
سورة النمل
مقدمة
لقاؤنا مع سورة النمل، سميت بهذا الاسم لورود قصة عجيبة لنملةٍ عجيبةٍ، نملة تكلمت، وحذرت، وذكرت، وشهدت، وعذرت، سورة النمل إحدى سور ثلاث نزلت متتالية، ورتبت في المصحف متتالية، وهي سور مكية: سورة الشعراء، سورة النمل، سورة القصص، نزلت متتالية، ورتبت أيضا متتالية، سور مكية تنهج نهج السور المكيه، تهتم بأصول العقيدة، التوحيد الرسالة، البعث، وتسلك سلوك العظة، والعبرة عن طريق القصص التي تتحدث عن الغابرين، وتبين دلائل القدرة الإلهية من خلال آثار خلقه، وصنعه، وفعله. تبين أدلة التوحيد، تبين ما حدث للأمم المكذبه؛ لعل وعسى أن يتذكر من يسمع، وأن يعقل من يعلم. سورة النمل اشتملت على خمس قصص، وتناولت خمس أدله، اشتملت على قصة موسى، قصة سليمان مع النملة، قصة سليمان مع الهدهد وبلقيس، قصة صالح، وقصة لوط. وتناولت خمس أدله: أدلة على التوحيد وعلى وحدانية الله( عز وجل) أدله على إبطال الشرك، أدله على اليوم الآخر وما يحدث فيه من أهوال، أدلة على ما ينال المكذبين والمنكرين من عذاب، أدلة على وجوب عبادة الله وحده، افتتحت سورة النمل بالحروف المقطعة
طسٓ ۚ تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْقُرْءَانِ وَكِتَابٍۢ مُّبِينٍ ﴿1﴾
هُدًۭى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴿2﴾
ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ وَهُم بِٱلْـَٔاخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿3﴾
إِنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِٱلْـَٔاخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَـٰلَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ ﴿4﴾
أُو۟لَـٰٓئِكَ ٱلَّذِينَ لَهُمْ سُوٓءُ ٱلْعَذَابِ وَهُمْ فِى ٱلْـَٔاخِرَةِ هُمُ ٱلْأَخْسَرُونَ ﴿5﴾
وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى ٱلْقُرْءَانَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ ﴿6﴾
إِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِأَهْلِهِۦٓ إِنِّىٓ ءَانَسْتُ نَارًۭا سَـَٔاتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ ءَاتِيكُم بِشِهَابٍۢ قَبَسٍۢ لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ ﴿7﴾
﴿ سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ إذا ً فقد ضل الطريق ،متى يسأل الرجل عن الطريق ؟ إذا ضل، إذا ً فقد ضل الطريق ،﴿سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ﴾ إذا ً فقد كان الجو باردًا، شديد البرودة ولا حطب له وأراد أن يستدفيء، وأن يستدفيء أهله ﴿ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ هنا ترديد وكأنه يقول إذا لم أظفر بالأمرين معًا: الخبر عن الطريق، والشهاب والحطب للاستدفاء، لن أعدم أن أتي بأحدهما، من هنا جاء الترديد، ﴿ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ والشهاب : كل أبيض ذي نور يطلق عليه شهاب، قبس قالوا في إعرابها " قبس" بدل شهاب، أو صفة بمعنى مقبوس وقرئت بشهابِ قبسٍ بالإضافه، من باب إضافة النوع إلى جنسه كقولك خاتم فضه أي شهاب من قبس وقبس الشيء أخذه ومنه إقتبس أخذ بعضا منه فالقبس أن تأخذ في رأس عود أو قصبة شيئًا من نار قائمة موجوده، ﴿لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ تستدفئون، اصطلى : جاء إلى جوار النار لتسخين البدن والاستدفاء، والطاء مبدلة من تاء الافتعال، أصل الطاء تاء؛ جاءت الطاء لقرب مخرجها من الصاد، اصطلى بالطاء مبدلة من تاء الافتعال افتعل : اصطلى لعلكم تصطلون تستدفئون.
فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِىَ أَنۢ بُورِكَ مَن فِى ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَـٰنَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿8﴾
﴿ وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ هي من تتمة النداء، وقال بعضهم إنها من قول موسى لكن الأرجح إنها من تتمة النداء، تنزّه الله (سبحانه وتعالى) نفسه عن السوء والنقص وعن مشابهة الحوادث، وخبر لموسى بالتنزيه لئلا يتوهم المشاكلة أو المشابهة أو التحديد عند سماع الكلام، وكأنه يقول له ليس كمثلى شيء فإن سمعت فما تسمع يخالف كلام البشر؛ فذات الله (عز وجل) لا يشبهها ذات فهو يختلف عن خلقه في ذاته، وصفاته، وأفعاله (سبحان الله) تنزيه نزه نفسه (عز وجل) أو أخبر موسى التنزيه كي لا يتوهم أو يختلط عليه الأمر، ﴿ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا ﴾ والبركة هنا التكليم لموسى، الإرسال، النبوة التي رزقها والرسالة، وكأن الأمر القادم تعم بركته الآفاق.
يَـٰمُوسَىٰٓ إِنَّهُۥٓ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿9﴾
وَأَلْقِ عَصَاكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّۭ وَلَّىٰ مُدْبِرًۭا وَلَمْ يُعَقِّبْ ۚ يَـٰمُوسَىٰ لَا تَخَفْ إِنِّى لَا يَخَافُ لَدَىَّ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴿10﴾
إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًۢا بَعْدَ سُوٓءٍۢ فَإِنِّى غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿11﴾
وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِى جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُوٓءٍۢ ۖ فِى تِسْعِ ءَايَـٰتٍ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِۦٓ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا۟ قَوْمًۭا فَـٰسِقِينَ ﴿12﴾
فَلَمَّا جَآءَتْهُمْ ءَايَـٰتُنَا مُبْصِرَةًۭ قَالُوا۟ هَـٰذَا سِحْرٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿13﴾
وَجَحَدُوا۟ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًۭا وَعُلُوًّۭا ۚ فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ ﴿14﴾
تلك كانت القصة الأولى من خمس قصص جاءت في سورة النمل، قصة موسى الذي قد ضل الطريق في ليلة شاتية، مظلمة، شديدة البرودة، وطمع أن يجد خبرًا أو يعرف الطريق، هو يبحث عن الطريق في الأرض فإذا بالدلاله؛ دلاله على الطريق إلى الله، هو يبحث عن النار يستدفيء بها فإذا بها نور يشع في الأكوان يدفيء القلب، ويطمئن النفس يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): ﴿إن الله لا ينام ولا ينبغي له إن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، ويرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه (عز وجل) ما انتهى إليه بصره من خلقه﴾، وتأتي القصة الثانية يقول الله (تبارك وتعالى):
وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا دَاوُۥدَ وَسُلَيْمَـٰنَ عِلْمًۭا ۖ وَقَالَا ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى فَضَّلَنَا عَلَىٰ كَثِيرٍۢ مِّنْ عِبَادِهِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿15﴾
وَوَرِثَ سُلَيْمَـٰنُ دَاوُۥدَ ۖ وَقَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ ٱلطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَىْءٍ ۖ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبِينُ ﴿16﴾
وَحُشِرَ لِسُلَيْمَـٰنَ جُنُودُهُۥ مِنَ ٱلْجِنِّ وَٱلْإِنسِ وَٱلطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿17﴾
حَتَّىٰٓ إِذَآ أَتَوْا۟ عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌۭ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُوا۟ مَسَـٰكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَـٰنُ وَجُنُودُهُۥ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿18﴾
فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًۭا مِّن قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِىٓ أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِىٓ أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَىٰ وَٰلِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَـٰلِحًۭا تَرْضَىٰهُ وَأَدْخِلْنِى بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ ٱلصَّـٰلِحِينَ ﴿19﴾
وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِىَ لَآ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ ﴿20﴾
لَأُعَذِّبَنَّهُۥ عَذَابًۭا شَدِيدًا أَوْ لَأَا۟ذْبَحَنَّهُۥٓ أَوْ لَيَأْتِيَنِّى بِسُلْطَـٰنٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿21﴾
فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍۢ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِۦ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍۭ بِنَبَإٍۢ يَقِينٍ ﴿22﴾
إِنِّى وَجَدتُّ ٱمْرَأَةًۭ تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَىْءٍۢ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌۭ ﴿23﴾
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ أَعْمَـٰلَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ ٱلسَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ ﴿24﴾
أَلَّا يَسْجُدُوا۟ لِلَّهِ ٱلَّذِى يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴿25﴾
ٱللَّهُ لَآ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ ٱلْعَرْشِ ٱلْعَظِيمِ ۩ ﴿26﴾
قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ ﴿27﴾
ٱذْهَب بِّكِتَـٰبِى هَـٰذَا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَٱنظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ ﴿28﴾
قَالَتْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ إِنِّىٓ أُلْقِىَ إِلَىَّ كِتَـٰبٌۭ كَرِيمٌ ﴿29﴾
إِنَّهُۥ مِن سُلَيْمَـٰنَ وَإِنَّهُۥ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴿30﴾
أَلَّا تَعْلُوا۟ عَلَىَّ وَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴿31﴾
قَالَتْ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ أَفْتُونِى فِىٓ أَمْرِى مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ ﴿32﴾
قَالُوا۟ نَحْنُ أُو۟لُوا۟ قُوَّةٍۢ وَأُو۟لُوا۟ بَأْسٍۢ شَدِيدٍۢ وَٱلْأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِى مَاذَا تَأْمُرِينَ ﴿33﴾
قَالَتْ إِنَّ ٱلْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا۟ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوٓا۟ أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةًۭ ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿34﴾
وَإِنِّى مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍۢ فَنَاظِرَةٌۢ بِمَ يَرْجِعُ ٱلْمُرْسَلُونَ ﴿35﴾
فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَـٰنَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍۢ فَمَآ ءَاتَىٰنِۦَ ٱللَّهُ خَيْرٌۭ مِّمَّآ ءَاتَىٰكُم بَلْ أَنتُم بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ ﴿36﴾
ٱرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍۢ لَّا قِبَلَ لَهُم بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةًۭ وَهُمْ صَـٰغِرُونَ ﴿37﴾
قَالَ يَـٰٓأَيُّهَا ٱلْمَلَؤُا۟ أَيُّكُمْ يَأْتِينِى بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِى مُسْلِمِينَ ﴿38﴾
قَالَ عِفْرِيتٌۭ مِّنَ ٱلْجِنِّ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّى عَلَيْهِ لَقَوِىٌّ أَمِينٌۭ ﴿39﴾
قَالَ ٱلَّذِى عِندَهُۥ عِلْمٌۭ مِّنَ ٱلْكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِيكَ بِهِۦ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِىٓ ءَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِىٌّۭ كَرِيمٌۭ ﴿40﴾
قَالَ نَكِّرُوا۟ لَهَا عَرْشَهَا نَنظُرْ أَتَهْتَدِىٓ أَمْ تَكُونُ مِنَ ٱلَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ﴿41﴾
فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَـٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُۥ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا ٱلْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ ﴿42﴾
وَصَدَّهَا مَا كَانَت تَّعْبُدُ مِن دُونِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّهَا كَانَتْ مِن قَوْمٍۢ كَـٰفِرِينَ ﴿43﴾
قِيلَ لَهَا ٱدْخُلِى ٱلصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةًۭ وَكَشَفَتْ عَن سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُۥ صَرْحٌۭ مُّمَرَّدٌۭ مِّن قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَـٰنَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿44﴾
تحكي الآيات القصة الرابعة في سورة النمل، قصة صالح مع قومه ثمود، ثمود أمة كانت تعيش بالحجر بين الحجاز والشام، وقد من َ الله (تبارك وتعالى) عليهم بنعم كثيرة، وبسط لهم الأرزاق، يعيشون في زروع، ونخيل طلعها هضيم، ينحتون من الجبال بيوتًا فارهين، كانوا كثرة، كانوا قوة، كانوا في نعمة، كانوا في رَغَدٍ من العيش ،كفروا نعمة الله (عز وجل) وأشركوا به أصنامًا وأوثانًا يعبدونها، أرسل الله (تبارك وتعالى) إليهم صالحًا منهم، يعرفون نسبة، يعرفون صدقه، يتكلم بلسانهم، كيف استقبلوه؟ وكيف استقبلوا ما جاء به صالح (عليه السلام)؟ يقول الله (عز وجل):
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَـٰلِحًا أَنِ ٱعْبُدُوا۟ ٱللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ ﴿45﴾
قَالَ يَـٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيِّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ ۖ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴿46﴾
قَالُوا۟ ٱطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَن مَّعَكَ ۚ قَالَ طَـٰٓئِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ ۖ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌۭ تُفْتَنُونَ ﴿47﴾
وَكَانَ فِى ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍۢ يُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴿48﴾
قَالُوا۟ تَقَاسَمُوا۟ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُۥ وَأَهْلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِۦ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِۦ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ ﴿49﴾
وَمَكَرُوا۟ مَكْرًۭا وَمَكَرْنَا مَكْرًۭا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴿50﴾
فَٱنظُرْ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَـٰهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿51﴾
فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةًۢ بِمَا ظَلَمُوٓا۟ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ لِّقَوْمٍۢ يَعْلَمُونَ ﴿52﴾
وَأَنجَيْنَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَكَانُوا۟ يَتَّقُونَ ﴿53﴾
وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِۦٓ أَتَأْتُونَ ٱلْفَـٰحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ ﴿54﴾
أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ ٱلرِّجَالَ شَهْوَةًۭ مِّن دُونِ ٱلنِّسَآءِ ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌۭ تَجْهَلُونَ ﴿55﴾
الجُزءُ العشرون
فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓا۟ أَخْرِجُوٓا۟ ءَالَ لُوطٍۢ مِّن قَرْيَتِكُمْ ۖ إِنَّهُمْ أُنَاسٌۭ يَتَطَهَّرُونَ ﴿56﴾
فَأَنجَيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ إِلَّا ٱمْرَأَتَهُۥ قَدَّرْنَـٰهَا مِنَ ٱلْغَـٰبِرِينَ ﴿57﴾
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًۭا ۖ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴿58﴾
قُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَىٰٓ ۗ ءَآللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿59﴾
أمر الله (تبارك وتعالى) نبيه (صلى الله عليه وسلم) أن يتلو الآيات الداله على وحدانيته، والبراهين القاطعة على قدرته وحكمته، مستفتحًا بحمد الله (عز وجل)، والسلام على أنبيائه والمصطَفَيْن من عبادة، شكرًا على نعمائه وما علّمه مما لم يكن يعلم من أحوالهم تشريفًا لهم، وعرفانًا بفضلهم واجتهادهم في الدين، فقال عز من قائل: ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى ...﴾ ثم أمره بأن يسأل المشركين تهكمًا، واستهزاءً، وتسفيهًا لرأيهم وإلزامهم الحجة ﴿آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أعبادة الله خير أم عبادة ما تشركون من الأصنام، ومن المعلوم ألا خير في أصنامهم أساسًاحتى يوازن بينهم وبين من هو مبدأ كل خير، وتأتي الدلائل والبراهين على انفراده (عز وجل) بالخلق، والإيجاد، والتدبير، فيقول عز من قائل:
أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۭ فَأَنۢبَتْنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍۢ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنۢبِتُوا۟ شَجَرَهَآ ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌۭ يَعْدِلُونَ ﴿60﴾
أَمَّن جَعَلَ ٱلْأَرْضَ قَرَارًۭا وَجَعَلَ خِلَـٰلَهَآ أَنْهَـٰرًۭا وَجَعَلَ لَهَا رَوَٰسِىَ وَجَعَلَ بَيْنَ ٱلْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴿61﴾
أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَآءَ ٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قَلِيلًۭا مَّا تَذَكَّرُونَ ﴿62﴾
أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِى ظُلُمَـٰتِ ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ ٱلرِّيَـٰحَ بُشْرًۢا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِۦٓ ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ تَعَـٰلَى ٱللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴿63﴾
أَمَّن يَبْدَؤُا۟ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَـٰهٌۭ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قُلْ هَاتُوا۟ بُرْهَـٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴿64﴾
فلما بيّن الله (عز وجل) اختصاصه بالقدرة التامة، الفائقة، العامة، أتبع ذلك بما هو كاللازم له من تفرده بعلم الغيب فقال عز من قائل:
قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ٱلْغَيْبَ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴿65﴾
بَلِ ٱدَّٰرَكَ عِلْمُهُمْ فِى ٱلْـَٔاخِرَةِ ۚ بَلْ هُمْ فِى شَكٍّۢ مِّنْهَا ۖ بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ ﴿66﴾
ساقت الآيات من الدلائل الواضحة، والبراهين الساطعة، ما يدل على وحدانية الله (عز وجل) وقدرته، وانفراده بالخلق والتدبير، ثم تعرضت الآيات لشبهات المشركين، ومنكري البعث، وردت عليهم، وبينت الآيات أنهم في شك من يوم القيامة، وأنهم يسألون عن وقتها، أو عن وقت قيامها، رغم انكارهم لقيامها أصلًا فهم منها عمون، ومن علامات عمهم ما حكى القرآن عنهم في قوله (عز وجل):
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ أَءِذَا كُنَّا تُرَٰبًۭا وَءَابَآؤُنَآ أَئِنَّا لَمُخْرَجُونَ ﴿67﴾
لَقَدْ وُعِدْنَا هَـٰذَا نَحْنُ وَءَابَآؤُنَا مِن قَبْلُ إِنْ هَـٰذَآ إِلَّآ أَسَـٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿68﴾
قُلْ سِيرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ فَٱنظُرُوا۟ كَيْفَ كَانَ عَـٰقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ ﴿69﴾
وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِى ضَيْقٍۢ مِّمَّا يَمْكُرُونَ ﴿70﴾
وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـٰدِقِينَ ﴿71﴾
قُلْ عَسَىٰٓ أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ ٱلَّذِى تَسْتَعْجِلُونَ ﴿72﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلنَّاسِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَشْكُرُونَ ﴿73﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ﴿74﴾
وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍۢ فِى ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ إِلَّا فِى كِتَـٰبٍۢ مُّبِينٍ ﴿75﴾
إِنَّ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانَ يَقُصُّ عَلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ أَكْثَرَ ٱلَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ﴿76﴾
وَإِنَّهُۥ لَهُدًۭى وَرَحْمَةٌۭ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴿77﴾
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْعَلِيمُ ﴿78﴾
فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ ۖ إِنَّكَ عَلَى ٱلْحَقِّ ٱلْمُبِينِ ﴿79﴾
إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ ٱلْمَوْتَىٰ وَلَا تُسْمِعُ ٱلصُّمَّ ٱلدُّعَآءَ إِذَا وَلَّوْا۟ مُدْبِرِينَ ﴿80﴾
وَمَآ أَنتَ بِهَـٰدِى ٱلْعُمْىِ عَن ضَلَـٰلَتِهِمْ ۖ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِـَٔايَـٰتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ ﴿81﴾
وَإِذَا وَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةًۭ مِّنَ ٱلْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ ٱلنَّاسَ كَانُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا لَا يُوقِنُونَ ﴿82﴾
﴿وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ ما معنى وقع القول عليهم ؟ خروج الدابه من أين ؟ يعلم الله لكن إن كان أصح الأقوال أن الدابة هي فصيل ناقة صالح فتخرج من حيث خرجت، من أماكن ثمود بالحجر، بين الحجاز والشام، وقع القول : حق العذاب، أو وقع غضب الله عليهم، أو دنا وقت قيام الساعة إذا وقع القول عليهم، طالما كان خروج الدابة من العلامات الكبرى، وإذا خرجت الدابة قفل باب التوبة، أيها أول فالآخر على إثرها لحديث آخر للنبي صلى الله عليه وسلم عن طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة ضحى، فأيها كان أولًا كانت الأخيرة على إثرها قريبة، إذا خرجت الدابة قفل باب التوبة، وانتهى، وطويت الصحائف، حتى المؤمن لو صلى لا تكتب صلاته، انتهت الأعمال، إذا وقعت الحادثة، أو خرجت الدابة، أو وقع القول عليهم تخرج الدابة، من الكلام الذي قاله العلماء، وهو كلام أشبه بالحق، أو بالحقيقة، أو بالصواب، قالوا في زمن نوح، وقد تكلمنا عن نوح، وما عاشه من سنين، وكيف كانت ذاكراته، وكيف يكون الزمان نسبيًا، حين يقول من سبعمائة عام فعلت كذا، أيضا نأتي لذكر نوح، وفي قصصهم عبرة لأولي الألباب، والقرآن يفسر بعضه بعضًا، نوح أوحى إليه أنه لن يؤمن من قومك إلامن قد آمن، إذًا فقد انتهى إيمان الناس، من آمن آمن، ومن كفر كفر، وعلم الله أن الكفار الموجودين أيًا كان العدد لن يؤمن منهم أحد، ولن يتوب منهم أحد، وعلم أيضًا أن ظهورهم لن تنتج مؤمن، فلن يولد لهم مؤمن، كقول نوح: ﴿ إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ﴾ [سورة نوح آية: ٢٧] إذا ً فقد امتنع ميلاد مؤمن في عصر نوح، وامتنعت التوبة على كفار قومه، ماذا حدث ؟ حدث الطوفان، وأهلك الله كل من على الأرض، وما على الأرض إلا الذين كانوا في السفينة، وما آمن معه إلا قليل، متى تقوم الساعة ؟ إذا تكررت الحادثة، وإذا أعاد التاريخ نفسه، حين يموت العلماء، ويرفع العلم، ويتخذ الناس رؤوسًا ضلاَّلا ،ً يفتون بغير علم، فيضلون ويُضلون، وحين يرفع القرآن، وسيرفع، وسألوا كيف يرفع القرآن؟ إن رفع من المصاحف فإنه في القلوب، قال لهم عبد الله بن عمر: ينام الرجل ويصبح وقد نسى كل شيء، ويقول كنا نتكلم بكلام بالأمس ما هو؟ يرفع حتى من القلوب، يمسي المرء مؤمنًا ويصبح كافرًا، ويصبح مؤمنًا ويمسي كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا، تكثر الفتن، يرفع الحياء، وترفع الأمانة من قلوب الرجال، يموت العلماء، ويقبض العلم بموت العلماء، ويرفع القرآن، ولا يبقى على الأرض إلا كافر، ولايلد الكافر إلا كافرًا ، هنا وقع القول عليهم، قيل هذا، وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تُكِّلمُهُم كلام، تَكْلُمُهم تجرحهم تسمههم، تسِمُ المؤمن، وتَسِمُ الكافر، هل هناك مؤمن تسمة الناقة ؟ قد، قِلة التي تأتي الريح الطيبة فتقبض أرواحهم جميعًا دفعة واحدة، لوجود الحديث الذي يخبرنا بذلك، ولا يبقى على الأرض إلا الكافر، تكلمهم أو تكلْمهم، ﴿أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ أو ﴿إِنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ﴾ بالكسر على الاستئناف، هل الناقة أو الدابة الخارجة تقول هذا اللفظ بالذات ؟ قيل تعليل لخروج الدابة، أي خرجت الدابة لأن الناس لا يوقنون بآيات الله، كلهم كفار، وقيل بل هي المتكلمة، تكلمهم إن الناس حكاية عن معنى قولها، تقول ذلك، وتقول ألا لعنة الله على الظالمين، وقيل بل هو حكاية عن قول الله (عز وجل) فهي تقول هذا اللفظ حكاية عن قول الله (عز وجل) أي أنا خرجت لأن الله يقول، أيها الأخ المسلم من رحمة الله علينا أن جعلنا مسلمين، ومن فضله ومزيد إحسانه هدانا إلى الطريق المستقيم، ذكرت الآيات آية من الآيات الكبرى، والتي هي علامة على قيام الساعة، من العلامات الكبرى لقيام الساعة، خروج الدابة التي تكلم الناس، وقيل في شأن الدابة الكثير، وأقرب الأقوال وأشبه الأقوال هو أن الدابة فصيل ناقه صالح، حين عقروها، وخاف عليهم صالح، وهرب الفصيل، وقال صالح أدركوا الفصيل أدركوا الفصيل؛ لأن الفصيل لو اختفى، ودخل الصخرة وقع عليهم العذاب، ولو استطاعوا أن يدركوا الفصيل، ويبقى الفصيل فيهم قد يؤخر عنهم العذاب، وقد يؤجل، وقد يرفع، لكن قضاء الله نافذ، فلم يدركوا الفصيل، ودخل الصخرة حيث خرجت أمه، وأغلقت عليه الصخرة، هذه هي دابة الأرض التي تخرج في آخر الزمان فتكلم الناس، ثم تذكر الآيات طرفًا من أهوال يوم القيامه، يقول الله عز من قائل:
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍۢ فَوْجًۭا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِـَٔايَـٰتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿83﴾
حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُو قَالَ أَكَذَّبْتُم بِـَٔايَـٰتِى وَلَمْ تُحِيطُوا۟ بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿84﴾
وَوَقَعَ ٱلْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا۟ فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ ﴿85﴾
أَلَمْ يَرَوْا۟ أَنَّا جَعَلْنَا ٱلَّيْلَ لِيَسْكُنُوا۟ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِرًا ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّقَوْمٍۢ يُؤْمِنُونَ ﴿86﴾
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِى ٱلصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا مَن شَآءَ ٱللَّهُ ۚ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَٰخِرِينَ ﴿87﴾
وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةًۭ وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ ٱلسَّحَابِ ۚ صُنْعَ ٱللَّهِ ٱلَّذِىٓ أَتْقَنَ كُلَّ شَىْءٍ ۚ إِنَّهُۥ خَبِيرٌۢ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴿88﴾
مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيْرٌۭ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍۢ يَوْمَئِذٍ ءَامِنُونَ ﴿89﴾
وَمَن جَآءَ بِٱلسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِى ٱلنَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿90﴾
إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَـٰذِهِ ٱلْبَلْدَةِ ٱلَّذِى حَرَّمَهَا وَلَهُۥ كُلُّ شَىْءٍۢ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ﴿91﴾
وَأَنْ أَتْلُوَا۟ ٱلْقُرْءَانَ ۖ فَمَنِ ٱهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِۦ ۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَا۠ مِنَ ٱلْمُنذِرِينَ ﴿92﴾
وَقُلِ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ ءَايَـٰتِهِۦ فَتَعْرِفُونَهَا ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَـٰفِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴿93﴾
، ﴿ دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآَخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [سورة يونس آية: ١٠] نسأل الله جميعًا أن نقولها.
﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ تهديد ووعيد في منتهى الشدة، سيريكم آياته والكلام للكفار والمشركين والمنكرين، ﴿آيَاتِهِ﴾ الدلائل القاهرة التي تلجئكم للإيمان وتعرفونها، وأنها دلائل على وجود الله ووحدانيته حيث لا ينفعكم العلم والمعرفة، ومنها دابة الأرض التي جاء ذكرها، إذا خرجت دابة الأرض لا تنفع نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا، إذا خرجت الشمس وطلعت من مغربها لا ينفع نفسًا إيمانها، وأيتها كانت أولًا فالأخرى على إثرها، إي وربي أخبرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بذلك، تخرج الدابة ضحى وتطلع الشمس من مغربها بعدها بيسير، أيها جاءت أولًا فالأخرى في إثرها، ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ حينئذ هل تنفع هذه المعرفه ؟ أبدا ً تهديد، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعمَلُونَ ﴾ قراءة،
وهذا الجزء من الآية فيه وعد، وفيه وعيد، أما الجزء الأول من الآية فهو وعيد ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ وعيد، تهديد، ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ وعد ووعيد، وعد لنا جميعًا ولكل موحد، ولكل عابد، ولكل مسلم، ولكل قاريء للقرآن، ولكل متدبر في الآيات، ولكل متدبر كلام الله، وما ربكم بغافل عما تعملون، يحصي لكم أعمالكم، يكفر عنكم سيئاتكم، اجتنابكم الكبائر يكفِر عنكم الصغائر، ما من عمل تعملونه صالحًا إلا ومردود، مكتوب، يجازيكم به الله، من يعمل مثقال ذرة ٍخيرًا يره، ذاك هو الوعد، أما الوعيد فإذا وُجه َالخطاب للمشركين وهو موجه لهم، لا تحسبوا تأخير العذاب عنكم لغفلتنا عن أعمالكم، يستعجلون العذاب، أين هو ؟ أمطر علينا، فأتونا بما تعدونا إن كنتم من الصادقين، وهكذا الاستعجال كأن الوعد انتهى وفهمناه، وهم الكلام لهم وعيد ولا تحسبن تأخير العذاب عنك أن الله غافل عن عملك، بل هو يحصيه، ويمهل ولا يهمل ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾.