
سورة الشعراء
مقدمة
سورة الشعراء، سوره مكية، شأنها شأن السور المكية، وقيل هي مكية إلا أربع آيات نزلت بالمدينه، وهي آخر آيات السوره من قوله (عز وجل): ﴿ وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ﴾ [سورة الشعراء آية: ٢٢٤] إلى آخر السورة. شأنها شأن السور المكيه تعالج أصول العقيدة، والرساله، والبعث، وأصول الإيمان.
افتتحت السورة بالحروف المقطعه، وتحدثت عن عظيم شأن القرآن، وجاءت الآيات تشفق على الحبيب المصطفى، وتأمره بعدم الحزن وتنهاه عن التأسف والتأسي على قومه ثم جاءت الآيات تبين إعراض المشركين عن الآيات التنزيليه، ثم تتوالى الآيات لتبين إعراضهم عن الآيات التكوينية بعد إعراضهم عن الآيات التنزيليه ثم تحكي السورة قصة موسى الكليم عليه السلام مع فرعون وقومه، وكيف قرعهم بالحجه، وكيف أظهر لهم المعجزات، وماذا كان مصيرهم، ثم تنتقل السورة إلى قصة إبراهيم (عليه السلام) مع أبيه قومه وتحكي موقفه منهم وكيف دلل على وجود الواحد القهار، وتبين السورة بعد ذلك أحوال الفريقين: أحوال المتقين، وأحوال الغاوين، وتبين مصير كل فريق منهم ثم تعود السورة وتتابع عرض بعض قصص الأنبياء: نوح، هود، صالح، لوط، شعيب، وتبين كيف فعلوا كيف استقبلوا الرسل، كيف استقبلوا التنزيل، كيف تعاملوا مع المعجزات، كيف كذبوا واستكبروا، ثم تبين سنة الله (عز وجل) مع المكذبين للرسل لعل أهل مكه يتعظون أو ينزجرون. ثم تتعرض السورة للتنوية بعظيم شأن القرآن، وتبين مصدر هذا التنزيل، وترد على افتراءات المشركين، الذين زعموا أنه قد تنزلت به الشياطين ثم تنفي عن الحبيب المصطفى ما ادعاه كفار قومه من أنه شاعر وتبين أحوال الشعراء.
سورة الشعراء سميت بذلك لمجيء ذكر الشعراء فيها يقول الله (تبارك وتعالى) في مفتتح السورة:
طسٓمٓ ﴿1﴾
تِلْكَ ءَايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ ٱلْمُبِينِ ﴿2﴾
لَعَلَّكَ بَـٰخِعٌۭ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا۟ مُؤْمِنِينَ ﴿3﴾
إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ ءَايَةًۭ فَظَلَّتْ أَعْنَـٰقُهُمْ لَهَا خَـٰضِعِينَ ﴿4﴾
وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍۢ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا۟ عَنْهُ مُعْرِضِينَ ﴿5﴾
﴿ وَمَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْر﴾ طائفة من القرآن، آيات ، سورة جديدة نزلت حديثا آية ثم آية كلما تنزل آية أو سورة يتجدد إعراضهم ويتجدد تكذبيهم كلما تجدد التنزيل كلما تجدد الإعراض، ﴿إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ﴾ بيان لإعراضهم عن الأيات التنزيليه وكلما نزلت الأيات كلما زاد إعراضهم وإصرارهم على الكفر. هذا الإعراض الواضح، الشديد، المذهل، يبين أن الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء ويأتي التهديد بين بيان الإعراض عن الآيات التنزيليه والإعراض عن الآيات التكوينية.
فَقَدْ كَذَّبُوا۟ فَسَيَأْتِيهِمْ أَنۢبَـٰٓؤُا۟ مَا كَانُوا۟ بِهِۦ يَسْتَهْزِءُونَ ﴿6﴾
أم كان جديرا بالتصديق وينتقل الكلام لبيان إعراضهم عن الآيات التكوينية.
أَوَلَمْ يَرَوْا۟ إِلَى ٱلْأَرْضِ كَمْ أَنۢبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍۢ كَرِيمٍ ﴿7﴾
إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿8﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿9﴾
وَإِذْ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱئْتِ ٱلْقَوْمَ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿10﴾
قَوْمَ فِرْعَوْنَ ۚ أَلَا يَتَّقُونَ ﴿11﴾
قَالَ رَبِّ إِنِّىٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ ﴿12﴾
وَيَضِيقُ صَدْرِى وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِى فَأَرْسِلْ إِلَىٰ هَـٰرُونَ ﴿13﴾
وَلَهُمْ عَلَىَّ ذَنۢبٌۭ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ ﴿14﴾
﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة القصص آية: ٢١] فالخوف غريزة ولا يقدح الخوف في التوكل فقد يكون العبد متوكلا تمام التوكل ومع ذلك يأتيه الخوف ﴿وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ﴾: أي تبعة ذنب وسماه ذنبًا على اعتبارهم.
﴿فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ وهو لم يخف من القتل أي من الموت كما قال بعض العلماء وإنما قد يكون الخوف أن يقتل قبل أداء الرسالة معنى آخر أخاف أن يقتلوني بمجرد أن يروني بمن قتلت فلا أستطيع أن أبلغ الرساله فإن قتلت وبقى هارون استطاع أن يقوم هارون مقامي قيبلغ الرساله، فخوفه من القتل، خوفٌ عن عدم أداء الرسالة والله أعلم
قَالَ كَلَّا ۖ فَٱذْهَبَا بِـَٔايَـٰتِنَآ ۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسْتَمِعُونَ ﴿15﴾
فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿16﴾
أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴿17﴾
أيها الأخ المسلم قصة موسى مع فرعون جاءت في القرآن في مواضع عديدة بأساليب مختلفه كلها غاية في الفصاحه، غاية في البيان ومع كل ذلك في كل منها زيادة أو إيضاح أو شيء لم يرد في موضع آخر فسبحان من هذا كلامه. فقد توجه موسى إلى مصر وكان قادما من اليمن والتقى بأخيه هارون وتوجها معا إلى فرعون في قصرة وأختصر القرآن أو الآيات من سورة الشعراء القصة وانتلقت إلى المشهد الذي حدث في هذا اللقاء، قال فرعون واختصر الكلام بالحذف ثقةً بفهم السامع.
قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًۭا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ ﴿18﴾
وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ ٱلَّتِى فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ ٱلْكَـٰفِرِينَ ﴿19﴾
﴿وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾وسماها فعله لتعظيم شأنها لتضخيم الخطيئة، والفعله المره الواحده من الفعل، والفَعله: الهيئة في الفعل وقرئت باللفظين، ﴿وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾أي الكافرين بالنعمة أو الكافرين بألوهيتي وقتلت أحد رعاياي بعد أن ربيناك في بيوتنا وأنفقنا عليك وأطعناك وكسوناك وقتلت أحد رعايانا ثم فررت ثم تأتي الآن وتدعي أنك رسول أسلوب الكلام فيه التوبيخ فيه الاحتقار ورد موسى قائلًا:
قَالَ فَعَلْتُهَآ إِذًۭا وَأَنَا۠ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ ﴿20﴾
فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِى رَبِّى حُكْمًۭا وَجَعَلَنِى مِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿21﴾
﴿أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى﴾ [سورة البقرة آية: ٢٨٢] إذا ًأن تضل بمعنى أن تنسى فتذكرها الأخرى فالضلال هنا بمعنى النسيان، وقد يأتي الضلال بمعنى الجهل فإما كنت من الضالين من الناسين كنت من الظالمين من أولي الجهل بأن الوكزة مجرد الوكزة تؤدي إلى القتل لم يقصد قتله أراد دفعه عن الآخر مجرد الدفع حين دفعه بيده وقع قتيلًا كان قتلًا خطأ،﴿فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ ﴾ فررت وذهبت إلى مدين حين خفت منكم ﴿فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا﴾ الحكم:النبوة، ﴿وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾
وَتِلْكَ نِعْمَةٌۭ تَمُنُّهَا عَلَىَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴿22﴾
﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ [سورة الأنبياء آية: ٣٤] أي أفإن مت أفهم الخالدون فحذفت الهمزة هنا كذلك، أو تلك نعمه تمنها علي هل هذه نعمة إذا ً فقد رد عليه موسى بأنها لم تكن نعمة بل كانت نقمة أن عبّدت بني إسرائيل: أي استعبدتهم، وهنا أسقط في يدي فرعون برد موسى وبدأ الحوار، والتعالى، والاستهزاء، بدأ السؤال:
قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿23﴾
قَالَ رَبُّ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴿24﴾
قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُۥٓ أَلَا تَسْتَمِعُونَ ﴿25﴾
قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ ءَابَآئِكُمُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿26﴾
قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ ٱلَّذِىٓ أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌۭ ﴿27﴾
قَالَ رَبُّ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَآ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴿28﴾
قَالَ لَئِنِ ٱتَّخَذْتَ إِلَـٰهًا غَيْرِى لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ ٱلْمَسْجُونِينَ ﴿29﴾
قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَىْءٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿30﴾
قَالَ فَأْتِ بِهِۦٓ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿31﴾
فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ ثُعْبَانٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿32﴾
وَنَزَعَ يَدَهُۥ فَإِذَا هِىَ بَيْضَآءُ لِلنَّـٰظِرِينَ ﴿33﴾
قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُۥٓ إِنَّ هَـٰذَا لَسَـٰحِرٌ عَلِيمٌۭ ﴿34﴾
يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِۦ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴿35﴾
قَالُوٓا۟ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَٱبْعَثْ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَـٰشِرِينَ ﴿36﴾
يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍۢ ﴿37﴾
﴿وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ﴾ ابعث في كل المدن جامعين يجمعون لك أفضل السحره وأمهر السحره ، ﴿ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ﴾ وقرأت ساحر، سحار: أي عظيم سحره، عليم، متمكن من فنه تلك كانت مشورتهم وأرسل فرعون فعلا والكلام فيه حذف حذف كثير اختصار بالحذف أرسل وتحدد الموعد كما حكى ربنا في مواضع أخرى:
﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾ [سورة طه آية: ٥٩] وكأن الله استدرج الملأ حين طلبوا الإتيان بالسحرة بل واستدرج فرعون وملأ فرعون حين استعجلوا الناس وطلبوا أن يجمع الجميع.
فَجُمِعَ ٱلسَّحَرَةُ لِمِيقَـٰتِ يَوْمٍۢ مَّعْلُومٍۢ ﴿38﴾
وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ ﴿39﴾
لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ ٱلسَّحَرَةَ إِن كَانُوا۟ هُمُ ٱلْغَـٰلِبِينَ ﴿40﴾
فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالُوا۟ لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَـٰلِبِينَ ﴿41﴾
قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًۭا لَّمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ ﴿42﴾
قَالَ لَهُم مُّوسَىٰٓ أَلْقُوا۟ مَآ أَنتُم مُّلْقُونَ ﴿43﴾
فَأَلْقَوْا۟ حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا۟ بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ ٱلْغَـٰلِبُونَ ﴿44﴾
فَأَلْقَىٰ مُوسَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِىَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ ﴿45﴾
﴿فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ﴾ هنا ظهر الحق الثعبان الذي كان عصا منذ برهه يسيرة إذا هو يأخذ ما على الأرض من حبال ومن عصى يلتقطها، يلتقمها بفمه الذي قيل في اتساعه الكثير، وقيل إنه كان يمشي على قوائم وفجأة خلت الساحة تماما من أي شيء ، ولم يبقى إلا الثعبان فأين ذهبت هذه الأشياء وأين ذهبت العُدة هذه الأعداد من الحبال والعصى أين ذهبت؟ إذا فما ألقاه موسى حق يأكل ذو حياة وخالق الحياة هو الله من هنا.
فَأُلْقِىَ ٱلسَّحَرَةُ سَـٰجِدِينَ ﴿46﴾
قَالُوٓا۟ ءَامَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿47﴾
رَبِّ مُوسَىٰ وَهَـٰرُونَ ﴿48﴾
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (٤٦) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ ولكي لا يتوهم السامعون أو يلتبس عليهم الأمر لأن الكل يدعي أن فرعون هو ربهم ورب الناس. من هو رب العالمين؟ فكان لابد من التوضيح ﴿رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ ﴾ ، بدل للتوضيح. إذًا حين ذكروا موسى وهارون هناك أمرأن، الأمر الأول: دفع التوهم والالتباس من هو رب العالمين، هو ليس الذي تعتقدونه، وإنما رب موسى وهارون، الأمر الثاني: الإشعار بأن سبب الإيمان ما أجراه الله على يد موسى وهارون على يد هذين الرسولين والنبيين، فجيء بذكرها الإشعار بأن سبب الإيمان كانت معجزة التي أجراها الله على يديهما ، وهنا مفاجأة لاشك وصدمة مذهلة لفرعون جنوده، وأدواته الذين يغلب بهم كما توهم ،السحرة،كل ساحر عليم، و سحار عليم هاهم يخرون سجدا مؤمنين برب موسى وهارون في لحظه أين كان اشتراط الأجر ؟ أين كان النفاق ؟ أين ذهب كل ذلك؟ أين العزة التي حلفوا بها؟ أين هذه الثقه التي كانوا عليها؟ وهنا أثرت الصدمه في فرعون تأثيرا شديدًا فاستكبر واشتد استعلاؤه فقال:
قَالَ ءَامَنتُمْ لَهُۥ قَبْلَ أَنْ ءَاذَنَ لَكُمْ ۖ إِنَّهُۥ لَكَبِيرُكُمُ ٱلَّذِى عَلَّمَكُمُ ٱلسِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ۚ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَـٰفٍۢ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ ﴿49﴾
موسى قادم من مدين بعد أن مكث فيها عشر سنوات وسنة في الطريق، إحدى عشرة سنة لم يلتقي بالسحره جاء بهم فرعون من كل مكان من المدن من أين التقى موسى بالسحره حتى يعلمهم السحر أو يتواطأ معهم لكن انظر إلى التدليس، الكذب والبهتان ﴿إِنَّهُ ﴾ أي موسى ﴿ لَكَبِيرُكُمُ﴾كبير السحره ﴿الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ﴾ أنتم تلاميذه أنتم متعلمون منه ﴿فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ تهديد ثم بين نوع التهديد فقال كما حكى القرآن: ﴿لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ من خلاف: يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى ولأصلبنكم : سوف يصلب كل رجل منهم على نخلة أو شجرة منفردا بعد قطع اليد والرجل حتى يموت وهو كذلك فيصبح عبرة للناس جميعًا وهنا يظهر الإيمان وقوة الإيمان وحلاوة ورسوخ اليقين.
قَالُوا۟ لَا ضَيْرَ ۖ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ ﴿50﴾
إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَـٰيَـٰنَآ أَن كُنَّآ أَوَّلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿51﴾
﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الطمع في الله مطلوب مهما كان الإنسان متفائلا فلابد من الطمع، وربنا يحب الطمع من عباده ويحب من عباده اللحوح كثير السؤال ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ لأن كنا أول المؤمنين في هذا الجمع في هذا الموقف، أو أول المؤمنين من قوم فرعون، أو أول المؤمنين في هذا العصر يعلم الله لأن من قوم فرعون آمن رجل ﴿ وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آَلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ... ﴾ [سورة غافر آية: ٢٨] وآمنت آسيا امرأه فرعون، قيل أيضا آمنت امرأة عجوز التي دلتهم على قبر يوسف، آمن بنوا إسرائيل فيبدوا أن كلمة ﴿أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي أول المؤمنين في هذا الجمع، أو المؤمنين فى هذا المشهد، أو أول المؤمنين من جنود فرعون وملإه ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا إِنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ إن الشرطيه هنا قراءه أخرى هضما لأنفسهم أي إن تقبل الله منا ذاك الإيمان وعدّنا أوائل فيه. ﴿إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الإيمان، وحلاوة الإيمان، اليقين، ونور اليقين إذا دخل الإيمان في قلب العبد هانت الدنيا في عينية وهان كل شيء في عينية بل إذا هُدد بالموت أو القتل أو جاءه الموت أحب لقاء الله ومن أحب لقاء الله أحب الله لقاءه.
مكث موسى بعد هذه الحادثة سنين في مصر يدعو إلى الله (عز جل) ويأمر قومه بالصبر على الأذى اشتد فرعون في إيذاء قوم موسى ولكن من الغريب أنه لم يقتله بل ولم يسجنه كما هدد كيف حدث ذلك ؟ حدث ذلك لتحقق وعد الله (عز وجل) لموسى حين خاف وقال وأخاف أن يقتلون فقال كلا ، وحين وعده قائلا إنا معكم مستمعون سنين قيل ثلاثين سنة حدث فيها آيات كثيرة ومعجزات كثيره، إيذاء من فرعون ومن قومه لقوم موسى ولمن آمن ،حدث الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم، ثم نزل عليهم الرجز ثم طلبوا من موسى أن يرفع عنهم الرجز سنين وتحتم القضاء وجاء الموعد بعد الإمهال الطويل ، وربنا يمهل ولا يهمل وجرت سنته (عز وجل) أنه إذا أراد إهلاك قوم أنجى المؤمنين منهم من هنا جاء الوحي لموسى أن يخرج من مصر يقول الله (تبارك وتعالى):
وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِىٓ إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ ﴿52﴾
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِى ٱلْمَدَآئِنِ حَـٰشِرِينَ ﴿53﴾
إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَشِرْذِمَةٌۭ قَلِيلُونَ ﴿54﴾
وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ ﴿55﴾
وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَـٰذِرُونَ ﴿56﴾
فَأَخْرَجْنَـٰهُم مِّن جَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍۢ ﴿57﴾
وَكُنُوزٍۢ وَمَقَامٍۢ كَرِيمٍۢ ﴿58﴾
كَذَٰلِكَ وَأَوْرَثْنَـٰهَا بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ ﴿59﴾
فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ﴿60﴾
فَلَمَّا تَرَٰٓءَا ٱلْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَـٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴿61﴾
قَالَ كَلَّآ ۖ إِنَّ مَعِىَ رَبِّى سَيَهْدِينِ ﴿62﴾
فَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْبَحْرَ ۖ فَٱنفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍۢ كَٱلطَّوْدِ ٱلْعَظِيمِ ﴿63﴾
وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ ٱلْـَٔاخَرِينَ ﴿64﴾
وَأَنجَيْنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجْمَعِينَ ﴿65﴾
ثُمَّ أَغْرَقْنَا ٱلْـَٔاخَرِينَ ﴿66﴾
إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿67﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿68﴾
وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَٰهِيمَ ﴿69﴾
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِۦ مَا تَعْبُدُونَ ﴿70﴾
قَالُوا۟ نَعْبُدُ أَصْنَامًۭا فَنَظَلُّ لَهَا عَـٰكِفِينَ ﴿71﴾
قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ ﴿72﴾
أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ ﴿73﴾
قَالُوا۟ بَلْ وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ ﴿74﴾
قَالَ أَفَرَءَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ﴿75﴾
أَنتُمْ وَءَابَآؤُكُمُ ٱلْأَقْدَمُونَ ﴿76﴾
فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّۭ لِّىٓ إِلَّا رَبَّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿77﴾
ٱلَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ ﴿78﴾
وَٱلَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ ﴿79﴾
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴿80﴾
وَٱلَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُحْيِينِ ﴿81﴾
﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾، ﴿ وَالَّذِي هُوَ﴾ تأكيد مرة أخرى مطعمني ويسقين الطعام خرج من الأرض من الذي أخرجه ؟ من الذي أنبته ؟ من الذي خلقه ؟ البهائم، والدواجن، الطيور، واللحوم، والأسماك من الذي خلقها وسخرها لنا وجعلها نافعه لأبداننا مغذية لأجسامنا أنزل من السماء ماء فمنه أنهار وآبار وبحور؟! هو الذي سقى.
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾وتغير النظم أيضا أولا نسب المرض إلى نفسه وأسند الشفاء إلى الله رعاية للأدب إذا مرضتُ هاهي تاء الفاعل مرضتُ أنا فهو يشفين أسند المرض لنفسه والشفاء إلى الله، رعاية الأدب مع أن المرض والشفاء بيد الله الأمر الثاني : الملفت للنظر العطف ﴿ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ(٧٩)وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ(٨٠)﴾ عطف المرض على الطعام والشراب وكأنها إشارة إلى أن المرض ينشأ من التفريط أو الأفراط في الطعام والشراب ﴿... وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ ﴾ [سورة الأعراف آية: ٣١] من أين يأتي المرض؟ من فعلك أنت، تشرب ما يضر كشرب المخدارت والخمور وما إلى ذلك، الطعام أكل مالا يحل أو الزيادة عن الحاجه ﴿ما ملأ ابن ادم وعاءا شرا من بطنه﴾، ﴿بحسب بن ادم لقمات يقمن صلبه﴾، ﴿المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء﴾ الحميه:الجوع أحاديث لرسول الله ، ﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾ بسبب فعلي، بسبب سوء تصرفي، بسبب أكلي وشربي مالا يصح، أو مالا يجوز، أو مالا يحل، أو مالا يباح، أو الإسراف في الأكل والشرب، أو التفريط بقله الطعام والشراب بدعوى الزهد، ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
﴿ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ ﴾ الموت والحياة بيد الله وكانوا يعتقدون أن الموت بأسباب دنيويه؛ لكبر السن بمرض، بكذا، فبيّن إبراهيم أن الموت بيد الله وليس له سبب إلا انتهاء الأجل بقضاء الله؛ كم من مريض يحيا ويطول عمره؟ وكم من سليم يقع فيموت فجأة؟ كم وكم وكم وكم؟! وقد يموت الصغير ويعيش الكبير ليس هناك أسباب ظاهره للموت؛ حقيقة الأمر أن الله هو الذي يحي وهو الذي يموت حتى القتل؛ القائل إذا ضرب رجلًا آخر بالرصاص هو يتلف البينه، يتلف الجسد فقط أما الروح فلا يأخذها إلا الله ﴿ اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا... ﴾ [سورة الزمر آية: ٤٢] فكم من حوادث ينجو منها الناس، وكم من أمراض خطيرة يشفى منها الناس، وكم من حوادث بسيطه تنزلق قدمه فيموت كم وكم؟!
وَٱلَّذِىٓ أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِى خَطِيٓـَٔتِى يَوْمَ ٱلدِّينِ ﴿82﴾
﴿ ...وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ﴾ [سورة النساء آية: ١٢٥] ضروري أنه كان يعلم،﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [سورة النحل آية: ١٢٠] فالطمع في حقه يقين وفي حق غيره من المؤمنين رجاء، ﴿... أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي ...﴾ "خطيئة": مفرد لكن يراد بها الجمع وكأنها مصدر كقوله ﴿ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ... ﴾ [سورة الملك آية: ١١] أي بذنوبهم وكقوله ﴿... فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ... ﴾ [سورة الحج آية: ٧٨] أي الصلوات، فالخطيئة بمعنى الخطايا قالها وهو يعلم أن له خطايا أم قالها هضمًا لنفسه وتواضعا لعزة الله وجلاله وتعليما اللأمه أن يعترفوا بذنبوبهم عرفوها أو لم يعرفوها "اللهم اغفر لنا ما نعلم ومالا نعلم ومالا نعلم وما أنت به أعلم " فقد يذنب المرء دون أن يدري وقد يعلم وقد لا يعلم من هنا يقول إبراهيم كما يحكي عنه ربنا ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ﴾ تعليما للأمه لكي يستغفروا وهضمًا لنفسه ﴿يَوْمَ الدِّينِ﴾ :يوم الجزاء، يوم القيامه.
رَبِّ هَبْ لِى حُكْمًۭا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّـٰلِحِينَ ﴿83﴾
وَٱجْعَل لِّى لِسَانَ صِدْقٍۢ فِى ٱلْـَٔاخِرِينَ ﴿84﴾
وَٱجْعَلْنِى مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ ٱلنَّعِيمِ ﴿85﴾
وَٱغْفِرْ لِأَبِىٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ ٱلضَّآلِّينَ ﴿86﴾
وَلَا تُخْزِنِى يَوْمَ يُبْعَثُونَ ﴿87﴾
يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌۭ وَلَا بَنُونَ ﴿88﴾
إِلَّا مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍۢ سَلِيمٍۢ ﴿89﴾
وَأُزْلِفَتِ ٱلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴿90﴾
وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ ﴿91﴾
وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ ﴿92﴾
مِن دُونِ ٱللَّهِ هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ يَنتَصِرُونَ ﴿93﴾
فَكُبْكِبُوا۟ فِيهَا هُمْ وَٱلْغَاوُۥنَ ﴿94﴾
وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ ﴿95﴾
قَالُوا۟ وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ ﴿96﴾
تَٱللَّهِ إِن كُنَّا لَفِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍ ﴿97﴾
إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿98﴾
وَمَآ أَضَلَّنَآ إِلَّا ٱلْمُجْرِمُونَ ﴿99﴾
فَمَا لَنَا مِن شَـٰفِعِينَ ﴿100﴾
وَلَا صَدِيقٍ حَمِيمٍۢ ﴿101﴾
فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةًۭ فَنَكُونَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿102﴾
إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿103﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿104﴾
وتتوالى قصص المرسلين وكيف كان صبرهم على أقوامهم وكيف فعل الله (تبارك وتعالى) بالمكذبين من أقوامهم تسرية للنبي، وتحريضًا له، وتحضيدا على الاقتداء بمن سبقه من الرسل في الصبر على الأذى وتأتي قصة نوح، ونوح أول رسول بعث في الأرض من بعد آدم، نوح عاش في قومه عمرًا طويلًا، زمن بعثته ستمر تسعمائة وخمسين عاما ،نوح أشد الرسل صبرًا على إيذاء قومه، كان إذا دعاهم غطوا وجوههم، ووضعوا أصابعهم في آذانهم حتى لا يسمعوا ما يقول ثم يقومون إليه فيخنقونه ويضربونه حتى يغشى عليه فإن أفاق توجه إلى الله قائلا: رب اغفر لقومي فإن قومي لا يعلمون. نوح ظل يدعو ويدعو وقومه لايستجيبون له ويعذبونه بل وإذا حضر أحدهم الموت جمع أبناءه من حوله وحذرهم من اتباع نوح وهو على فراش الموت يقول الله (تبارك وتعالى):
كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿105﴾
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿106﴾
إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌۭ ﴿107﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿108﴾
وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿109﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿110﴾
قَالُوٓا۟ أَنُؤْمِنُ لَكَ وَٱتَّبَعَكَ ٱلْأَرْذَلُونَ ﴿111﴾
قَالَ وَمَا عِلْمِى بِمَا كَانُوا۟ يَعْمَلُونَ ﴿112﴾
إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّى ۖ لَوْ تَشْعُرُونَ ﴿113﴾
وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿114﴾
إِنْ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌۭ مُّبِينٌۭ ﴿115﴾
﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ هو الذي يطلع على الخفايا، هو المطلع على النيات، هو يعلم ما خفى في الصدور، هو يعلم إخلاصهم من عدمه، أما أنا فما عليّ إلا الإنذار ﴿ إِنْ حِسَابُهُمْ إِلَّا عَلَى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ ﴾ لو هنا محذوفة الجواب تقديره لو تشعرون أي لو تعلمون لما قلتم هذا، لو تعلمون لعلمتم أن الله (عز وجل) هو المحاسب وهو المطلَّع على النيّات وما تخفي الصدور، ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾إذا ً فقد طلبوا منه أن يطرد أتباعه، الكلام يُشعر بذلك كما طلبت قريش من النبي (صلى الله عليه وسلم) أن يطرد من حوله من الفقراء كبلال وصهيب و و... وهاهو ينفي عن نفسه هذا ويقول ﴿ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ وكيف أطردهم ولا ألقاهم وملك الملوك برحمته يتلقاهم، ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ حصر الرسالة في قوله ﴿إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾واضح، بيّن الحجة، ساطع البرهان أنذركم وأحذركم من عذاب الله وعقابه أغنياء كنتم أم فقراء كنتم ،لاشأن لي بذلك وإنما أنانذير للكافة. منطق، كلام مقنع، أي عقل يستوعب وانظر إلى ما وصلوا إليه التهديد، الوعيد، الجبروت، التسلّط.
قَالُوا۟ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَـٰنُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمَرْجُومِينَ ﴿116﴾
قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِى كَذَّبُونِ ﴿117﴾
فَٱفْتَحْ بَيْنِى وَبَيْنَهُمْ فَتْحًۭا وَنَجِّنِى وَمَن مَّعِىَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴿118﴾
فَأَنجَيْنَـٰهُ وَمَن مَّعَهُۥ فِى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ ﴿119﴾
ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ ٱلْبَاقِينَ ﴿120﴾
إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿121﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿122﴾
روى عن أبي أمامه (رحمه الله )كما روى عنه الحافظ بن عساكر قوله: ﴿من قال حين يمسي صلى الله على نوح وعلى نوح السلام لم تلدغه عقرب تلك الليلة﴾ تأتي بعد ذلك قصة أخرى من قصص المرسلين ألا وهي قصة هود يقول الله (تبارك وتعالى):
كَذَّبَتْ عَادٌ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿123﴾
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿124﴾
إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌۭ ﴿125﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿126﴾
وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿127﴾
أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةًۭ تَعْبَثُونَ ﴿128﴾
وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴿129﴾
وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴿130﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿131﴾
وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِىٓ أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ ﴿132﴾
أَمَدَّكُم بِأَنْعَـٰمٍۢ وَبَنِينَ ﴿133﴾
وَجَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍ ﴿134﴾
إِنِّىٓ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍۢ ﴿135﴾
إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم في الدنيا وعذاب يوم عظيم في الآخرة ، وانظر إلى الرد أيضا، وكأن هؤلاء الأقوام المكذبون يوصي بعضهم بعضًا ﴿أَتَوَاصَوْا بِهِ ...﴾ [سورة الذاريات آية: ٥٣].
قَالُوا۟ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ ٱلْوَٰعِظِينَ ﴿136﴾
إِنْ هَـٰذَآ إِلَّا خُلُقُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿137﴾
وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴿138﴾
فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَـٰهُمْ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿139﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿140﴾
أيها الأخ المسلم ربنا (تبارك وتعالى) خلق العقل، وكرمه وروى أن الله (تبارك وتعالى) حين خلق العقل قال له: أقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، فقال عز من قائل: ما خلقت خلقًا أكرم علي منك، بك آخذ، وبك أعطى ويقول المصطفى (صلى الله عليه وسلم): ﴿عقل المرء محسوب عليه من رزقه﴾ والعقل أمانة، والعقل مكانه القلب، والعقل هو موضع الإيمان، وهو المستشار المؤتمن، هو سيد الجوارح؛ لأن محل العقل القلب، والقلب هو الأساس، هو محل الخطاب، إذا خاطب ربنا لم يخاطب أجسادنا، لم يخاطب وجوهنا وأسماءنا بل خاطب قلوبنا فالقلب الذي موضعه العقل هو محل العقاب والثواب، وهو محل الإيمان، وهو محل الكفر والعصيان، وهذا القلب هو النجاة إذا كان سليمًا ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [سورة الشعراء آية: ٨٩] ، هذا القلب يحب أن تراعيه، يجب أن تنتبه إليه، إياك وأن يشغله غير الله، إياك وبأن تملأ قلبك بالغل، أو بالغيظ، أو الحسد، أو الحقد، إياك وأن تملأ قلبك بشهوات الدنيا، بل املأ قلبك بالخوف، بالوجل حتى تكون من الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم؛ إن كنت كذلك كنت من الصابرين على ما أصابهم، إن كنت كذلك كنت سليمًا معافًا في الدنيا ناجيًا بفضل الله في الآخرة، ﴿إن فى الجسد مضغة إذا صلحت، صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب﴾، أيها الأخ المسلم: إياك وما يغيب عقلك من مخدرات أو مسكرات، إياك وما يصيبك بالتخلف كالمسلسلات، والأفلام، والبرامج التى تذاع على الناس تصيبهم بالتخلف، ولو جلست مع من اعتاد على هذه الأجهزة وجلس إليها الساعات الطوال دون نقد وإنما يجلس مشدوهًا بما يرى، مأخوذًا بما يسمع، لرأيت كيف هو كان وكيف أصبح ولرأيت التخلف العقلي بأجلى معانيه، وانظر إلى مقدمي البرامج يأتون بالفنانين والممثلين والراقصات يسألونهم ما رأيكم؟ فيقولون ويسمع الشباب فيأخذ القدوة من هؤلاء.
وتأتي قصة ثمود، قوم كانوا في مكان يسمى بالحجر قريبًا من الشام، طالت أعمارهم فوق أعمار البنيان فاتخذوا من الجبال بيوتًا نحتوها في الجبال قوة، وطول عمر، وسهول مليئة بالجنات والزروع، والثمار، والعيون، وجاءهم صالح رحمةً يدعوهم إلى الله تعنتوا كديْدن الكفار في كل مكان وزمان وسألوه معجزة، وتعنتوا في طلب المعجزة وأشاروا إلى صخرة صماء وقالوا أخرج منها ناقة حمراء عشراء، حامل في شهرها العاشر، تلد أمامنا ونحن ننظر وترد الماء وتشرب وتعطينا من لبنها، وجلس يتفكر في هذا المحال فنزل إليه جبريل وأمره بصلاة ركعتين والتوجه إلى الله، فصلى وتوجه إلى الله، وانفلقت الصخره وخرجت ناقة حمراء عشراء وضعت أمامهم وليدها، ووردت الماء، وكانت تشرب في أول النهار، وتحلب لهم لبنها آخر النهار، يحكي ربنا عن هؤلاء القوم تسريةً وتسليةً لحبيبه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) فيقول:
كَذَّبَتْ ثَمُودُ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿141﴾
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَـٰلِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿142﴾
إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌۭ ﴿143﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿144﴾
وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿145﴾
أَتُتْرَكُونَ فِى مَا هَـٰهُنَآ ءَامِنِينَ ﴿146﴾
فِى جَنَّـٰتٍۢ وَعُيُونٍۢ ﴿147﴾
وَزُرُوعٍۢ وَنَخْلٍۢ طَلْعُهَا هَضِيمٌۭ ﴿148﴾
وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًۭا فَـٰرِهِينَ ﴿149﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿150﴾
وَلَا تُطِيعُوٓا۟ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ ﴿151﴾
ٱلَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ ﴿152﴾
قَالُوٓا۟ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ ﴿153﴾
مَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٌۭ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِـَٔايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿154﴾
قَالَ هَـٰذِهِۦ نَاقَةٌۭ لَّهَا شِرْبٌۭ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍۢ مَّعْلُومٍۢ ﴿155﴾
وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٍۢ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍۢ ﴿156﴾
فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا۟ نَـٰدِمِينَ ﴿157﴾
فَأَخَذَهُمُ ٱلْعَذَابُ ۗ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿158﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿159﴾
كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿160﴾
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿161﴾
إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌۭ ﴿162﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿163﴾
وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿164﴾
أَتَأْتُونَ ٱلذُّكْرَانَ مِنَ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿165﴾
وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَٰجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴿166﴾
﴿... بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ "بل" للإضراب، بمعنى: كلمة الإضراب التي تأتي في اللغة على لسان علماء اللغه والنحويين معناها أنك تتكلم في موضع ثم تنتقل منه إلى موضوع آخر قد يكون أهم، أو أشد، أو أخطر، أو تريد التأكيد عليه ، لامهم، ووبخهم، وقرّعهم على ما فعلوا ثم أعرض عن هذا التوبيخ إلى توبيخ أشد فقال: ﴿ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴾ أي تجاوزتم الحدود، وتعديتم كل حد، وفعلتم مالا يتفق مع منطق سليم، فعلتم ما يتورع الحيوان أن يأتيه، خرجتم عن حدود الإنسانية ماذا كان الرد على هذا المنطق، الطهارة، النظافة؟
قَالُوا۟ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَـٰلُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُخْرَجِينَ ﴿167﴾
قَالَ إِنِّى لِعَمَلِكُم مِّنَ ٱلْقَالِينَ ﴿168﴾
رَبِّ نَجِّنِى وَأَهْلِى مِمَّا يَعْمَلُونَ ﴿169﴾
فَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُۥٓ أَجْمَعِينَ ﴿170﴾
إِلَّا عَجُوزًۭا فِى ٱلْغَـٰبِرِينَ ﴿171﴾
ثُمَّ دَمَّرْنَا ٱلْـَٔاخَرِينَ ﴿172﴾
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِم مَّطَرًۭا ۖ فَسَآءَ مَطَرُ ٱلْمُنذَرِينَ ﴿173﴾
إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿174﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿175﴾
كَذَّبَ أَصْحَـٰبُ لْـَٔيْكَةِ ٱلْمُرْسَلِينَ ﴿176﴾
إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿177﴾
إِنِّى لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌۭ ﴿178﴾
فَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿179﴾
وَمَآ أَسْـَٔلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿180﴾
أَوْفُوا۟ ٱلْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا۟ مِنَ ٱلْمُخْسِرِينَ ﴿181﴾
وَزِنُوا۟ بِٱلْقِسْطَاسِ ٱلْمُسْتَقِيمِ ﴿182﴾
وَلَا تَبْخَسُوا۟ ٱلنَّاسَ أَشْيَآءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا۟ فِى ٱلْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴿183﴾
وَٱتَّقُوا۟ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ وَٱلْجِبِلَّةَ ٱلْأَوَّلِينَ ﴿184﴾
قَالُوٓا۟ إِنَّمَآ أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ ﴿185﴾
وَمَآ أَنتَ إِلَّا بَشَرٌۭ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ ٱلْكَـٰذِبِينَ ﴿186﴾
فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفًۭا مِّنَ ٱلسَّمَآءِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ ﴿187﴾
قَالَ رَبِّىٓ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴿188﴾
فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذَابُ يَوْمِ ٱلظُّلَّةِ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿189﴾
إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَةًۭ ۖ وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ ﴿190﴾
وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴿191﴾
الملاحظة الأخرى: إن في ذلك لآية تكررت، إذا ً آيات الله عديدة، والعبر كثيرة، والدلائل واضحة، تكررت الآية بعد القصص السبع ليكون هذا الكلام والتكرار أشد تنبيهًا لأولي العقول والأبصار، ولكي يتنبه الكل، ويفهم، ويحدث الاعتبار، الأمر الملاحظ أيضا: وما كان أكثرهم مؤمنين؛ كلمة أكثرهم تلفت النظر لم يقل وما كانوا مؤمنين، قال وما كان أكثرهم، ترى لو كان أكثرهم مؤمنين أكان يحدث ما حدث ، إذا ً حين نزل العذاب ونزل الهلاك، نزل لأن الكثرة كافرة والقلة مؤمنة، ولكن لو تساوى المؤمنون مع الكفار؛ فكان شطر الأمة كافر، وشطر الأمة مؤمن ما نزل العذاب والهلاك، وإنما نزل العذاب والهلاك لأن الغالبية كانت على الكفر، وكأن الله يفسر ويبين وينبه للاعتبار، ويخطر حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أن تركه لقريش وعدم إنزال العذاب ببركة من آمن منهم، آمن به الفقراء والعبيد والإماء هؤلاء بركة إيمانهم منعت العذاب عن قريش، وأن الأمة إذا كثر فيها الخبث وغلب استحقت الهلاك والدمار. وما كان أكثرهم مؤمنين يبين لك لطف الله، يبين لك رحمة الله (عز وجل) أن الغالب كفر فاستحقوا العذاب، ها نحن الآن، هاهو الفساد قادم من كل مكان، هاهو القتل الذي نبأنا به النبي الهرج والهرج، القتل الكثير، القتل بلا سبب، المخدرات، العنف، انعدام الحياء، الفساد جاء على عجل وهو قادم من جميع الاتجاهات ولا نجاة إلابطريق واحد؛ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ إياكم أن تسكتوا عن هذا؛ ﴿لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله بعذابٍ من عنده﴾، وقال تعالى:﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ [سورة الأعراف آية: ١٦٥] ، النجاة هى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أما إذا امتنعت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ هلكت مع من هلك وأُخذت بما أخذوا به مهما امتنعت عن فعله لأنك كنت ساكتا وراضيا، هاهو رب العزة ينسب العقر إلى قوم صالح جميعًا فيقول: ﴿فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ﴾؛ لأنه لم يجد من ينهي عن العقر، لم يجد من يمنعه ويضرب على يديه، لذا قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ﴿ انصر أخاك ظالماً أو مظلومًا، قالوا يا رسول الله ننصره وهو مظلوم فكيف ننصره وهو ظالم، قال أن تضرب على يديه﴾ أي تمنعه عن ظلمه.
ما قص علينا من قصص السابقين من سورة الشعراء حق وصدق، لا يتأتى للنبي (صلى الله عليه وسلم) أن يعلمه بغير وحي، من أين علم أخبار هؤلاء الأقوام؟ وكيف علم أخبار رسلهم وما حاق بمكذبيهم؟ من هنا تختتم سورة الشعراء بآيات تدلل على أن هذا القرآن من عند الله (عز وجل)، وأنه حق وصدق، وتؤكد على صدق النبي، وتؤكد أيضا على النتائج التي تحدث نتيجه إرسال الرسل فهناك من يؤمن وهناك من يكفر، وترد على مزاعم كفار مكه حيث زعموا تارة أن له قرينا من الجن يلقيه ويلقّنه، وزعموا تارة أنه شاعر، فقدحوا في المعنى، وقدحوا في اللفظ، قدح في المعنى بأن الذي تنزلت به الشياطين، وقدحوا في اللفظ بأنه كلام من قبيل الشعر فجاءت الردود المفحمة، وسبحان الله ما أحلمه وما أكرمه يقول عز من قائل: