سورة إبراهيم

مقدمة‬‬
‫لقاؤنا مع سورة إبراهيم سورة مكية سُميت بهذا الإسم تمجيدا ً وتخليدا ً لمآثر أبي الأنبياء وإمام الحنفاء الذي جاء بالحنيفية السمحاء المسلم الذي كان حنيفا وما كان من المشركين سُميت السورة بإسمة تخليدا ً لمآثر وسوْقا ً لبعض دعائة الذي ما يقرأه مسلم إلا ويشعر بالقرب من الله سورة إبراهيم سورة مكية تهتم بأصول العقيدة الإيمان بالله بالإيمان بالرسل الإيمان بالبعث والجزاء السورة تسوق لنا بيانا لدعوة الرسل توضح أن دعوتهم واحدة وهدفهم واحد وإن إختلفوا في الفروع توضح السورة ما يدور بين الرسل وأقوامهم وكيف رد الرسل دعوة أنبيائهم وكأنهم قد أوصى بعضهم بعضا بالكفر تسوق قيسا ً من قصة موسى ودعوته لقومه وتسوق خبرا من قصص الأمم المكذبة قوم نوح قوم هود قوم صالح تضرب مثلا ً لكلمة الإيمان ومثلا للكلمة السيئة تضرب مثلا لكلمة الإيمان بشجرة طيبه وتضرب مثلا لكلمة خبيثة بل وتصوّر لنا السورة مشهدا ً من مشاهد يوم القيامة وكيف تبرأ الأتباع من المتبوعين وتبرأ المتبوعون من الأتباع وكيف تلاوموا حيث لا ينفع اللوم ولا ينفع الندم بل وتسوق السورة وتحكي عن تبرأ الشيطان من كفر الكافرين وتبرأ الشيطان من سيطرته على أحد ولم يكن تصرفه وسلوكه إلا دعوه وهم المسئولون عن إجابة دعوته تبين السورة مصير المؤمن ومصير الكافر تُعني بالعقيدة أيّما إعتناء وتُفتتح السورة بلُغز بسر بحروف مقطعه‬‬

الٓر ۚ كِتَـٰبٌ أَنزَلْنَـٰهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَٰطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ ﴿1﴾
‫﴿الر﴾ حروف مقطعه وكما قلنا هي سر الله فلا تطلبوه ولكل كتاب سر وسره في القرآن فواتح السور وهي من المتشابهات التي إنفرد سبحانه وتعالى بعلم المراد منها ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ﴾ تقدير الكلام "هو كتاب أنزلناه إليك" إذا ً فهو وحي من الله إذا ً هو كلام الله لم يأت به محمد (صلى الله عليه وسلم) من تلقاء نفسه وسُمي بما يؤول أمره كتاب ولم يكن قد صار كتابا بعد دليل على صدق النبي (صلى الله عليه وسلم) ﴿لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِم) وهنا لفته "الظلمات" جمع "النور" مفرد اللإشعار بأن الكفر له طرق وأن الإيمان طريق واحد لا إعوجاج فيه الكفر له طرق وسبل أما الإيمان فهو طريق واحد كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من ظلمات الكفر والجهل والشرك والشك والشقاق والنفاق بما تتلوه عليهم وبما تضّمنه هذا الكتاب من عقيدة التوحيد وغيرها إلى النور إلى الإيمان إلى التصديق إلى الرحمة والرضوان ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ إذ لا يملك محمد (صلى الله عليه وسلم) أن يهدي من يحب بل الهداية بأمر الله إراداته بإذنه وتوفيقه بلطفه وعنايته ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ صراط‫:‬ طريق – مفرد- طريق الله ونُسب الطريق وأُضيف إلى الله عز وجل لأنه الدالّ عليه لأن الطريق يؤدي إلى رضوانه ورحمته إلى صراط الله العزيز الحميد العزيز‫:‬ الغالب المنيع في ملكه وسلطانه العزيز‫:‬ الذي لا شبيه له ولا مثيل العزيز‫:‬ الغالب القوي القاهر الحميد‫:‬ المحمود بكل لسان الممجد في كل مكان‬‬‬‬‬‬‬
ٱللَّهِ ٱلَّذِى لَهُۥ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَمَا فِى ٱلْأَرْضِ ۗ وَوَيْلٌۭ لِّلْكَـٰفِرِينَ مِنْ عَذَابٍۢ شَدِيدٍ ﴿2﴾ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلْـَٔاخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ فِى ضَلَـٰلٍۭ بَعِيدٍۢ ﴿3﴾
‫﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ﴾ ﴿الله ُ﴾ قراءتان بالرفع على الإستئناف (هو الله ُ) ﴿اللهِ﴾ نعت للعزيز الحميد ﴿إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ ﴿اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ قراءه بالخفض وقراءه بالرفع وهناك من رفَع إذا وقف وخفض إذا وصل ﴿اللَّهِ﴾ تعريف للعزيز الحميد تعريف لمن رسم لنا الصراط تعريف لمن طلب لنا الهداية وتلطّف بنا فأرسل إلينا رسولا بلساننا وأنزل كتابا فيه هُدانا وفيه سعادتنا دنيا وأخرى الذي له ما في السموات وما في الأرض خلقا واختراعا ً وملِكا ً وتدبيرا ً وتصريفا ً أوجدهما على غير مثال سبق ﴿وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾ كلمة ﴿وَوَيْلٌ﴾ كلمة توعد وعيد بالهلكة وقيل ﴿وَوَيْلٌ﴾ إسم لواد في جهنم والأرجح أنها كلمة تهديد ووعيد وكأن الله يتوعد الذين رفضوا الخروج من الظلمات إلى النور وأبوْا أن يستجيبوا لدعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) ويل لهم من عذاب شديد ثم يأتي الوصف لهؤلاء كيف ولِم أبوْا أن يخرجوا من الظلمات إلى النور ولِمَ إختاروا الكفر؟ من هم؟ ما وصفهم؟ ﴿الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ﴾ يختارونها والسين والتاء تفيدان الطلب كأن جُل سعيهم لتحصيل الدنيا والإستمتاع بلذائذها ونعيمها الذائل يؤثرون الحياة الدنيا على الآخره ويحصلون على ما فيها من غير وجهه بالفساد والإفساد بالفسق والفجور بالرشوة والسرقة والنهب والسلب الدنيا هي جل همهم وكل إهتمامهم لا يفكرون في الآخره ولا يفكرون في يوم القيامة ولا يفكرون فيما عند الله بل هم ينظرون إلى تحت أقدامهم ﴿وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ يمنعون الناس عن الإيمان عن الإيمان ويصدون أنفسهم ويصدون غيرهم ويعوّقونهم عن المسيرة في صراط الله وإلى طريق الله والصد أنواع منه إتهام الرسل بالكذب منه تسفيه دعوة الرسل منه الإستهزاء بكلام الله منه إنكار وجود الله منه بعثة الرسل وإنكار البعث ومنه أيضا الإلهاء اللعب واللهو الدعوه إلى الإستمتاع بالدنيا الدعوة إلى السهر في المعاصي والسهر في الفجور وإبراز ما يغضب الله ورسوله هؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله دعاه على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها ألا ترى إلى الشاب جاء يسمع الذكر وخرج وقد إمتلأ قلبه بالإيمان واليقين وعزم على الطاعة وإذا به يرى عكس ذلك وإذا به يرى لهوا ً ولعبا ً ويسمع ما من خطوة يخطوها إلا ويحد الدعاه إلى الفسق الدعاه إلى التحرر الدعاه إلى التقدم الدعاه إلى وإلى ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ البغاء‫:‬ شدة الطلب إذا ً فهُم يطلبون لطريق الله الإعوجاج الميل عن الحق العِوج في الرأي في الدين في الأرض العَوج بفتح العين في كل ما هو قائم كالجدار كالشجرة كالرمح‫:‬ يبغون يطلبون أشد الطلب ويحادون أن تعوج سبيل الله و "السبيل" يُذكر ويؤنث يبغونها عوجا ً لتوافق أهواءهم وتوافق أغراضهم وليحصلوا بذلك على إجتياجاتهم منهم الأئمة المضلون الذي جاء ذكراهم في قول النبي (صلى الله عليه وسلم) (أخوف ما أخاف على أمتي الأئمة المضلون) الذين يرضون أهل الحكم والسلطان فيغيرون المعاني ويلتوون بالآيات عن مقاصدها هذه الآية لابد وأن تتأمل فيها فالكفر درجات والصد درجات وابتغاء العوج لطريق الله أنواع وألوان وتسميه اللإسماء بغير مسمياتها فيسمي بإسم الفن ويُسمي العِرْي باسم الفن وهكذا هذا نوعان العوج المراد أن يكون الإمام أو العالم مستنيرا ً فيتساهل في حدود الله ويتساهل في شرع الله ويتلاءم مع هؤلاء الدعاه على أبواب جهنم الذين يدعون الناس إلى التحرر وحرية الفكر وحرية الرأي والطعن في الشرع والطعن في سنة سيد الأنام كل ذلك تحت مسمى التنوير أو الإستناره أو حرية الفكر وحرية الرأي وكلكم يعلم ويقرأ ويرى ويشاهد ونحن ونقول لتبرئة الزمه حتى لاتُسأل لم سكتنا عن الحق ﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾‬‬‬‬
‫وتأتي آية ترد على مشركي مكه وتبين أن دعوة الرسل واحده واللغه تختلف بحسب العصر بحسب الزمان وتبين رحمة الله عز وجل فيقول عز من قائل‫:‬‬‬‬
وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِۦ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ ۖ فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِى مَن يَشَآءُ ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ ﴿4﴾
‫﴿بِلِسَانِ﴾ هنا إسم جنس لذا جيء به مفردا ﴿بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ بلغتهم ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ يفهموا عنه يفقهوا عنه يعرفوا عنه يصبح الكلام واضحا مفهوما يكلمهم بلغتهم لا بلغه لا يفهمونها ثم بعد أن يفهموها عليهم أن يترجموها لمن لا يعرف لسانهم وذاك وظيفة الدعاء ﴿فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ كلمة ﴿فَيُضِلُّ﴾ ليست معطوفة لأن الرسل جاءت لتبين ولم تجيء اللإضلال والكلمة مرفوعه إستئنافا ﴿فَيُضِلُّ﴾ هذا الكلام اللإشعار بأن الرسل عليهم الدعوه فقط ما عليهم إلا البلاغ أما الهداية والإضلال فذاك بيد الله عز وجل ومشيئتة فيضل من يشاء إضلاله لاستحقاقه ذلك ويهدي من يشاء ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ العزيز في مُلكه الحكيم في صنعه وتأتي قصة موسى ( عليه السلام ) سيدنا موسى من أولي العزم وجاءت قصتة مع قومه في أكثر من موضع بأساليب متنوعه متعدده لإضافة أشياء وتَسوق القصة على حلقات حتى لايمل السامع والإعجاز حيث طُلب من المشركين أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو بمثل سورة فلم يقدروا فجاءهم بقصة وتحداهم فعجزوا فجاء بنفس القصة بأسلوب آخر ثم جاء بها بأسلوب ثالث إذا ً القادر على المجيء بأساليب متعددة مع عدم الخروج عن الأصل والمعنى هو الله‬‬
وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَـٰتِنَآ أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ ٱلظُّلُمَـٰتِ إِلَى ٱلنُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّىٰمِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ فِى ذَٰلِكَ لَـَٔايَـٰتٍۢ لِّكُلِّ صَبَّارٍۢ شَكُورٍۢ ﴿5﴾
وهنا لفته قد تغيب عن كثير واسمع ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ إذا وظيفة الرسل دعوة الأقوام لإخراجهم من الظلمات إلى النور كل رسول يدعو قومه هذا الكلام بالنسبة إلى موسى وارجع إلى الوراء قليلا واسمع لخطاب سيد الأنام (صلى الله عليه وسلم) ولم يقل "لتخرج قومك" كما قال لموسى لأن موسى أُرسل إلى قومه أما سيد الخلق فقد أُرسل للناس كافة وانتبه والله لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه إختلاف كثيرا ما ترى في القرآن من حرف إلا وتحته بحور من الصدق والحق والعلم ﴿أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ﴾ الدعوة واحدة لكن هذا لقومه وهذا للبشر كافة ولذا قال سيد الخلق (صلى الله عليه وسلم) فيما رواه عنه الإمام مسلم (والذي نفسه بيده ما يسمع بي أحد من هذه الأمه يهودي أو نصراني ثم لا يؤمن بالذي أُرسلت به إلا كان من أصحاب النار) ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ المعجزات – تسع معجزات – اليد والعصا الجراد الطوفان القُمّل الضفادع الدم السنين النقص من الحرث تسع آيات المعجزات الدالة على صدق ﴿أَنْ أَخْرِجْ﴾ أي بأن أخرج وقيل أي أخرِج ﴿أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ يالها من رحمة دعوة فيها الرحمة وفيها الحِلْم أيام الله وقائعه أيام الله الأحداث بما فيها من رخاء وبلاء بما فيها من شدة بما فيها من محنة بما فيها من نعمة "بِأَيَّامِ اللَّهِ" تطلق على الأحداث وتُطلق على الوقائع التي حدثت في الأمم السابقة وقال البعض ﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾ أي بنعم الله ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ في التذكير بأيام الله ﴿لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ والآية ملعنه في التذكير بآيات الله دلائل لمن؟ كل من سمع عن الأمم السابقة كيف منّ الله عليهم كيف وسّع عليهم ﴿أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ(١٢٨)وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(١٢٩)﴾ [سورة الشعراء آية‫:‬ ١٢٨- ١٢٩] ﴿أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ(١٤٦)فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(١٤٧)وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ(١٤٨)﴾ [سورة الشعراء آية‫:‬ ١٤٦- ١٤٨] كيف منّ الله عليهم كيف وسّع عليهم كيف أعطاهم بسطه في الخلق بسطه في الرزق ثم كيف أخذهم إذا سمعت ذاك عبره عظة لمن؟ ﴿لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ﴾ تُرى هل الإتيان بهذين اللفظين اللإشعار بأن الإيمان نصفان‫:‬ نصف صبر ونصف شكر وأن من إستمع واعتبر وإتعظ لابد وأن يعلم أن الإيمان صبر وشكر صبر على البلاء وشكر على الرخاء أهي كذلك؟ هذه اللفته اللإشعار بهذا؟ ما هو الصبر؟ وما هو الشكر؟ الصبر‫:‬ حبس لنفس على ما تقضيه العقل والشرع فعلا ً أو ترْكا ً فصبر على الطاعه وصبر عن المعصية وصبر على النعمة وصبر على البليّه أما الشكر من أصل الكلمة شكرت الناقة وشكرت البئر فهو عرفان الإحسان ونشره الشكر أن تعرف النعمة وأن ترى النعمة فلا تحجبك عن رؤية المنعم فتعرف أن ماسبق إليك من خير السائق له هو الله والمتفضل به هو الله فلا تستخدمه في معصيتة أو محاربتة بل نصرف النعمه في طاعة الله وشكره ذاك هو الشكر‬‬‬‬‬‬
وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ٱذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَىٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوٓءَ ٱلْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَآءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَآءَكُمْ ۚ وَفِى ذَٰلِكُم بَلَآءٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌۭ ﴿6﴾
‫﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ﴾ حكاية عن قول موسى حكاية عن تذكيره لقومه بأيام اله ماذا قال؟ وكيف يكون التذكير؟ وكيف تكون الدعوه إلى الله؟ كيف تكون الدعوه إلى الناس لتعليمهم أن الإيمان نصفان صبر شكر ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ في سورة البقرة ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ(٤٩)﴾ [سورة البقرة آية‫:‬ ٤٩] وفي سوره الأعراف ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ(١٤١)﴾ [سورة الأعراف آية‫:‬ ١٤١] وهنا جاء بالواو ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ إذا ً فهناك تفسير ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ ماهو؟ ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ و ﴿يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ أما هنا فلأنه يذكّر بأيام الله جاء بجميع أنواع ما ذاقة بنو إسرائيل من بلاء فقد كان فرعون يسومهم سوء العذاب أنواع وألوان من السخرة ومن الجلد ومن الحبس ومن الإذلال ومن الإستعباد بالإضافة للتذيح إذا ً فهو لون من ألوان العذاب المختلف ﴿يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ وكذلك ﴿وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ﴾ وقيل أن فرعون كان يفعل ذلك لأن الكهنة أخبروه أن ملكه يزول يد وليد من بني إسرائيل ﴿يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ﴾ يبقون على النساء إذا ولدت المرأه صبيا ذبحوه وإن ولدت صبية إستبقوها للخدمة ﴿وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ﴾ كيف؟ من الذي سامهم سوء العذاب؟ فرعون من الذي ذبحّ أبناءهم؟ فرعون من الذي إستحيا نساءهم؟ فرعون لكنه بلاء من الله لأن الله عز وجل هو الذي أقدر فرعون على ذلك وهو الذي جعلهم تحت سلطانه وهو الذي بحلمة أملى لفرعون ففعل ما فعل فكان البلاء من الله فسبحانه هو الفعال لما يريد ولا يقع في ملكه إلا ما يريد فهو الفعال الذي أقدر فرعون على ذلك بلاء‫.‬ إحسان بلاء قد يشار به إلى نعمة الإنجاء‬‬‬‬‬
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌۭ ﴿7﴾
أهو من قول الله عز وجل أم هو حكاية عن إستكمال قول موسى لقومه؟ قد .. وقد .. إما هو قول موسى عن قوله ولا زال موسى يتكلم وإما هو إستئناف واستفتاح كلام من الله ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ﴾ تأذن‫:‬ أعلم إعلاما لا تبقى معه شبهة أذّن‫:‬ أعلم تأذّن‫:‬ أعلم إعلاما واضحا لاشبهة فيه ولا شك فيه ولا يبقى معه شك ولا شبهة لأن الصيغة صيغة تفعّل كأن وعد وتوّعد ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ إذا ً فالآية أصل في أن الشكر سبب للمزيد فما من نعمة أنت فيها عرفت حقها وعرفت مصدرها وسلّمت لله بفضله واستخدمنها في طاعته ولم تستخدمها في معصيته لابد وأن تُحفظ ولا بد وأن تزيد ذاك وعد الصادق وعد الله ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ وصياغة الكلام لغويا صيغة مؤكده ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾ جحدتم بالنعم استخدمتم النعمة في غير ما منحتموها إستخدمتم النعم في معصية الله ومحاربته كمن يستخدم المال في المعصية والفجور وبذ المال ونثره على الراقصات أو على الشكر والعربده كمن تستخدم جمالها في العرى وفي فتنه الشباب إذا ً فهؤلاء إستخدموا النعمه في غير ما خُلقت لها بل واعتبروا أنهم أحقّاء لهذه النعمة كقول قارون ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [سورة القصص آية‫:‬ ٨٧] ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ ياله من تعبير وبالرحمة الله ويالكرمه وتأمل واسمع الكلام بأسلوب بشرى تقديره (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم لأعذبنكم) هنا مصدرها وسلّمت لله بفضله واستخدمنها في طاعته ولم نستخدمها في معصيته لابد وأن تُحفظ ولابد وأن تزيد ذاك وعد الصادق وعد الله ﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾ وصياغة الكلام لغويا صيغه مؤكده ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ﴾ جحدتم بالنعم استخدمتم النعمه في غير ما منحتموها إستخدمتم النعم في معصية الله ومحاربته كمن يستخدم المال في المصيبة والفجور وبذر المال ونثره على الراقصات أو على الشكر والعربدة كمن تستخدم جمالها في العرى وفي فتنة الشباب إذا ً فهؤلاء إستخدموا النعمه في غير ما خُلقت لها بل واعتبروا أنفسهم أحقّاء بهذه النعمة كقول قارون ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾ [سورة القصص آية‫:‬ ٧٨] ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ ياله من تعبير ويالرحمة الله ويالكرمه وتأمل واسمع الكلام بأسلوب بشري تقديرة (لئن شكرتم لأزيدنكم ولئن كفرتم لأعذبنكم) هذا هو سياق الكلام لكنه لم يفعل لأنه الله من كرمه وفضله وعزته وجلاله إذا جاء بالوعد صرح وإذا جاء بالوعيد عرّض تصريح بالوعد (لئن شكرتم لأزيدنكم) كلام واضح صريح ﴿وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾ قد يصيبهم وقد لا تعريض بالكلام كرم رحمة الله أكرم الأكرمين ما يأتي الوعد إلا تصريحا ولا يأتي الوعيد إلا تعريضا ﴿وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا﴾ [سورة الأعراف آية‫:‬ ٤٤] ﴿فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا ﴾ للكفار مذهل في كل موضع لايأتي الوعد إلا تصريحا ولا يأتي الوعيد إلا تلميحا قال تعالى‫:‬ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وَقَالَ مُوسَىٰٓ إِن تَكْفُرُوٓا۟ أَنتُمْ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ جَمِيعًۭا فَإِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ حَمِيدٌ ﴿8﴾
إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا من إنس وجن وكل مخلوق على الأرض كفر هل ينقص من ملكه شيئا؟ هل لو آمن الكل يزيد ملكه شيئا كان ولم يكن شيء إن الله لغني عن شكر الشاكرين حميد محمود في ذاته ألا ترى الذرات؟! ألا ترى الكون؟! ألا ترى ما تراه في كل آن وحين من تفتح زهره كيف يفوح العبير من أين أتى؟ أرض تراب طين وماء عود أخضر ورق أصفر زهره حمراء زهره صفراء زهره خضراء كل ذلك بماء واحد بأرض واحده فمن أين أتى العبير؟ من أين أتت رائحه الزهور؟ كيف؟ أهي تسبيح ما من شيء إلا يسبح بحمده فإن كفرتم أنتم ومن في الأرض جمعيا فإن الله غني عنكم وغني عن شكركم حميد محمود بذاته يحمده جميع مخلوقاته ثم يأتي بعد ذلك التخويف والتذكير بأيام الله في الأمم السابقة يذكّر موسى قومه أو هو من كلام الله عز وجل إبتداء فإما هو من قول الله وإما حكاية عن قول موسى لقومه‬‬
أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍۢ وَعَادٍۢ وَثَمُودَ ۛ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَـٰتِ فَرَدُّوٓا۟ أَيْدِيَهُمْ فِىٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوٓا۟ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِى شَكٍّۢ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍۢ ﴿9﴾
‫﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾ أيام الله في هؤلاء كيف كانت وقائع الله معهم كيف كانت دعوة الرسل دعوة واحده وهدفهم واحد وإن إختلفوا في الفروع ﴿جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالمعجزات بالدلائل بالبراهين على صدقهم في بعض الكتب تجد أنساب الناس من لدن آدم وتجد شجرة تباع يقال لها شجرة الأنبياء آدم ويتفرع منه الذرية بالأسماء وتجد أن النسابين كتبوا وقالوا وكذب النسابون وكل ذلك لا أصل له لأن الله يقول ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ﴾ لايعلمهم إلا الله إذا فكل ما جاء في الكتب والصور وما إلى ذلك من شجره الأنبياء وغيرها كل ذلك لا أصل له كل هؤلاء جاءوا بالبينات جاءوا بالمعجزات الداله على صدقهم كل رسول بلسان قومه يعرفون نسبة يعرفون خلقه يعرفون أصله لا يطلب منهم أجرا ً دعوة واحدة ماذا قال الكفار؟ ماذا فعلوا؟ ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ﴾ والآية تحتمل أكثر من معنى إما هي تمثيل بمعنى الأيدي الأيادي‫.‬ النِعَم فالأيادي تُطلق على النعم لأن الإحسان يقدم باليد ﴿فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ﴾ أي نِعَم الرسل يتبين الحق ومحاوله إخراجهم من الظلمات إلى النور ردوها إلى الأفواه أي ردوا النعم من حيث خرجت لأن النعمة من أفواه الرسل حين قالوا لا إله إلا الله فحين لا تُقبل كأنهم ردوا النعمه من حيث صدرت ذاك معنى لكن الألفاظ إذا أُخذت على حقيقتها تحتمل‫:‬ قالت الرسل فاستهزأ بهم الكفار وضحكوا منهم ووضعوا أيديهم على أفواههم كمن يكتم الضحك إستهزاءا ً بقول الرسل ذاك معنى ردوا أيديهم في أفواههم بمعنى وضعوا أيديهم الكفار على أفواهمم إشارة للرسل أن اسكتوا كأنك تشير إلى شخص يريد أن يتكلم فتضع يدك على فمه كأنك تقول له أصمت اسكت لا تنطق بحرف ذاك معنى ثالث وأكثر من ذلك يجيء الرسول قيتكلم فيأخذوا أيدي الرسل بأنفسهم ووضعوها على أفواه الرسل كل ذلك تحتمله اللغه ووضع الألفاظ ﴿وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أي بما جئتم به من وحي ومن ومن ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ الريبة‫:‬ قلق النفس وإضطراب النفس وعدم الإطمئنان إلى الشيء والشك ضد اليقين والشك أن يتراوح الأمر بين الإيجاب وبين النفي بين الحدوث وبين عدم الحدوث بين التصديق وبين التكذيب (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) شك شديد جدا ً يوقع في الريبة والقلق والإضطراب وهنا نسمع رد الرسل الحكمه تتكلم‬‬‬‬‬
قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِى ٱللَّهِ شَكٌّۭ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّۭى ۚ قَالُوٓا۟ إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌۭ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَـٰنٍۢ مُّبِينٍۢ ﴿10﴾
الكفار يقولون ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ ماذا كانت دعوة الرسل؟ لا إله إلا الله‫.‬ تلك دعوة الرسل ذاك أصل الأديان من هنا جاء رد الرسل واضحا جلّيا ً إستفهام فيه الإنكار فيه التوبيخ ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ﴾ هل يعقل أن يشك أحد في وجود الله؟! من الذي خلق السماء بلا عمد؟ من الذي جاء بالشمس من المشرق؟ من الذي جعل القمر يبزغ ويتنقل في منازله من التمام إلى المحاق؟ من الذي أخرج النبات؟ من الذي أجرى الأنهار؟ من الذي أرسى الجبال؟ من الذي أنزل من السماء ماءا ً فأحيا به الأرض من بعد موتها؟ أفي الله شك؟ ثم يأتي الدليل الدامغ على أنه لا شك في وجود الله مطلقا ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ الفاطر‫:‬ المبدع المخترع على غير مثال سبق دون مثال أو دون إحتذاء مثال سبق المبدع‫:‬ المخترع للسموات والأرض وما فيهما من جبال وكمال على أحكم نظام أرأيتم في خلقه خللا ً أرأيتم السماء أرأريتم السحاب أرأيتم البحار أرأيتم الأنهار أرأيتم السنن الكونية أرأيتم هذا الخلق الذي جاء من العدم والفطر في الأصل‫:‬ الشق وكأن الله شق العدم فأخرج منه الوجود على أحكم نظام وأمثله وأعظمه وأجمله ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ذاك أول رد والرد التالي أغرب وأعجب ﴿يَدْعُوكُمْ﴾ يدعوكم لأي شيء؟ هل كلفكم ما تطيقون؟ هل طلب منكم أن ترزقوه؟ هل طلب منكم شيئا هو محتاج إليه؟ واسمع للرحمة السابقة والنعمة الشاملة ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ﴾ لا إله إلا الله ما من رسول إلا وبُعث بلسان قومه وما من رسول إلا وجاء معه بمعجزه تدل على صدقة تتلاءم مع عصره وتتناسب مع قومه ولكن رد الكفار واحد في جميع الأزمنه والعصور وكما حكت لنا الآيات من سورة إبراهيم حوارا ً بين الرسل وأقوامهم وكيف كان منطق الرسل واضحا ً جليا ً صادقا وكيف كان حوار الكفار عاتيا جبارا ً باطلا متحديا ًشكوا في بعثة رسلهم واستهزأوا بهم وردوا أيديهم في أفواههم وقالوها صراحة أعلنوا كفرهم صراحة وأعلنوا شكّهم بتبجح ومع ذلك حلم الرسل إستنكروا عليهم ذلك قائلين لهم (أَفِي اللَّهِ شَكٌّ) فهل يعقل أن يشك في وجوده أرأيت الرياح كيف سخرت! أرأيت البحار أرأيت الأنهار! أرأيت البهائم كيف وكيف؟ في كل ما تجد في هذا الوجود دليل على وجود المدبر الخالق المهيمن ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ابتدعهما وخلقهما دون إختذاء مثال سابق ما هي الدعوة؟ دعوة كلها رحمة كلها حنان ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ كأنه أعطاهم الأمان دنيا وأخرى ﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ إذا ً فالمغفرة بدلا من الذنوب والرحمة بدلا من العذاب ﴿وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ إلى نهاية أعماركم فلا يعذبكم في الدنيا إذا ً فالتأخير إلى الأجل المسمى يشعر بالأمان وبعدم العذاب وبعدم الحساب تلك كانت دعوة ﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾ وكما قلنا من قبل "من" للتبعيض أو هي للبدل – أن المغفره بدلا من الذنوب – أو هي للبيان وقال البعض الآخر هي في خطاب الكفار في كل القرآن أما في خطاب المؤمنين فهي غير موجوده وكأن الإيمان والإسلام يجبّ ما قبله إلا المظالم فلا بد من رد الحقوق أما بالنسبة للمؤمن والمسلم فالمغفره مرتبطه بالطاعه واجتناب المعاصي ومنها رد الحقوق يبدوا ذلك والله تبارك وتعالى أعلم ففي كثير من حروف القرآن وكلماته وأسرار لا يعلمها إلا الله ماذا كان الرد؟ تركوا موضوع الإيمان لم يجادلوا في وجود الله ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ ذاك موضوع الكلام وانظر إلى الرد ﴿قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ رد بعيد كل البعد عن موضوع إتهموهم بأنهم بشر ﴿إِنْ أَنْتُمْ﴾ أي ما أنتم إلا بشر مثلنا كيف يكون الرسول من غير البشر؟ وكيف تفهمون منه؟ وكيف تفقهون عنه؟ لابد أن يكون الرسول إلى القوم من جنسهم يتكلم بلغتهم وبلسانهم لكنهم إعتراضوا عليهم وكأن الكلام يشعر بالدافع ألا وهو الحسد والحقد لماذا أنتم بشر مثلنا وطلبوا منهم الإتيان ببرهان ودليل على صدق دعوتهم أو على إستحقاقهم لهذا الفضل ﴿فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ السلطان‫:‬ الحجة الواضحة التي تتسلط على النفس فتجذبها إلى اليقين التسلط والسلاطة‫:‬ السيطره بالقهر معجزات الأنبياء لم تكف ما من نبي إلا وكانت له معجزه هؤلاء الرسل كانت لهم معجزات رفضوها وطلبوا آية أخرى وطلبوا سلطانا ً آخر على أهوائهم ﴿فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ﴾ حجة واضحة ظاهره تتسلط بقوتها على نفوسنا فنصدق‬‬‬‬‬‬‬‬
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌۭ مِّثْلُكُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۖ وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَـٰنٍ إِلَّا بِإِذْنِ ٱللَّهِ ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴿11﴾
‫﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ﴾ أقروا واعترفوا بالبشرية لكن هناك شيء آخر هو فضل الله هو أختصاص الله هو منّ الله وكرمه لذا قالوا ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ﴾ فالنبوة عطائيه والنبوة إختيار من الله واصطفاء من الله نحن بشر ونقرّ لكن النبوة جاءتنا بفضل الله ومنّه وكرمه أما مسألة السلطان ﴿وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ واللفظ لفظ الخبر ومعناه لنفي إذ لا يُخطر على أحد مالا يقدّر عليه فالظاهر من اللفظ الحظر والمراد النفي إذ لا يمكن لرسول أن يأتي بآية أو أن يقترح آية أو أن يأتي من نفسه بسلطان لكن الآيات والمعجزات من إختيار الله عز وجلّ وبحكمته ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ والتعبير بهذه الصيغة يشعر بالتعميم عموا وكان القياس إذ هم المتكلمون "وعلى الله توكلنا " لكنهم قالوا ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ إشعار بموجب التوكل ألا وهو الإيمان إذ إن الإيمان من ثمراته الأساسية التوكل فما من مؤمن إلا ويقوده إيمانه إلى التوكل على الله ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ والصيغة صيغة قصر لكنهم رغم التعميم قصدوا أنفسهم قصدا ً أوليا ً حيث قالوا بعد ذلك‬‬
وَمَا لَنَآ أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَىٰنَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَآ ءَاذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُتَوَكِّلُونَ ﴿12﴾
‫﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ﴾ كأنهم دخلوا دخلوا دخولا أولياء في قول ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ ونحن معهم فما يمنعنا من التوكل وأي شيء لنا في ترك التوكل ﴿وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ بيّن لنا طريقنا الذي يؤدي إلى رضوان الله ورحمته وينجي من سخطه ونقمته وكأن الهداية إلى طريق الله منّه ونعمه وسبق فضل يجعل من ذاق طعم الهدى يشعر بفضل الله وبنعمته واصطفائه واختياره فيوكل كل الأمور إليه أجلّ النعم أن تعرف الله أجلّ العلوم العلم بالله فإذا وجدت نفسك قد عرفت الله ووجدت نفسك قد هداك الله محض فضل منه وسبق إحسان منه فكيف لا تكل له أمورك في الدنيا وقد إختار لك السعاده والسلامه في الآخرة كيف؟ ذاك هو السؤال ﴿وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا﴾ قَسَم إجابه قَسَم محذوف وكأن التقدير‫:‬ والله لنصبرن على ما آذيتمونا على التكذيب والإيذاء وما إلى ذلك هذا الصبر نابع من التوكل فالبداية أن تعرف نعمة الله تبارك وتعالى عليك بأن هداك للإسلام ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ(١٧)﴾ [سورة الحجرات آية‫:‬ ١٧] ذاك منّ الله فإن عرفت ذلك من ثمرات الإيمان التوكل أن تفوّض الأمر إليه فإن فوّضت الأمر إليه وجاءك الإيذاء لابد وأن يكون من ثمرة التوكل الصبر لذا أقسموا عليه ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا﴾ ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾ صيغة قصر أخرى ومعناها الثبات على التوكل الذي وفقك الله إليه وهنا يكشف الطغيان عن وجهة القبيح ويعتز بجبروته وقوته المادية لا يحاور بالعقل ولا يناقش بالمنطق ولا يستمع للحجة ولا بقرع الحجة بالحجة وإنما يخرج عن وعيه ويكشف عن جبروته وطغيانه واسمع‬‬‬‬
وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِى مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰٓ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ ﴿13﴾ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ ٱلْأَرْضَ مِنۢ بَعْدِهِمْ ۚ ذَٰلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِى وَخَافَ وَعِيدِ ﴿14﴾
التأمل في الحوار بين الرسل والأقوام يقود إلى نتائج كثيرة وإلى معلومات غاية في الأهمية الرسل تتكلم بالمنطق الرسل تحاور بالحِلْم الرسل تدعو إلى السعادة تدعو إلى الرحمة تدعو إلى المغفره تدعو إلى الهداية تدعو إلى السعادة والنجاح أما الكفار فحجتهم ومناقشتهم باطله وانظر إلى حجتهم واسمع ﴿تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ هل أثبتوا أن عبادة الآباء كانت على حق؟ الرسل تقول ﴿أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ذاك هو الكلام ما هو الرد؟ تهامهم بالبشرية ثم إنها مهم بأمنهم يريدون أن يصدوهم عما كان يعبد آباؤهم ماذا كان يعبد الآباء؟ الأصنام الأوثان العجول البهائم الأحجار هل هناك سلطان؟ هل هناك حجه؟ هل هناك منطق؟ هل هناك حوار عقلي؟ مجرد إتهام وحين بطلت حجتهم وأقر الرسل ببشريتم وذكروا الله عز وجل وأقسموا على الصبر وتوكلوا على خالقهم الذي هداهم السبيل إستخلف لهم الكفار وخيروهم بين أمرين إما الخروج والنفي خارج الأوطان وإما العوده إلى ملة الآباء الباطله وأقسموا على ذلك ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ ذاك أول الخيارات قَسَم مؤكد ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ هل كانت الرسل على ملة الكفار حتى يعودوا إليها؟ هل كانوا على ملتهم فتركوها؟ ما من رسول إلا وهو مؤمن بالله من قبل أن يولد وما من رسول ولا نبي سجد لغير الله لأن الله إصطفاهم من الأزل لكن " لَتَعُودُنَّ " بمعنى الصيرورة – لتصيرُنَّ- أو الخطاب للجميع اللأنبياء وأتباعهم فغلّبوا الخطاب ﴿أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا﴾ الكلام عن أتباع الأنبياء الذين آمنوا وتركوا عبادة الأصنام ﴿فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ﴾ هنا إنتهى الحوار وأصبح الكلام لا طائل وراءه وتوعّد الكفار وأقسموا على إخراج الرسل وتشريدهم أو إعادتهم إلى الكفر قهرا ً وهنا أقسم الله تبارك وتعالى في وحية لرسله ﴿لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ "وليسكننكم" قراءة أخرى ﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ ذاك كان وحي الله تبارك وتعالى لرسله وأقسم على إهلاك الكفار وتعذيبهم في الدنيا ثم يكون مصيرهم إلى النار بل ووعد الأنبياء والمؤمنين بهم بأن يعمروا الأرض ويسكنوا الأرض كما فعل مع قوم موسى وأورثهم أرض فرعون وقومه "ذلك" ذلك الوعد وذلك الموحَى به ﴿لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ﴾ مقامي أي قيام العبد بين يدي الله عز وجل يوم القيامه للحساب وأضافه لنفسه لاختصاصه به أو "مقامي" بمعنى قيامي عليه ومراقبتي لأعماله أو قيامه بين يدي للحساب يوم القيامه ﴿وَخَافَ وَعِيدِ﴾ أي العذاب الموعود للكفار‬‬
وَٱسْتَفْتَحُوا۟ وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍۢ ﴿15﴾ مِّن وَرَآئِهِۦ جَهَنَّمُ وَيُسْقَىٰ مِن مَّآءٍۢ صَدِيدٍۢ ﴿16﴾ يَتَجَرَّعُهُۥ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُۥ وَيَأْتِيهِ ٱلْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍۢ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍۢ ۖ وَمِن وَرَآئِهِۦ عَذَابٌ غَلِيظٌۭ ﴿17﴾
الإستفتاح من الفتح وهو طلب النصر والفتح بمعنى النصر أو إستفتح طلب لحكم بينه وبين خصمه من الفتاحة والفتح‫:‬ وهو القضاء بين الخصوم أيضا من الذي إستفتح؟ من الذي طلب النصر؟ أو من الذي طلب الحكم؟ قيل الرسل وقيل بل الكفار الرسل كما جاء في قوله ﴿رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ﴾ [سورة الأعراف آية‫:‬ ٨٩] أو الكفار كما جاء في قوله ﴿وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [سورة الأنفال آية‫:‬ ٣٢] وقيل بل الكل قد إستفتح الرسل والكفار وذاك أرجح الأقوال لما جاء بعد ذلك ﴿وَاسْتَفْتَحُوا﴾ أي طلب الرسل الحكم بينهم وبين الكفار أقوامهم وطلب الكفار كذلك الحكم والفتح لأي الفريقين على الصواب ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ هذا التعبير يدل على أن الإستفتاح كان من الفريقين أي نجى الرسل ونجى المؤمنون والخيبة‫:‬ الرجوع دون أن تنال ما تريد ﴿وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ الجبار‫:‬ المتعظم في نفسه الذي يرى لنفسه منزله من التعالي لايستحقها المتكبّر على أقرانه العنيد‫:‬ المعاند المنصرف عن الحق المائل عن الصواب ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ كلمة ﴿وَرَائِهِ﴾ من الأضداد معنى "أمام" وتأتي بمعنى "خلف" وقيل كلمة ﴿وَرَائِهِ﴾ ليست من الأضداد ولكنها بمعنى الإستتار من توراى أي إستتر وجهنم مستترة من هنا قيل ﴿مِنْ وَرَائِهِ﴾ أي من وراء حياته من وراء هذه الدنيا أي من بعدها ﴿وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ الإضافة أو العطف على محذوف تقديره‫:‬ من ورائه جهنم يلقى فيها ما يلقى ويُسقى كذلك من ماء صديد الصديد في الأصل‫:‬ الماء الرقيق الذي يسيل من الجرح ويقال الصديد من الصد لأنك كرهته فتصد نفسك عنه أما هو مقصود بالماء الصديد هو غسالة أهل النار ما يسيل من جروح أهل النار ذاك هو شرابهم ﴿مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ﴾ يصف القرآن كيف يشرب الكافر في جهنم وماذا يشرب يشرب غسالة أهل النار ما يسيل من جروحهم وقروحهم وهي تختلف عن قروح الدنيا تختلف في المراره وفي البشاعه وفي الكراهه ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ الجرع‫:‬ البلع بشدة، البلع بكراهة عدم إنسياب الشراب بسهوله شرْبه يغص بها أي يقف في حلْقه (يتجرعه) لكراهته لحرارته لبشاعته لمرارته ﴿وَلَا يَكَادُ﴾ لا يقارب ﴿يُسِيغُهُ﴾ السوغ‫:‬ مرور الشراب في الحلق بسهوله ويسر وقبول نفس ﴿وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ﴾ لا يقارب أن يبتلع إذا ً فكأنه يشرب جرعه متأذيا كارها لا يمر في حلقه بسهوله يمر بصعوبه وبشده وقيل عن هذا الماء الكثير إذ بمجرد أن يصاب بالعطش الشديد يتمنى أن يشرب أن يشرب أي شيء من شدة العطش فإذا جيء بهذا الماء إليه وقرّبه سقط لحم وجهه من حرارته ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ﴾ كيف يأتي الموت من كل مكان؟ قالوا يأتيه الموت من أمامه من خلفه من فوقه من تحته عن يمنية عن يساره أي سبب الموت كيف يأتيه؟ إذا تخلينا أسباب الموت في الدنيا الحوادث من رُبط على قضيب قطار وانتظر القطار يأتي ليمر عليه كيف يكون حاله! من وُضع عنقه في حبل المشنقة وانتظر الشد ماذا يكون حاله من هجم عليه سبع ومن لسعته عقرب تخيل أسباب الموت في هذه الدنيا تأتيه باسلوب من أساليب جهنم لكنه لا يموت يشعر بالألم يشعر بالخوف يشعر بالرعب يشعر بالفزع لكنه لا يموت وقيل بل ﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ أي من مكانات جسمه يموت الناس في الدنيا بأمراض تصيب بعض أجزاء الجسم وأجهزته فمن أُصيب في قلبه ومن أُصيب في دماغه وهكذا هذا الذي في جهنم يأتيه الموت من كل أطراف شعره أطراف أنامله ومن أطراف قدمه كل جزء من جسمه يشعر بالألم ما من جزء من جسمه إلا ويأتي منه الموت ومقدمات الموت من ألم وفزع ورعب وما إلى ذلك ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت تقف الروح في الحلقوم لا تُرد ولا يخرج وكلنا يتخيل ذلك فكم من مريض تمنى أهله أن يموت من شدة الألم الذي يشعر به ولا يموت وكم من مريض يستمر شهور وأيام ولا يموت والموت بيد الله فإذا أراد الله لهم الحياة المستمرة والألم والعذاب الدائم دون موت هو القادر على ذلك لذا يقول ﴿وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ أي من ورائه أيضا يُخفَى عليه عذاب غليظ والتعبير مهما وُصف معناه ووصفة العلماء لا يصل إلى الحقيقة لأنه كما في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فكذلك في جهنم من ألوانه العذاب ما يخطر على بال وكلنا يرى في الدنيا ألوان من العذاب الحيه العقرب الحوادث القنابل الزلازل البراكين الأعاصير العواصف الكثير يُرى في الدنيا كل ذلك لا يقاس بما أعده الله تبارك وتعالى من عذاب ثم يضرب المثل لأعمال الكفار في الدنيا وكأنه أجابه عن تساؤل حين يشعر الإنسان ما ينتظر الإنسان يقشعر بدنه وتضطرب أعضاؤه وقد يتساءل أَوَ كان لهم من الأعمال الصالحة الكثير فقد نرى الكافر يبني ويعمّر ويتصدق وينفق ويعالج ويفعل من الصلة ومن الصدقة ومن البر أفعالا كثيرة ألا ينفع معه ذلك ألا يخفف عنه شيئا فتأتيك الإجابة‫:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَـٰلُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِى يَوْمٍ عَاصِفٍۢ ۖ لَّا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا۟ عَلَىٰ شَىْءٍۢ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ ٱلضَّلَـٰلُ ٱلْبَعِيدُ ﴿18﴾
هذه الأعمال لكي تُقبل يشترط لها أساس هذا الأساس هو الإيمان بالله وابتغاء وجه الله فإذا فُعلت هذه الأفعال من بر بغير أساس معرفه الله والإيمان به ورجاء ثوابه لا تجدي ولا تنفع ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ وكما قلنا في كلمة "مثل" مرفوعه بالإبتداء والخبر محذوف أو تقديره "فيما يُتلى عليكم" أو هي بمعنى الصفة أو كلمة "مثل" مفحمة وقد تم شرحها في آخر سورة الرعد ﴿مثل الجنة التي وعد المتقون﴾ ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ﴾ أي صفة أعمالهم أو مثل الأعمال كمثل رماد والرماد‫:‬ ما بقى بعد إحتراق الأشياء هذا الرماد إذا تُرك ثم جاءت ريح شديده قويه حملته وذهبت به كل مذهب هل يبقى منه شيء ذاك هو المثل ﴿كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ﴾ العاصف صفة الريح لكنها نُسبت إلى اليوم مبالغه كقولك‫:‬ يوم حار يوم بارد يوم عاصف‫:‬ أي فيه ريح شديدة العصف والريح العاصف هي الريح التي لا تبقى ولا تذر تأخذ ما يقف في طريقها فتعصف به ﴿في يومِ عاصفٍ﴾ قراءة بالإضافه ﴿لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ﴾ إذا ً فكل إعمال البر التي يعملها الكافر لا يلقى لها ثوابا مطلقا في يوم القيامه قيد يُوفى أجره في الدنيا أما في الآخره فلا يجد لها أثرا ﴿ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ الضال هو البعيد عن الحق و ﴿الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾ مبالغه لبيان مدى بعد الضال عن الحق وعن الصواب وكأنه بعد ما وصل إلى يوم القيامة ولم يقدر مما كسب على شيء لا يستدرك ما فاتة من هنا فهو أبعد من التصور عن إدراك النجاة ويأتي الخطاب من العليّ الأعلى لكل من يسمع ولكل من يعقل‬‬‬‬‬
أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ بِٱلْحَقِّ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍۢ جَدِيدٍۢ ﴿19﴾ وَمَا ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ بِعَزِيزٍۢ ﴿20﴾
‫﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ ﴿ألم تر أن الله خالق السموات والأرض بالحق﴾ قراءة أخرى الرؤية هنا رؤية القلب العلم أي ألم ينته إلى علمك أن الله خلق السموات والأرض بالحق ما خلقهما عبث ولا لعبا خلقهما لأنر عظيم خلقهما لحكمة خلقهما بالحق إظهارا ً لقدرته واستدلالا على وجوده ووحدانية ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ الخطاب للنبي (صلى الله عليه وسلم) والمراد الأمة أو الخطاب لكل من يصلح للخطاب ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ هذا الذي قدر على خلق السموات والأرض وما فيهما وأوجدكم بقاء الإنسان في هذه الدنيا له أسباب من الذي خلق أسباب بقائه؟ أنت الآن تتنفس هل تشعر بذلك؟ هل تتعمد التنفس؟ هل تحصي أفاسك؟ أنت تتنفس لا إرادي وماذا تتنفس؟ هواء لو مُنع عنك لمُت من الذي خلق الهواء؟ من الذي أوجده؟ من الذي جعله يصلح لرئتيك؟ قِسْ على ذلك أنت تمشي تمشي على ماذا؟ على أرض من الذي مهدها لك؟ أنت تأكل والأكل سبب لبقائك من الذي خلق لك القوت الذي به قوامك وبقاؤك ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ إن علمت ذلك علمت أنه إن شاء أعدمكم وأفناكم وجاء بخلق آخر أطوع منكم وأصلح منكم ﴿إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ(١٩)وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ بممتنع أو بعسير أو بصعب أن يذهب بالناس وأن يأتي بغيرهم هو الذي خلق الناس وخلق بقائهم ووجودهم هذا السؤال يدعو كل إنسان يسمع أن يتأمل وأن يعلم وأن يؤمن بوجود الله عز وجل أيها الأخ المسلم أفي الله شك؟! أفي وجوده شك! أفيقدرته شك؟ أفي تدبيره شك؟ أنظر حيث شئت تجد الدليل فكّر كيف شئت تجد الدليل إسمع كيف شئت تجد الدليل الأصوات الأنفاس الروائح الأشخاص الظلال الوجود انظر حيث شئت واسمع ما شئت وتأمل كيف شئت تجد الله حقا وصدقا تصور لنا الآيات مشهدا ً من مشاهد يوم القيامة وياله من مشهد يقول الله تبارك وتعالى‬‬
وَبَرَزُوا۟ لِلَّهِ جَمِيعًۭا فَقَالَ ٱلضُّعَفَـٰٓؤُا۟ لِلَّذِينَ ٱسْتَكْبَرُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًۭا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ ٱللَّهِ مِن شَىْءٍۢ ۚ قَالُوا۟ لَوْ هَدَىٰنَا ٱللَّهُ لَهَدَيْنَـٰكُمْ ۖ سَوَآءٌ عَلَيْنَآ أَجَزِعْنَآ أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍۢ ﴿21﴾
‫﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ البروز‫:‬ الظهور بعد الخفاء والبراز‫:‬ الأرض الواسعة الفضاء برزوا لله‫:‬ خرجوا من قبورهم يوم البعث في يوم الحشر ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ﴾ لأمر الله إياهم بالبروز أو ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ﴾ برزوا لحسابه ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاءُ﴾ الضعفاء‫:‬ جمع ضعيف والمراد به ضعف الرأي وليس ضعف البدن ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا﴾ للرؤساء رؤساء الكفر صناديد الشرك الذين إستتبعوا الناس كفرعون كهامان كقارون كغيرهم وتصوّر هذا المشهد وتأمل في الحوار برزوا لله جمعيا ﴿فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا﴾ "تبع" مصدر أو "تبع" جمع تابع كخدم جمع خادم وحرس جمع حارس ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ هاهم الضعفاء التابعون الأتباع أتباع الرؤساء الذين إنقادوا إلى أهوائهم يقولون لهم ويستغيثون بهم ويستصرخونهم ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا﴾ أغنى عنه‫:‬ دفع الأذى أغناه‫:‬ أوصل إليه النفع ﴿فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ﴾ "من" الأولى للبيان "من" الثانية للتبعيض أو هما للتبعيض أو الأولى وقعت موقع الحال خلاصه المعنى يستغيثون بهم هل يمكن أن يدفعوا عنهم بعض العذاب أو بعضا من العذاب أو بعضا من عذاب الله بعض الشيء ذاك هو السؤال ﴿قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ) قال الجبابرة المتبوعين الأسياد زعماء الكفر والشرك لو دلّنا الله على طريق الخلاص لخلصناكم أو لو هدانا في الدنيا اللإيمان لهديناكم لكنا إخترنا الضلاله فاخترناكم ما اخترناه لأنفسنا ﴿سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ﴾ يستوي الأمر حال الجزع وحال الصبر الجزع عدم إحتمال ما نزل بالعبد والجزع ضد الصبر الجزع‫:‬ الحزن الشديد الذي يصرف صاحبة عما نزل به الجزع‫:‬ عدم تحمل ما نزل بالإنسان من مصيبة أو من فزع قيل أنهم يقولون إن أهل الجنة وصلوا إلى ما وصلوا إليه بالبكاء والعويل في الدنيا والخوف هلمّ بنا نبكي فيبكون ويجزعون خمسمائة عام فلا يجدي فيقولون هلمّ بنا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفع حينئذ يقولون‫:‬ سواء علينا أجزعنا أم صبرنا مالنا من محيص‫:‬ من مهرب من ملجأ حاص‫:‬ محيص حيْصا ً وحيصانا ً: عدل على جهة الفرار زاغ حاص‫:‬ زاغ محاولا ً الفرار والهرب والمحيص قد يكون بمعنى الملجأ والمنجي هنا حين يتلاعن الأتباع والمتبوعين يتبرأ الكل من الكل يتوجه الجميع إلى الشيطان يلومونه فيقف على منبر من نار في جهنم يسمعه الخلائق ويقول كما حكى القرآن‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى ۖ فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوٓا۟ أَنفُسَكُم ۖ مَّآ أَنَا۠ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُم بِمُصْرِخِىَّ ۖ إِنِّى كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ ﴿22﴾
‫﴿وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ﴾ أدخل أهل الجنة الجنة وأُدخل أهل النار النار وإنتهى ﴿إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ وعدكم وعد الحق أي وعد الصدق الثابت ﴿وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ﴾ لم يكن في ملكه أن يخلف أو أن يخلف وأن يفي وعدكم الله تبارك وتعالى بالحساب والثواب والعقاب والجزاء والجنة والنار ووعد الله صادق وهو القادر على إنفاذ وعده أما الشيطان سوّل لهم ووعدهم بطول العمر ومنّاهم بالمغفرة وقال لهم لا ثواب ولا حساب ولا عقاب ولا جزاء وإن هناك جزاء أو حساب أو بعث فالأصنام تشفع لكم ذاك كان وعده هاهو يعترف حيث لا ينفع الإعتراف هاهو يقر بالحق حيث لا ينفع الإقرار ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ ها هو يتبرأ منهم ويعترف ويقر ويقول ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ أي ما كانت لي حجة وما كان لي برهان وما كان عندي من دليل فلِمَ إستمعتم لوعودي الكاذبة أو ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ﴾ قهر وتسلط هل أخذت بيدك إلى المعصية؟ هل أجبرتكم على الكفر؟ هل تسلطت عليكم بالقهر حتى تكفروا بالله ولا تثقوا في وعده ﴿إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ﴾ والإستثناء هنا منقطع بمعنى لكن ما كان لي عليكم من سلطان لكن دعوتكم – مجرد التسويل – فلا تلوموني ومن تبينت عداوته لأيلام على فعله هل تعلمون عداوة إبليس أم لا تعلمون؟ ألم يخبركم ربكم بذلك؟ ﴿فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ﴾ أنتم الذين إستجبتم ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ ﴿بمصرخيِّ﴾ فراءه المصرخ‫:‬ المغيث الصارخ‫:‬ المستغيث من الصراخ‫:‬ الصوت العالي بشدة عند الفزع أو الخوف أو نزول المصيبة فالصارخ يستغيث والمصرخ يغيث فهو يقول ﴿مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ﴾ بمغيثكم ﴿وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ﴾ بمغيثيّ ﴿بمصرخيَّ﴾ على الأصل "بمصرخيين" فحُذفت النون للإضافه وأُدغمت ياء الجماعة في ياء الإضافة ﴿إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ هاهو يتبرأ من أفعالهم كفرت‫:‬ برئت وأنكرت ﴿بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ﴾ أشركوا إبليس مع الله وطاعة الشيطان إشراك طاعة الشيطان كأنها عباده أي كفرت اليوم بما أشركتموني فيه من قبل في الدنيا وقال بعضهم "ما" هنا قد تكون مصدرية وقال البعض قد تكون موصوله والمعنى يتغير إني كفرت بما اشركتمون من قبل‫:‬ أي بالذي أشركتموني معه في الدنيا من قبل أي كفر اليوم وأنكر وتبرأ من فعلهم في الدنيا ﴿إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أهي من قبل الشيطان تتمَّة لكلامه أم هي من كلامهم الله عز وجل؟ وضع اللغه يحتمل هكذا يتبين لك هذا المشهد وكيف تبرأ الرؤساء من الأتباع وكيف تلاعنوا وكيف أعلنها الشيطان صريحة واضحة لا سلطان له على أحد وبالتالي كل من يزعم أن الجن ويلبس الإنس فهو كاذب كل من يزعم أن الشيطان شاطر فهو كاذب الشيطان لا يملك إلا التسويل والوسوسه فقط ولا سلطان له هاهو يقول في يوم الحق معترفا ومقرا ً (وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ) وهكذا بين هذا المشهد وهذا الموقف وكما جاء ذكر هؤلاء وما هو عقابهم لابد وأن يأتي ذكر أهل الجنة‬‬‬‬‬‬‬
وَأُدْخِلَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ جَنَّـٰتٍۢ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ ۖ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَـٰمٌ ﴿23﴾
‫﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ أي أدخلتهم الملائكة بإذن ربهم ﴿جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ﴾ أي أُدخلوا بإذن ربهم ﴿تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ تحييهم الملائكه بهذا القول ﴿سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴾ [سورة الرعد آية‫:‬ ٢٤]. أو الكلام كلمة سلام أو تبشرهم بالسلام ودوام السلام ﴿بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ فالإذن بالتحية وليس الإذن في الدخول لأنه هو الذي أدخلهم أما إذا كان من أدخلهم الملائكه فالإدخال بإذن الله ﴿وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ﴾ قارن واعلم أن ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار تُرى أيهما تختار وهل للعبد أن يختار وربك يخلق ما يشاء ويختار لقد ضرب الله تبارك وتعالى المثل لكمتي الإيمان والكفر ضرب المثل لكلمتي التوحيد والشرك والأمثال في القرآن كثيرة متعدده معجزة‬‬‬
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلًۭا كَلِمَةًۭ طَيِّبَةًۭ كَشَجَرَةٍۢ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌۭ وَفَرْعُهَا فِى ٱلسَّمَآءِ ﴿24﴾ تُؤْتِىٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍۭ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ ﴿25﴾ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍۢ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ٱجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ ٱلْأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍۢ ﴿26﴾ يُثَبِّتُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا وَفِى ٱلْـَٔاخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلظَّـٰلِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ ﴿27﴾
الكلمة الطيبة هي كلمة التوحيد لا إله إلا الله الكلمة الطيبة هي الكلمة التي من أجلها قامت السموات والأرض الكلمة الطيبة كلمة الحق كلمة الصدق كلمة التوحيد (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً) (كلمهُ ُ طيبة ُُ ُ) قراءه (كشجرةٍ طيبةٍ) الشجرة هي النخلة لما ورد في حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما يروية ابن عمر حين قال النبي (صلى الله عليه وسلم) "إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها هي كالمؤمن" ووقع الناس في شجر البوادي واعتقد بن عمر ووقع في نفسه أنها النخلة فاستحيا أن يذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) الشجرة الطيبة‫:‬ النخلة ربنا تبارك وتعالى يقول ﴿أَصْلُهَا ثَابِتٌ﴾ مستقر ضاربة بعروقها في الأرض تستغني بنفسها فتستمد مياها بعروقها دون حاجة لأن تُسقى بيد أحد ثابتة‫:‬ مستقره لا تتزعزع لا تؤثر فيها الرياح لا تؤثر فيها الأعاصير ﴿وَفَرْعُهَا﴾ أعلاها أو "فرع" إسم جنس أي الفروع ﴿فِي السَّمَاءِ﴾ مرتفع مستقيم صاعد إلى السماء ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ الأُكُل‫:‬ ما يؤكل ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا﴾ أي تعطي ثمارها ﴿كُلَّ حِينٍ﴾ كل وقت والحين جاء في القرآن على معان متعدده من حيث المدة لكن الحين عموما هو قليل الوقت وكثيرة فيُعبّر بالحين عن المدة من الزمان قلّت أو كثرت ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾ [سورة الروم آية‫:‬ ١٧] ﴿هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا﴾ [سورة الإنسان آية‫:‬ ١] ﴿فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ﴾ [سورة الصافات آية‫:‬ ١٤٨] هذه الشجرة الثابتة الضاربة بعروقها في الأرض المستمدة لمباها من الأرض والتي إنتصب ساقها وصعد فرعها إلى السماء وتعطي ثمارها في جميع أوقات السنة أو في الوقت الذي يأذن الله فيه تؤتي أُكلها كل حين بإذن ربها بأمره بتوفيقة بإرادته بتدبيرة وإن كان ثمر النخل يطرح في وقت محدد إلا أن ثمر النخل يؤكل في جميع أيام السنة فمنه الرطب ومنه البُسْر ومنه ومنه فهو يؤكل في جميع أيام السنة بل ويُحقظ في جميع أيام السنة لا تتعرض له الآفة أين المؤمن من ذلك؟ وأين التشبيه وأين التمثيل؟ المؤمن الذي نطق بكلمة التوحيد إعتقاد راسخا في قلبه فهذه الكلمة ثابتة في قلبه بثبوت النخلة في الأرض وكأن كلمة التوحيد ضاربة بعروقها في جميع أجزاء جسدة فاستقام لله ظاهرا ً وباطنا ً ﴿وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ إذا ً فكلامه وعمله وتسبيحه وتوحيده صاعد إلى السماء لا يحول بينه وبين السماء حائل فإذا قال المؤمن‫:‬ لا إله إلا الله صعدت إلى السماء أعطاه الله بهذا القول بركة وثوابا ً وعزا ً أعطاه مالا يخطر على بال فكلمة التوحيد ثابتة ثبتت بالحجة والبرهان في قلب المؤمن فهي راسخة مستقره يصعد كلِمُه ويصعد عمله ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [سورة فاطر آية‫:‬ ١٠] وكلما نطق بالتوحيد وكلما أدى من الأعمال ما يدفعه إليه التوحيد كلما صعد إلى السماء وتُقُبِل فتنزل عليه من بركات السماء ونزّل عليه من فيض الله عز وجل من رحمتة وبركته ونوره مالا يقدر ور يُحصى ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ضرب الأمثال زيادة في الإفهام و التذكير إذ أن ضرب الأمثال تصوير للمعاني وإدناء لها من الحسن فما من مثل ضُرب في القرآن إلا وهو تصوير لمعنى هذا التصوير للمعاني بالأمثال يقرّب المعاني إلى الحسن فيتذكر الإنسان ويزداد فهما يقول الله عز وجل ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ كلمة الشِرْك كلمة الكفر ﴿كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ﴾ شجرة سامه أو ذات شوك أو ضاره أو شديدة المراره وقيل أنها شجره الحنظل ﴿كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ﴾ إجُتثت‫:‬ إقتُلعت جثْها وإجتثها‫:‬ إقتلعها فالكلمة مأخوذه من الجثة جثة الشيء‫:‬ ذاته ونفسه وشخصة غجتُثت من فوق الأرض‫:‬ اقتُلعت إذ ليس لها جذور ليس لها أصل ليست ثابتة ليست لها عروق في الأرض فهي على سطح الأرض غير ثابته ﴿مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ مالها من ثبات ولا إستقرار بل هي ممحوقة (يحق الله الحق بكلماته ويبطل الباطل) فالباطل والشرك وكلمة الكفر لا أصل لها فكأنها شجرة خبيثة لا نفع فيها لا ظل لا إنتفاع منها لا جذور لها لا عروق ضارة غير نافعة لا أصل لها ولا ثبات ولا إستقرار ولا دوام تجتث بسهوله من فوق الأرض والكلام أيضا والمثل يعبر عن الدعوة فالدعوة كلمة كل دعوة إلى إصلاح كلمة طيبه وضد ذلك كلمة خبيثة فكل دعوة إلى شرْك وكل دعوة إلى إفساد كلمة خبيثة فالمثال يضرب لكلمة التوحيد وكلمة الشرٍْك ويضرب أيضا للدعوة إلى الله إلى الحق ويُضرب للدعوة إلى الشرْك وإلى الكفر ولو نظرت إلى المثل وتأملت لوجدت العديد ومن عمل بالفلاحة أدرى الناس بالنخل النخل كل ما فيه نافع جذعه عروقه فروعه ثمره ورقه ينتفع بكل شيء منه حتى النواة نافعه حتى اللوف نافع حتى الجريد نافع ما من شيء فيه يُطرح أو يُلقي كل شيء فيه نافع وكذلك المؤمن ولذا ضرب النبي (صلى الله عليه وسلم) مثلا للمؤمن النخلة سر هذا في المؤمن أنه منتفع ونافع حيثما حلّ حلّت البركة حلّ النفع حلّ الحق سرّ ذلك ما وقر في قلبه من إيمان ما ثبت في قلبه من كلمة التوحيد فهي راسخة في قلبه فإذا نطق بها لسانه صعدت إلى السماء واستمتع وجنى ثمار النطق بها من حيث لا يدري ولا يحتسب ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ القول الثابت‫:‬ القول الحق القول الصادق القول الذي لايتزعزع لا يأتيه الباطل لا من بين يديه ولا من خلفه القول الثابت الذي لا خلل فيه ولا إخلال لا تبديل فيه ولا تغير ذاك القول هو "لا إله إلا الله" أعظم كلمة على الإطلاق أعظم ما نطق به لسان في الوجود على الإطلاق كلمة التوحيد المؤمن الذي ينطق بالكلمة إعتقادا ً يثبت في الدنيا ويثبت في الآخرة بتثبت الله له كيف؟ الدنيا إختبار الدنيا إبتلاء يتعرض الإنسان فيها للفتن ﴿لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ﴾ [سورة آل عمران آية‫:‬ ١٨٦]. إذا ً فالإنسان معرّض للفقر بعد الغنى للمرض بعد الصحة للعجز بعد المقدرة معرّض في هذه الدنيا للبلايا للمصائب لفقد الأحباب معرّض أيضا أن يُبتلي في دينة بالجبابرة بالفسقَه بالمحرضين على الفجور بالدافعين إلى الفسق معرّض أيضا للفتن من هؤلاء الدعاه على أبواب جهنم الذين يحسنون كل باطل ويزينّون كل زور ويسمون الأشياء بغير أسمائها فيُفتن البعض ويثبت البعض المؤمن مهما تعرّض للفتن يثبتة الله بالقول الثابت فلا يزيغ به الأهواء ولا تؤثر فيه الأعاصير ومهما فُتن لا يُفتتن ولو علّقوا له المشانق مهما فُعل به لن يتنازل عن كلمة التوحيد ولكم في بلال أسوة وفي مصعب قدوة هؤلاء الصحابه الذين تعرضوا اللإيذاء أو الإبتلاء تعرّضوا للفتن على مر العصور والدهور في كل زمن تعرّض المؤمن للفتن ثبتهم الله تبارك وتعالى يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فلا تزيغ بالمؤمن الأهواء مهما ابتُلي بالدنيا أو بما فيها من إبتلاء أو امتُحن بالفتن والمحن أو سُلِّط عليه جبابرة الأرض جمعيا يثبته الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخره في يوم القيامة لا يفزع إذا فزع الناس لا يحزن إذا حزن الناس ثابت في يوم الهوْل في يوم الفزع في يوم الرعب في ذاك اليوم ثابت كالشجرة الثابتة الضاربة بعروقها في الأرض وقيل أن الآخرة هي القبر فهي أول الطريق وكما روى عن سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إن الإنسان يُفتن في قبره (أوحى إليّ أنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال) فتنه شديدة بعد ما يموت العبد ويُدفن ويُسوَّى قبرة وينصرف مشيعوه أو يبقى مشيعوه ويسمع حفق نعالهم تُرد إليه الروح ويُجلس في قبره ويأتيه ملكان يسألان ما دينك؟ من ربك؟ ماذا كنت تقول في ذلك الرجل؟ أما المسلم أو المؤمن شك الراوي الذي يروي حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيجيب دون تلعثم أو ذهول بلسان عربي مبين بفصاحة بطلاقة هو ربي لا إله إلا هو وحدة لا شريك له ديني الإسلام ملة إبراهيم حنيفا ً وما كان من المشركين أما حيت يُسأل عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بقولهم ماذا كنت تقول في هذا الرجل؟ يفهم المقصود فيقول هو عبد الله ورسوله جاءنا بالحق والهدى فصدقناه واتبعناه فيقا له نم أمنا ً قد علمنا إن كنت لموقنا ذاك هو التثبيت ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ﴾ الذين ظلوا أنفسهم بتقليد الآباء ﴿بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ(٢٢)﴾ [سورة الزخرف آية‫:‬ ٢٢] هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم بالشرك ظلموا أنفسهم بعدم الإستجابه للحق إذا جاء الملكان حين يسأل يصاب بالفزع يصاب بالذهول يصاب بالخوف والهلع فلا يدري ما يقول أكثر ما يمكن أن يقوله‫:‬ سمعت الناس يقولون شيئا فقلت كما يقولون لا أدري فيقال له‫:‬ لا دريت ولا تليْت ثم يُضرب بالمقامع كما وردت به الأخبار ﴿وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون فيثبت من يشاء ويضل من يشاء هؤلاء الذين زاعوا عن الحق فأزاغ الله قلوبهم هؤلاء الذين فُتنوا في الدنيا لم يثبتوا إذا أصابهم البلاء إذا أصابتهم الفتن وقعوا وزاغوا فهُم زائغون في الدنيا زائغون في القبر زائغون يوم القيامة والعياذ بالله ثم يعّجب ربنا تبارك وتعالى نبية (صلى الله عليه وسلم) ويعّجب من يسمع ويعقل فيقول‫:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ بَدَّلُوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ كُفْرًۭا وَأَحَلُّوا۟ قَوْمَهُمْ دَارَ ٱلْبَوَارِ ﴿28﴾ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا ۖ وَبِئْسَ ٱلْقَرَارُ ﴿29﴾ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ أَندَادًۭا لِّيُضِلُّوا۟ عَن سَبِيلِهِۦ ۗ قُلْ تَمَتَّعُوا۟ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى ٱلنَّارِ ﴿30﴾
قيل أن الكلام عن مشركي مكة والعبره بعموم اللفظ لا بخصوص السبب قيل أن أهل مكة خلقهم الله تبارك وتعالى وصوّرهم وجعلهم في بلد آمن وساق إليهم الثمرات من كل فج من كل لون من كل نوع رزقهم الأمن والأمان ثم بعث فيهم رسولا منهم يعرفون صدقة ويعرفون نسبة اختصهم هذا وقال لهم ﴿لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ [سورة الأنبياء آية‫:‬ ١٠] أي رفعة شأنكم ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْرًا﴾ أبدّلوا شكر النعمة بدلا ً من الشكر على النعمة جحدوا بالنعمة وكفروها أو سُلبت منهم بدّلوا شكر النعمة أو بدّلوا النعمة كيف تبدّل النعمة؟ أن يرزق الإنسان النعمة فلا يعرف قدرها ولا يؤدي حقها فتُسلب منه النعمة فإن سُلبت منه النمة زاغ وضلّ فكأنه بدّل نعمة الله كفرا ﴿وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ﴾ البوار‫:‬ الهلاك الفساد التلف أحلّوا قومهم إستمعوا لهم وقلّدوهم الذين ساقوهم وأضلوهم إلى الكفر أحلّوا هؤلاء دار البوار دار الهلاك دار الفساد دار التلف دار الضياع ما هي؟ ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا﴾ يدخلونها يقاسون جرها يُشوى فيها الجلد والعظم والشعر وكلما نضجت فيها الجلود بُدلوا جلودا ً غيرها ليذوقوا العذاب ﴿جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ﴾ بئس المستقر وكأنهم مستقرون فيها لا يبرحونها ولا يتفكرون عنها ﴿وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ من أخطر صيغ التهديد في القرآن أن يأتي التهديد بصيغة الأمر (قُلْ) أي أخبرهم يا محمد وقل لهم ﴿تَمَتَّعُوا﴾ صيغة أمر لكن المقصود منها التهديد كيف يكون التهديد بصيغة الأمر؟ معنى التهديد بصيغة الأمر أن المهدَّد عليه مطلوب الكفر مهدّ عليه فكأنه مطلوب لفضي إلى المهدّد به وكلاهما واقع لا محالة وكأنه المهدد بهذه الصيغة منهمك في الخطيئة إنهماك المطيع لأمر آمر مطاع فلا ينفك ّ عنه ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا﴾ أمر تهديد معناه أن المطلوب منهم الكفر ليؤدي هذا الكفر إلى المطلوب لهم وهو العذاب وكلا الأمرين واقع صيغة من أخطر صيغ التهديد في القرآن ﴿قُلْ تَمَتَّعُوا﴾ علّل بقوله ﴿فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ﴾ ذاك ما يقال للظلمة والكفار والذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار أما ما يقال للمؤمنين فشيء آخر واسمع‫:‬‬‬‬‬‬
قُل لِّعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ يُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ وَيُنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ سِرًّۭا وَعَلَانِيَةًۭ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌۭ لَّا بَيْعٌۭ فِيهِ وَلَا خِلَـٰلٌ ﴿31﴾
‫﴿قُلْ لِعِبَادِيَ﴾ هذه الإضافة تشعر بأن هؤلاء قد تحققوا بالعبودية وأدوا حق العبودية لله حقا وصدقا ً فأضافهم الله إليه فقال ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ لم يقل للعباد الذين آمنوا أو "قل للمؤمنين" ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ﴾ كأنهم منتسبون إليه مضافون إلى عزته ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ من أغرب الصيغ قل لفلان إفعل فتقدير الكلام "قل لعبادي الذين آمنوا أقيموا الصلاة وانفقوا مما رزقناكم" واسمع ما جاء ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا﴾ فكأن طاعة هؤلاء العباد لرسول الله ملاصقة ملازمه اللأمر ككُن فيكون لا وقت بين الأمر وبين التنفيذ سرعة الإجابة لأوامر الرسول (صلى الله عليه وسلم) فالآية تشعر بمدى سرعة إستجابة هؤلاء لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) بحيث لم ينفك عملهم عن أمره قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة أي لو قلت لهم أقيموا لأقاموا وقال بعض النحاة هناك لام مقدّره محذوفة "ليقيموا الصلاة" وحُذفت اللام لدلالة "قل" على الغائب لكن المعنى الأول هو الأرجح كأن المؤمن إذا إستمع لأمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نفّذ الأمر قبل أن ينتهي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أمره إستجابه والأمثلة على ذلك كثيرة وكلنا يعلم أن الخمر كانت شائعه ونزل التحريم تدريجا وكان البعض يشربونها وحين نزل التحريم كلنا يعرف حديث أنس (كنت ساقي القوم في بيت طلحة فجاء صارخ فقال ألا قد حُرمت الخمر الجالسون سكارى ومع ذلك تسمع لأنس يروي فقال أبو طلحة يا أنس أنظر ما عندنا من خمر فأهريقها فوالله لكأني أنظر إلى سكك المدينة أنهارا تجري بالخمر) لم يقل أحدهم من الصارخ؟ ترى حل حرمت فعلا؟ ها نحن قد شربتا فلنكمل شربنا ونمتنع في الصباح أو تأكد يا أنس من هذا الصوت بل الجميع إستجاب في التو واللحظه والخمر في زمنهم كانت تجارة لم تكن للإستمتاع فقط بل جلّ تجارتهم في الخمر يخزنونها بالسنين والأعوام ومع ذلك أنظر مدى الإستجابه ها هي الآية تشعرك بهذه الإستجابة ﴿قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ واختص الصلاة بالذكر فهي عماد الدين وهي الصلة بين العبد وبين ربه وهي النعمة الكبرى والمنّة العظمى جميع الفرائض فرضت في الأرض وفُرضت الصلاة فوق سبع السموات لأهميتها وأول ما يُسأل عنه العبد يوم القيامة الصلاة إن صلحت صلح سائر عمله وإن فسدت فسد سائر عمله الصلاة أجلّ نعمة أجلّ نعمة بعد نعمة التوحيد أن يجعلك الله من مقيمي الصلاة يقولوا أركانها يأتون بالصلاة كما يجب أن يؤتى بها وجهها بخشوع باطمئنان أداء الحركات كما كان يفعل سيد الخلْق "صلوا كما رأيتموني أصلي" ﴿وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ فأنت لم تصنع مالك حتى الزرع ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ(٦٣)أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ(٦٤)﴾ [سورة الواقعة آية‫:‬ ٦٣- ٦٤] ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ(٦٨)أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ(٦٩)﴾ [سورة الواقعة آية‫:‬ ٦٨- ٦٩] ﴿وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ في السر وفي العلانيه أما في السر فهي التطوع وأما في العلن فهي الزكاة المفروضه إذ علانية الفرائض وسرية النوافل أفضل ﴿سِرًّا وَعَلَانِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خِلَالٌ﴾ معنى " لَا بَيْعٌ " أن المعصِّر لا يقدر أن يبتاع ما يعوض به تقصيرة أو يبتاع ما يفتدي به نفسة (وَلَا خِلَالٌ) جمع خُلّه والخُله‫:‬ المودّه الصداقة أو خلال جمع خليل إذا ً فلا بيع ولا إقتداء لا تعويض لما تبتاع لما قصّرت فيه لا صديق ولا حميم لا مودة لا خلّه لا شفاعه لا ينفع أحد ُأحد ﴿لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا﴾. ذاك هو أمر الله واختص الصلاة والنفقة أما الصلاة فكلكم يعلم ما قيل فيها وأما الإنفاق فالصدقة تطفيء غضب الرب كما يطفيء الماء نار الحطب وقد روُى أن الله تبارك وتعالى حين خلق الأرض مادت واهتزت فخلق الجبال فرست فتعجبت الملائكة قالوا‫:‬ يارب خلقت الأرض فمادت فخلقت الجبال فرست فهل خلقت شيئا أقوى من الجبال؟ قال‫:‬ نعم الحديد قالوا يارب وهل خلقت شيئا أقوى من الحديد؟ قال‫:‬ نعم النار تذيب الحديد قالوا‫:‬ يارب وهل خلقت شيئا أقوى من النار؟ قال نعم الماء يطفيء النار قالوا‫:‬ يارب وهل خلقت شيئا أقوى من الماء؟ قال‫:‬ نعم الهواء هو الذي يبخر الماء هو الذي يسيّر الماء قالوا‫:‬ وهل خلقت شيئا أقوى من الهواء؟ قال‫:‬ نعم عبدي المؤمن إذا أنفق نفقة لم تدر شماله ما أنفقت يمينه تسوق الآيات الأدله على وجود الله تبارك وتعالى ووحدانيتة وقدرته وتدبيرة وتصريفه في نفس الوقت تعدد بعض النعم التي قد يغفل عنها الغافلون وتساق من النعم إحدى عشر نعمة
ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءًۭ فَأَخْرَجَ بِهِۦ مِنَ ٱلثَّمَرَٰتِ رِزْقًۭا لَّكُمْ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْفُلْكَ لِتَجْرِىَ فِى ٱلْبَحْرِ بِأَمْرِهِۦ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلْأَنْهَـٰرَ ﴿32﴾ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ دَآئِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ ﴿33﴾ وَءَاتَىٰكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعْمَتَ ٱللَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ۗ إِنَّ ٱلْإِنسَـٰنَ لَظَلُومٌۭ كَفَّارٌۭ ﴿34﴾
الله الذي خلق السموات والأرض هل في ذلك شك؟ هل يزعم أحد أنه شاركه في خلقهما؟ هل يزعم أحد أن له ملِكْ فيهما؟ الله الذي خلق السموات والأرض بما فيها ولك أن تتأمل في كل نعمة وتنظر إلى السماء وترى و تتأمل وتنظر إلى الأرض وما فيها من صخر وحجر ومدد وشجر وثمر وبحر ونهر أنظر وتأمل هذه النعم التي لا تُعد ولا تُحصى ﴿وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً﴾ والسماء‫:‬ جهة العلو السحاب ماء من الذي خلقة؟ من الذي صنعة؟ من الذي كوّنه؟ من الذي جعل فيه هذه الخاصية والخواص؟ ﴿فَأَخْرَجَ بِهِ﴾ بهذا الماء ﴿مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ ثمرات متعدده ﴿رِزْقًا لَكُمْ﴾ مأكل وملبس وانظر إلى ما تلبس من أين أتيت به؟ أليس من الثمرات؟ أليس القطن ثمراً؟ أليس الكتان ثمرا ً؟ ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ﴾ أول من صنع الفلك نوح ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا﴾ . إذا ً فقد علمنا صناعة الفلك بل وخلق خواص الطفو هو الذي وضع قوانين الطفو وسخر البحار وأمرها أن تحمل الفلك وسخر منها الأمواج والرياح حتى تسير هذه السفن وتنقل البضائع والناس من بلد إلى بلد فتحدث المنافع ويتبادل الناس المنافع سخر الفلك لتجري في البحر بأمره بإذنه بتيسيرة بتوفيقة بما وصفه من سنن وقوانين لا تختل أبدا ً‬‬‬
‫﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ﴾ هذه الأنهار من الذي أجراها؟ وكيف جرت؟ وكيف شقت طريقها؟ أمطار تنزل على الجبال ثم تنحدر ثم يختط لها مسار من الذي خط هذا المسار؟ ما من إنسان إلا ووجد الأنهار قبل أن يوجد وسخر لكم الأنهار كلمة سخر تعني ذلّل هيأها لإنتفاعكم واستفادتكم ومصلحتكم وما يصلحكم كما تحمل معنى آخر ألا وهو سخرها لكم‫:‬ هدكم وعلمكم كيف تستفيدون منها من الذي علمنا صناعة الحديد والدروع؟ داوود أول من صنع الدروع وأول من أذاب الحديد ونسجه من الذي علمه؟ ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ﴾ [سورة الأنبياء آية‫:‬ ٨٠]. قد توجد النعمة ولا تدري كيف تستفيد منها ولا نعلم خواص النعمة أو يمكن أن يُستقاد أو كيف يُستفاد فترى الشيء وترى أن فيه فائدة لكنك لا يمكن أن تصل إليها فيهديك للوصول إليها ةما هذه الإختراعات والإكتشافات كلها إلا من فضله وإلهامه وتعليمة ذاك تسخير ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ﴾ الدءوب من الدَأْب والدأَب‫:‬ الإستمرار على الحالة المعينة أو على العادة بصفة مستمرة في كل الأحوال الداوم ترى هل الكلام عن الدوام في الشروق والغروب؟ عن منازل القمر ومنازل الشمس؟ الشروق من نفس المكان وفي نفس الموعد ثلاثمائة وخمس وستين يوما وخمس وستين مشرقا فحين تشرق الشمس اليوم ليس من المكان الذي أشرقت منه بالأمس بل هي منازل على مدار العام وكذلك مشارق القمر ومغارب القمر حتى أن الناس حسبوها وكتبوها وعُرف الموعد لا يختل لا يتقدم ولا يتأخر ومن نفس المكان في نفس اليوم فالمكان متغير يوميا فهل الدءوب المذكور هذا الإستمرار؟ أم إنتفاع الخلق بهما فالشمس رفء الشمس ضياء الشمس حرارة الشمس تبخر ماء البحار والمحيطات حتى يتنزل المطر عذبا ً بعد أن كان مالحا ً والمد والجزر الحادث في المياة نتيجة شروق القمر والمواضع هل؟ كل ذلك تحمله الآية ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ الليل لتسكنوا فيه والنهار لتبتغوا من فضله فيه المعايش وتخيل لو أن الدنيا ليل على الدوام أو نهار على الدوام
﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ(٧١)قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ(٧٢)﴾ [سورة القصص آية‫:‬ ٧١- ٧٢] ﴿وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ أي أعطاكم بعضا من كل شيء سألتموه كل ماسُئل أعطى بقدر بحكمة ذاك معنى ومعنى آخر وآتاكم من كل ما سألتموه ومن كل ما لم تيألوا كقوله ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ(٨١)﴾ [سورة النحل آية‫:‬ ٨١]. ولم يأت بذكر سرابيل تقيكم البرد هل سألتم الله شمسا؟ هل سألتم الله قمرا؟ هل سألتم الله سماءا ً؟ هل سألتم الله أرضا؟ إذا ً فقد أعطاكم من كل ما سألتموه في صرحكم وعرفتموه وكذلك أعطاكم مما لم تسألوه ومعنى آخر‫:‬ قيل "من" زائدة أي أعطاكم كل ما سألتموه أو هي للتبعيض كما قلنا فما من شيء سألتموه إلا وأعطاكم منه شيئا وقُرأت ﴿وآتاكم من كلٍ ما سألتموه﴾ وهنا معنيان‫:‬ ﴿أعطاكم من كل ٍ ما سألتموه﴾ الذي سألتموه أي ما سألت أخذت ما طلبت أُعطيت من كلٍ أي من كل شيء التنوين بدلا ً من الإضافة أو "ما" نافية ويكون المعنى "وأعطاكم من كل ٍ" من كل شيء (ما سألتموه) أي لم تسألوه شيئا فأعطاكم من كل شيء سبْق فضل محض إحسان أي لم تسألوه شيئا ومع ذلك هاهو قد أعطاكم وارجع وتأمل ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ(٣٢)وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ هل سألتم شيئا من هذه ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ ذاك هو القول الفصل والصدق والحق الإحصاء‫:‬ أصلا من الحصى فقد كانت العرب لا يعرفون العد ولا يعرفون الحساب فكان العد بالنسبة لهم بالحصى فسُمي العد بالحصى إحصاءا ً ﴿وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا﴾ جنس النعمة ثم مفردات النعمه فجنس النعمة‫:‬ الطعام فالطعام نعمة مفردات الطعام الحلو والمر والمالح هل يمكن لك أن تعد أصناف الخضار؟ أصناف الفواكة أصناف ما يؤكل؟ وإن تمكنت طريقة الطهو هل يمكن؟! فالنعمة‫:‬ جنس النعمة ثم مفردات النعمة ثم الإستفاده بمفردات النعمة إذا ً لا يمكن أن تعد النعمة ولا تُحصى وجود الإنسان في هذه الدنيا نعمة هذا الجسد الذي يمشي على الأرض لو حاولت أن تعد النعم في هذا الجسد لا يمكن ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ﴾ في حالة الشدة يشكو ويجزع وفي حالة النعمة يجمع ويمنع ظلوم في الشدة يشكو ويجزع كفار في النعمة يجمع ويمنع أيها الأخ المسلم بعد هذا التعديد لنعم الله عز وجل بعد هذا البيان وضرب الأمثال لكلمة التوحيد ولكلمة الشرك لابد وأن يؤتى بالمثل الحي حصن التوحيد إما الحنيفيه ألا وهو أو الأنبياء إبراهيم‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‫بدأت الايات تحكي عن حصن التوحيد عن أبي الأنبياء عن إمام الحنفاء يقول الله تبارك وتعالى‫:‬‬‬‬
وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِيمُ رَبِّ ٱجْعَلْ هَـٰذَا ٱلْبَلَدَ ءَامِنًۭا وَٱجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ ٱلْأَصْنَامَ ﴿35﴾
وكأن الله تبارك وتعالى يذكّر أهل مكة يذكّر هؤلاء الذين عاندوا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يذكّرهم بالقصة من أولها يذكّرهم بالأب الأكبر يذكّرهم بالجد الذي بنى البيت والذي بفضل دعوته آمنوا ورُزقوا يذكّرهم حتى يتبيّن لهم ألآنهم قد إنحرفوا عن الطريق في موضع آخر في سورة البقرة يقول الله ‘عن إبراهيم وعن دعوته ﴿اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا﴾ [سورة البقرة آية‫:‬ ١٢٦] وهنا يحكي عن قوله (اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) كأن الدعوة الأولى كانت قبل أن يصبح المكان بلدا طلب أن يكون بلدا ً وأن يجعله ربنا بلدا ً آمنا وبعد أن بنى البيت طلب أن يكون البلد آمن لساكنيه هكذا كانت الدعوة ﴿اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ﴾ جَنَبه وجنّبه‫:‬ جعله جانبا ً اجنبني‫:‬ أي إبعدني واجعلني جانبا ً بعيدا ً عن عبادة الأصنام والآية دليل على أن عصمة الأنبياء بتوفيق الله عز وجل وبعصمتة لهم ها هو إمام الحنفاء وأبو الأنبياء يلتجيء إلى الله ويضرع‫:‬ اجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام‬‬‬‬‬‬
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًۭا مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِى فَإِنَّهُۥ مِنِّى ۖ وَمَنْ عَصَانِى فَإِنَّكَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ ﴿36﴾
الأصنام جمادات لا تفعل شيئا نسب إليها الإضلال مجازا ً باعتبار السببية إذ كانت الأصنام سببا فنسب إليها الفعل ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ﴾ الأصنام ﴿أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ﴾ من هنا إلتجأ إليه من هنا تضرع إليه من هنا إستعاذ به وطلب أن يجنّبه ويجنّب أبناءه عبادة الأصنام ﴿فَمَنْ تَبِعَنِي﴾ على ديني وملتي ﴿فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ من أهل ديني ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ من عصاني في التوحيد كيف يغفر له؟ من هنا قال العلماء ثلاثة أقوال ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ أي ومن أشرك ولم يؤمن بالتوحيد فإنك غفور رحيم تغفر له إبتداءا ً ولم يكن قد عليم إبراهيم أن الله لا يغفر أن يُشرك به أو إن إبراهيم عليم بذلك وسأل الله أن يغفر لمن تاب عن شركة قبل الموت وتلك رحمة كبرى أن يغفر الله لمن تاب ولو شاء لآخذ الناس بظلمهم فورا ً ولذا يقول ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾ [سورة النحل آية‫:‬ ٦١] أو ﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ فيمادون الشرْك ﴿فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ أي إن الموحّد يُغفر له ما إرتكب من المعاصي بهذه الدعوة‬‬‬
رَّبَّنَآ إِنِّىٓ أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِى بِوَادٍ غَيْرِ ذِى زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ ٱلْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا۟ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجْعَلْ أَفْـِٔدَةًۭ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهْوِىٓ إِلَيْهِمْ وَٱرْزُقْهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ﴿37﴾
‫﴿رَبَّنَا﴾ ونلاحظ تكرار النداء ﴿إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ﴾ ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ﴾ ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ وهكذا تكرار النداء طمعا في الإجابة وإظهارا ً للتذلل والإلتجاء ﴿مِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ "من" للتبعيض بعض ذريتي إسماعيل أو ﴿أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أي أسكنت ذرية من ذريتي يدخل إسماعيل ويدخل ولد إسماعيل كذلك في المستقبل ﴿بِوَادٍ﴾ وادي مكه بين سبعة جبال ﴿غَيْرِ ذِي زَرْعٍ﴾ أرضها حجرية لا تنبت ﴿عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ﴾ وأضاف البيت إلى الله لأنه لا يملكه أحد غيرة ﴿الْمُحَرَّمِ﴾ إذ يحرم فيه ما يُستباح في غيره أو هو محرّم على الجبابرة ممتنع كما حدث مع أصحاب الفيل لايصل إليه جبّار وكلنا يعرف قصة إسكانه لزوجة هاجر ولإبنها إسماعيل عند البيت قيل فيها الكثير وقيل أن السبب أن سارة لم تُرزق بأولاد إذ إسماعيل أسنّ من إسحاق بينهم ثلاثة عشرة سنة غارت وطلبت منه أن يبعدها فأخذها وعفّ أثرة وذهب كل ذلك يعلم الله بحقيقة وصحتة فما كان لأبي الأنبياء أن يتحرك قيد أنملة بغير وحي أبدا ً وما كان لزوجات الأنبياء أن يفعلن ما يضر الضرائر خروا بليغا بإبعادها عن زوجها بوضعها في مكان فقر لا إنسان فيه ولا نبات فيه ولا حياة فيه ولا ماء فيه ويترك لها جرابا من تمر وسقاء من ماء لكنه الوحي وتصريف الله وتدبير الله ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ إختص الصلاة دونا ً عن بقية الفرائض لأنها عماد الدين ولأنها أصل الدين ولأهميتها في كل شرع " لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ " اللام لام "لكي" كأنه يقول أسكنت هذه الذرية في هذا المكان الفقر لا لشيء إلا لإقامة الصلاة أو اللام هي لام الأمر والأمر بمعنى الدعاء والإلتجاء‫:‬ أسكنت ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم ونفذت المطلوب مني وفعلت ما يجب أن أفعل أما أنت يالله فألجأ إليك لتجعلهم يقيموا الصلاة وتوفقهم لذلك إذا ً فهي لام الدعاء وما يسمي في اللغة العربية بلام الأمر ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ أفئدة‫:‬ جمع فؤاد والفؤاد‫:‬ القلب وقال بعض الناس "أفئدة" الأصل فيها أوفده جمع "وفد" أراد أن يأتي الناس فيقيموا في هذا المكان فيحدث الأنس ويحدث المجتمع الرأي الأرجح "أفئدة" معنى القلوب ﴿أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ هوَى يهوي هُويا ً الأصل في الكلمة الهبوط من أعلى إلى أسفل بسرعة يعبر به عن الإسراع شوقا وحبا ً أي فاجعل أفئدة من الناس تسرع إليهم حبا ً وشوقا ً وودارا ً ولو لم يقل "من" لحج العالم كله اليهود والنصارى والمجوس وما من إنسان في الأرض إلا وذهب لأن الله أجابة فقال ﴿أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ وهم المسلمون الذين يحجون البيت الحرام ﴿وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ﴾ وأنت ترى كيف إستجيبت له وترى الثمار بكافة أشكلها وأنواعها في هذا البلد القفر الذي لا ينبت وإن أنبت فزرع لا يؤكل نبات صحراوي يحرم قطعه ولايستفاد منه لكنك تذهب فتجد من كل الثمرات‬‬‬‬‬
رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ ۗ وَمَا يَخْفَىٰ عَلَى ٱللَّهِ مِن شَىْءٍۢ فِى ٱلْأَرْضِ وَلَا فِى ٱلسَّمَآءِ ﴿38﴾
‫﴿رَبَّنَا﴾ كرر النداء كرر الإلتجاء كرر التذلل والخضوع طمعا ً في الإجابة ﴿إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ﴾ ماذا قصد بها؟ هل قصد بها تعلم ما نخفي من الألم والوجد والشوق فذاك طفل صغير ليس له غيرة وزجة شابة صغيره لم تجن شيئا وجرت وراءه لم تتركنا إبراهيم آلله أمرك بهذا؟ قال اللهم نعم قالت إذا ً فلن يضيّعنا ذاك هو الحديث وعلية فلم يذهب إبراهيم إلى مكة هربا ً من غيرة سارة وإنما ذهب بأمر الله ووحية بل وفي القرآن ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾ [سورة الحج آية‫:‬ ٢٦] إذا ًلم يكن يعرف مكان البيت عرّفة الله مكان البيت وأمره بالذهاب إليه وعليه فنحن لانستريح للحكايات والروايات التي قيلت عن سبب خروج إبراهيم بهاجر والدافع له وغيرة سارة وماإلى ذلك إتك تعلم ما تخفي من الشوق والوجد والحب والقلق على هذا اللحم الطري الغلام الرضيع والمرأه صغيرة لكنه لم يشكو غير أنه قال تعلم ما نخفي وما نعلن من الدعاء والإلتجاء والتوكل والتفويض أو ربنا إنك تعلم ما نخفي فأنت أعلم بأحوالنا ومصالحنا وأنت أرحم بنا منا بأنفسهم ولا نلجأ إليك و نطلب إلا طمعا في رحمتك واستعجالا لنوالك وأنت أعلم بمصالحنا ولاحاجة لنا في الدعاء ﴿وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ﴾ أهي من قول إبراهيم إستكمالا لكلامة أم هي من قول الله عز وجل؟ قولان إستكمالا لقول إبراهيم والحكاية عنه أو هي تعقيب من الله عز وجل على كلامة وكلم "من" هنا للإستغراق لتشمل كل شيء في الأرض والسماء فهو ريخفى عليه شيء‬‬‬
ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى وَهَبَ لِى عَلَى ٱلْكِبَرِ إِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ ۚ إِنَّ رَبِّى لَسَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ ﴿39﴾
‫﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ هاهو يتذكّر النعمة ويقرّ بها ﴿الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ عظم النعمة إذ رُزق بالولد ما أصابة الكبر هو كذلك إمرأته ﴿وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ﴾ هاجر ﴿وَإِسْحَاقَ﴾ من سارة ﴿إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾ أي لمجيب الدعاء كقولك سمع فلان كلامي أي أطاعني أي إن ربي لمجيب الدعاء
رَبِّ ٱجْعَلْنِى مُقِيمَ ٱلصَّلَوٰةِ وَمِن ذُرِّيَّتِى ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَآءِ ﴿40﴾
وهكذا ترى الدعاء وتكرار لفظ النداء وهاهي تتكرر الصلاة وذكر الصلاة لبيان أهميتها وكيف إن إبراهيم عرف هذه الأهمية وكيف يدعو ليثبت على ذلك ﴿اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ﴾ أي ثبتني على ذلك فأظل طوال حياتي معدلا ً لأركانها آتيا بها على وجهها ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِي﴾ أفضل دعوة يدعوها أب لإبنائة أن يكون مقيمي الصلاة "من" هنا لأبن إبراهم يعلم أن من الذرية الصالح ومن الطالح ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾ تقبل عبادتي والدعاء‫:‬ العبادة كقوله ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ [سورة غافر آية‫:‬ ٦٠] وقول النبي (صلى الله عليه وسلم) (الدعاء مخ العبادة)‬‬‬‬
رَبَّنَا ٱغْفِرْ لِى وَلِوَٰلِدَىَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ ٱلْحِسَابُ ﴿41﴾
إبراهيم الخليل يطلب الغفران كيف بنا!! ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ ألم ينْه عن الإستغفار لأبية؟ نعم إذا ً فهي الدعوة قبل أن يْنه عن الإستغفار ﴿وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ﴾ [سورة التوبة آية‫:‬ ١١٤] إذا ً فقد ذكر القرآن عذر إبراهيم في الإستغفار لأبية ولم يذكر عن أمة شيئا هنا قال ﴿اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ﴾ إذا ً فقد كان أمه مؤمنه نُهي عن الإستغفار اللأب ولم تُذكر الأم هاهو هنا يطلب المغفرة لأمه ولم يعاتب إذا ً فقد كانت الأم مؤمنه وكان طلب المغفرة في محلة والله أعلم وبعض الناس تعسّف في التفسير وقال يقصد بالوالدين هنا آدم وحواء ﴿رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾ في كل زمان ومكان ﴿يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ﴾ يقوم إليه أهلة أو يوم يقوم الحساب تنعقد المحكمة كقولهم "قامت الحرب على قدم" مأخوذ من القيام قيام الرجل على قدمية ورجلة يفيد الثبات والوقوف يوم يقوم الحساب يثبت وينعقد أو يقوم إليه أهله تلك كانت الدعوات الخالصة من إبراهيم لله عز وجل وكيف ترى أنها كانت قد استجيبت يلفت الخطاب إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) ولكل من يعقل‫:‬‬‬‬‬
وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـٰفِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍۢ تَشْخَصُ فِيهِ ٱلْأَبْصَـٰرُ ﴿42﴾ مُهْطِعِينَ مُقْنِعِى رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ۖ وَأَفْـِٔدَتُهُمْ هَوَآءٌۭ ﴿43﴾
‫﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ﴾ إذا ً فهو يحاسبهم على قليلة وكثيرة لا تخفى عليه خافية أهي تسلية للمظلوم ووعيد للظالم؟ نعم وتسلية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإمهال للظالم يُشعر المظلوم بالكآبة يشعر بمدى الظلم الذي رفع عليه يشعر بالضيق وما لألم كلما أُمهل الظالم كلما حزن المظلوم فكأن الله يقول لكل مظلوم في الأرض لاتيأس ولا تحزن ولا تبتئس فكل ما فعله الظالم مسطّر مدوّن لا يخفى على الله وسوف يحاسبة على القليل والكثير ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ شَخَص البصر وشخوص البصر وشَخَص ببصره إذا إنفتحت الأجفان ونظرت العيون إلى شيء فلم تطرف دون أن تلتفت يمنة أو يسره ولا ترتد الأجفان ولاينطبق جفن على جفن ﴿إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ﴾ نمهلهم ﴿لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ ﴿مُهْطِعِينَ﴾ مسرعين أهطع يُهطع إهطاعا ً: أسرع في خوف وفي ذل كمشي الأسير والخائف ﴿مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ﴾ أقنع رأسه‫:‬ رفعة إلى السماء وإذا رفعة لايلتفت يمنة ولا يسرة إذا ً فالرأس مرفوع ثابت لا ينظر إلى أحد وكأنه ينظر إلى أعلى والبصر أيضا شاخص متجه في إتجاه واحد لا الجفون تطرف ولا العيون تنحرف ولا الرءوس تميل أو تتحرك وكأنها قد ثبتت في إتجاه واحد مرتفعة مرفوعه والعيون مفتوحه شاخصة مع الإسراع في خوف ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ الطرف‫:‬ الجفن ويطلق أيضا على العين على البصر لا يرتد إليهم طرفهم أي لا ينطبق جفنهم الأعلى على جفنهم الأسفل لايستطيع أن يغمض عينية لا يقوى على ذلك من الهول والفزع والترقب والخوف ﴿وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ﴾ الشيء إذا قبل فيه هواء إذا ً فهو مجّوف فارغ خالي أفئدتهم قلوبهم هواء‫:‬ فارغة ليس فيها شيء كأنه في ذهول لا يفكر في شيء لاينظر إلى شيء القلوب فارغة من كل خير فارغة من ذكر الله فارغة من الإلتجاء إلى الله فارغة من كل شيء‬‬‬‬‬
وَأَنذِرِ ٱلنَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ٱلْعَذَابُ فَيَقُولُ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوا۟ رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ قَرِيبٍۢ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ ٱلرُّسُلَ ۗ أَوَلَمْ تَكُونُوٓا۟ أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍۢ ﴿44﴾ وَسَكَنتُمْ فِى مَسَـٰكِنِ ٱلَّذِينَ ظَلَمُوٓا۟ أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ ٱلْأَمْثَالَ ﴿45﴾
‫﴿وَأَنْذِرِ النَّاسَ﴾ الإنذار‫:‬ التخويف مع ترك مدة لكي تحترس مما خُوِفت منه ﴿يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ﴾ يوم القيامة أو بالموت فالموت أول الطريق ﴿فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ ظلموا أنفسهم بالشرك والكفر والتكذيب والعناد ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ﴾ هاهم يمتون الرجوع إلى الدنيا والإمهال ولو مدة قليلة تسمح بقوله "لا إله إلا الله" تسمح بتصديقهم الرسل لا يطلبون المدة الطويلة ولا يطلبون التعمير في هذه الدنيا وإنما يطلبون الرجوع لفترة بسيطة تكفي لإجابة الرسل وتصديقهم والشهادة "لا إله إلا الله" وتأمل في نعمة الله عليك إذا أنت تنطق بها دون قهر وتنطق بها آناء الليل وأطراف النهار أجلّ نعمة‫:‬ الإسلام ﴿أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ﴾ على إرادة القول كأنهم قالوا‫:‬ أخرنا إلى أجل قريب نُجب دعوتك ونتبع الرسل فقيل لهم‫:‬ أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال حلفتم أنه لا بعث ولا نشور ولا قيامة ولا حساب هل أقسموا؟ نعم ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ [سورة النحل آية‫:‬ ٣٨] ألم يقسم أهل مكة بذلك؟ أقسموا بالله جهد أيمانهم فيرد عليهم ها أنتم طلبتم التأخير تطلبون الرجوع تطلبون الإمهال تطلبون فرصة أخرى أو لم تكونوا أقسمتم من قبل مالكم من فناء ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ قوم ثمود قوم عاد قوم لوط قوم نوح أقوا عدد لا يعلمة إلا الله وذهبتم في أسفاركم ورأيتم في سفرهم إلى الشام في سفرهم إلى اليمن رأوا ما حاق بالأمم بئر معطله وقصر مشيد في أي بلد توجد آثار القرون الماضية ﴿وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ هل دامت لهم؟ لو دامت لغيرك ما آلت إليك ﴿وَتَبَيَّنَ لَكُمْ﴾ بالمشاهدة في أسفاركم ﴿كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ﴾ وتبين لك بالإخبار كذلك من شاهد فقد شاهد ومن لم يشاهد فقد سمع وحكى لنا ربنا كيف فعل بهم ﴿وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾ فالقرآن مليء بالأمثال أمثال هؤلاء وأمثال أفعالهم وكيف أن من يفعل فعلهم يستحق ما حاق بهم يحكي القرآن وتحكي الآيات عن حوار أو خطاب يدور بين الكفار وبين الله يتكلم الكفار خمس مرات يجيبهم ربنا في أربع منها وأما الخامسة فيقال لهم ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ [سورة المؤمنون آية‫:‬ ١٠٨] هذه واحدة، ﴿رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ(٤٤)وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ﴾ وفي غيرها ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [سورة فاطر آية‫:‬ ٣٧] فقال لهم ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [سورة فاطر آية‫:‬ ٣٧] خمس خطابات في القرآن أربع أجيبوا فيها وفي الخامسة ﴿قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ﴾ وذاك أفظع عقوبة أن يخاصمهم الله تبارك وتعالى ألا يسمعوا كلامة ألا يلجأوا إليه إذ في اللجوء إلى الله تبارك وتعالى راحة في اللجوء إلى الله سكينة في اللجوء إلى الله إطمئنان وطمأنينة قيل لهؤلاء الذين يطلبون الإمهال والتأجيل سكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم فلم تعتبروا ولم تتعظوا وتبين أن الدنيا إلى فناء عملتم فيها وكأنكم معمرين فيها إلى الأبد تبين لكم كيف فعلنا بهم وتذكّر العقوبة يجعل الإنسان حريصا على عدم الوقوع في مثل ذاك العمل وضربنا لكم الأمثال كم من مثل ضرب لهؤلاء كيف فعلوا وكيف فُعل بهم‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وَقَدْ مَكَرُوا۟ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ ﴿46﴾
مكروا مكرهم‫:‬ أي إستفرغوا جهدهم في الحيلة والتدبير والإحتيال والتحخطيط بليْل لإبطال الحق وإظهار الباطل لإيذاء النبي (صلى الله عليه وسلم) لإهدار دعوتة لإيذاء المسلمين لفتنة الناس عن دينهم ﴿وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ﴾ كتبة وأحصاه وعلمة وسوف يعلمة يجاذبهم علية أو وعند الله عقوبة مكرهم ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ أي مكروا ذاك المكر وكان ذاك المكر من أجل إزالة الجبال وهل تزول الجبال؟ إذا ً فقد شُبة إيمان المؤمنين وشُبهت دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم) في رسوخها بالجبال فمكروا واستفرغوا جهدهم في المكر كي يزيلوا هذه الجبال إذا فقد مكروا وفعلوا من أجل أن تزول الجبال فما زالت وقرأت (وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال) والمعنى يتغير "كاد" قارب كأن الكلام يفيد تعظيم ذاك المكر وأنهم مكروا مكرا شديدا ً كما قيل في موضع آخر ﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ [سورة نوح آية‫:‬ ٢٢] ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ﴾ قال بعض الناس "إن" هنا هي المخففة من الثقيلة مكروا مكرهم كي يزيلوا بهذا المكر الجبال ومع ذلك لم نتحرك الجبال من مكانها فالإيمان واسخ في القلوب وقال بعض الناس "إن" بمعنى "ما" أي وما كان مكرهم لتزول منه الجبال أي ما كان هذا المكر بمزيلا ً للجبال أبدا ً لم يكن ليحدث مهما مكروا ومهما حدث من مكر ر يمكن للجبال أن تزول بهذا المكر قيل أن "إن" المخففة بمعنى "ما" جاءت في القرآن في خمسة مواضع ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [سورة يونس آية‫:‬ ٩٤] هل يشك نبينا (صلى الله عليه وسلم) هل يحتمل ذاك إذا ً هي بمعنى "ما" أي ما كنت في شك ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ [سورة الأنبياء آية‫:‬ ١٧] وهل يمكن؟ أبدا ً حرف الشك هنا بمعنى "ما" ﴿وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ﴾ [سورة الأحقاف آية‫:‬ ٢٦] أي مكناهم فيما ما مكناكم فيه أي أعطيناهم ما لم نعطكم ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾ [سورة الزخرف آية‫:‬ ٨١] هل يمكن أن يحتمل ذلك إذا ً "إن" بمعنى "ما" أي ما كان للرحمن ولد أنا أول العابدين أربع وهذه هي الخامسة ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ أي وما كان مكرهم لتزول منه الجبال التي هي إيمان المؤمنين عقيدة الإسلام قوة الحجة والبرهان دعوة النبي (صلى الله عليه وسلم)‬‬‬‬‬‬‬‬
فَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِۦ رُسُلَهُۥٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌۭ ذُو ٱنتِقَامٍۢ ﴿47﴾ يَوْمَ تُبَدَّلُ ٱلْأَرْضُ غَيْرَ ٱلْأَرْضِ وَٱلسَّمَـٰوَٰتُ ۖ وَبَرَزُوا۟ لِلَّهِ ٱلْوَٰحِدِ ٱلْقَهَّارِ ﴿48﴾ وَتَرَى ٱلْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍۢ مُّقَرَّنِينَ فِى ٱلْأَصْفَادِ ﴿49﴾ سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍۢ وَتَغْشَىٰ وُجُوهَهُمُ ٱلنَّارُ ﴿50﴾ لِيَجْزِىَ ٱللَّهُ كُلَّ نَفْسٍۢ مَّا كَسَبَتْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ ﴿51﴾
‫﴿فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ﴾ أصل الكلام ﴿فلا تحسبن الله مخلف رُسُله وعده﴾ جاءت بتقديم المفعول الثاني على المفعول الأول ﴿مخلف وعدِهِ رُسُلَهُ﴾ للتنبيه على أن الله تبارك وتعالى لا يخلف المعياد فإذا كان الله لا يخلف وعده أحدا ً فكيف بوعدة للرسل من هنا قد المفعول الثاني للبيان واللإشعار بأن الله لا يخلف الوعد أصلا لأي أحد ليس للرسل فقط فلا تحسبن الله مخلف وعده أصلا فكيف بوعده للرسل ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ غالب ﴿ذُو انْتِقَامٍ﴾ لأوليائة من أعدائة ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ تبدل الأرض غير الأرض والسموات تُبدَّل كذلك إيجاز بالحذف وأنت تفهم والتبديل إما التغيير في الذات وإما التغيير في الصفات بدّلت الذهب بالفضة تغيير في الذات بدّلت الخلق خاتما تغيير في الصفات فإن كان التبديل في الصفات فالأرض تُمد ﴿وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ﴾ [سورة الإنشقاق آية‫:‬ ٣] تُمد مد الأديم ﴿لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾ [سورة طه آية‫:‬ ١٠٧] لا جبل فيها ولا نهر فيها ولا شجر لا شيء مسطحه ممدوده والسموات كشطت إنتثرت إذا فالصفات هي التي تتغير أما إذا كان التبديل في الذات فأرض جديدة وسماء جديدة وقد ورد في صحيح مسلم عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وقوله (حشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء) وروى بعضهم عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أن الأرض تكون كالفضة لم تسفك عليها دماء ولم تُعمل عليها خطيئة أرض جديدة أرض بيضاء عفراء كفرصة النقي أي كالرغيف المخبوز من الدقيق الأبيض النقي لا عَلُم فيها لأحد فقيل أن الأرض تبدل صفاتها لكن هي هي الأرض وقيل بل الأرض أرض جديدة لم يُعص عليها أحد ﴿وَبَرَزُوا﴾ خرجوا من قبورهم وظهروا البروز‫:‬ الظهور بعد خفاء ﴿وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ تشبه قوله ﴿لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ [سورة غافر آية‫:‬ ١٦] ذكرت صفتان ﴿لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ لبيان خطورة الأمر وشدة الأمر وصعوبة الأمر لأن البروز لواحد أحد فرد صمد قهار غالب لايُغلب فإذا كان الأمر غالب لا يُغلب فلا شفيع ولامغيب ولا مجير إلا هو ليس معه أحد يحكم أو يشفع ﴿وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾ مقرنين‫:‬ مقيدين والقَرَنْ أن يُجمع الشيء مع غيرة برباط واحد والقرن الوثاق الرباط مقرنين إما مقرنين مع الشياطين مع قربائهم الذين أضلّوهم واستمعوا لهم أو كل جماعة مقرنه بحسب إشتراكهم في نفس الفعل فالمشركون عبدة الكواكب مقرنين عبدة الأصنام مقرنين وهكذا بحسب إتفاقهم في الفعل واتحاد الفعل الذي فعلوه أو مقرنين بمعنى قُرنت أيديهم وأرجلهم إلى أعناقهم بالأغلال فإما مقرنين مع شاكلتهم ﴿وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ﴾ [سورة التكوير آية‫:‬ ٧] أو مقرنين مع القرناء الشياطين ﴿قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ [سورة ق آية‫:‬ ٢٧] أو مقرنة أيديهم وأرجلهم إلى أعناقهم الأصفاد جمع صَفَدَ وصفْدْ الصَفَدْ: الغُل الذي تُقيد به الأرجل أو تُقيد به الأرجل والأيدي إلى الأعناق تلك هي الأصفاد وكأنهم قد رُبطوا بالسلال الأعناق مع الأيدي مع الأرجل مع شياطينهم الذين أضوهم أو مع زملائهم في الشرك والكفر ﴿سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ﴾ سرابيل‫:‬ قُمُص السربال‫:‬ القميص ﴿من قَطِرَانْ﴾ ﴿من قَطْران﴾ ﴿من قِطْران﴾ قراءات والقطران أسود نتن ذوا رائحة كريهة حار جدا تُهن به جلود الجمال الجربي فيحرق بشدتة وحرارتة الجرب والقطران سريع الإشتعال فكأن الجلود قد طليت بالقطران كهيئة القميص حتى يتأذى المجرم بريحة ونتنة وسواد لونه وسرعة إشتعال والنهاية ﴿سرابيلهم من قِطْرآ﴾ قراءه والقطر‫:‬ النحاس المذاب أي سرابيلهم من قِطرآن بالغ الغاية في الحرارة ﴿وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ﴾ تغطيها النار ﴿لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ﴾ كل نفس مجرمة فالكلام عنهم أو كل نفس مجرمة أو مطيعة ﴿إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ لا يشغله حساب عن حساب بل يحاسب الخلائق جميعا في وقت واحد لا تختلف عليه اللغات سبحانه وتعالى‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
هَـٰذَا بَلَـٰغٌۭ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُوا۟ بِهِۦ وَلِيَعْلَمُوٓا۟ أَنَّمَا هُوَ إِلَـٰهٌۭ وَٰحِدٌۭ وَلِيَذَّكَّرَ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَـٰبِ ﴿52﴾
ختام السورة هو عنوان القرآن وبيان لثلاثة أمور هي الغاية وهي الهدف ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ ﴿هَذَا بَلَاغٌ﴾ أي تبليغ والإشارة للقران الإشارة للسورة الإشاره للمشهد الذي صُور لنا من شاهد يوم القيامة ﴿هَذَا بَلَاغٌ﴾ فيه الكفاية تبليغ هدف هذا التبليغ ﴿وَلِيُنْذَرُوا﴾ يُخوفوا به وقرأت ﴿ليَنَذَروا به﴾ نَذِر ينذر‫:‬ علم بالأمر واستعد له ﴿وَلِيُنْذَرُوا﴾ أي علموا وعليهم الإستعداد ﴿وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ آيات القرآن دلائل براهين ﴿وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أولوا العقول السليمة من الهوى العقول التي رُزقت حسن التميز العقول التي برأت من التقليد التي برأت من الأعراف التي سادت فأضلت العقول الصافية الألباب فإذا تذكر أولوا الألباب تيقنوا من وجود الإله الواحد رسخت العقيدة في قلوبهم رُزقوا القوة العلمية ثم تحققوا بالخوف فوُفقوا إلى القوة العملية فأدوا ما طلبه الله تبارك وتعالى منهم وقد سئل أحد العلماء لكل كتاب عنوان فما هو عنوان القرآن؟ قال عنوان القرآن ﴿هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾.‬‬‬