۖ وَمَا لَهُم مِّن نَّـٰصِرِينَ ﴿29﴾
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًۭا ۚ فِطْرَتَ ٱللَّهِ ٱلَّتِى فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ ٱللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴿30﴾
والخطاب وإن كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما هو مراد بهذا الخطاب والأمة أيضًا كذلك؛ لأنه عقّب الكلام في هذه الآية بقوله: ﴿مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [سورة الروم آية: ٣١]،
إذا ً فالكلام للنبي صلى الله عليه وسلم وللأمة، وقد صُدِرت الآية بالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم تشريفًا له، وتعظيمًا لقدرة، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ تقويم الوجه: أي تقويم القصد، والجد في العمل في طريق هذا الدين الحنيف، تمثيل للإستقامة، والإقبال على هذا الدين، وعدم الإلتفات عنه إلى غيرة، والإهتمام بهذا الدين بالعمل عن طريقة، فقال ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ والتعبير بالوجه عن الكل، واختص الوجه بالذكر لأنه أشرف الأعضاء، فأشرف ما في الإنسان وجهه، أيضًا الوجه جامع لجميع الحواس؛ ففيه البصر، وفيه السمع، وفيه الحواس التي يستدل بها العبد على وجود الخالق، المهيمن، المدبر، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ قوِّم وجهك، واستقم، ولا تلتفت، ويصبح البصر، والسمع، وجميع الحواس، واللسان، والذكر، كل ذلك مسخّر للغرض، وهو الإقامة، والإقبال على الله، والإستقامة على الدين الحنيف، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾، الحنف: في الأصل ميل إصبعيّ الإبهام في القدم إلى الداخل، والجنف: ميل الإصبعين إلى الخارج، وأصبح يُعبَّر بالحنف عن الميل عن الباطل إلى الحق، ويعبر بالجنف عن الميل من الحق إلى الباطل، فالميل إلى الخارج بُعد عن القصد، والميل إلى الداخل إتجاه للقصد، وإلى الإستقامة، من هنا الحنف ميل إلى الحق، والجنف ميل إلى الباطل، من قول الله تبارك وتعالى: ﴿ فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ...﴾ [سورة البقرة آية: ١٨٢] الجنف: الميل عن الحق، الإثم: القصد لارتكاب المعصية والمخالفه، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ أي مائلًا عن كل المِلَلْ، وعن الباطل إلى الحق، ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾كلمة أثارت الخلاف بين العلماء، ماهي الفطرة التي فطر الناس عليها؟ ﴿فِطْرَةَ اللَّه﴾ فطرة منصوبة، والإعراب إختلف، وبإختلاف الإعراب إختلف المعنى، واختلف القصد، فهي إما منصوبه على الإغراء، وإما منصوبه على المصدرية، وإما الوقف بعد حنيفًا، وإما الوصل أوْلى، كل ذلك طبقًا للمعنى، وإذا تتبعنا آراء العلماء في كلمة فطرة، لوجدنا أن البعض يقول أن فطرة الله المقصوده بهذه الآية هي العهد الذي أخذه الله تبارك وتعالى على آدم في عالم الذَرْ ﴿ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾ [سورة الأعراف آية: ١٧٢] هذا هو الفطر: العهد، وعليه فكل مولود يولد على هذا العهد، فإن مات صغيرًا قبل البلوغ، وقبل سن التكليف، فهو على العهد الذي أخذ عليه في عالم الذر، فهو من أهل الجنة، سواء كان إبنًا لمسلم، أو إبنًا لمشرك؛ لأنه ولد على الفطرة التي هي العهد الذي أخذ عليه، ولم يغيره، أولم يبلغ السن الذي فيه تكلف، ويصبح مرهونًا بعمله، ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أي لم يحدث تغيير لهذا العهد الذي أخذ على بني آدم، وما من مولود يولد إلا ويولد على هذا العهد الذي أخذ في عالم الذر، منذ الأزل، من قبل الخلْق، وقال بعضهم بل الفطرة: الإسلام، ﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ...﴾ [سورة آل عمران آية: ١٩]، منذ خلق آدم ولا دين إلا الإسلام، ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ أي أقم وجهك للدين، واتبع الدين، واتبع الفطرة التي هي الإسلام، فما من مولود إلا ويولد على الإسلام، ورد آخرون وقالوا: لو أن المولود فطر على الإسلام لما كفر أحد على الإطلاق، ولأسلم جميع الخلائق، طالما فُطروا على الإسلام ولا تبديل ولا تغيير لخلق الله، وقال بعضهم: الآية عامة أريد بها الخصوص، وقد تُعبِّر العرب بالعام عن الخاص، وجاءت كثيرًا في القرآن، وذاك أمر يُعرف من علوم القرآن، ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ أي فطر المؤمنين عليها، الناس: كلمة عامة أريد بها الخصوص، وهم المؤمنون خاصة، واستدلوا على ذلك بأن الله تبارك وتعالى جاء بالعام في القرآن وقصد به الخاص كقوله تبارك وتعالى: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(٢٤)تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لَا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ(٢٥)﴾ [سورة الأحقاف آية: ٢٤, ٢٥] هل دمرت السموات؟ هل دمرت الأرض؟ فقال تدمر كل شيء، كلمة عامة أريد بها الخصوص، وهو بيوتهم على وجه الخصوص، ولم تدمر كل شيء على الإطلاق، وكذلك من قول الله تبارك وتعالى: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾ [سورة الأنعام آية: ٤٤] هل فتح عليهم أبواب الرحمة؟ إذًا فقد يأتي العموم بمعنى الخصوص، وتصبح كلمة الناس عامة قصد بها الخصوص وهم المؤمنون، ﴿ فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ أي فطر المؤمنون عليها، الذين هم في كتاب الله سبق في علمة الأزلي بأنهم يؤمنون، ففطرهم على الإيمان، وقال آخرون بل الفطرة هي الخِلْقه من قول الله تبارك وتعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ...﴾ [سورة فاطر آية: ١] أي خالق السموات والأرض، ومن قول الله تبارك وتعالى أيضًا محدثًا عن مؤمن القرية: ﴿ وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [سورة يس آية: ٢٢] أي الذي خلقني، إذًا فالفطرة هي الخِلْقة، الخلقه التي خلق الله عليها الناس، فريق للجنة، وفريق للسعير، فهناك من خُلق للجنة أزلًا، وهناك من خُلق النار أزلً، ً وقال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ [سورة الأعراف آية: ١٧٩] إذًا فقد خلق الله خلقًا للجنة من الأزل، هذه للجنة ولا أبالي، وهذه للنار ولا أبالي، ففطرة الله هنا مقصوده بها ما أراده الله أزلًا لهؤلاء الخلائق، ففطر أناسًا على الإيمان، وفطر أناس على الكفر، ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ فمن خُلق سعيدًا لا يشقى أبدًا، ومن خُلق شقيًا لايسعد أبدا،ً وقال آخرون كل ذلك مردود، وخير مانستدل به حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة في الصحاح، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ما من مولود إلا يولد على الفطرة؛ أبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، كما تُنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟﴾ أي إذا ولدت البهيمة، ولدت صغيرًا سليمًا من العيوب، غير مقطوع الأذن، غير مشقوق الأنف، فإن ولدت البهيمة سليمة، لا تحسون فيها من جدعاء، أي لاتجدع أنفها، ولا تقطع قرونها، ولا تشق أذنها، لم تكن كذلك كانت سليمة، ثم يأتي الناس بعد ذلك الكفار فيشقون الآذان، ويجدعون الأنوف، فيقول هذه بحائر، هذه سوائب، وهكذا، فكذلك الإنسان يولد على الفطرة، أي سليمًا من العيوب، ثم تأتيه العوارض، من ضمن العوارض الأبوين؛ يغيران الفطرة، يغيران السلامة التي ولد عليها، فيجعلون منه يهوديًا، أو نصرانيًا، أو مجوسيًا، ﴿من من مولود إلا يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كم تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء﴾، ويقول أبو هريرة رضي الله عنه: إقرأوا إن شئتم ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ قالوا يا رسول الله ومن يموت صغيرا؟ قال رسول الله: الله اعلم بما كانوا عاملين، ويفسر هذا الحديث أخر في صحيح البخاري، حديث الرؤيا التي قصها النبي صلى الله عليه وسلم وقال فيها: أما الرجل الكبير كذا كذا فهو إبراهيم، والأطفال حوله هم الأولاد الذين ماتوا صغارًا فهم في الجنة، قالوا وأولاد المشركين يارسول الله! قال وأولاد المشركين، إذا الله أعلم بما كانوا عاملين، أي عند البلوغ، أعلم بما كانوا عاملين، أما قبل البلوغ فهم على الفطرة غير مؤاخذون بشيء، غير مرهونين بأعمال، أما القول بأن الفطرة هي الإسلام، فهو مردود؛ لأن الإسلام قول باللسان، وإعتقاد بالجنان، وعمل الجوارح، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [سورة النحل آية: ٧٨] إذًا فالطفل حين يولد لا يعلم شيئًا، ولا يمكن أن يكون معتقدًاً لإيمان، أو كُفر، أو تصديق، أو إنكار، فالطفل لا يعلم شيئًا، إذًا فلا يمكن أن تكون الفطرة هي الإسلام، ولو كانت كذلك ما كفر أحد، وكذلك الخصوص؛ الآية عامة، ولا تخصيص إلا بنص، وإن كان القياس في التخصيص صحيحًا لأنه قاس على آيات أخرى، إذا ً الخلقه هنا بمعنى الهيئة التي خُلق عليها الإنسان، والإعدادالذي تم في القلب بحيث يصبح المولود مهيئا لإدراك الحق، ولمعرفه الدين، وللإستدلال على وجود الخالق سبحانه وتعالى، وكما أن الله هيأ الأعين منذ الولاده للإبصار، وهيأ الآذان منذ الولادة للسماع، وهيأ اللسان للنطق، هيأ العقل أيضًا، وهيأ قلب المولود أصلًا لإدراك الحقائق، ولمعرفة الصح والصحيح، ومعرفة الحق والإستدلال بمصنوعات الله على وجوده، فلو خُلِّي المولود وما خُلق فيه من إستعداد، وتهيئة، لأدرك الحق لا محاله، وإنما تدخل عليه العوارض كالأبوين مثلًا، وهو مثال للعوارض، يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، وكذلك الشياطين، والهوى، والمجتمع، والبيئة، والناس، وهكذا، عوارض تعترض على الإنسان فتغيّر من الهيئة، والإستعداد، كما تعترض الآفة البصر، فبعد أن كان مبصرًا يصبح ضريرًا، وكما تعترض الآفة الأذن فتبطل إستعداد السمع فيها، إذًا فالفطرة هو ما هُيء في المولود، وفي الإنسان دون البهائم؛ فالبهائم خُلقت، وخُلق فيها ما خلق في الإنسان من حواس، وجوارح، وأعضاء، ومُيِّز الإنسان عن البهيمة بشيء زائد، وهو الإستعداد الفطري، والتهيئة القلبيه لإدراك الحقائق مجردة، والإستدلال بمصنوعات الله على وجوده، وهذا يتفق مع قول النبي صلى الله عليه وسلم: كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء، وكقوله صلى الله عليه وسلم: أبواه يهودانه، وينصرانه، ويمجسانه، إذا ً فلم يُفطر الإنسان على كفر، ولم يفطر على إيمان، ولو فطر على ذلك لما تغير، والملاحظ أن الإنسان قد يؤمن، ثم يكفر، وقد يكفر ثم يؤمن، وربنا يقول: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آَمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا ﴾ [سورة النساء آية: ١٣٧] والتغير في الفطرة وارد في الحديث، كل مولود يولد على الفطره، ابواه يهودانه،.. إذًا فقد غيروا الفطرة، هنا تصبح كلمة فطره تعني هيئة، خِلْقه، فيها الإستعداد لإدراك الحقائق، ليست هي الإسلام، هي الكفر أو الإيمان، ليست هي ما قيل من أنها هي البداءه التي بدأ الله عليها الخلْق، وإنما هي الإستعداد الذي ركّبة الله تبارك وتعالى في بني آدم، والتهيئة لإدراك الحقائق وقبول الدين، ولو خُلِّي الإنسان حين يولد وما فطر عليه من الإستعداد السليم البريء من العيوب لأدرك لا محالة أن هذا الكون له صانع، وله خالق، وقد لا يدرك الشريعة، قد لايدرك الصلاة والصيام، وما أراده الله من عبادة، وما أمر، ومانهى، والجنة، والثواب، والعقاب، لا يدرك هذه التفصيلات لأنها لا تدرك بالعقل، ولا بالقلب، وإنما تدرك بالشرع والنقل، تدرك بمعرفة الدين من الرسل، لكنه لابد وأن يدرك بالفطرة السليمة، أي الإستعداد السليم، إذا تأمل في مصنوعات الله على وجود الخالق، ولذلك يخاطب الله الناس في القرآن عمومًا، وفيما لاحظناه وتلى علينا في سورة الروم أن الله يخاطب الناس بمصنوعاته؛ السموات، والأرض، الرياح، وهكذا، إذًا فهو يخاطب الفطره السليمة التي فطر الناس عليها، الإستعداد لإدراك الحقائق، وقبول الدين، ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾، ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ خبر أن الله تبارك وتعالى لا يغير خلقه، ولا يغير سنتة في الخلق، فيُفطر الناس جميعًا سواء على الفطره السليمة: التهيئة، والإستعداد لقبول وإدراك الحقائق، أو هي أمر ينهى ربنا عن تبديل الخلْق؛ بشق أذن البهائم، وجدع الأنوف، وإيجاد البحائر، والسوائب، والوصائل وما إلى ذلك، فيحرموا ما أحل الله تبارك وتعالى، ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أمر بعدم الفعل، أي نهى عن التبديل، وعن التغيير؛ لأن الشيطان قال أنه سيُمني بني آدم، ويضلهم، ويجعلهم يغيرون خلق الله، فالله ينهى عن هذا التغيير فيما يفعلونه في البهائم، أو لا تبديل لخلق الله أي لا تبديل للدين، فإن الدين عند الله الإسلام منذ الأزل، والذي أمرت يا محمد أنت وأمتك أن تتبعه وتقيم وجهك، ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ إما المقصود به الملة، الإسلام، أي الدين القيم، المستقيم، الذي لادين سواه، إن الله لا يقبل من الناس سوى الإسلام، ومن إبتغى غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه، أو ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ أي ذلك القضاء المستقيم؛ لأن الدين بمعنى االقضاء أيضًا، وبمعنى الجزاء، أو ﴿ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ الحساب البيّن، ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ لا يعلمون أن الإسلام هو دين الفطره، وأن الإسلام هو الدين الحنيف، وأن الإسلام هو الدين الذي إرتضاه الله تبارك وتعالى لعباده منذ الأزل، ويتوجه الخطاب إلى الأمة ليدل على أن الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، له وللأمة فيقول الله تبارك وتعالى:
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَٱتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَلَا تَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ ﴿31﴾
مِنَ ٱلَّذِينَ فَرَّقُوا۟ دِينَهُمْ وَكَانُوا۟ شِيَعًۭا ۖ كُلُّ حِزْبٍۭ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ﴿32﴾
وتحدثنا الآيات في سورة الروم عن طبع الناس، وطبيعة الخلائق، أو طبع الأكثر منهم إلا من عصم الله، يقول الله تبارك وتعالى:
وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّۭ دَعَوْا۟ رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَآ أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌۭ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ﴿33﴾
لِيَكْفُرُوا۟ بِمَآ ءَاتَيْنَـٰهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا۟ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ﴿34﴾
أَمْ أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَـٰنًۭا فَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِمَا كَانُوا۟ بِهِۦ يُشْرِكُونَ ﴿35﴾
إن العباد يتقلبون بين العدل والفضل، والخلائق جميعًا في ملك الله تبارك وتعالى، في هذه الدنيا دائرون في دائرة الحلم، فالله هو الحليم، وما أصاب الناس من سراء أو ضرّاء فهم بين العدل والفضل، فما أصاب الناس من رحمة فذاك من فضل الله تبارك وتعالى لا لأنهم يستحقون، وما أصاب الناس من بلاء أو ضُر أو عقوبه فبعدل الله تبارك وتعالى وهم لا يظلمون، سبحانه وتعالى لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، والمؤمن يعرف ذلك حق المعرفه، فهو كخامة الزرع؛ إن أصابته سرّاء شكر، وإن أصابته ضرّاء صبر، في حاله اليسر، والرحمة، والنعمة، يعلم أن ذلك من فضل الله لا لأنه يستحق، وليس بعمله، وليس بجهده، ولكن الله تبارك وتعالى يتفضل على من يشاء فيشكر، وبالشكر يقيّد النعمة فتدوم ولا تزول، وإذا أصابته ضرّاء، أو أصابه بلاء علم أن ذلك بما كسبت يديه، فربما قصر في طاعه، وربما أساء، وربما عصى فلجأ إلى الله تبارك وتعالى نائبًا راجعًا بالتوبه والإستغفار لعل الله يرفع عنه البلاء، وهو في هذه الحاله يأمل كل الأمل في الله، ولا ييأس من رحمة الله أبدًا؛ فإنه لا ييأس من رحمة الله إلا القوم الكافرون، وربنا تبارك وتعالى يقول: ﴿ مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ...﴾ [سورة النساء آية: ٧٩]، ويقول: ﴿ وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [سورة الشورى آية: ٣٠] ذاك هو سنَّة الله في خلقه والتي عرفها المؤمنون، وفي سورة الروم التي نحن بصددها يبيّن لنا ربنا تبارك وتعالى حال أكثر الناس إلا من عصمهم الله تبارك وتعالى بالعلم والفضل، فيقول عز من قائل:
وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةًۭ فَرِحُوا۟ بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌۢ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ ﴿36﴾
أَوَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّ ٱللَّهَ يَبْسُطُ ٱلرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ ﴿37﴾
فَـَٔاتِ ذَا ٱلْقُرْبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلْمِسْكِينَ وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌۭ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ ۖ وَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ﴿38﴾
وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن رِّبًۭا لِّيَرْبُوَا۟ فِىٓ أَمْوَٰلِ ٱلنَّاسِ فَلَا يَرْبُوا۟ عِندَ ٱللَّهِ ۖ وَمَآ ءَاتَيْتُم مِّن زَكَوٰةٍۢ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ ﴿39﴾
ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَىْءٍۢ ۚ سُبْحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿40﴾
ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى ٱلنَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُوا۟ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴿41﴾
قُلْ سِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلُ ۚ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ ﴿42﴾
فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ ٱلْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌۭ لَّا مَرَدَّ لَهُۥ مِنَ ٱللَّهِ ۖ يَوْمَئِذٍۢ يَصَّدَّعُونَ ﴿43﴾
مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُۥ ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَـٰلِحًۭا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ ﴿44﴾
لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِن فَضْلِهِۦٓ ۚ إِنَّهُۥ لَا يُحِبُّ ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿45﴾
وَمِنْ ءَايَـٰتِهِۦٓ أَن يُرْسِلَ ٱلرِّيَاحَ مُبَشِّرَٰتٍۢ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِۦ وَلِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِۦ وَلِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿46﴾
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَٱنتَقَمْنَا مِنَ ٱلَّذِينَ أَجْرَمُوا۟ ۖ وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿47﴾
من آيات الله البينات الرياح، والرياح ليس لها سبب ظاهر في العلم، وكلنا يعلم أن حرارة الشمس تبخر المياة سواءًاً في البحار، أو المحيطات، ومن هذا البخر يصعد بخار الماء إلى السماء، وإذا تصاعد بخار الماء إلى السماء تصاعد بغير إنتظام، وتصاعد فوق المياه التي تبخر منها، فإذا بالرياح تهب، فتجمّع هذا البخار وتجعله سحابًا، وهبوب الرياح وإن كان العلماء قد رصدوا إتجاهاتها، وعلموا تقريبًا بمواعيدها نتيجة الرصد المستمر، ولكن علة هبوب الرياح لا زالت مجهوله لدى العلماء، فمن أين تأتي هذه الرياح؟ وكيف تهب هذه الرياح؟ وذلك النظام الدقيق الذي يتحكم في مسار هذه الرياح، والتي ينشأ من تجمع السحاب في مناطق بعينها، بل ومن هذه الرياح أيضًا يتشكل السحاب، فمنه ماهو منبسط، ومنه ماهو متطابق، طبقًا فوق طبق، ومنه ما هو مطبق، ومنه ماهو منخفض، ومنه ما هو مرتفع، ومنه ماهو ساكن لا يتحرك، ومنه ما هو سائر في إتجاهات بعينها، منه ما هو متفرق، ومنه ما هو متجمع، كل ذلك بفعل الرياح، ومصدر الرياح غير معلوم، ومحرك الرياح من حيث العلم الدنيوي غير معروف، ويجيبنا القرآن في سورة الروم، والتي نحن بصددها مبينًا لنا الحق، يقول الله تبارك وتعالى:
ٱللَّهُ ٱلَّذِى يُرْسِلُ ٱلرِّيَـٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابًۭا فَيَبْسُطُهُۥ فِى ٱلسَّمَآءِ كَيْفَ يَشَآءُ وَيَجْعَلُهُۥ كِسَفًۭا فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَـٰلِهِۦ ۖ فَإِذَآ أَصَابَ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦٓ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿48﴾
وَإِن كَانُوا۟ مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِۦ لَمُبْلِسِينَ ﴿49﴾
فَٱنظُرْ إِلَىٰٓ ءَاثَـٰرِ رَحْمَتِ ٱللَّهِ كَيْفَ يُحْىِ ٱلْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَآ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ ﴿50﴾
وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًۭا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّۭا لَّظَلُّوا۟ مِنۢ بَعْدِهِۦ يَكْفُرُونَ ﴿51﴾
فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا۟ مُدْبِرِينَ ﴿52﴾
وَمَآ أَنتَ بِهَـٰدِ ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿53﴾
ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍۢ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ ضَعْفٍۢ قُوَّةًۭ ثُمَّ جَعَلَ مِنۢ بَعْدِ قُوَّةٍۢ ضَعْفًۭا وَشَيْبَةًۭ ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ ۖ وَهُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْقَدِيرُ ﴿54﴾
وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يُقْسِمُ ٱلْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا۟ غَيْرَ سَاعَةٍۢ ۚ كَذَٰلِكَ كَانُوا۟ يُؤْفَكُونَ ﴿55﴾
وَقَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْعِلْمَ وَٱلْإِيمَـٰنَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِى كِتَـٰبِ ٱللَّهِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْبَعْثِ ۖ فَهَـٰذَا يَوْمُ ٱلْبَعْثِ وَلَـٰكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴿56﴾
فَيَوْمَئِذٍۢ لَّا يَنفَعُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ ﴿57﴾
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِى هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ مِن كُلِّ مَثَلٍۢ ۚ وَلَئِن جِئْتَهُم بِـَٔايَةٍۢ لَّيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ ﴿58﴾
كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِ ٱلَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴿59﴾
فَٱصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّۭ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ ٱلَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ ﴿60﴾
أيها الأخ المسلم، إنتهت سورة الروم، وفي هذه السورة آية لابد وأن تتدبرها وتحفظها: ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾[سورة الروم آية: ٤٤] وكلنا يمهد في الدنيا، ينشيء المسكن، ويجهزة بالفراش الوثير، ويجهزه بالدهان، والأجهزة العصرية، كلنا يأتي بالثياب، ويجهز مكان إقامته، والقبر حفره مظلمة ظلام لا يعدله ظلام في الدنيا، وضيق القبر لايعدله ضيق في الدنيا، ووحدة الإنسان في القبر لا تعدلها وحده في الدنيا، ولا ينجي الإنسان منها إلا أن يكون قد مهد لنفسه بعمل يؤنسه، فلا يؤنسك في قبرك إلا عملك، ولايظلك إلا عملك، ولا ينير القبر إلا عملك، وأول ما يسأل عنه الإنسان في قبرة: عن ربه، وعن دينه، وعن النبي صلى الله عليه وسلم، وتفتح له طاقة يرى منها المقعد في الجنة، ويرى منها المقعد في النار، فإن كان من الناجين؛ رأى مقعد النار أولًا، فإذا أخذه الفزع قيل له هذا مقعدك من النار أنقذك الله منه، فانظر إلى مقعدك من الجنة، ويفتح له طاقة فيرى المقعد في الجنة، ثم تقول له ملائكة القبر: انظر إلى مقعدك من الجنة، واستمتع بالنظر إليه حتى تبعث إليه، وإن كان من الآخرين؛ فتحت له طاقه الجنة أولًا، ويقال له انظر إلى مقعدك من الجنة، فإذا إغتر، وخالطة الأمل، وهيء إليه أنه من الناجين، أغلقت الطاقه، وفتحت طاقة جهنم، ويقال له ضيعت مقعدك من الجنة بسوء عملك، فانظر إلى مقعدك من النار حتى تبعث إليه.
أيها الأخ المسلم، أي منظر تريد أن تراه ألوف وألوف السنين؟ وقد تكون ملايين في هذا الموقف بعمل بسيط؛ بالصلاة على وقتها، بالذَّب عن عِرض المسلم، تنجو من النار. أيها الأخ المسلم، بالأعمال البسيطه، لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها،مايريد الله أن يجعل عليكم من حرج، ولكن يريد أن يطهركم بالخلق الكريم، بحسن الجوار، ببر الوالدين، بالعطف على الفقير، بالصدقه، بالكلمة الطيبة، بأمور يسيره، بسيطه، تنجو من النار، ومن عذاب الجبار.